مع بدء الحرب البرية، بعد أحد عشر يوماً من الحرب الجوية على غزة، وصلت حصيلة “الجرف الصامد” إلى أكثر من 600 شهيد، وثلاثة آلاف جريح . وقدرت شرطة هندسة المتفجرات في وزارة الداخلية في القطاع أن الطائرات والقطع البحرية والمدفعية “الإسرائيلية”، ألقت ما يزيد على عشرة آلاف طن من المتفجرات .
وجاءت موافقة الحكومة “الإسرائيلية” المصغرة على البدء بالمعركة البرية، بعد أن تبين لها أن الغارات الجوية لم تحقق شيئاً من الأهداف الموضوعة للحرب، وبعد رفض المقاومة الفلسطينية ل“المبادرة المصرية”، وفشل الضغط على المقاومة وتليين موقفها وإجبارها على التنازل أو التخفيف من مطالبها لوقف إطلاق النار .
المتحدث باسم الجيش “الإسرائيلي”، وكذلك البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء، أوضحا صباح السابع عشر من يوليو/ تموز الجاري أن “قوات برية بدأت بالدخول إلى قطاع غزة بدءا من مساء يوم الخميس، بهدف القيام بعملية محدودة لهدم الأنفاق، بمشاركة قوات من المشاة والمدفعية والهندسة والاستخبارات، وبالتعاون مع جهاز الأمن العام وسلاح الجو” .
الصحافة “الإسرائيلية”، وكتّابها الذين كانوا ضد “الاجتياح البري”، انقلبوا على مواقفهم وانضموا إلى قرار الحكومة الأمنية المصغرة . كبير المعلقين في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، برر العملية البرية بأن “استمرار إطلاق الصواريخ، ومحاولة التوغل عن طريق النفق إلى”كيبوتس“صوفا، عجلت بالاجتياح”! أما محللة الشؤون السياسية والحزبية في الصحيفة نفسها، فكتبت تقول: “إن الأنفاق هي التي رجحت الكفة . وبعد إحباط العملية في صوفا، لم يبق إلا خيار العملية البرية”، علماً بأن قرار البدء بالعملية كان قد تمت المصادقة عليه قبل البدء بالعملية بيومين .
أما الحقيقة، فهي أن مفاجآت المقاومة الفلسطينية، وصمودها في وجه العدوان الوحشي، أسقطت بشكل واضح مقولة “الردع” المزعوم، وكانت وراء اتخاذ قرار المعركة البرية، أملاً في استرداد هيبة الجيش وترميم “الردع” الذي تصدع بشكل واضح . وقد أظهر اليومان اللذان انقضيا على البدء بالحرب البرية، أن الجيش “الإسرائيلي” لم يستطع الدخول إلى القطاع إلا أمتاراً قليلة، بل تابعت الدبابات ما كانت تفعله الطائرات، أي القصف من بعيد . ولجوء المقاومة إلى أسلوب “حرب العصابات”، سواء في نصب الكمائن، أو عمليات القنص، أو الإنزال وراء خطوط العدو، أدى إلى إلحاق خسائر كبيرة في صفوف الجيش الغازي ما جعله يخشى الدخول إلى القطاع ويكتفي بالتوغل في الأطراف . وليس متسرعاً القول، منذ الآن، إن نتيجة هذه الحرب بالنسبة إلى الفلسطينيين، تتوقف على حسن استثمار الوضع الميداني وما حققته المقاومة من إنجازات . وفي الكيفية التي يتحقق بها هذا “الاستثمار”، يكمن معيار النصر والهزيمة . وهذا المعيار في أية حرب، هو ما يتحقق من أهداف الحرب لكل طرف .
فالتحركات التي تمت، ولا تزال جارية إقليمياً ودولياً، تحاول أن تنقذ حكومة نتنياهو وجيشه من الهزيمة . وهي تحاول الضغط على المقاومة الفلسطينية لتليين موقفها، والتنازل عن بعض مطالبها لوقف إطلاق النار، وبالمقابل تحقيق بعض أهداف “إسرائيل” . لقد اختصر الكيان أهدافه من الحرب التي شنها على القطاع في البداية بتجريد المقاومة من سلاحها وتحويل القطاع إلى “منطقة منزوعة السلاح”، ثم عاد للحديث عن “هدوء مقابل هدوء”، وهو ما يعني بقاء “الوضع القائم” قبل العدوان . أما مطالب المقاومة، فتركزت على “وقف العدوان على الضفة الغربية وغزة فوراً، وفك الحصار بفتح المعابر جميعاً وتشغيل الميناء، وحرية الحركة للمواطنين، وتنفيذ اتفاق أكتوبر ،2011 وإطلاق سراح كل المعتقلين الذين جرى اعتقالهم أثناء الحرب بمن فيهم المحررون في صفقة شاليت، الذين اعادت الأجهزة الأمنية”الإسرائيلية“اعتقالهم” .
المقاومة الفلسطينية ما زالت متمسكة بمطالبها، وهي ترفض أي وقف لإطلاق النار مالم يؤد ذلك إلى إنهاء الحصار بشكل نهائي، وأن ما عكسه الواقع الميداني حتى الآن، يظهر تفوقاً للمقاومة الفلسطينية، عليها أن تحافظ عليه وتؤكده بعيداً عن حجم الخسائر التي لحقت بالقطاع، سواء في الأرواح أو الممتلكات، فهذه “الأرقام” في النهاية ليست معياراً للنصر أو الهزيمة .
وفي مقال كتبه حامي شاليف في صحيفة “هآرتس”، ما يشير إلى ملامح الهزيمة التي تنتظر الغزوة “الإسرائيلية”، مشيراً إلى ما كان يحدث مع القوات الأمريكية قبيل هزيمتها في فييتنام، في أواسط السبعينات من القرن الماضي، ومشبهاً بها حال القوات “الإسرائيلية” في حربها ضد غزة، من حيث “إحصاء القتلى والأهداف وأطنان المتفجرات”، كأداة لتقييم الوضع في الميدان، فكتب يقول: “عندما كان الجنرال ويستمورلاند أمام لحظة حسم، دفع بمئات آلاف الجنود الأمريكيين إلى الحرب وتعهد ب(الضوء في نهاية النفق) . ولكن في غزة، وحتى اليوم، فكل ما يظهر في نهاية النفق هو الظلام، أو مجموعة للمقاومة في طريقها لتنفيذ عملية” .
الأربعاء 23 تموز (يوليو) 2014
معيار النصر في الحرب الثالثة
الأربعاء 23 تموز (يوليو) 2014
par
عوني صادق
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
6 /
2188442
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
21 من الزوار الآن
2188442 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 21