لن أطلق العنان للسؤال المنطقي الذي بات مرتبطاً بكل جريمة يرتكبها كيان الاحتلال والعنصرية مثل القتل والحرق وتكسير العظام، والذي يدور حول سبل وقف هذا الإرهاب “الإسرائيلي”، فجريمة قتل الطفل محمد أبو خضير، الذي وقع فريسة في أيدي التطرف الصهيونية، لتختطفه وتعذّبه وتحرّقه حياً حتى الموت، لا تبدو إلا حلقة أخرى تضاف إلى مسلسل دموي لن نرى نهاية له في المدى المنظور، والشواهد على هذا كثيرة وواضحة للعيان .
قتل وحرق وتكسير عظام، واستهداف للفتية القصّر، ترهيب واعتقال مصحوب بالتنكيل والتعذيب، في إعلان حرب ضمني على الإنسانية الفلسطينية، وفي المحصلة لا حصانة لأحد أو لشيء، لا حرمة لمقدّس، ولا اعتبار لعرف أو قانون أو أخلاق، في المعادلة “الإسرائيلية” اعتراف بشيء واحد هو القوة، وكيف يمكن أن تحوّل هذه القوة إلى وسيلة لتغيير التاريخ وقلب الحقائق وإبادة الشعوب .
الفتى محمد كان مجرد مثال دامٍ على ما يمكن أن تصل إليه أو حتى تتخطاه أيدي هؤلاء الإرهابيين، الذين لم يقروا بمسؤوليتهم عن الجريمة، وإن كانت أوساط المتطرفين من المستوطنين تتباهى بها، وتعتبرها “انتقاماً” لمقتل 3 مستوطنين متطرفين اختفوا الشهر الماضي بطريقة مريبة، ثم وجدوا مقتولين بعد أكثر من أسبوعين من العدوان المفتوح على الكل الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وغزة، ولم تجد سلطات الاحتلال ما يربط طرفاً فلسطينياً بهم، فلجأت كما هي العادة إلى التزوير والتلفيق .
والآن فإن فتية القدس، شأنهم شأن أقرانهم الفلسطينيين في كل مكان، يواجهون تصعيداً محموماً وممارسات وجرائم بحق إنسانيتهم وطفولتهم، على أيدي غلاة المستوطنين، وسلطات الاحتلال التي أخذت ترفع وتيرة اعتقال الأطفال والتنكيل بهم وتعذيبهم بهدف ترهيبهم، وأعادت إنتاج سياسة تكسير العظام ومارستها بحق عدد منهم، ولعل أحد هؤلاء الأطفال ليس إلا طارق، ابن عم الشهيد الطفل محمد، الذي وردت أنباء عن تعرضه للتعذيب أثناء الاعتقال، فسارعت واشنطن إلى التنديد ومطالبة الاحتلال بالتزام القوانين الدولية، لا لفلسطينية الطفل، بل لحمله الجنسية الأمريكية .
هذا لا يعيب الفتى بقدر ما يدين الولايات المتحدة و“إسرائيل” كحليفين تقليديين، وكقوتي احتلال عسكريتين مارستا أبشع أنواع التعذيب والقتل، وانتهكتا بدعوى الحفاظ على أمنهما كل مقدّس ومحرّم، وجعلتا من شرعة حقوق الإنسان الدولية مجرد أداة لترهيب وتخويف أنظمة قمعية فاسدة ومتهالكة، ووسيلة لاختراق الشعوب وزرع العملاء في صفوفها تحت مسميات وأوصاف كثيرة .
الكيان يدرك منذ اليوم الأول لزرعه في خريطة وجسد فلسطين المحتلة أن كسر إرادة الفلسطينيين وقتل قضيتهم، يتطلبان بالدرجة الأولى استهداف وعي وإرادة ونفسيات الأطفال، بهدف إرهابهم وتغييبهم، وتغيير المفاهيم لديهم وتحويلهم إلى الإقرار بالاحتلال وقبوله واقعاً مفروغاً منه، وبالتالي إلغاء فكرة مقاومة الاحتلال والصمود في وجهه وضد مخططاته وسياساته .
هجمة متسقة متصاعدة تستهدف الكل الفلسطيني، وهي ليست نوعاً من رودود الفعل، كما تحاول سلطات الاحتلال تصويرها، بل هي منهجية ومخططة بعناية وهادفة إلى قتل ما تبقى من إرادة ومقاومة، وهذا ما لن يتحقق للكيان أبداً، لكن المهم الآن أن يلتفت الفلسطينيون على مختلف المستويات إلى خطورة المرحلة، ويكف كثيرون منهم عما هم منشغلون به، وعما هم منصرفون إليه من تمسك بتسوية أفشلها الاحتلال وجعلها مطية وغطاء لاستمرار مخططاته .
الثلاثاء 8 تموز (يوليو) 2014
حرق وتكسير عظام
الثلاثاء 8 تموز (يوليو) 2014
par
محمد عبيد
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
9 /
2188043
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
24 من الزوار الآن
2188043 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 24