أحياناً يحسد البعض الرئيس محمود عباس على برودة أعصابه وعلى صبره وقدرة تحمله ونفسه «الطويل جداً»! كما يحسده بعض آخر على «ثباته» على «مبادئه» وتمسكه بتلك المبادئ! والحقيقة أنه ليس لدى الرئيس ما يحسد عليه، وكل المسألة أنه ليس لديه غير ما كان معروفاً عنه قبل وصوله للرئاسة وما أكده بعد وصوله إليها، وهو لا يزيد على عبارتين: «لا للعنف» و«نعم للمفاوضات»! وكان يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا بمبادئ الرئيس لو كان العدو الصهيوني يقبل بها، لكن العنف دين هذا العدو ومذهبه وجوهره الذي لم يتخل عنه يوماً، والمفاوضات تكون فقط بشروطه وإلا فلا مفاوضات!!
والغريب أن لا شيء يزحزح الرئيس عن «قناعاته» التي ثبت عدم جدواها في التجربة مرات، ولطالما «ندّد» هو نفسه بمنتهى البلاغة بالسياسات «الإسرائيلية» العنيفة والعنصرية، سواء ما تعلق منها باللجوء إلى القوة والعنف، أو ما تعلق منها بالاستيطان ومصادرة الأرض، أو في كذب مزاعمه بسعيه إلى السلام. أما رأيه في المفاوضات، فهو الذي وصفها بأنها «عبثية» ولا جدوى منها بعد أكثر من عشرين سنة على بدئها!
هكذا لا يمل الرئيس الدوران في حلقات هو يرسمها قبل عدوّه، كما لا يمل الدوران في العواصم العالمية التي يعرف أنها لم تكن يوماً في صف قضية شعبه بل كانت منحازة وفي صف عدوّه! وفي الشهر الحالي وحده زار باريس وبرلين وموسكو ونيويورك، وكان في جعبته نفس البضاعة التي حملها معه دائماً في رحلاته: «أيدينا ممدودة للسلام... قرارات الشرعية الدولية هي مرجعياتنا... الاستيطان هو العقبة في طريق استئناف المفاوضات... وحل الدولتين هدفنا»!
جولة عالمية لا نعرف كم كلفت ثمن التذاكر فيها، لكنها لم تحرك ساكناً، ولم تغير من الواقع القائم منذ سنين شيئاً!
في باريس، حدّثه الرئيس الفرنسي عن «المبادرة الفرنسية»، وعن نية فرنسا في استضافة «مؤتمر تحضيري» لبحث سبل استئناف المفاوضات، وبنود الحل الذي تقترحه فرنسا. لكن الرئيس الفرنسي استغل الفرصة للطلب من الرئيس الفلسطيني تأجيل أو تجميد تقديم مشروع القرار الذي سبق الإعلان عنه لتقديمه لمجلس الأمن بشأن الاستيطان ، لأنه سيؤثر في المبادرة! في موسكو، قال له بوتين: «سنؤيد جهودكم لاستئناف المفاوضات من أجل حوار بنّاء مع «الإسرائيليين»! في برلين، قالت له ميركل: «نؤيد المبادرة الفرنسية»! في نيويورك استرضوه بأن سمحوا له بالتوقيع على «اتفاقية المناخ»! بكلمة واحدة لا جديد، ولكن كيف يكون الجديد على المستوى الدولي ما دام لا جديد على المستوى المحلي الفلسطيني؟ بالنسبة للمشروع الفرنسي، رفضته حركة (حماس) ورأت فيه مضيعة للوقت، وهي على حق في هذا الموضوع، وإن كان إعطاء معنى لهذا المشروع، أو أي مشروع غيره، يتطلب أولاً اتفاق الفلسطينيين عليه، إذ كيف وما الذي يجعل الدول الصديقة للعدو أن تقف إلى جانب مشروع يرفضه، مهما كان، ويختلف عليه الفلسطينيون؟! وما الذي سيجنيه بوتين من تأييد مشروع يرفضه «الإسرائيليون» ويختلف عليه الفلسطينيون ، في وقت لا تخفى الفوائد التي يمكن أن يجنيها فيما تطرحه الحكومة «الإسرائيلية». ولعل الردود «الإسرائيلية» على تحركات السلطة الفلسطينية ورئيسها هي الأكثر دلالة بشأن «عبثية» تلك التحركات. إن أبرز الردود على فكرة تقديم مشروع القرار الخاص بالاستيطان لمجلس الأمن، لم يأت من نتنياهو مثلاً، أو من بينيت أو ليبرمان، بل أتى من أبرز «دعاة السلام» في الكيان، من يوسي بيلين عرّاب وثيقة جنيف، في مقال جعل عنوانه «مشروع عابث»، واقترح فيه بدلاً من «العبث» الذي جاء في المشروع «بدء مفاوضات على دولة فلسطينية في حدود مؤقته»! ومن يدري فقد تقتنع السلطة أخيراً فيما سبق لها ورفضته!
في فلسطين ومناطق الشتات، يسألون الرئيس: ماذا عن الموقف من الهبّة الشعبية التي يتباهى الرئيس بعدد العمليات الفدائية التي أحبطتها أجهزته الأمنية، وبعدد السكاكين التي صادرها في حقائب طلاب المدارس ؟! وماذا عن الموقف من «التنسيق الأمني»؟ وماذا عن المصالحة مع (حماس)؟ وماذا عن الاعتقالات التي تتم في صفوف الصحفيين الفلسطينيين؟ وأسئلة كثيرة غير هذه ليس لدى الرئيس أجوبة مقنعة لها. القيادات الأمنية «الإسرائيلية» تؤكد أن «التنسيق الأمني» مستمر وفي أحسن حالاته، و«المصالحة» ليس الرئيس أو (فتح) من يعرقلها، والاعتقالات مبالغ فيها وهي لا تتم على خلفية سياسية أو اعتداء على حرية الرأي والتعبير.. والمشكلة كلها عند الشعب الذي لا يعرف مصلحته !! كان الله في عون الرئيس!
السبت 30 نيسان (أبريل) 2016
جولة عالمية لم تحرك ساكناً
السبت 30 نيسان (أبريل) 2016
par
عوني صادق
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
23 /
2194896
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة وفاء الموقف عوني صادق ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
9 من الزوار الآن
2194896 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 9