السبت 31 آب (أغسطس) 2019

هآرتس العدو: حرب الظلال بين تل أبيب وطهران تتبدد.. والتتمة منوطة بنصر الله وترامب

السبت 31 آب (أغسطس) 2019

“يمكنكم النوم، فالرد لن يكون اليوم”. اقتبس أول أمس حسن نصر الله في الصحف اللبنانية، في حديثه أمام ما وصف بـ “منتدى مغلق” لرجال الدين. “لم نكن متسرعين في أي يوم”، قال، “عن أحداث القنيطرة (اغتيال نشيط حزب الله جهاد مغنية والجنرال الإيراني في كانون الثاني 2015، استغرق الأمر عشرة أيام للرد”.
لم يتلق الجيش الإسرائيلي هذه الأقوال على بساطتها. استعداد تلقي الضربة في قيادة المنطقة الشمالية مستمرة، والدوريات على طول الحدود مع لبنان وسوريا قلصت بنية تقليص الأهداف المحتملة للمهاجمة من قبل حزب الله. رئيس الأركان كوخافي يعرف الوضع شخصياً. فقد كان قائد المنطقة في أيام الاستعداد. “شمس شتوية”، وهي نفس أحداث القنيطرة التي تحدث عنها نصر الله. في نهايتها، رد حزب الله على قتل مغنية والجنرال الإيراني بإطلاق صواريخ مضادة للدبابات قتل فيها على سفوح جبل الشيخ قائد فصيل وجندي في لواء جفعاتي، ربما استخلصنا الدروس منذ ذلك الحين، ونأمل بأن القيادة التي هي أيضاً في حادثة موقع نوريت بالجليل الغربي في 2004 ستهتم هذه المرة بأن تتخذ التدابير الوقائية اللازمة.
بقي الافتراض على حاله: ثمة رد. نصر الله، حسب رؤيته، من الضروري أن يعطي الإشارات. لقد قرر ذلك منذ اللحظة التي أعلن فيها أن إسرائيل هاجمت لبنان (في بيروت نفسها) – المرة الأولى من الجو وبصورة صريحة – وخرقت وقف إطلاق النار الذي استمر 13 سنة منذ نهاية حرب لبنان الثانية. في المقابل، لا تعتقد الاستخبارات العسكرية أن المنطقة تتدهور نحو حرب. حسب التقدير الذي يستند أيضاً إلى تصريحات علنية لنصر الله ونائبه نعيم قاسم، فإن حزب الله يبحث عن رد محسوب، العين مقابل العين، الذي سيسجل في الكتب، ولكن لا يؤدي إلى تدهور الوضع.
في الخلفية بقي حساب مفتوح مع لاعب رئيسي آخر هو الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني. في الليلة بين يومي السبت والأحد الماضيين كان هناك هجومان، لقد سبق العملية في بيروت قصف لسلاح الجو لخلية من حرس الثورة في جنوب دمشق. النشيطان اللذان قتلا في القصف وهما من نشطاء حزب الله في السابق، كانا مبعوثين من سليماني في طريقهما لإطلاق طائرات مسيرة مفخخة نحو الحدود الإسرائيلية في هضبة الجولان.
إلى جانب النيران ثمة حرب على الرواية. نصر الله في خطابه أكد على عملية المس برجاله في سوريا وحاول عرض الهجوم في بيروت كضربة لشيء هامشي، لاعتبارات غير واضحة من قبل إسرائيل. منذ أمس يتخذ جهاز الأمن خطوات معاكسة. الجيش الإسرائيلي كشف للمرة الأولى تفاصيل واسعة عن “مشروع التدقيق” لحزب الله بمساعدة إيران. هذه هي الجهود لتطوير التدقيق لجزء من الصواريخ الموجودة لدى حزب الله، حتى متوسط إصابة يصل إلى 10 أمتار أو أقل من الهدف. الإيرانيون وشركاؤهم في لبنان حاولوا الوصول إلى ذلك بواسطة عمليات تهريب السلاح التي أحبطت في معظمها، ومؤخراً عن طريق إقامة خطوط إنتاج في الأراضي اللبنانية.
يقدر الجيش الإسرائيلي أن لحزب الله بضع عشرات من الصواريخ ذات الدقة العالية. صواريخ كثيرة أخرى أصيبت أثناء محاولات التهريب، ومواقع إنتاج كشفت وأخليت، وفي نهاية السبت أيضاً أصيب مركب حيوي في موقع إنتاج جديد في بيروت، قبل وقت قصير من نقله إلى موقع أمن تحت الأرض. هذه هي الرسالة التي تحاول إسرائيل نقلها: نصر الله بنى مع الإيرانيين نظام قتال سري تحت أنف سكان لبنان والحكومة اللبنانية. وبتصميمه على ذلك يعرض جميع اللبنانيين للخطر.
إن استمرار الأحداث في الشمال الذي يشمل على الأقل هجومين نسبا إلى إسرائيل ضد مليشيات شيعية في العراق، يخرج الحرب الخفية التي تجري منذ سنوات بين القدس وطهران من الظلام إلى منطقة مكشوفة مضاءة نسبياً. ولكن ما سيحدث بعد ذلك سيتأثر أيضاً بالعملية الاستراتيجية الكبيرة التي تحدث في هذه الأثناء، محاولة استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول مستقبل الاتفاق النووي. نصر الله وسليماني خاضعان لاعتبارات استراتيجية أوسع. يصعب التصديق أن إيران تريد حرباً مع إسرائيل، في الوقت الذي يظهر فيه في الأفق احتمال حقيقي لاستئناف المفاوضات المباشرة مع واشنطن. ولروسيا أيضاً مصلحة واضحة في كبح التصعيد لأنها قد تعرض استقرار نظام الأسد في سوريا للخطر.
بخصوص حزب الله، يبدو أن ميزان الردع بينه وبين إسرائيل منذ 2006 بقي على حاله. الطرفان يدركان الإمكانية الكامنة للدمار المتبادل الذي ستلحقه بهما حرب ثالثة في لبنان، من دون أية فائدة استراتيجية لهما. حزب الله يخاف من التفوق الاستخباري والجوي لإسرائيل الذي يظهر في الشمال. وتدرك إسرائيل الخطر غير المسبوق الذي يهدد الجبهة الداخلية فيها كنتيجة لصواريخ حزب الله.
نتنياهو، بحكم منصبه وزيراً للدفاع، مسؤول عن إحباط هذه الأخطار التي تتشكل على طول الحدود، من هجمات الطائرات المسيرة من سوريا وحتى المس بعنصر حيوي في خط إنتاج الصواريخ الدقيقة لحزب الله في لبنان. كرئيس حكومة، هو غارق في محاولة لحل نوايا صديقه الرئيس الأمريكي ترامب. الإيرانيون يرون وجود إمكانية لعقد قمة بين ترامب والرئيس حسن روحاني كاتجاه لتطور حقيقي، على المدى القريب. هذا سيناريو يثير تشاؤماً كبيراً في محيط رئيس الحكومة.
انتقاد داخل إيران

ما سبق ووصف في هذا الأسبوع كحرب الطائرات المسيرة الأولى بعد العمليات في بيروت وقرب دمشق، والذي اخترق حدود الحرب الخفية، التي تسمى أيضاً معركة بين حربين، فقد كتب جنرال الاحتياط عاموس يادلين، والعميد احتياط آساف اوريون، رئيس معهد بحوث الأمن القومي، هذا الأسبوع: “المبدأ القائد في المعركة بين حربين هو الامتناع عن التصعيد وإدارة عمليات تحت عتبة الحرب، وهذا من خلال تقليص سلاح العجلة للعدو للقيام برد تصعيدي.. مسافة واسعة بين العمليات الهجومية من أجل تمكين النظام الخصم من البرود والحرص على ظهور علني منخفض، كي يسمح للعدو المهاجم بمساحة للنفي ويقلص الضغط السياسي وضغط الجمهور التي ستدفعه للرد”.
حسب أقوالهما: “لقد تمت تغطية واسعة للهجوم الإسرائيلي في سوريا، من أجل تبرير هجوم قاتل مبادر إليه بهدف إحباط عملية. هذا التبرير يفسر النشر المقتضب والجاف، لكن ليس تصريحاً تلفزيونياً من قبل رئيس الحكومة في هضبة الجولان، حيث كان إلى جانبه رئيس الأركان وظهره نحو سوريا. هكذا، تطرق نصر الله إلى ذلك متبجحاً، وثمة تغريدات استفزازية للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي ضد سليماني تتجاوز المطلوب.
يادلين واوريون أشارا إلى أن نصر الله حذر في خطابه من أن حزبه لم يعد يسلم بوجود طائرات إسرائيلية بدون طيار في سماء لبنان وسيعمل على إسقاطها.
هم أيضاً يلاحظون توتراً متزايداً مع الولايات المتحدة. عمليات “المعركة بين حربين تثير التوترات؛ فثمة توتر محتمل مع الرئيس ترامب حول موضوع النووي الإيراني الذي يمكنه أن يرى في نشاط إسرائيل تشويشاً متعمداً لجهوده في الدفع قدماً بالمفاوضات، وإلى جانبه التوتر الذي سبق واندلع -حسب ما نشر بين إسرائيل والمؤسسة الأمنية الأمريكية، وبالأساس قيادة المنطقة الوسطى (سانتكوم)- على خلفية المخاطر التي تُرى في نشاط إسرائيل في العراق على قواتهم في المنطقة وعلاقتهم مع الحكومة العراقية”.
وما وضع الإيرانيين بأفضل؛ فهناك ضابطان سابقان في الاستخبارات العسكرية، العميد احتياط د. شمعون شبيرا، والمقدم احتياط ميخائيل سيغل، كتبا في هذا الأسبوع مقالاً نشره المركز المقدسي للشؤون العامة والشؤون السياسية، بأن الضربات الكثيرة لأهداف إيرانية في أرجاء الشرق الأوسط أدت إلى “نقاشات حادة داخلية في إيران حول عدم النجاح المتواصل – بالتحديد في الجبهة المهمة أمام إسرائيل – من أجل تركيز قدرات هجومية وسيطرة عسكرية على طول الحدود. هذا خلافاً للنجاح الإيراني في إدارة الحرب مع السعودية في اليمن والهجمات المتكررة لأهداف استراتيجية في السعودية ودولة الإمارات”.
حسب أقوالهم، “إيران تشعر بأن إسرائيل تغير وتوسع حدود المعركة التي تديرها ضدها وضد حلفائها في المنطقة، بل تقترب من حدودها، على خلفية الهجمات في العراق والخوف من أن تصبح إسرائيل جزءاً من قوة شرطية بحرية في الخليج الفارسي. حتى الآن، نجحت إيران في إدارة معركة ضد إسرائيل وحلفائها الإقليميين بعيداً عن حدودها. ومطلوب منها الآن أن تعمل على ملاءمة السياسة الأمنية القومية إزاء اقتراب المعركة منها”.
صيني باهظ الثمن

يتواصل التعتيم على العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا يمس بالعلاقة الاقتصادية والتكنولوجية بين إسرائيل والصين. ومثلما نشر خلال السنة الأخيرة في الصحيفة، فإن واشنطن تستخدم ضغطاً متزايداً على إسرائيل لاتخاذ خطوات لتقييد الصفقات مع الصين، وخاصة في مجالات لها تداعيات أمنية أو تلك التي تمس بالتكنولوجيا المتطورة التي يعتبر الأمريكيون أنها تشكل خطراً على أمنهم القومي.
في الشهر الماضي، نشر في “حداشوت” بأن نتنياهو وعد المستشار الأمريكي للأمن القومي جون بولتون بأن إسرائيل، حتى موعد الانتخابات في إسرائيل في 17 أيلول، ستلتزم بالتعهدات السابقة، وستنشئ جهازاً لفحص الاستثمارات الأجنبية. الجهاز الذي في الولايات المتحدة الآن (المعروف هناك باسمه المختصر سيبيوس) من شأنه أن يراقب الاستثمارات بمبالغ كبيرة، وخاصة من الصين، وإحباط محاولات سيطرة معادية على شركات تعمل في مجالات حساسة. ولكن في الشرق الأوسط، مثلما أشار إسحق رابين ذات مرة، لا توجد تواريخ مقدسة. وفي هذه الأثناء ليس هناك دلائل على أن وعد بوتين سيكون في موعده.
آساف اوريون، الذي يتابع القضية في السنوات الأخيرة، يشخص وجود أزمة أكبر تنتظرنا. ويعثر اوريون على خطوط متوازية بين خلافات الآن وأزمات سابقة مع الأمريكيين في بداية العقد السابق حول صفقة طائرة الاستخبارات “فالكون” مع الصين، وبعد ذلك حول تطوير طائرات بدون طيار من نوع “هاربي”. وقال أمس للصحيفة: “اعتقد رئيس الحكومة وكبار قادة وزارة الدفاع أن علاقات عمل جيدة مع الرئيس الأمريكي والبنتاغون ستساعد على حل الأزمات، لأن إسرائيل -حسب رأيهم- لم تخرق ثقة الأمريكيين”، و”فعلياً، وفي اللقاء بين الدولة العظمى وشريكتها الصغيرة، اتضح أنه من المهم أكثر كيف ترى الدولة العظمى الخلاف”.
في الحالتين، اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب من صفقاتها مع الصين، والإدارة الأمريكية عملت على إقصاء ومقاطعة الشخصيات الكبيرة الإسرائيلية التي كانت مشاركة فيها.
حسب أقوال اوريون: “إسرائيل والصين أقامتا شراكة شاملة لتطوير حداثة تكنولوجية. المستوى الاقتصادي عندنا لا يرى أي مشكلة في ذلك، والمستوى الأمني يجد صعوبة في التأثير على سير الأمور، ورئيس الحكومة يعتقد أنه يستطيع حل كل مشكلة بفضل علاقاته الحميمية مع الرئيس وتأثيره على الكونغرس. الولايات المتحدة والصين تتنافسان على قيادة التحديث في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات وأدوات التحكم الذاتي. والأمريكيون يرون في ذلك مسألة أكثر أهمية تضر أمنهم القومي. ولم ينته هذا بنقاش على الصفقة مع شركة صينية لبناء ميناء حيفا، أو بمعارضتهم بأن تقوم إسرائيل بتركيب شبكات للهواتف المحمولة من الجيل الخامس بواسطة شركة “هواوي” الصينية. هم سيتحفظون من تعاوننا مع الصين في مجال التحديث، ومن المتوقع للأزمة أن تتفاقم”.

بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 30/8/2019



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 77 / 2184563

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184563 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40