السبت 11 أيار (مايو) 2019

الاخبار:الإعلام المصري في زمن السيسي: «ما بعد التطبيل»!

السبت 11 أيار (مايو) 2019

اعداد: رمزي باشا

منذ الرابع والعشرين من أيار(مايو) 1960، تاريخ قرار الجمهورية المصرية الأولى تأميم الصحافة، في خطوة واجهت انتقادات كثيرة آنذاك، مرّت تسع وخمسون سنة. عقودٌ تعاقب خلالها على السلطة رؤساء عسكريون وواحد مدني عقب ثورة كان من المفترض أن تغيّر وجه البلد، لكن نهج التعامل الرسمي مع الإعلام، على جميع مستوياته: المملوك للدولة والخاص والأجنبي، لم يتغير، لتتمّ منذ نحو عام مرحلة استيلاء جديدة تُفرض على الكل. فلا صوت يعلو فوق صوت الأجهزة الأمنية ومصالحها، ولا مجال للمخالفين، والقمع هو أسلوب التعامل الوحيد مع المعارضين، والوسيلة اللوائح والقوانين التي فرضها رجال نظام المخلوع حسني مبارك، ليعود الإعلام المصري إلى ما كان عليه قبل 2004، ويتأثر عمل الوسائل العربية والأجنبية بالنتيجة بمحدّدات الدولة، إلى حدّ صار معه شبيهاً بأداء الإعلام المحلي

- عودةٌ إلى زمن مبارك: الإعلام في قبضة المـخابرات

منذ الرابع والعشرين من أيار(مايو) 1960، تاريخ قرار الجمهورية المصرية الأولى تأميم الصحافة، في خطوة واجهت انتقادات كثيرة آنذاك، مرّت تسع وخمسون سنة. عقودٌ تعاقب خلالها على السلطة رؤساء عسكريون وواحد مدني عقب ثورة كان من المفترض أن تغيّر وجه البلد، لكن نهج التعامل الرسمي مع الإعلام، على جميع مستوياته: المملوك للدولة والخاص والأجنبي، لم يتغير، لتتمّ منذ نحو عام مرحلة استيلاء جديدة تُفرض على الكل. فلا صوت يعلو فوق صوت الأجهزة الأمنية ومصالحها، ولا مجال للمخالفين، والقمع هو أسلوب التعامل الوحيد مع المعارضين، والوسيلة اللوائح والقوانين التي فرضها رجال نظام المخلوع حسني مبارك، ليعود الإعلام المصري إلى ما كان عليه قبل 2004، ويتأثر عمل الوسائل العربية والأجنبية بالنتيجة بمحدّدات الدولة، إلى حدّ صار معه شبيهاً بأداء الإعلام المحلي.

ارتدادٌ إلى ما قبل 15 عاماً على الأقل. هذا ما يمكن أن يوصَف به وضع الإعلام المصري اليوم. في خلال سنتين، تراجع المجال الإعلامي إلى سيرته الأولى عام 2004، عندما كان مغلقاً ولا يُسمح فيه سوى بالمؤسسات التابعة للحكومة فحسب، إذ لم يكن هنالك إعلام خاص على الإطلاق. هذا الارتداد، الذي تتحمّل مسؤوليته الدولة وأجهزتها، أفقد مصر مصداقيتها ومكانتها الإعلامية التي اكتسبتها عبر سنوات، في وقت صارت فيه أخبار البلد الحقيقية تُعرف من الخارج.
قبل أن تبدأ خطة سيطرة الدولة على الإعلام الخاص، قرّرت الدوائر العسكرية إطلاق شبكة قنوات تتحدث باسمها، وتكون المعبّر الرئيس عن حال الدولة بدلاً من التلفزيون الرسمي الذي تصعب إعادته إلى الحياة بسرعة. فكان قرار إطلاق شبكة «دي إم سي» التي لم تحقق نجاحاً يُذكر، على رغم تنفيذها برامج بتكلفة عالية واستقطابها غالبية الكفاءات في المحطات الأخرى، لتفقد بريقها بعد أسابيع قليلة من انطلاقها. إخفاق «دي إم سي» لم يكن دافعاً إلى النظر في الأسباب ومعالجتها، أو النظر في أسباب تميز الآخرين والعمل على تطوير الشبكة التي لم ينطلق منها سوى قناتين فقط، فيما تعثر باقي المحطات لأسباب مالية، على رغم إنفاق أكثر من ملياري جنيه عليها، بل كان سبباً في إطلاق خطة لإحكام السيطرة على جميع المحطات أو إقفالها أو إفقادها عناصر تميّزها تحت ضغوط مباشرة وغير مباشرة.
لذلك، منذ عامين، بدأت الأجهزة الأمنية خطة السيطرة التي أعدّها مدير مكتب الرئيس آنذاك، اللواء عباس كامل (وزير المخابرات العامة حالياً). تعثرت الخطة قليلاً بسبب الصدام بين جهازَي المخابرات «العامة» و«الحربية»، والذي انتهى إلى سيطرة الأخيرة ورجالها مع إقالة مدير الأولى اللواء خالد فوزي فجأة، وتعيين كامل محله، ليكمل الأخير خطة الاستحواذ على جميع المحطات التلفزيونية والإذاعية تقريباً. أطاح كامل، فوزي، بتهمة الفساد المالي، ومنه ما يتعلق بالإنفاق على المحطات، وهو ما تبعته إقالة عدد كبير من وكلاء الجهاز المسؤولين عن التعامل مع الإعلام، فجميعهم خرجوا من المشهد ما بين إقصاء كلي واحتجاز قيد الإقامة الجبرية حتى ردّ مبالغ مالية، في حين أن ضباطاً آخرين عادوا إلى عملهم بعد إعادتهم مبالغ كبيرة حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة عبر التربّح في «عمولات إعلامية»، كما تقول مصادر.
اللافت أن عملية التربّح لم تُطِح ضباطاً في «العامة» فقط، بل في «الحربية» وشبكتها «دي إم سي» التي تبين أن فيها عمليات استغلال بعد مراجعة حسابية مفاجئة، وتأكيد صرف مبالغ على سبيل الرشوة من أجل المبالغة في التعاقدات، وهو ما حدث مع برامج عديدة قبل أن تقرر الشبكة تخفيض مصروفاتها والاستغناء عن كثير من العاملين وتخفيض أجور آخرين. وعلى رغم ضعف المردود الإعلاني، الذي جاء غالبيته بالأمر المباشر (من دون مناقصات) من شركات وَجِهات تابعة لرجال أعمال يسعون إلى نيل رضى الدولة، إلا أن «دي إم سي» تواصل الإنفاق الكبير على أمور ثانوية من دون تحقيق مردود، فضلاً عن إعدادها منذ عامين لإطلاق قناة إخبارية بقي مذيعوها ومعدّوها ومخرجوها يتقاضون رواتبهم من دون أن تخرج هذه المحطة إلى النور حتى الآن. وقد انتهى تفرد «دي إم سي» أخيراً بقرار دمجها ضمن «مجموعة إعلام المصريين» التي صارت تمتلك إعلاماً موازياً للإعلام الرسمي للدولة.

حتى الدراما لم يعد يُسمح لغير المؤيدين بالعمل فيها

بالعودة إلى عملية الاستحواذ على باقي القنوات، أجبرت الأجهزة الأمنية رجل الأعمال محمد الأمين على التنازل عن 51% من أسهمه في شركة «المستقبل»، المالكة لشبكة قنوات «سي بي سي»، فجرى إقصاؤه وإقصاء بناته من المشهد الإعلامي كلياً، وصارت الأمور بيد ضباط سابقين في جميع إدارات القناة، بما فيها إدارة شؤون العاملين. وجاء «الإطار القانوني» للاستحواذ عبر «إعلام المصريين» التي تمتلكها أجهزة المخابرات وتدير شؤونَها المالية وزيرةُ الاستثمار السابقة، داليا خورشيد (هي في الوقت نفسه زوجة محافظ «البنك المركزي» طارق عامر الثانية)، في وقت يبرز فيه على الساحة اسم تامر مرسي الذي ظهر قبل سنوات قليلة بصفته منتجاً فنياً قبل أن يتحول إلى رئيس مجلس إدارة «إعلام المصريين»، ليتحكم في جميع محطاتها وكذلك في سوق الدراما التلفزيونية بالكامل بعدما احتكر الإنتاج والتوزيع.
الاحتكار وصل إلى المحتوى التلفزيوني أيضاً، فلم يعد الأمر مقتصراً على السياسة فقط، بل امتدّ إلى الدراما التي لم يعد يُسمح للمعارضين أو حتى رافضي التأييد بالعمل فيها. في الوقت نفسه، فرض الأمن شروطاً قاسية على الوكالات الإعلانية المختلفة، ما جعل غالبيتها تابعة له أو من دون عمل يُذكر، بعدما مُنع رجال الأعمال من التعاقد معها. ومن جهة ثانية، صارت «إعلام المصريين» تملك أكثر من 80% من المحطات الفضائية والإذاعات التي تخرج من مدينة الإنتاج، فباتت تتحكم في مصير العاملين وتقصي وتعيد من تشاء، علماً بأن معاييرها في الاختيار قائمة على المحسوبية ومدى القرب من الأجهزة الأمنية.

«أفضل مذيعة» ابنة عباس كامل!
منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى كرسي الرئاسة، يسعى مدير مكتبه السابق ووزير المخابرات العامة الحالي اللواء عباس كامل إلى تنصيب نفسه حكماً في كثير من المجالات، ومن بينها الإعلام. فاللواء الذي عمل مع السيسي منذ خدمته في الجيش ويوصف بأنه كاتم أسراره، أدرك مبكراً أهمية الإعلام وأن يكون له نفوذ داخله، فما كان منه إلا أن وضع زوجته وابنته في هذا المجال المهم.
حتى قبل تعيينه رسمياً وزيراً للمخابرات العامة، كانت زوجة كامل مديرة مسؤولة في شركة «دي ميديا» المالكة لشبكة قنوات «دي إم سي» وإذاعة «9090»، لكن بعد تعيينه تقرر إبعادها من المنصب لأسباب أمنية، على اعتبار أن عملها لا تتناسب طبيعته مع زوجة مدير المخابرات، خاصة أنها كانت ملتزمة الحضور اليومي في مقرّ الشركة.
أما ابنته، فقرر الدفع بها كمذيعة راديو في البداية ثم مذيعة في التلفزيون. ورغم افتقادها المؤهلات، فإنها صارت تحصد لقب «أفضل مذيعة راديو» وهي لا تجيد حتى الحديث عبر ميكروفون الإذاعة، بل أُنتج لها برنامج تلفزيوني أخيراً لتطلّ من خلاله على الشاشة.
وابنة اللواء وزوجته ليستا وحدهما في هذا النطاق، بل يوجد مذيعون آخرون هم أقارب لمسؤولين في الجيش تم الدفع بهم وتخصيص برامج لهم في مواعيد مميزة يومياً.
وهو أسلوب وإن كان يتبع على نحو فجّ حالياً، فإنه يشبه ما كان يجري إبان نظام حسني مبارك، عبر تصدير أبناء اللواءات والمسؤولين والدفع بهم في مواقع كثيرة، من بينها الإعلام.


- جريدة واحدة بطبعات مختلفة

لم تعد الصحف المصرية المطبوعة قادرة على الصمود أكثر، سواءً كانت خاصة أم حزبية، لعوامل منها ما يتعلق بالتضييق ومنها ما يتصل بالأوضاع المالية. أما الصحف القومية، المملوكة للدولة، فيجري العمل على تقليصها وتقليل خسائرها المتراكمة منذ سنوات، فيما صارت الصحافة الحزبية شبيهة بها

في مقالة منشورة في صحيفة «الأخبار» القومية المملوكة للدولة المصرية، كتب رئيس «الهيئة الوطنية للصحافة»، الصحافي كرم جبر، ناقلاً تساؤل رئيس الوزراء الأسبق، شريف إسماعيل، عن سبب تشابه الصحف وعناوينها يومياً «كأننا نرى جريدة واحدة بطبعات مختلفة». جبر طرح التساؤل وهو يعرف الإجابة جيداً، لكن لا يمكنه البوح بها؛ فالرجل الذي كان رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة «روز اليوسف» إبان حكم حسني مبارك، وخرج مطروداً ومضروباً بالأحذية منها بعد «ثورة 25 يناير»، هو نفسه صار مسؤولاً عن اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية المختلفة منذ اختياره رئيساً للهيئة، فيما يؤهّل ابنته مي لتكون رئيسة تحرير لإحدى المطبوعات النسائية قريباً.

إجابة تساؤل جبر تكمن ببساطة في أن رؤساء تحرير الصحف يتلقون التعليمات من الجهات الأمنية عبر «غروبات الواتسآب» التي أُنشئت خصّيصاً لهذا الغرض، ويصلهم من خلالها ما يجب أن ينشر وما لا يجب، بل تطوّر الأمر إلى وضع عناوين محددة كما حدث عشية إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهاً إلى الحكومة بتنفيذ حكم لمصلحة أصحاب المعاشات، فخرجت «مانشيتات» الصحف القومية اليومية كلها بالعنوان نفسه، كما تشابهت معها عناوين الصحف الخاصة.
بالرجوع إلى انتخابات 2005، استطاعت صحيفة «المصري اليوم» الخاصة أن تنتزع مساحة من الحرية غير مسبوقة في الصحافة اليومية. مساحةٌ بدأت بنشر شهادة المستشارة نهى الزيني على تزوير الانتخابات في دائرة مصر الجديدة، وهي الدائرة التي يدلي فيها رئيس الجمهورية بصوته، ثم توالت موضوعات أخرى عن فساد الحكومة وخطأ القرارات. أما اليوم، فقد أقيل رئيس تحرير الصحيفة بسبب عنوان «الدولة تحشد المواطنين» في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، مع أن التصريح نفسه صدر عن وزيرة الهجرة لاحقاً، لكن الدولة لم تتحمل عنواناً من صحيفة يفترض أنها مستقلة ومُموّلة من رجال أعمال.
وعلى رغم كل ذلك التضييق والتحكم في ما يُنشر، أُوقف بعض الصحف في المطبعة مرات عديدة بسبب عناوينها، كما حدث مع «الدستور» التي تديرها الأجهزة الأمنية، فيما تعرضت إحدى المجلات الأسبوعية لإعدام مئات النسخ بسبب خطأ في اسم زوجة الرئيس. وفي الوقت نفسه، تضغط الدولة على رجال الأعمال باستمرار في حال خالفوا القوانين واللوائح أو جزءاً منها، ويأتيهم التهديد واضحاً ما بين التوقيف والحبس أو الخضوع لما تراه الدولة مناسباً في وسائلهم الإعلامية، وهو ما حدث مع مالك «المصري اليوم» بعدما جرى توقيفه لأيام وإهانته، بل تسريب مقطع فيديو للقبض عليه، ثم هدم مخالفات في الفيلا الخاصة به على النيل.

في إحدى الحالات لم تجد الدولة سوى اتهام صحيفة بنشر صور إباحية لمعاقبتها

أما ناشر «الشروق» (صحيفة خاصة)، إبراهيم المعلم، فقرر أن يبقى بعيداً عن الصدامات مع الدولة. ابتعادٌ ليس اختيارياً، في ظلّ وجود ملفات كثيرة له لدى الأجهزة الأمنية، منها ما هو مرتبط بمخالفات مالية شابت حصوله على حقوق نشر كتب وزارة التربية والتعليم في مراحل سابقة، والأخطر منها علاقته بجماعة «الإخوان المسلمون» المحظورة وقياداتها، ومساندته بعض القيادات المعارضة بعد «30 يونيو»، إضافة إلى إتاحة فرصة لنشر مقالات لهم ولأنصارهم في الصحيفة خلال المرحلة الانتقالية التي سبقت عهد السيسي.
حالياً، تبدو «الشروق» أعلى سقفاً من أي صحيفة أخرى، لكن في حدود لا يُسمح بتجاوزها مطلقاً؛ إذ إن أخباراً كثيرة تُمنع من النشر، وحتى تحليلات الأوضاع السياسية الداخلية التي يكتبها مفكرون مصريون لم يعد لها مكان إلا في إطار معين.
أما الصحف الحزبية، فإن ما تبقى منها، وأبرزها «الوفد»، بات نسخة من الصحف الحكومية مع اختلاف طفيف في الأولويات، في وقت ترفع فيه الصحف القومية جميعاً شعار «التطبيل للسلطة» الذي يركز على الكتابة عن المشروعات القومية فقط، بل لم يعد مسموحاً أن ترى على أوراق أي صحيفة انتقاداً لرئيس الوزراء أو لوزير أو حتى لمحافظ، إنما حصراً نقل ما يرغب فيه الرئيس فقط من دون النظر في أي اعتبارات أخرى. وحتى الشخصيات التي تُجرى معها المقابلات، لا بد أن تكون مؤيدة للنظام، مع أن المضحك المبكي أن بعض المسؤولين السابقين باتوا ممنوعين من الظهور الإعلامي.
معاناة الصحف لا تنحصر في مساحة الحرية، إذ تلاحقها الأزمات المالية مع تراجع حجم الإعلانات بسبب ضعف السوق وخسارة صحف كثيرة أعداداً كبيرة من القراء نتيجة الإقبال على القراءة الإلكترونية، وارتفاع سعر النسخ الورقية من بعد تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وهو أصلاً ما انعكس على أسعار المطبوعات عامة، فضلاً عن تراجع المبيعات بصورة كبيرة حتى في الأعداد الأسبوعية. وفي الوقت الذي تتحمل فيه الدولة خسائر الصحف القومية المملوكة لها، لم يعد رجال الأعمال قادرين على تحمّل خسائر الصحف الخاصة التي يديرونها، فلجأوا إلى ترشيد النفقات والبحث عن مصادر أخرى للتمويل، من بينها الربح من الإنترنت.
في المقابل، تستمر بعض المحاولات للخروج من سرب التأييد الجماعي، سواء في صورة صحف خاصة مثل «المشهد»، أو مواقع إلكترونية مثل «مدى مصر». لكن تمثل هذه المنابر مصدر إزعاج للنظام الذي يتربص بها من أجل إيقاع عقوبات عليها، كما حدث مع «المشهد» التي تعرض موقعها للحجب وغرامة مالية بعد نشرها موضوعات عن رفض التعديلات الدستورية. وجاء المبرر القانوني للحجب والغرامة متمثلاً في نشرها صوراً اعتبرها «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» إباحية!
وقبل شهور قليلة، أُقرّت لائحة لتنظيم عمل المواقع الإلكترونية، اشترطت في إنشاء المواقع الخاصة ضوابط من بينها تأسيس شركة ووجود مقرّ وملاك، فضلاً عن سداد رسوم قيمتها 50 ألف جنيه. ووضعت اللائحة ضوابط للعمل لا تتناسب مع طبيعة غالبية المواقع، بينما أقرّت جزاءات من «المجلس الأعلى» تقيّد عمل المواقع وتتيح سلطة الحجب والإغلاق لأبسط الأسباب، على رغم المعارضة القوية من الصحافيين، التي قابلها صمت لـ«نقابة الصحافيين» بعد انتخاب رئيس «هيئة الاستعلامات»، ضياء رشوان، نقيباً الشهر الماضي.

الإعلام الأجنبي... مُرضى عنه اليوم مغضوب عليه غداً
ليس ثمة موقف ثابت للدولة المصرية في التعامل مع أي وسيلة إعلام أجنبية، سواء كان لها مكتب في القاهرة أو تكتفي بإرسال مراسلين بين حين وآخر. فالموقف يُتخذ وفق الموضوعات التي يجري تناولها، لذلك تصير وكالة «رويترز» مثلاً ذات مصداقية في حال إشادتها بمشروع أو نشرها تقريراً يتضمن رصد تغيير ما، وتارة أخرى تصير كاذبة، وهو ما ينطبق على البقية. مثال آخر هو أنه قبل إجراءات الإصلاح الاقتصادي وتحرير سعر صرف الجنيه، كان النظام ينتقد التقارير المتشائمة من «بلومبرغ» عن الإصلاح الاقتصادي، لكن بعد ذلك تحولت المجلة الأميركية إلى «مصدر مهني وحيادي» بسبب تسليطها الضوء على النتائج الإيجابية في الأرقام التي حققها الاقتصاد خلال مدة قصيرة.
هكذا، صارت «الهيئة العامة للاستعلامات»، المسؤولة عن التعامل مع الإعلام الأجنبي، تستخدم لغة الدولة الرسمية في التعامل مع هذه الوسائل، إذ إن الهيئة (تتبع رئاسة الجمهورية ويتولى منصب رئيسها نقيب الصحافيين ضياء رشوان) أرسلت قبل مدة تعميماً ثانياً تطلب فيه «عدم التعامل مع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي»، طالبة «من جميع المسؤولين المصريين ومختلف قطاعات النخبة المصرية مقاطعة الهيئة... والامتناع عن إجراء أي مقابلات أو لقاءات مع مراسليها ومحرريها حتى تعتذر رسمياً»، معتبرة أن «هذه المقاطعة لا تشمل ولا تمسّ حق بي بي سي وغيرها من وسائل الإعلام الأجنبية المعتمدة في مصر في الحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لعملها».
وبذلك، يظهر الموقف المتناقض الذي تمارسه الهيئة في التعامل مع أي تقارير تحمل وجهة نظر مختلفة عن وجهة الدولة، وهو موقف يعكس بوضوح آلية في التعامل تشمل تهديداً مباشراً للجميع: إما عرض الإنجازات كما تفعل وسائل الإعلام المحلية، أو المنع وعدم التعاون في أي أمر مرتبط بالتغطية والعمل داخل البلاد!


- النجوم يلبسون «البيجاما»

اختفت تماماً الوجوه الإعلامية التي سادت المشهد قبل «ثورة يناير». الإعلاميون الذين استطاعوا التعايش مع جميع الأنظمة، أبقاهم عبد الفتاح السيسي في منازلهم بالأمر المباشر، من دون حتى أن يستطيعوا الحديث بحرف واحد

في اللغة الدارجة المصرية، عندما يخرج الضابط من الخدمة يقول المصريون عنه: «لبس البيجاما». هذا المصطلح صار ينطبق على غالبية الإعلاميين من أصحاب الصوت العالي الذين تعاملوا مع مختلف الأنظمة منذ عهد حسني مبارك حتى اليوم، بعدما أجبرتهم دولة عبد الفتاح السيسي على الجلوس في منازلهم والاختفاء قسراً، من دون أن يستطيعوا الحديث حتى عن أسباب غيابهم. عندما تخلى «الجنرال» عن بزته العسكرية، وقرر الترشح لانتخابات الرئاسة في 2014، أجرى حواراً تلفزيونياً مطولاً مع الإعلاميَين إبراهيم عيسى ولميس الحديدي، نجمَي «التوك شو» آنذاك. اليوم، بعد 5 سنوات من هذا اللقاء، باتت الحديدي ممنوعة من الظهور، وعيسى مسموح له أن يطل إذاعياً فقط، مكتفياً بالحديث في الثقافة والفن والتاريخ! «إقصاء إجباري»، هكذا كان التعامل مع جميع الإعلاميين، والمقصلة بدأت بتخفيض رواتبهم ثم إقصاء المعارضين، من أمثال دينا عبد الرحمن، وصولاً حتى إلى إقصاء المؤيدين بشدة، أملاً في أن تحظى الوجوه الجديدة المدعومة من الأجهزة الأمنية بقبول لدى المواطنين.

ابراهيم عيسى

أُقصيت الحديدي إجبارياً قبل ساعات قليلة من ظهور برنامجها، فيما أُجبر وائل الأبراشي على تغيير طريقته، وفُرضت عليه خلود زهران (مذيعة جلسات «اسأل الرئيس» في منتديات الشباب) لتشاركه التقديم، كما حُجّم في إبداء رأيه بشدة. أما يوسف الحسيني، فأُجلس أيضاً خلف ميكروفون الإذاعة حصراً، بعدما وجّه انتقادات للسيسي في بعض المناسبات، وهو المذيع الذي لطالما عُرف بدعمه النظام في مواجهة جماعة «الإخوان المسلمون». أيضاً، خيري رمضان، الصحافي في «الأهرام»، أُجبر على الاعتزال مع إبعاده من برنامج «مصر النهارده»، وكذلك زميلته رشا نبيل التي أطيحت من التلفزيون المصري بعد أسابيع فقط من استقدامهما من القنوات الخاصة لتقديم «التوك شو» الرئيس على «شاشة ماسبيرو» ضمن خطة التطوير التي لم تحقق نجاحاً.

جابر القرموطي

من جهة أخرى، بقيت منى الشاذلي محظوظة بالتوقف عن السياسة كلياً في أعقاب إطاحة الرئيس «الإخواني» محمد مرسي، لتبقى في الترفيه مدعومة من زوجها ويستمر برنامجها «معكم» بشكله الترفيهي الفني. في الوقت نفسه، طُلب من عمرو أديب ألا يسهب في التفاصيل السياسية باستثناء بعض الأمور التي تُطلب منه بالأمر المباشر، ليضمن بقاءه على الشاشة. أما الإعلامي جابر القرموطي، الذي كان ينقل شكاوى المواطنين ويعرض الصحف فقط، فأُقصي كذلك بسبب ضيق الأجهزة من شكاوى المواطنين وكثرتها على الشاشة، فيما غُيّب معتز الدمرداش من المشهد بسبب بعض آرائه. خلاصة الإقالات والاستبعادات أن المشهد الإعلامي لم يبقَ فيه أي مذيع له شعبية أو جماهيرية حقيقية، في خطوة مقصودة لكي لا يكون لأي منهم دور في توجيه المواطنين كما حدث في «30 يونيو» عندما حشدوا المواطنين للخروج على مرسي، فالأجهزة لم يعد لديها ثقة بمَن انقلبوا أمس على حسني مبارك ورجاله وساروا مع اتجاهات الشارع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 183 / 2184593

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184593 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40