في الآونة الأخيرة تتالت التسريبات المحذِّرة من أن جاري المفاوضات المكتومة بين الصهاينة والأوسلويين الفلسطينيين قد "وصلت إلى طريقها المسدود". هذه التسريبات كانت في أغلبها أوسلوية المصدر، لكنما رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال سارع ليضع حدًّا لها، وكأنما درءًا منه لمجرد توقع مثل هذا المآل، وانسجامًا مع معهود تفاؤله التسووي الدائم، ومعروف تمسكه بها خيارًا وحيدًا ولا من سواه. قال في مقابلة مع صحيفة ألمانية، إن "الطرفين لا يزالان يتفاوضان. المفاوضات في بدايتها، وهناك ما يكفي من الوقت للانشغال والبحث في المواضيع الصعبة التي على جدول الأعمال"... من هذه المواضيع الصعبة ما يطلق عليه أوسلويا "قضايا الحل النهائي"، أي القدس، والحدود، وحق العودة. كما وأن هذه المفاوضات التي تأخذ وقتها الكافي براحة، وتلك التسريبات المنذرة وضحدها، كلها جرت بموازاة طرح مشروع قرار في الكنيست الصهيوني يسمى "قانون تحصين القدس" يقضي بأن "لا تفاوض على تقسيمها، أو تسليم أجزاء منها، دون موافقة بأغلبية لا تقل عن 80 صوتًا". والمراد من هذا القانون هنا لا يخفى، وهو تكبيل يد الحكومة والقضاء على أي فرصة تسووية، لا سيما وأنها، كما قلنا، تعد واحدة مما يعرف بقضايا الحل النهائي الجوهرية في اتفاق أوسلو التصفوي. وإذا ما أضفنا كون عودة اللاجئين مسألة يجمع كافة الصهاينة على رفضها، وأن لديهم ما يلزم من متعدد السيناريوهات المناوراتية لمسألة الحدود، كتبادل الأراضي، والأسوار العازلة، والتوسع التهويدي الجاري على قدم وساق، وكل ما يجعل إمكانية قيام الدويلة الافتراضية الموهومة بحد ذاته ضرب من الخيال، فيمكن لنا ببساطة تصوُّر مآل مثل هذه المفاوضات من أجل المفاوضات والذي لا يتفق مع لا منطق ولا تفاؤل من لم يعد لهم من خيار سواها.
إذن، المفاوضات جارية والتهويد في ظلها تسابق إيقاعاته المتسارعة الزمن وتُسن له القوانين التي تحصنُّه، أي أنه بالنسبة للصهاينة ليس بالإمكان أحسن مما كان، إلا أن المستجد المقلق لهم وللأوسلويين معهم، وهنا تتقاطع موضوعيا مصلحتاهما، هو الخشية من انفجار الأوضاع في الضفة، التي تلتهب نار الانتفاضة المتقدة تحت رماد واقع راهنها المتفاقم السوء. ففي إشارة لمصرع ثلاثة من الصهاينة خلال أسبوع واحد نقلت القناة العاشرة في تلفزيون الكيان عن ضابط وصفته بالكبير بأن عمليات المقاومة الأخيرة في الضفة توحي "بقرب وقوع شيء كبير في المستقبل يشبه الانتفاضة". هذا الكلام سبقه إليه العديد من صهاينة المستويين السياسي والأمني، وهو ما طفق يردده إعلامهم في الآونة الآخيرة، والأمر الذي باتت سلطات الاحتلال تتحوط له وتسلك في تحوطها سبل ثلاث، أولاها، تشديد قبضتها الأمنية المفرطة مستفيدة من التنسيق الأمني معها من قبل أجهزة السلطة الأوسلوية، ولدرجة تحميل الأخيرة مسؤولية عدم تفادي وقوع أي فعل مقاوم يقع، كما كان الحال إثر مصرع الصهاينة الثلاثة مؤخرًا. وثانيتها، مستمر عمليات الدهم والإغارة والاجتياحات الدموية المتصاعدة، التي تترافق عادةً مع القتل والتخريب والاعتقالات، والتي باتت في الآونة الأخيرة الأقرب إلى الفعل اليومي، ومنها ما حدث قرب قريتي بلعين وكفر نعمة غرب رام الله، والذي انتهى باستشهاد بطل قرية لقيا محمد العاصي، المطارد من قبل المحتلين منذ عمليته التي قادها في تل أبيب منذ عام ونصف، حيث قاوم الشهيد المحتلين ببسالة في معركة استخدموا فيها كل ما لديهم حتى الجرافات، ولم يتمكنوا منه إلا بقصف المغارة التي يتحصن فيها بصاروخي لاو، ثم ما تلا من الاشتباكات التي دارت بين أهالي قريته وجيش الاحتلال التي سبقت تسليم جثمانه لذويه وما ترتب عليها من إصابات، إلى جانب اجتياح قطعان المستعمرين لقرية بورين في منطقة نابلس منتصف الليل. وثالثتها، جارٍ تسريع عمليات التهويد وابتلاع الأرض وإصدار قرارات هدم البيوت لتفريغ الأمكنة قيد التهويد من أهلها.
وإذا كانت الانتفاضة المنتظرة تقض، كما قلنا، مضجع المحتلين والسلطة القابعة تحت رحمة الاحتلال، ونقول السلطة، لأن اندلاعها من شأنه أن يؤبنها، وبالتالي يمس مصلحة شريحة أُستنبتت وترعرعت في كنفها، فلا بد لهم من إضافة خطوة تضاف إلى مثل هذه السياقات الاحترازية، أو محاولات قطع الطريق على اندلاعها المتوقع لنضوج كافة دواعيه الموضوعية، رغم جسامة موانعه التي لا ينبغي تجاهلها والتقليل منها. ومن ذلك الإيحاء بعدم انسداد آفاق التفاوض العبثي الدائر، وتعزيز هذا الإيهام بالحديث عن قرب الإفراج عن 32 أسيرًا ممن قضوا في الأسر أكثر من عشرين عامًا، أو ما يعرف بالدفعة الثانية، وفق اتفاق أشهر التفاوض التسعة، الذي هندسه كيري لإعادة الطرفين إلى طاولتها، والذي أطلق المحتلون على أثره الدفعة الأولى، واشترطوا التزامهم بما يتبعها برضاهم عن المسيرة التفاوضية المزمعة. هنا لا بد من الإشارة إلى أمرين، الأول هو، أن الصهاينة، ومن حينها حتى الآن فحسب، قاموا باعتقال ما ينوف على الأربعمئة أسير جديد، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف مجموع من أطلقوا صراحهم في الدفعة الأولى وما يزمعون إطلاقهم في الثانية معًا، والثاني، أن غلاتهم قد طالبوا نتنياهو بالتراجع عن هذا الالتزام، لكنه رفض معللًا رفضه بأن إطلاق عدد محدود من الأسرى هو "أهون الشرين" مقارنةً بمطلب إيقاف التهويد الذي رفضه، بل بات يدفع بمزيد من خطواته المتسارعة.
السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
في مواجهة نذر الانتفاضة .. قتل .. تهويد .. ومفاوضات!
السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
par
عبداللطيف مهنا
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
51 /
2487596
ar الإعلام المركزي أرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
180 من الزوار الآن
2487596 مشتركو الموقف شكرا