ما أغناني عن الحاجة إلى بيان أهمية موضوع هذا العرض، ومكانةِ من سيلقيه، 28 أيلول/سبتمبر بؤرةُ انعقادِ حوادث كبرى في تاريخنا السياسي المعاصر، كان لها في ذلك التاريخ كبيرُ أثرٍ، وعظيمُ تأثير؛ أكان ذلك لجهةِ السلّبِ أو لجهةِ الإيجاب. واستعادتُها اليوم ليست مصروفةً، وينبغي أن لا تكون مصروفةً، لا لدافع توستالجي، ولا لبكائياتٍ بلاغية جديدة تعافُها النفس المُتْخَمَة بعوامل التَّخَزُّن... وما أكثرها. لِنقُل، إذاً، إنّ وظيفة تلم الاستعادة راهنة ومستقبلية، وهي – في الحالين – لتمرين العقل والإرادة على عادة الاتعاظ بدروس التاريخ، والبناء على مقتضاها.
28 أيلول/سبتمبر رمزٌ لحادثات أربع كبرى يختصرها عنوانان عامان: نائبتان وملحمتان:
أولى النائبتين، وأقدمهما، نائبة الانفصال سيئة الذكرى؛ حيث انوضع حدٌّ لأول – وأكبر – عملية وحدوية شهدتها بلاد العرب في عصرها الحديث: الوحدة المصرية – السورية التي كانت “الجمهورية العربية المتحدة” بإقليميها إطارها الكياني، خمسة وأربعون شهراً فقط من عُمر تلك الوحدة التي انقضى عليها الانفصاليون، فأتوا عليها بمعاول الهدم وبمّا تشتد عوداً، وما زال أمامنا شوط طويل لنقرأ معنى أن يقضي مشروعٌ عظيم كهذا، وهو في المهد، من دون أن تنجح الأمّة في الردّ الفوري عليه. وهل كان التباطؤ في الرد، والتراجع عنه، هو ما قادنا اليوم إلى أن نخوض قتالاً تراجعياً عمّا كنّا نرفضه، قبل نصف قرن من كيانات ما كانت تغري بمدافعتها...
ثاني النائبتين رحيل صانع الوحدة وقائد المشروع القومي: جمال عبد الناصر، رحيلٌ أرهص بخريف سياسي طويل، وهو، حقّاً طال إلى الحدود التي ناء بحملها الوطنُ والأمّة. وإذا كان الخريف هذا ممّا زاد من ألقِ الكاريزما الناصرية في النفوس، وفتح العقول والأبواب أمام قياس الفارق الرؤيوي، فإنه الخريف الذي ألقى بكلكله على تناقضات عصبوية بغيضة عادت بالأمّة إلى أنتربولوجيا الملل والنّحل، والمذاهب، والقبائل، والعشائر، والبطون والأفخاذ... وما خفي أعظم.
قابلتِ النائبتين ملحمتان:
أولى الملحمتين: في بيروت، حين أجبرت المقاومة الوطنية جيش الاحتلال الصهيوني على أن يرحل، بعد أقل من أسبوعين على احتلال العاصمة، رحل ذليلاً وهو يتوسل أهل بيروت أن لا يطلقوا النار عليه، رحل يتسول أمان خروجه بمكبرات الصوت، كان ذلك الخروج الذليل مقدّمةً مبكرة لانكفاءات عسكرية لاحقة: عن صيدا، وعن جزين، وصولاً إلى الجلاء المهزوم في العام 2000. ومن حينها، تعلمت دولةُ العدو كيف تحسب لهذه الأمّة حسابها.
وثاني الملحمتين انتفاضة الأقصى التي اندلعت في العام عينه الذي جلت فيه جحافل المحتلين عن جنوب لبنان، بقوة ضربات المقاومة، وتلقّت فيه تسوية “أوسلو” نكستها في كامب دايفيد الثانية بعد لاءات الشهيد أبي عمّار المتمسكة بالحقوق الوطنية. مرةً أخرى أعادت انتفاضة الأقصى دروس الانتفاضة الأولى في العام 1987: إرادة الشعب لا تُقْهَر، ومعركة التحرر الوطني انتقلت من التجوم إلى الداخل، ومن النخب الثورية إلى جماهير الشعب. لم تَجُبَّ الانتفاضتان ما قبلهما من تجربة طليعية في العمل الفدائي والكفاح المسلّح، بل أتت وليداً شرعيّاً لهما، واستمراراً لتراثه على أوسع نطاقٍ شعبي.
ذلكم مغزى حادثات 28 أسلول/سبتمبر بخيرها ونفعها. أما المدعوُّ إلى الحديثِ فيها حديثَ تحليلِ وإفاضةٍ وتنفيل، فأنتم أعرف، ولمكانته الاعتبارية في لبنان والوطن العربي أدْرَك، ولأدواره النضالية في المدارين الوطني والقوميّ أشهد، إنه الحاضر، أبداً، بالرأي المبدئي، والموقف الشجاع، والمبادرات المبدعة كلما إلى ذلك دعا داعي الوطنية والعروبة والتضامن الأممي. معن بشور الذي نفيء جميعاً إلى ظلّه في هاجرةٍ صَهْدَاء، ونَلُوذ به في المُلِمّات الكحلاء هو صوتنا الجماعي، مفردٌ بصيغة جَمْع، الترمومتر الذي تقيس به درجة السلامة والصواب في خياراتنا. إنه المدرسةُ التي تمشي على قدمين كما سميتُه يوماً.
من أفضل من المناضل الصديق الأستاذ معن بشور للحديث في شأن عاشه عن قرب، ورافق تفاصيله، واتقن دائماً كيف يستعيد التفكير فيه، وكيف يشتقّ من خبرته الدروس، فالكلام له حيث مقام الذكرى مَقَامُه.
الأربعاء 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
كلمة ....
الأربعاء 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
par
د. عبد الاله بلقزيز
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
15 /
2197595
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
2197595 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 20