حالة الفوضى والصدامات في عدة مخيمات في الضفة الغربية حالة طبيعية، لمحاولات سعي السلطة الوطنية إلى تفريغ المخيمات من أي مظاهر “للتمرد”، بشقها المتمرد نحو الاحتلال أو التمرد المافيوي لمكاسب الشخصية بمنطق القوة والعربدة.
استطاعت الأجهزة الأمنية الإنجاز في مهمة حصر الشق الأول إلى حد كبير، لكن لم يتم الانتهاء من المظاهر المافيوية، لأسباب تظهر فشلاً، وأحياناً تشير إلى تقاعس مقصود، فارتباط عديدين من تجار السلاح وزعماء هؤلاء العصابات بأفراد متنفذين في جسم السلطة أفقد المهمة حزمها إلى النفس الأخير. إضافة إلى ذلك، يمكن بسهولة معرفة مدى رضى الأوصياء على السلطة من الأميركيين على هكذا ظواهر، فما يشير إليه دليل “مكافحة التمرد”، والذي أعدته القيادة المشتركة للجيوش الأميركية، ليكون دليلاً للحكومات التي تعاني من تمرد وصراعات داخلية، من أن وجود هكذا فئات بين المقاومين مهم، لضمان تفريغ المحتوى الشعبي لهؤلاء “المتمردين”، وبالتالي تسهل محاصرتهم، والقضاء على ظاهرتهم.
الرعب الذي يمكن أن يجتاح أهل نابلس، عندما تذكر كلمة “فلتان أمني” لا تجده بالحدّة نفسها لدى مدن أخرى. والصورة الذهنية التي ترسّخت عن هذه الظاهرة على أنها عربدة وسرقة باسم المقاومة، لربما نجد اختلافاً لها في مخيمات أخرى، لو أخذنا مخيم جنين مثالاً.
الفلتان الأمني ظاهرة يستفيد منها كل المواطنين الفلسطينيين، ما عدا السلطة، أي ليس هنالك فرض للضرائب، ولا قبضة أمنية على الناس. في المقابل، حالات التعدي غير المشروعة على الناس، “والعربدة” على الأموال، لا تتعدى حالات لا تستحق الذكر، ولا ترتقي إلى أن تشكل ظاهرة في الحيز العام. كمثال يذكره جيداً أبناء المخيم في إحدى فترات “الفلتان”، تم القيام بمبادرة لبيع الورد للتجار وللأهالي، لدعم المقاومين، وبالتالي، يتاح للشخص أن يقرر المبلغ الذي يرغب أن يضعه ثمناً لهذه الوردة، بقدر استعداده لتقديم الدعم. في الوقت الذي كانت ظاهرة السرقة والسطو على الأموال، تحت قناع المقاومة، منتشرة في مدن أخرى.
بين النموذجين، يسهل تفسير مدى ارتباط الناس بذكريات تلك الفترات أو، في المحصلة، بذكريات الانتفاضة الثانية. وتفسير مقدار الحنين، أو البغض، الذي ينتاب بعضهم، عندما يذكّره أحدهم بالكفاح المسلح، بالتأكيد، الحالة الثانية، أي نموذج “العربدة”، هي التي يبذل اللسان السلطوي جهده في تعزيزه لدى الوعي المجتمعي، حتى تأخذ حملات الأجهزة الأمنية نوعاً من الشرعية والقبول في الشارع الفلسطيني.
إن غياب قوة حقيقية للفصائل الفلسطينية في المخيمات، وظهور “أفراد” لهم قوة ظاهرة، أكثر من الفصيل، يسارع في تحويل أي ظاهرة للسلاح إلى مافيوية مبنية على مكاسب فردية، إضافة إلى قشرة “الاستقرار” وغياب المواجهة المباشرة مع المحتل أفقدت المجتمع حالة الحسم والكلمة القوية، في مواجهة أي ظاهرة دخيلة على مفاهيم المخيم.
على كل حال، المخيم هو الخيمة الأخيرة لظهور عمل مقاوم ومنظم، يمتلك الحاضنة الشعبية، وهو المكان الأخير الذي لم يتم الانتهاء منه في بناء الفلسطيني الجديد، والمفرغ من تاريخه ومفاهيمه الأصيلة، المثقل بالديون أكثر، وبالسياسة أقل، والمطعّم بمفاهيم مؤسسات التمويل الأجنبي.
في ظل هذه المعادلة، يتحتم على فصائل العمل الوطني الفلسطيني استعادة بنيتها التنظيمية، على أساس جماهيري، وتنظيم اللجان الشعبية، بما يضمن محاصرة زعماء العصابات المافيوية في المخيم ونبذهم، ثم احتواء العناصر وتوجيههم، والأهم أن يجري ذلك بعيداً عن عمل المؤسسات الرسمية ومنظمات التمويل الأجنبي، فالمطلوب إعادة توجيه التمرد لا مكافحته.
الخميس 22 أيار (مايو) 2014
المخيمات الفلسطينية .. المقاومة أم الفوضى؟
الخميس 22 أيار (مايو) 2014
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
12 /
2190947
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
10 من الزوار الآن
2190947 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 10