يتبارى المثقفون العرب في تذكير الناس بأنهم توقعوا ما يجري الآن في أوطانهم قبل حدوثه بزمن، ومنهم من يقول إنه قرأ ما كتبه المستشرقون منذ عقود ومنهم برنارد لويس الذي قال إن أفضل سبيل لاتقاء الخطر القادم من الشرق على الغرب هو تفتيت العالم العربي وتشطيره إلى دويلات متناحرة وطوائف تأكل بعضها بعضاً . وهناك من يذهبون إلى ما هو أبعد ويقولون إنهم كانوا على دراية بما كتب في القرن التاسع عشر، خصوصاً ما دونه رحالة كانوا مبعوثين من وزارة المستعمرات ويقدمون تقارير رحلاتهم إلى ساسة وجنرالات ينوون التوجه شرقاً .
والسؤال هو ما قيمة المعرفة إذا بقيت حبيسة الرأس؟ وما قيمة عيني زرقاء اليمامة إذا ادعت العمى، ولم تقل شيئاً عن الزاحفين على بلادها، سواء كانوا أشجاراً تمشي كما في الحكاية أو أشباحاً يصعب تحديد ملامحهم وهوياتهم .
إن هذه القطيعة بين الوعي ومجاله الحيوي وهو الحياة بكل حقولها تذكرنا بحديث شريف عن العلم الذي لا ينتفع به، ولو صدق من زعموا أنهم كانوا يعرفون لعوتبوا على صمتهم، فالصمت في مثل هذه الحالات تواطؤ .
وبالمقارنة رغم صعوبتها بين المثقفين العرب وأندادهم الغربيين فإن هؤلاء هم المنوط بهم دراسة المجتمعات المستهدفة سواء من حيث ثروتها أو موقعها الاستراتيجي، والتقارير التي تنجزها مراكز الأبحاث هي المرجعية الأولى للسياسي والجنرال والدبلوماسية، لكن ما يحدث في العالم العربي بخلاف هذا كله، فالهوة سحيقة بين من يكتبون ومن لا يقرأون، وحتى من يقرأون إذا كانت القراءة مجرد ملء للفراغ .
وقد أشيع بعد حرب يونيو/حزيران عن الجنرال دايان أنه قال إن خطة احتلال غزة وسيناء عام 1956 تكررت بعد أحد عشر عاماً لكن العرب لا يقرأون .
وليس مهماً ما قاله دايان أو غيره مادامت الوقائع بين أيدينا، ومادام الذين أدركوا الخطر قبل وقوع الفأس في الرأس لم يقرعوا الأجراس، أو أن أجراسهم كانت خرساء ومخلوعة الألسنة .
نعرف أن هناك من سبقوا برنارد لويس وسائر البرنندات حتى برنارد ليفي في رسم تضاريس سياسية جديدة للعالم العربي، وقسموا خطوط الطول والعرض على أسس طائفية ومذهبية، لكن هذه المعرفة ممنوعة من الصرف ومجرد أوراق صامتة في ملفات يعلوها الغبار .
لن نردد ما قاله أسلافنا وهو: سبق السيف العذل، ولن نردد أيضاً ما يقوله الإنجليز عن البكاء الذي لا جدوى منه على الحليب المسكوب، لأن الرواية لم تكتمل وثمة فصول مقبلة يراد لها أن تنقل التضاريس من خرائط الورق إلى التراب والماء، فالأوان لم يفت والواجب الوطني والأخلاقي على من يعلم أن يجهر بمعلوماته، والقول إن لا حياة لمن تنادي هو ذريعة الفرار من عبء المسؤولية .
الاثنين 10 شباط (فبراير) 2014
معرفة لا يرتجى معها غفران
الاثنين 10 شباط (فبراير) 2014
par
خيري منصور
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
14 /
2194001
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
12 من الزوار الآن
2194001 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13