تمر ذكرى ميلادك أيها الحكيم، ونحن ما زلنا على المستويين الشخصي والعام، نواجه ظروفاً صعبة ومعقدة وواقعاً مؤلماً لم نشهد له مثيلاً قبل رحيلك حيث أصبحت كلمة «الوفاء» كلمة جوفاء فارغة من مضمونها تُطلق في المهرجانات الخطابية الاستعراضية. نفتقدك اليوم أكثر من أي وقت مضى وما زلنا نعاني قسوة الرحيل ومرارة الفراق، لكننا نستمد القوة منك ومن روحك التي تحيط بنا دائماً، تمدنا بالعزيمة والثبات على المبادئ مهما كانت الصعوبات، في زمن كثُر فيه المنافقون وعز فيه الرجال.
لتكن ذكرى ميلادك مناسبة لتجديد العهد لك، بالمحافظة على خطك السياسي السليم، ومبادئك وقيمك التي نشأت وترعرعت عليها أجيال وأجيال. إن قضيتنا تمر اليوم في أخطر مراحلها، تتكثف فيها الجهود الدولية وتتهافت لإنهاء الصراع العربي «الإسرائيلي»، يتم فيها تطويع وتدجين المقاومة وابتلاع المزيد من الأرض وتهويد القدس وهدم البيوت وتشريد الشعب وانتشار المستوطنات كالوباء، وشطب حق العودة، وخلق واقع جديد يفرض المزيد من التنازلات عن طريق المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، في ظل اختلال موازين القوى، وفي ظل استمرار الحصار الظالم على شعبنا في غزة وسط صمت فلسطيني وعربي مطبق.
لكن شعبنا بإرادته الجبارة وصموده في مواجهة الرياح العاتية التي تعصف به من كل حدب وصوب، وبإيمانه بعدالة قضيته، سيكون قادراً على التمسك بالأهداف الوطنية والحقوق المشروعة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة فوق تراب فلسطين، كل فلسطين، مهما طال الزمن، ولن يفرط في ذرة تراب من أرض الوطن الغالي، الذي رُوي بدماء الآلاف من الشهداء الأبرار.
إن من كرّس حياته لشعبه وقدم عمره قرباناً على مذبح الحرية والإستقلال، وكان الضمير وكان الأمين على القضايا المصيرية، يستحق منا جميعاً المحبة والوفاء بالمعنى الحقيقي للكلمة.
في هذه المناسبة لك منا يا أبا ميساء، تحية حب وتقدير، وستبقى تعاليمك التي غرستها فينا حيّة ما حيينا، وستبقى سيرتك العطرة صفحة مجد في تاريخ أمتنا العربية.
لك المجد والخلود يا أغلى الناس.