السبت 31 آب (أغسطس) 2019

هزيمة إسرائيل هزيمة لمشاريع عربية - مقالان-

نمط مقاومة فلسطيني جديد
السبت 31 آب (أغسطس) 2019 par د. عبد الستار قاسم

- هزيمة إسرائيل هزيمة لمشاريع عربية

لم تتم تفجيرات غزة ضد أفراد شرطة فلسطينيين في فراغ سياسي وأمني، وإنما تمت بناء على رؤية واضحة لمعادلات المنطقة العسكرية والأمنية، والدور الذي يمكن أن تلعبه غزة في مواجهة الكيان الصهيوني. وقد تمت التفجيرات بعد ما تناقلت وسائل الإعلام تصريحا صدر عن أحد قادة حماس بأن المقاومة الفلسطينية ستفتح النار إذا نشبت حرب بين الصهاينة وحزب الله. ونحن على علم ويقين بكل المحاولات الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في غزة، وإلى إفقار غزة علّ وعسى أن يدفع ذلك الجمهور الفلسطيني إلى الخروج على المقاومة والقضاء عليها. حصلت عدة محاولات لتفجير الوضع الأمني في غزة، وهناك من هم معنيون بتصنيف المقاومة الفلسطينية ضمن قوائم الإرهاب، وهناك حصار غربي صهيوني عربي فلسطيني على القطاع وتضييق إرهابي اقتصادي شديد على السكان إلى درجة أننا لا نستطيع تحويل دولار واحد من مصارف الضفة الغربية إلى قطاع غزة.

والأمر لا يختلف بالنسبة للمقاومة اللبنانية والتي تعاني منذ سنوات من التضييق والحصار من قبل عرب وصهاينة وغربيين إلى درجة أنهم قطعوا بث وسائل إعلام المقاومة ويكرسون جهودا إعلامية هائلة لتشويه صورتها. ووصل تأثير وسائل الإعلام السلبي إلى الساحة الفلسطينية وتمكن أصحابه من تشويه صورة المقاومة وركزوا على أنها شيعية ضد أهل السنة وليس ضد إسرائيل. كل هذا اللغط وهذا الهجوم على المقاومة اللبنانية لا يقنع أناسا فلسطينيين كثرا بأن المقاومة اللبنانية مع فلسطين وليس مع أعداء فلسطين.

وواضح من فلسطين ولبنان أن ألد أعداء المقاومتين اللبنانية والفلسطينية هما الداخلين الفلسطيني واللبناني. فلسطينيون هم ألد أعداء المقاومة في غزة، وهم يتآمرون عليها ويحاصرونها أكثر بكثير مما يتآمرون على الكيان الصهيوني إن كانوا فعلا يتآمرون عليه. ولبنانيون هم ألد أعداء المقاومة اللبنانية، وعلى شاكلة الفلسطينيين، لديهم الاستعداد للتعاون مع الكيان الصهيوني من أجل القضاء على المقاومة. وكم من مرة تآمر الداخل اللبناني والداخل الفلسطيني على المقاومة وعملوا على إفشالها. هكذا حصل في الحرب عام 2006 على حزب الله، وفي أعوام 2008/2009، 20012، 20014 على قطاع غزة. ولم ينأى العرب بأنفسهم عن هذه الحروب. لقد حرضت أنظمة مصر والسعودية والأردن الصهاينة على الاستمرار في الحروب حتى القضاء على المقاومتين. لكن الصهاينة كانوا يخذلون أعوانهم وعملاءهم العرب ولا يتمكنون من الاستمرار في الحرب. لقد قضت المقاومة على النظرية الأمنية الصهيونية التقليدية، وبات الصهاينة على يقين بأن حروب النزهات قد انتهت، وأنهم أمام واقع عسكري جديد وأمام مقاومة مختلفة عما عهدته في السابق.

لكن لماذا كل هذا العداء العربي للمقاومة؟ هناك سببان: يتعلق الأول بالثقافة العربية، ويتعلق الثاني بأمور سياسية. بالنسبة للثقافة العربية، من المعروف أن عداء العرب بعضهم لبعض أشد من عدائهم لأعدائهم الحقيقيين لأن المنافسات القبلية الداخلية العربية أهم بكثير من تأجيج الحروب مع من هم ليسوا عربا. العدو الخارجي لا ينافس القبائل على الوجاهة العربية وهو ليس معنيا بها. العدو الخارجي يريد تحقيق مصالحه، وقيم الوجاهة والقيادة والزعامة لا تعنيه. ولهذا لدى العربي الاستعداد لبيع وطنه والاستهتار بثروات الناس من أجل أن يبقى وجيها وزعيما جالسا على كرسي السلطة. أما المنافس الداخلي فيتطلع إلى خلع الكرسي من جذورها واستبدالها بكرسي خاص به. وإذا تتبعنا الحروب العربية الداخلية نجدها أكثر شراسة وقسوة ودموية من الحروب مع الصهاينة أو غيرهم. هذا ما تؤكده الحروب الداخلية التي حصلت في العراق وسوريا وليبيا. إنها حروب قبلية شرسة ولا تعرف حدودا لآداب وأخلاقيات الحروب. وبالنظر إلى الحروب البينية العربية نتأكد من المقولة. السعودية تحارب في اليمن على مدى عدة سنوات، وكم كان من الممكن أن تطول الحرب لو كانت مع إثيوبيا على سبيل المثال. الهزيمة أمام دولة أجنبية مستصاغة ومقبولة، لكنها ليست مقبولة إذا كان المنتصر عربيا. وهذا أيضا نلحظه بهزائم العرب السريعة أمام الصهاينة، لكن مقاومة الأنظمة للناس وللتنظيمات الهادفة إلى تغيير النظام لا حدود لها. والأنظمة العربية تكرس أجهزتها الأمنية ضد المواطنين العرب وليس من أجل المحافظة على أمن الناس. المخابرات العربية هي أكبر تهديد لأمن الإنسان العربي.

أما من الناحية السياسية، هزيمة الصهاينة هزيمة نكراء للذين اعترفوا بالكيان الصهيوني وأقاموا علاقات تطبيعية وديبلوماسية معه وهم مصر ومنظمة التحرير والأردن. هزيمة الصهاينة ستعرض هؤلاء المعترفين بخطر شديد وزوال سيطرتهم تصبح حتمية. ومن ناحية أخرى، هزيمة الصهاينة تشكل ضربة قاسية للتحالف العربي مع إسرائيل والذي يهدف إلى مواجهة إيران. فإذا هزم الصهاينة أو اهتز كيانهم بضربات عسكرية موجعة فإن التحالف العربي ضد إيران سيفقد عاملا مساعدا قويا في مواجهة وهمية تضر العرب ولا تنفعهم. القوة الإيرانية تهدد الهيمنة الأمريكية في المنطقة والتي تشكل ظهيرا قويا لأنظمة الخليج ولكل أنظمة القمع والاستبداد العربية، ولهذا يبقى التحالف مع الصهاينة والأمريكان ضروريا لحماية الأنظمة العربية المتخلفة. وبالتالي فإن المحافظة على الكيان الصهيوني ودعمه في مواجهة أي تهديد قد تفرضه المقاومة يخدم بقاء الأنظمة العربية. وهذا يتطلب الوقوف ضد المقاومة حتى لا يصيب الصهاينة ضعف يقلل من قدراتهم على حماية كراسي قادة العرب ومشاريعهم للسمسرة على الأمة العربية والقضية الفلسطينية.

- نمط مقاومة فلسطيني جديد

شن المقاومون الفلسطينيون عملية عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني بتاريخ 23 آب (أغسطس) الجاري فقتلوا مجندة صهيونية وأصابوا جنديين أو مستوطنين اثنين بجراح خطيرة. كانت العملية ناجحة، وتمكن الذين قاموا بالعملية من الاختفاء، وشرع جيش الصهاينة في البحث عن المنفذين.

عملية مختلفة عن سابقاتها

حسب وصف المعلقين الصهاينة من عسكر وإعلاميين، العملية كانت مختلفة في أدائها عن العملية السابقة، وهي تنذر بعمليات أخرى يمكن أن تكون مكلفة للجيش الصهيوني والمستوطنين على حد سواء. اعتاد الفلسطينيون في السنوات الأخيرة استعمال السلاح الأبيض من سكاكين وعمليات دهس بالسيارات، واستعمال أسلحة نارية رشاشة ضد أعدائهم، ولم تكن أغلب العمليات ناجحة، وكان يتمكن الاحتلال في أغلب الحالات من القضاء على المهاجم الفلسطيني أو اعتقاله. هذه العملية مختلفة لأنها تمت بعبوة متفجرة ليس من المعروف حتى الآن كيف تم زرعها وتفجيرها. التحقيقات الصهيونية ما زالت جارية حتى الآن، وتقول المعلومات الأولية إنه تم إلقاء العبوة المتفجرة من سيارة مسرعة مرت بالقرب من مستوطنة دوليف الواقعة غرب مدينة رام الله.

شكلت الخروقات الأمنية خطرا كبيرا على الشعب الفلسطيني ومكنت الاحتلال من إحكام سيطرته على الأرض والناس في آن واحد.

تجهيز عبوة متفجرة يتطلب معرفة تقنية في كيفية تصنيعها، وكيفية تفجيرها عند زرعها أو إلقائها. أي أن الذي قام بإلقائها توفرت لديه معرفة حصل عليها بالمشاهدة والتجربة العملية، وهو يستطيع تصنيع نسخ منها، وتدريب آخرين على صناعتها. وإذا حصل هذا بالفعل فإن نموذج العبوات المزروعة على جانب الطريق أو تحت الأرض أو في ثمار البطيخ والشمام والموز وغير ذلك سيتكرر في فلسطين. وبهذا يمكن أن يتحول بقاء الاحتلال في الضفة الغربية إلى عبء ثقيل لا يستطيع جيش الصهاينة تحمله أو الاستمرار في مواجهته. من الوارد أن تصبح تكلفة احتلال الضفة الغربية أكبر بكثير من الفوائد التي يجنيها. الاحتلال مرتاح الآن لأنه أقل احتلال تكلفة في التاريخ بسبب قيام السلطة الفلسطينية بالعديد من الأعباء نيابة عن الاحتلال. لكن الأمور ستنقلب إذا نشطت المقاومة بطريقة تتغلب فيها على إجراءات السلطة الفلسطينية الأمنية المناهضة للمقاومة.

وبما أن العبوة تطلبت علما ومعرفة فإنه من المتوقع أن الهجوم كان بفعل تنظيم وليس مجرد مبادرة فردية. لا نستطيع القطع بأنها لم تكن فردية، لكن الاحتمال وارد أن تنظيما ما مثل حماس والجهاد الإسلامي قد قرر تفعيل المقاومة ضد الاحتلال، وبدأ فعلا بتطوير كوادر تنظيمية تتمتع بقدرة على إلحاق الأذى بالاحتلال. وإذا كانت تنظيمية، أي من فعل تنظيم فإننا نتوقع استمرارية العمليات العسكرية بطريقة منهجية وفعالة. الأعمال الفردية لم تكن تتم وفق خطة مدروسة، وإنما كانت تتم وفق تدبير كل فرد على حدة وبينه وبين نفسه. أما الأعمال التنظيمية فتتميز بوجود قيادة وإمكانات مادية وتقنية وطاقم استطلاع وفحص وتدقيق، الخ.

مخاطر الاختراق الأمني

لكن هناك مشكلة في العمل التنظيمي في فلسطين وهي الخروقات الأمنية التي تمكنت المخابرات الإسرائيلية من تحقيقها في صفوف التنظيمات. عبر السنين ومنذ عام 1967، تمكنت إسرائيل من مواجهة المقاومة الفلسطينية بكفاءة عالية بسبب تسلل الجواسيس والعملاء بصورة واضحة إلى الفصائل الفلسطينية وتزويد الصهاينة بكم هائل من المعلومات حول القيادات والأفراد والمقار والأساليب التنظيمية والتدريبات العسكرية وأنواع الأسلحة والمتفجرات، العديد من نوايا القيام بعمليات عسكرية ضد الاحتلال كانت لا تخرج عن حيز النوايا لأن المخابرات الصهيونية كانت ترصد وتقضي على النوايا وأصحابها في مهدها. ولهذا كانت العمليات العسكرية الناجحة التي نفذتها فصائل المقاومة خلال أعوام 1967 حتى عام 1982 محدودة جدا ولا تليق بمن كانوا يحملون شعار الثورة. شكلت الخروقات الأمنية خطرا كبيرا على الشعب الفلسطيني ومكنت الاحتلال من إحكام سيطرته على الأرض والناس في آن واحد.

يمكن أن يتحول بقاء الاحتلال في الضفة الغربية إلى عبء ثقيل لا يستطيع جيش الصهاينة تحمله أو الاستمرار في مواجهته.

العمل الفردي أكثر تحصينا من الناحية الأمنية لكنه أقل كفاءة واستمرارية. ولهذا لم تكن الأجهزة الأمنية الصهيونية والفلسطينية قادرة على اكتشاف منفذي العمليات التي كانت تتم بالسلاح الأبيض قبل حصولها. أما في حالة التنظيم، فإنه بإمكان الأجهزة الأمنية المعادية اكتشاف أسرار التنظيم والنوايا قبل أن تتم القيام بالعمليات. الخروقات الأمنية تعني وجود عناصر تزود المخابرات الصهيونية بالمعلومات، وقد تكون هذه العناصر قيادات في التنظيم أو مدربين ومخططين أو مجرد عناصر عاديين لا مهام إدارية وتنظيمية تشغلهم.

وعليه فإنه إذا كانت عملية دوليف تنظيمية فإن المهمة الأولى أمام التنظيم تنظيف صفوفه من العملاء والجواسيس، وأخذ كافة الاحتياطات التقنية لمواجهة التجسس الإليكتروني الصهيوني على الشعب الفلسطيني. التقنية الحديثة تتمكن من جمع المعلومات، لكن الجواسيس بين الصفوف هم الأكثر خطرا. هناك معايير أمنية مشددة يمكن الإفادة منها، ومن الممكن الإفادة من تجارب الآخرين الذين أثبتوا كفاءة في التحصين الأمني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 70 / 2183533

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالستار قاسم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2183533 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40