تثير المفاوضات المفاجئة التي تتم الآن بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني تحت ضغوط أمريكية، مجموعة من الأسئلة تتعلق بتوقيت هذه المفاوضات وبالمفاجأة التي تمت بها . وهناك من المراقبين العرب والأجانب من يرى أنها تسبق ضربة ما تنوي الولايات المتحدة القيام بها في مكان ما من المنطقة . وقد لا تكون التكهنات بعيدة عن الحقيقة، فقد أثبتت التجارب السابقة أن الدعوة للمفاوضات كانت دائماً تسبق النوايا الفعلية لفعل خطير يحتاج القيام به إلى كسب المشاعر وتهدئة الخواطر . ويبدو أن الضربة المزمع القيام بها ستكون محدودة وسريعة وأنها ليست خارج الوطن العربي وامتداداته الشرق أوسطية . وهذا يؤكد حقيقة أن الدولة الكبرى لا تستطيع أن تعيش خارج المناخ المضطرب وفي منأى عن الحروب المفتعلة .
وإذا كانت أولى المفاوضات قد بدأت في “مدريد” تمهيداً للحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق، فإن ما تلاها من دعوات للمفاوضات الفاشلة كانت تسبق أي عمل فعل آخر لصرف الأنظار من ناحية وفي محاولة لكسب المشاعر العربية والتأكيد على رغبة الدولة العظمى في حل أكبر قضية في حياة العرب وهي القضية الفلسطينية التي يوليها العرب خاصة والمسلمون عامة جل اهتمامهم، ويرون في الوصول إلى حلول عادلة واستعادة للحقوق المستلبة مدخلاً لعلاقة ثابتة ومستقرة ومتطورة مع هذه الدولة العظمى . والرأي السائد هو أن المفاوضات الحالية والتي توصف بالمرتجلة لن تسفر عن شيء وأن الفشل يصاحبها منذ اللحظات الأولى، وأن النتائج لن تختلف كثيراً عن نتائج المفاوضات السابقة التي تمّت لأهداف لا علاقة لها بالقضية المؤرقة لوجدان الشعب العربي والشعوب الإسلامية .
وهناك كثير من المراقبين ينظرون إلى هذه المفاوضات المرتجلة من زاوية مختلفة تماماً، وهم يعتقدون أن الولايات المتحدة باتت تعاني قلقاً ضاغطاً وغير مسبوق سببه ما يحدث في أقطار الربيع العربي، وأن الرحلات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الأمريكية إلى المنطقة وتنقلاته بين عمّان والقدس ورام الله، لم تكن تهدف إلى إيجاد مفاوضات حقيقية وناجحة بقدر ما كانت تدرس الأوضاع في سوريا ومصر وإيران، وتستعد لرسم أبعاد استراتيجيتها الجديدة في ضوء ما يحدث حتى لا تتجاوزها الأحداث وتشعر في وقت قصير بأن المنطقة الموالية والخاضعة لنفوذها السياسي والاقتصادي قد جنحت إلى اختيار آخر .
وما يبدو الآن موضع يقين لا يقبل الشك أن سياسة الولايات المتحدة دخلت مرحلة من التخبط غير المسبوق، وأن محاولة استخدامها للأساليب المكررة واعتمادها على الدعوة إلى المفاوضات وغيرها من الأساليب تكشف بوضوح أبعاد هذا التخبط، كما تكشف في الوقت ذاته حيرتها تجاه زلزال المتغيرات وعدم قدرتها على الملاءمة بين مواقفها السابقة وما يفرضه عليها الظرف الراهن من اتخاذ مواقف جديدة قد تتعارض مع مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني الذي ترعاه وتوليه من الاهتمام أكثر مما تولي مصالحها التي بدأت في مرمى التهديد والضياع، بعد أن ارتفعت نسبة الوعي وتنسمت الشعوب أنسام الحرية والكرامة والعدالة .