الجمعة 5 تموز (يوليو) 2019

صحافة العدو :هل يسعى “الجهاد الإسلامي” في غزة إلى حرب مع إسرائيل؟

الجمعة 5 تموز (يوليو) 2019

- إن فحص تورط الجهاد الإسلامي في عدد من أحداث إطلاق النار مع إسرائيل يكشف سلسلة من الذرائع والتفسيرات لنشاط التنظيم المستقل ضد إسرائيل. مثلاً في 27 تشرين الأول 2018 وكنتيجة لخصومة محلية بين قائدين عسكريين بسبب عزل الأول وتعيين زميله في محله، أرسل الضابط المعزول مؤيديه لإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل بهدف إحراجها وتوريط وريثه. تفسير الحادثة الذي أعطي في إسرائيل والذي يقول إن إطلاق النار نُفذ بتعليمات من إيران، تبين بعد ذلك أنه خاطئ.

مثال آخر على النشاط العسكري الهجومي بمبادرة محلية لكبار القادة في التنظيم بغزة، كجزء من تعزيز الثقة بالنفس بخصوص قوتهم العسكرية في القطاع، هو إطلاق القناصة للنار على ضابط إسرائيلي في كانون الثاني 2019، بأمر من أبو بهاء العطا، قائد الذراع العسكري للجهاد الإسلامي في شمال القطاع. إطلاق النار تم تنفيذه رداً على قتل مدنيين في المظاهرات على الجدار. أيضاً إطلاق صاروخ في 28 نيسان 2019 على مركز البلاد، والذي سقط في البحر، تم تنفيذه بتوجيه من هذا القائد الكبير في المنظمة، الذي حظي بذكر اسمه كمسؤول في إعلان استثنائي للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي الذي أشار إلى أن أبو بهاء العطا، هو الذي يقف من وراء نوايا القيام بعمليات ضد إسرائيل.

لقد ساهم تغيير المناصب في قيادة التنظيم في تطرف سياسة الجهاد الإسلامي ضد إسرائيل. في أيلول 2018، تم تعيين زياد النخالة الذي كان المسؤول خلال سنوات عن الذراع العسكرية في المنظمة وكان المسؤول عن العلاقات بين التنظيم في سوريا وإيران، عُيّن في منصب رئيس التنظيم بدلاً من رمضان شلح. منذ تعيينه والنخالة يملي سياسة هجومية وصقورية أكثر من سلفه. بهذا يريد النخالة أن يخلق للمنظمة مكانة مساوية لمكانة حماس كمن تقود المقاومة العسكرية ضد إسرائيل. هذا مقابل السياسة اللينة جداً حسب رأيه، التي تتبعها حماس إزاء إسرائيل في المجال العسكري. وفقاً لذلك، عزز التنظيم جهازه العسكري المقاتل في غزة الذي يشمل الآن ستة آلاف مقاتل ينتشرون في القطاع مزودين بالصواريخ والسلاح الإيراني المتطور. هذا الوضع استهدفته إيران وقيادة الجهاد الإسلامي للتمكن من القيام بحرب فعالة وزيادة النشاطات العسكرية ضد إسرائيل.

التنظيم تحت قيادة النخالة يريد خلق معادلة جديدة أمام إسرائيل، التي سيتم الرد على إصابة وقتل رجاله في إطارها برد مشابه، بل إن كل قتل لمدنيين في القطاع من قبل إسرائيل، بما في ذلك خلال المظاهرات على الجدار، سيتم الرد عليه. هذا التغيير إلى جانب التصعيد مع إسرائيل يتحدى مكانة حماس المسيطرة والحصرية على القطاع على اعتبار أنها المسؤولة عن إدارة المعركة العسكرية في القطاع. حسب رؤية الجهاد الإسلامي، فإن إثبات “المقاومة” العسكرية من ناحيته تخلق له التأييد في أوساط السكان في القطاع، ومن بينهم النشطاء من مؤيدي النشاط الفعال في صفوف حماس. في المقابل سياسة الجهاد الإسلامي هذه تخلق التوتر بين نشطاء الذراع العسكرية في المنظمتين، ومشاعر فقدان السيطرة لحماس على نشاطات الجهاد الإسلامي التي -حسب رأيها- تمد حدود التفاهم بينهما على الهيكلية بين المنظمتين في القطاع بشكل عام ومع إسرائيل بشكل خاص.

في هذا السياق، تجدر الاشارة أيضاً إلى أن الجهاد الإسلامي يعتمد بشكل كامل على دعم إيران التي تمول معظم ميزانيته وتوفر له السلاح والوسائل القتالية وترعاه سياسياً. في المقابل، يعمل الجهاد حسب الخط الموجه المشترك لهما. تعبير على ذلك يمكن أن نجده في لقاءات مختلفة بين شخصيات رفيعة المستوى من القيادة الإيرانية وبين شخصيات رفيعة من الجهاد الإسلامي، وأيضاً في تصريحات تأييد متبادلة، مثال على ذلك نجده في 30 كانون الأول 2018 عندما التقى رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وزياد النخالة، وأعلنوا عن دعم إيران للشعب الفلسطيني والتزامها له. في المقابل، تعزز إيران علاقتها مع حماس، لا سيما مع ذراعها العسكرية، وتستغل بقاء حماس الآن تقريباً دون حلفاء هامين آخرين في ساحة الشرق الأوسط باستثناء مصر وقطر. الأولى تمثل بالنسبة للقطاع المنفذ الوحيد للعالم الخارجي، وكوسيط أساسي بينها وبين إسرائيل، والثانية توفر لحماس المساعدات الاقتصادية.

من بين المنظمتين، واضح أن إيران تعتبر الجهاد شريكاً أكثر إخلاصاً وأكثر سهولة للتأثير والعمل وفقاً لمصالحها عند الحاجة. يجب علينا التذكر أن التوتر الحالي بين إيران والولايات المتحدة في الخليج جر تهديدات من جانب حسن نصر الله؛ لأنه عند تدهور الوضع إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين فسيتم ضرب إسرائيل من قبل مبعوثي إيران في المنطقة. المعنى هو أن التوتر في المنطقة يزيد احتمالية المواجهة في قطاع غزة. والجهاد الإسلامي هو العامل الرئيسي الذي يمكن أن يطلب منه الامتثال والاستجابة لتوجيهات كهذه.

ولأن حماس لم تتبع حتى الآن سياسة كبح فعالة ضد النشاطات العسكرية المتزايدة للجهاد الإسلامي في القطاع، فإن إسرائيل تقف أمام معضلة كيف عليها تحييد نشاط التنظيم وإحباط محاولاته في إملاء قواعد لعب جديدة على حدود القطاع دون أن يصعد عملياته المضادة إلى مواجهة واسعة النطاق؟

مواجهة كهذه إذا حدثت يتوقع أيضاً أن تشمل حماس وتشوش الاتصالات المسرعة التي تجري بوساطة مصرية وبوساطة مبعوث الأمم المتحدة ميلادينوف من أجل تحقيق التسوية بين حماس وإسرائيل. ساعة الاختبار هذه يمكن أن تكون قريبة. السؤال هو هل ستبادر حماس وتمنع النشاطات المستقلة للجهاد الإسلامي، رغم أن عملية كهذه يمكن أن تضر بصورتها كقائدة للمقاومة، حتى قبل أن تضطر إسرائيل إلى ضربها بصورة مركزة في القطاع؟ وإذا عملت إسرائيل فهل ستمتص حماس الضربة أم ستعمل كقائدة لحركة المقاومة وتدخل إلى جولة قتالية واسعة مع إسرائيل؟

بقلم: يورام شفايتسر وأفيعاد مندلباوم

نظرة عليا 5/7/2019

- معطيات الانتخابات الإسرائيلية: المستوطنات عقبة أمام أي تسوية سياسية

عكست نتائج الانتخابات للكنيست الحادية والعشرين في المستوطنات وداخل الخط الأخضر، مرة أخرى، الواقع الثابت الذي لا يمكن لأي حملة انتخابية التملص منه: أقلية متطرفة تؤمن بأن للشعب اليهودي الحق في تقرير المصير في أرض إسرائيل، تخرب احتمالات الأغلبية الحاسمة للمستوطنين في أن يتحولوا إلى شرعيين وجزء من إسرائيل السيادية.

المستوطنون يعرفون كيفية ضم يد الحكومة التي تحسن إليهم. وعززت حقيقة أن الحكومة والكنيست الأخيرة ترفضان حل الدولتين واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين والرياح الداعمة غير المسبوقة التي تقدمها إدارة ترامب لحكومة نتنياهو، الأوساط الوطنية والمتطرفة التي تعاني من مظاهر الفاشية وتقود إلى عمليات التهويد – على اعتبار أنها هي التي تقرر النغمة، وهي التي تقوم بالقيادة. الفوضى في مجال تطبيق القانون في الضفة الغربية والتسهيلات الكثيرة والاستثمارات الكبيرة عززت في أوساط معظم الإسرائيليين الذين يعيشون في المستوطنات، الوعي بأن الواقع الحالي يؤتي أكله. مع ذلك، تفتيش بسيط في المعطيات يكشف الحقيقة غير المتغيرة: الجزء من مشروع الاستيطان الذي يشكل عقبة أمام التسوية الدائمة يفضله حزب واحد، يمثل جزءاً صغيراً جداً من إجمالي المستوطنين.

المقارنة بين التصويت في المستوطنات في 2015 ونتائج الانتخابات الأخيرة فيها تدل على أن نسبة التصويت في أوساط المستوطنين ارتفعت بنسبة 20 في المئة تقريبًا. السبب الرئيس لذلك هو زيادة نسبة عدد المصوتين في أوساط الحريديين، التي تشكل 40 في المئة من إجمالي المستوطنين. انقسام البيت اليهودي إلى اتحاد أحزاب اليمين واليمين الجديد زاد عدد المصوتين لهما من 37.550 إلى 53.161. وحافظ على تفوق هذه الأحزاب في 62 مستوطنة من بين الـ 127 مستوطنة (48.8 في المئة من المستوطنات). يدور الحديث عن زيادة 1.14 مقعداً في 2015 إلى 1.5 في 2019. كما هو متوقع، حزب سموتريتش كان متفوقاً في 48 مستوطنة، في حين أن بينيت وشكيد تفوقا فقط في 14 مستوطنة. حزب اليمين الجديد ألقى بكل أصواته (19.964) أي 0.6 من المقاعد، إلى سلة قمامة الأحزاب التي لم تجتز نسبة الحسم. لذلك، أضاف حزب زهوت (9.064) صوتًا، أي 0.28 مقعداً. الليكود عزز قوته وقفز من مقعد واحد في 2015 إلى 1.3 – الحزب الأكبر في يهودا والسامرة. لقد تعزز وحافظ على تفوقه في المدينة الثالثة من حيث حجمها، معاليه أدوميم. وحتى في الرابعة، أريئيل، التي يعيش فيهما نحو 60 ألف نسمة. هكذا أيضاً في المجلس الإقليمي الأكبر، جفعات زئيف، (17.000)، وفي المجلس الإقليمي الأصغر معاليه إفرايم، وفي عشرين مستوطنة صغيرة.

قفزة مشابهة قامت بها يهدوت هتوراة التي قفزت مقاعدها من 0.8 في يهودا والسامرة إلى 1.1. لقد حافظت على تفوق مطلق في المدينتين المتدينتين الكبريين في المستوطنات، موديعين عيليت وبيتار عيليت، اللتين يعيش فيهما 125 ألف نسمة – أكثر من ربع عدد السكان في مناطق يهودا والسامرة. هكذا أيضاً في عمانوئيل ومعاليه عاموس ومتساد الصغيرة جداً. أيضاً شاس ضاعف قوته من ربع مقعد إلى نصف مقعد. وكان له تفوق في غنيه موديعين وكوخاف يعقوب. بناء على ذلك في الانتخابات الأخيرة أضاف المتدينون لقوتهم نصف مقعد فقط من مناطق يهودا والسامرة.

اتحاد “يوجد مستقبل” مع “المناعة لإسرائيل”، الذي نتج عنه أزرق أبيض، رفع عدد المؤيدين لهما بـ 12 ضعفاً، من 0.04 من المقاعد إلى نصف مقعد تقريباً. أزرق أبيض كان له التفوق على الليكود في المجالس الإقليمية الواقعة على حدود الخط الأخضر، أورانيت وألفيه منشه، وعلى العمل في هار أدار (المستوطنات الثلاث الأكثر ترسخاً)، وأيضاً مخورا ومار وريحان وسلعيت ونيلي. في 16 مستوطنة تفوق أزرق أبيض في عدد الأصوات التي حصل عليها مقابل مستوطنة واحدة فقط (غلغال) التي كان التفوق فيها لحزب يوجد مستقبل في 2015.

حزب العمل فقد الريادة في 12 من بين 13 مستوطنة التي حصل فيها على أغلبية في 2015 (باستثناء نيران التي تقع في الغور). في معظم مستوطنات الغور والبحر الميت الصغيرة جداً التي تشكل سفينة القيادة لحزب العمل وخطة ألون، أيد معظم المصوتين أزرق أبيض (نتيف هغدول، نعمه، كاليا، الموغ، متسبيه شليم). وفي الليكود (بيت هعربة). المستوطنات الأخرى بقيت مخلصة لليكود، وفي شمال الغور بقيت مخلصة لاتحاد أحزاب اليمين. هذه المعطيات تشير إلى انجراف المستوطنين نحو اليمين: إضافة إلى اختفاء حزب العمل بدأت زيادة في قوة أحزاب اليمين وتعزز كبير للأحزاب الحريدية. الغوص في المعطيات الديمغرافية ومعطيات انتشار المستوطنات يمكن من فهم نتائج الانتخابات الأخيرة.

في 62 مستوطنة يشغلها مؤيدو اتحاد أحزاب اليمين واليمين الجديد (غوش ايمونينم على أشكالها) يعيش 30 في المئة فقط من إجمالي عدد المستوطنين في يهودا والسامرة. الأغلبية الساحقة تعيش في ظهر الجبل، وفي المستوطنات المعزولة خارج الكتل الاستيطانية (باستثناء غوش عصيون) وفي البؤر الاستيطانية غير القانونية. سكان هذه المستوطنات هم الشريحة السكانية في المستوطنات التي تمنع بشكل متعمد إيجاد تواصل فلسطيني، وهو الأمر الحيوي لإقامة الدولة الفلسطينية.

في المستوطنات التي تتفوق فيها الأحزاب الدينية والليكود وأزرق أبيض، يعيش 70 في المئة من المستوطنين، معظمهم قرب الخط الأخضر. وباستثناء مستوطنات الغور، جميعهم يعيشون في “الكتل الاستيطانية”، أي في إطار الاتفاق الدائم الذي سيتم فيه تبادل للارأضي بما لا يزيد عن 4 في المئة، 80 في المئة من الإسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الأخضر يمكنهم أن يتحولوا إلى جزء لا ينفصل من دولة إسرائيل ويكونوا تحت سيادتها، بطريقة يعترف بها من قبل المجتمع الدولي. من أجل تطبيق هذا الاحتمال، الذي يوافق عليه الفلسطينيون برئاسة م.ت.ف، يجب على إسرائيل أن تتعامل مع استيعاب من جديد، داخل الخط الأخضر أو في “كتل يتم ضمها”، سكان المستوطنات المعزولة والبؤر الاستيطانية غير القانونية المأهولة بمصوتي اتحاد أحزاب اليمين واليمين الجديد وزهوت.

الخارطة السياسية القطرية تقريباً لم تتغير في الـ 52 سنة من حكم إسرائيل للضفة الغربية. مصوتو الليكود والعمل الذين حولوا تأييدهم لأزرق أبيض يعيشون في مناطق الاستيطان التي تم تحديدها بخطط حكومية – خطة الون في 1967 وخطة شارون في 1977، التي اعتبرت في حينه حيوية من ناحية أمنية، أو لأسباب اقتصادية. مصوتو الأحزاب الحريدية انتقلوا إلى الضفة بسبب ضائقة السكن للحريديين في القدس وبني براك وبيت شيمش. في المقابل، مستوطنو غوش إيمونيم على أشكالها استوطنوا في المناطق عمدًا وبصورة علنية خلافاً لخطط الحكومة، وفي حالات كثيرة حتى خلافاً للقانون؛ من أجل تثبيت حقائق على ظهر الجبل المأهول من قبل الفلسطينيين. لقد أرادوا منع التواصل بين الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.

من المحزن أن نكتشف في كل مرة من جديد كيف أن أقلية صغيرة تنجح في تقييد الأكثرية ومنعها من العمل من أجل مصالح إسرائيل العامة: انفصال متفق عليه عن الفلسطينيين من أجل الهوية والديمقراطية والأمن، ومن أجل سلطة القانون فيها وعضويتها في الأسرة الدولية.

بقلم: شاؤول أريئيلي

هآرتس 5/7/2019

- لم يعرف أن الأمر يتعلق بـ”الموت”: ابن الـ15 قصد الصلاة في القدس فاغتاله رصاص إسرائيلي.. على “الجدار”

مصافحته ونظرته تدلان على الاشمئزاز. كل عالمه تحطم، قال إنه لم يعد هناك سبب للحياة. منذ مصيبته لا يذهب إلى العمل. “هل ستعيدونه إلى الحياة؟”، سأل وهو يعرف الإجابة. يتوقف ويتنهد تنهيدة تفطر القلب كلما تحدث، ويعرض صورة أخرى، تذكارًا آخر عن الولد، يتصفح ألبومًا آخر من الصور ويحاول بشكل ما أن يستمر قدمًا، حتى التنهيدة القادمة. غضبه وكراهيته للمسؤولين عن قتل ابنه البكر أمام ناظريه لم يتوقفا، ويبدو أنهما لن يتوقفا قريبًا. استُدعي لمحادثة تحذير في الشاباك، الذي يعرف كل شيء.

لؤي غيث سمع جنود حرس الحدود وهم يطلقون النار على ابنه عبد الله ابن الـ 15، قفز نحوه وحمل الولد المحتضر في سيارته إلى المستشفى. طوال الطريق كان يأمل أن يكون على قيد الحياة. تلقى ضربة برأسه عند سقوطه على الأرض. الأطباء في غرفة الطوارئ في مستشفى الحسين في بيت جالا خرجوا وقالوا له أن يطلب العوض من الله. هذه هي الطريقة الدارجة للإبلاغ عن الوفاة.

في محل للأخوة غيث في الشارع الرئيسي بالخليل، يعرض العم خلف الأعمال الأخيرة لابن أخيه عبد الله: فنجانًا وصحنًا مزينين. “له لمسة في كل شيء هنا”، قال العم. “والآن لم يعد موجودًا. ولم يشاهد البحر في حياته”. المحل مليء بصور لمدينة الخليل وأدوات منزلية وقطع من الخزف مع كتابات كثيرة لكلمة سلام باللغات الثلاث. وحتى الفنجان كتبت عليه فرنسيسكا ومارتا وسهم في القلب بينهما. اعتاد عبد الله العمل هنا في العطلة المدرسية. هنا كان يجلس ويرسم على الطين.

على مسافة غير بعيدة من هناك، في صالون البيت في شارع سكني هادئ وسط الخليل تزينت الجدران كلها بصور عبد الله، إعلان أصدرته المدرسة التي درس فيها يعرض ثلاث صور لعبد الله؛ واحدة وهو على قيد الحياة، وأخرى لعبد الله الشاب اليافع مع تسريحة شعر أنيقة وأمه تميل نحوه، وثالثة لعبد الله الميت مع عمته. الأم الثكلى وائلة (35 سنة) والأب الثاكل لؤي (45 سنة) يجلسان على الأريكة، وهي الأريكة التي كان يجلس عليها ابنهما في الليلة الأخيرة من حياته. لؤي يتحدث ووائلة تصمت بملابسها السوداء. لا أحد يعرف ولا أحد يعرف ألمي. عبد الله كان كل شيء بالنسبة لي، لقد كان أملي، أراد أن يصبح طبيبًا وكان طفلًا شجاعًا. ويقوم بعرض فيلم قصير يظهر فيه عبد الله وهو يحاول تخليص امرأة من بين أيدي شرطي فلسطيني اعتقلها في مظاهرة في المدينة، بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس حماس. للزوجين غيث 7 بنات وولدان، الآن بقي ابن واحد. الأب كان معتقلًا اعتقالًا إداريًا بدون محاكمة مدة 26 شهرًا في الأعوام 2013 – 2015. إسرائيل هاجت هذا الأسبوع بسبب إطلاق نار إجرامي لشرطي على مواطن إسرائيلي، ولم تهتم قط بإطلاق لا يقل إجرامًا حدث قبل بضعة أسابيع حين أطلق جندي من حرس الحدود رصاصاته على فتى فلسطيني من الخليل كان يقصد الوصول الى القدس للصلاة.

ثغرة في الجدار

كان هذا في 31 أيار/مايو، يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان، الذي صادف ليلة القدر. خلال شهر رمضان كان أبو عبد الله وعد بأنه في يوم الجمعية اليتيمة (الجمعة الأخيرة في شهر رمضان) سيأخذه الى المسجد الأقصى. في الليلة بين الخميس والجمعة كان عبد الله سيساعد في أعمال بناء مع جده المقاول. ووالده قال له بأن يطلب من جده إعفاءه من ذلك. في المساء ذهب عبد الله إلى محل الخزف الذي تملكه العائلة وأخذ 100 شيكل كانت أجرته عن عمله في المحل. كان منفعلًا جدًا بمناسبة سفره إلى القدس. وقبل الذهاب إلى النوم قال له والده بأنه أصبح طويل القامة، ثم قاس طوله الذي أصبح 171 سم. قال عبد الله إنه يجب خصم (سم) واحد بسبب الحذاء. قال لؤي إن عبد الله لم يكن يرتدي قميصًا وكان ينظر الى جسده، ويقول بينه وبين نفسه: أصبح الولد شابًا. “أيها الإسرائيليون، أنتم لا تعرفون شعورنا، تذهبون للتنزه وتسافرون إلى الخارج.. تتنفسون الهواء الجيد ولا تعرفون أي شيء عن ألمنا”. مرة يتنهد وأخرى يصمت.

في الساعة الثالثة فجرًا، استيقظ الأب ورأى عبد الله مستيقظًا مثلما في ليالي رمضان يلعب مع أخواته. أخيرًا نام الأب على الأريكة في الصالون. لقد اتفقوا على السفر في الصباح مع ثلاث بنات ومع ابن العم عبد الرحمن ابن الـ 18 الذي يجلس إلى جانب الوالدين في الصالون صامتًا.

بعد الساعة السابعة والنصف صباحًا ذهبوا في السيارة العائلية، لؤي والبنات الثلاث: شيماء (16 سنة) وكرتيل (14 سنة) ودانية (12 سنة) وابنة العمر سيرين (14) وعبد الله وعبد الرحمن. دخول القدس للشباب الذين تحت عمر 30 أمر ممنوع. حرية العبادة، تعرفون، لذلك كان يجب على عبد الله وعبد الرحمن أن يتسللا من فوق الجدار مثلما يفعل كثيرون. خاف لؤي شرطة السير لأنه كان يحمل في سيارته مسافرين أكثر من المسموح. لقد سافر في شارع التفافي عبر قرية سعير نحو حاجز المزمورية في شمال بيت لحم. وقد أخذوا معهم سجادات الصلاة وقبعات حماية من الشمس. عبد الله كان يطلق النكات طوال الوقت مع أخواته.

في الساعة الثامنة صباحًا وصلوا الجدار على بعد بضع مئات من الأمتار عن حاجز المزمورية. الجدار هنا غير مرتفع، أسلاك شائكة وجدران من الأسلاك وجداران من الأسلاك بينهما طريق غير معبدة. في أحد الجدران ثمة ثغرة، وشباب كثيرون كانوا يعبرون من هنا للصلاة. على الجدار الثاني كان القفز سهلًا. في الساعة الخامسة صباحًا من اليوم نفسه أصيب هنا بنار جنود حرس الحدود مؤمن طبيش (19 سنة) من مخيم الفوار، ومئات الشباب الآخرين الذين أرادوا التسلل. لؤي لم يكن يعرف أي شيء عن ذلك.

لقد أنزل عبد الله وعبد الرحمن قرب الثغرة في الجدار وأوقف السيارة على بعد بضع عشرات من الأمتار، وهو يستعد للمرور مع بناته في الحاجز. الشابان تقدما من الجدار، عبد الرحمن يقول بأنه لم يشاهد جنود حرس الحدود الذين اختبأوا في كمين وراء الأشجار والبيوت التي تقع خلف الجدار. وهما لا يعرفان بعد أن الأمر يتعلق بمنطقة موت، مثلما هي الحال بين كوريا الشمالية والجنوبية، ومثلما هي الحال بين برلين الغربية والشرقية قبل سقوط الجدار.

فجأة شاهد عبد الرحمن جنديًا من حرس الحدود يتقدم نحوه. سارع في الهرب مرة أخرى عبر الثغرة في الجدار. عبد الله بقي في مكانه وهو عالق بين الجدارين. جندي حرس الحدود ركض نحوه. ولم يخطر ببال أحد أنه سيطلق النار الحي على الفتى الأعزل. ولكن على بعد 5 – 8 أمتار عن الفتى، أطلق جندي حرس الحدود رصاصتين نحوه. إحداهما أصابت الصدر في الجهة اليسرى. نجح عبد الله في عبور الثغرة مرة أخرى، وبعد ذلك سقط على الأرض وارتطم وجهه بالأرض وفقد الوعي.

سمع لؤي صوت إطلاق النار وقفز نحو الجدار. شاهد عبد الله وهو يعبر الجدار ويسقط وينزف. جنديان من حرس الحدود كانا وراء الجدار. عبد الله لم يتحرك. لؤي يظهر صورًا لوجه ابنه المصاب نتيجة سقوطه. أمل في أن يكون فاقد الوعي ليس أكثر.

رفعه لؤي ثم نقله وعبد الرحمن إلى السيارة. وطلب من البنات المصدومات الخروج من السيارة وبدأ السفر مسرعًا نحو مستشفى الحسين في بيت جالا. الطريق التي بدا وكأنها لا تنتهي استمرت عشر دقائق.

في المستشفى سمع الأطباء وهم يتحدثون فيما بينهم عن القلب الذي أصيب وعرف أن وضع ابنه خطير جدًا. اتصل بزوجته وأخيه وقال لهما إن الوضع خطير. وقالا له أن يدعو الله. بعد نصف ساعة خرج الطبيب وسأل عن الاسم الكامل. وعندها أبلغه بما لا يريد أن يسمعه. “آمل أن يعوضك الله”، قال الطبيب. سار خلف الجثة الى المستشفى الأهلي في الخليل حيث أعد هناك للدفن. حينها فقط، قال.. وفهم ما حدث.

قيل من الشرطة هذا الأسبوع للصحيفة: “في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان عملت قوات كبيرة من الشرطة لتأمين حدث الصلاة ومنع عمليات الإرهاب والتسلل لغير المسموح لهم الى الأراضي الإسرائيلية. القوات التي انتشرت في منطقة المنطار تعاملت مع إخلالات للنظام شملت رشق الحجارة وتخريبًا في الجدار. وخلال النشاطات تم ملاحظة عدد من المشبوهين الذين تسلقوا الجدار الأمني للدخول إلى دولة إسرائيل خلافًا للقانون. وحسب أوامر فتح النار في حالة كهذه، قامت القوة بإطلاق النار على الجزء السفلي من الجسم لأحد المشبوهين، وبعد ذلك هرب الآخرون وهم يركضون من المكان”.

عبد الله كان كل حياتي

بحث أجرته بتسيلم عن الحادثة نشر في الأسبوع الماضي جاء فيه أن عبد الله أطلقت عليه رصاصات “توتو”، موضحًا أنه، قبل نحو عشر سنوات، قال المدعي العام العسكري إن استخدامها يمكن فقط في حالات مسموح فيها استخدام الرصاص الحي، أي عندما يكون هناك خطر على حياة رجال الأمن. إلى أي درجة كان إطلاق النار على عبد الله حدثًا إجراميًا؟ سألوا في بتسيلم. “تمامًا. لم يكن له أي مبرر، هو لم يعرض حياة أحد للخطر ولم يكن في وضع يعرض حياة أي شخص للخطر – في وضح النهار وبين جدار الأسلاك الشائكة وبين جدار الأسلاك المرتفع، أمام جنود حرس حدود مستعدين ومحميين ومسلحين. هذه ليست ظروف تعرض الحياة للخطر أو حتى أي خطر. إن استخدام سلاح في هذه الظروف أمر ليس له أي مبرر قانوني أو أخلاقي. الفجوة بين النتائج القاتلة المعروفة مسبقًا لهذا السلوك الإجرامي، واللامبالاة العامة والدعم المطلق الذي يحظى به هذا السلوك من كل الجهات الرسمية يدلل الى أي درجة هي قليلة قيمة حياة الفلسطينيين.

في صالون البيت يستمر الأب الثاكل بوصف حزنه. “في كل يوم أغتم أكثر من سابقه. ظننت أن الألم سوف يقل، لكن يزداد. لم يعد لحياتي أي طعم بعد الآن. أنتم تعيشون بعيدًا. أنتم لا تشعرون بنا، أنتم تعتقدون أن ألمنا ضئيل، لكن عبد الله كان كل حياتي”.

“ليحرق الله من قام بقتل ابني”، قال، “لم تعد قيمة لأي شيء بعد الآن. سأعيش حتى عمر 70 أو 80 مع هذا الألم أنا وزوجتي. لسنا أحياء بعد هذا. حكومتكم مجرمة. أنتم لا تعرفون الرحمة. هذه هي الهدية التي تلقيتها من دولة إسرائيل، باستثناء المعاناة العادية للحياة تحت الاحتلال: أن تشاهد ابنك وهو يقتل أمامك. لن يعود مرة أخرى إلى الحياة”.

بقلم: جدعون ليفي وأليكس ليبك

هآرتس 5/7/2019



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 81 / 2184665

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2184665 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40