الأحد 2 حزيران (يونيو) 2013

إعادة إنتاج« إسرائيل»

الأحد 2 حزيران (يونيو) 2013 par هاشم عبد العزيز

الأمريكيون جادون، هذا ما بات يُسوق إعلامياً في شأن التحرك الأمريكي تجاه تسوية القضية الفلسطينية، والواقع أن الأمريكيين باتوا على هذا الموقف، فقد رموا بثقلهم للوصول إلى اتفاق “إسرائيلي” فلسطيني، وبعد قرابة عشرين عاماً من الاستفراد الأمريكي بهذه المنطقة بشأنها وشؤونها وأزمتها هاهم يفتحون النوافذ أمام الأوروبيين والأبواب أمام العرب، وبات الاهتمام بهذه الأزمة متزايداً وهو ما عبّر عنه التحرك الصيني غير المسبوق في هذا المشهد .

هل جاء هذا من منطلق أن الولايات المتحدة باتت على قناعة من أن استفرادها في شأن وشؤون هذه المنطقة وأزمتها الذي داوم على سياسة “الازدواج” بلغ نهاية الطريق المسدود؟

في النظرة العامة تبدو التحركات الناشطة في شأن الأزمة شرق أوسطية، كما لو أن الولايات المتحدة أدركت تبعات هذه السياسة المزدوجة بمترتباتها على سمعتها وعلى المصالح الأمريكية في هذه المنطقة، وأن هذا جاء تجاوباً أمريكياً مع المطالب التي ظل أصدقاؤها يلحون عليها وأنها تبدأ الخطوة العملية الجادة في اتجاه السلام المنشود .

الواقع أن الأمريكيين باتوا الآن على قناعة أكثر من أي وقت مضى في شأن إنجاز اتفاقية “سلام” والوصول إلى نهاية للخروج من هذه الطريق المسدودة التي أبقت المنطقة في حالة عدم استقرار وأزمتها في تداعيات مفتوحة على المجهول .

الأمريكيون جادون و”صادقون” في أن تكون هناك نهاية “مريحة” لهذه الأزمة وإحلال سلام “كامل” ودائم عوضاً عما هو قائم من عداء متفاقم بين الجانبين، وهم بتحركهم الآن يبدون أكثر ثقة للوصول إلى هدفهم المنشود .

ومربط الفرس في ما يجري بات يتبلور في الوصول إلى سلام أمريكي .

الخيار الأمريكي هكذا لا يقوم على مبادئ مؤتمر مدريد للسلام، ولكنه يرتبط بسياق السياسة الأمريكية تجاه هذه المنطقة عامة وفي شأن هذه الأزمة على وجه الخصوص، والغاية هي إنجاز سلام للاحتلال بما يترتب عليه من تنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ووجوده ومصيره .

بمعنى آخر الاندفاع الأمريكي الآن وفق ما يجري يبدو وكما لو أنه بلغ اللحظة الفاصلة في شأن سياسة تطويع الموقف العربي لواقع الاحتلال، وأن هذه اللحظة مناسبة تماماً لتسويق وتحقيق سلام أمريكي .

الأمريكيون في تحركاتهم راهناً يستثمرون نتائج استفرادهم بهذه المنطقة وأزمتها، لقد كانت سنوات الخراب الأمريكي عربياً عموماً وفلسطينياً خصوصاً، وجرى ذاك الخراب بدفع الخلافات العربية إلى الانقسامات ثم الخلافات في الصف الفلسطيني السياسي إلى التفتت وتداعياتها واضحة بحالة الاستلاب العابرة على البشر وافتقاد الإرادة الواعية .

الأمريكيون من جهة ثانية يحاولون بأقصى ما لديهم استثمار أوضاع الانقسام الفلسطيني، خاصة والاضطرابات المتداعية في غير بلد عربي من جراء الالتفاف الذي جرى على ما يسمى ربيع التغيير .

لدى الأمريكيين اعتقاد كبير بأن الظروف مهيأة لتحقيق هدفين:

الأول: اختزال طبيعة الأزمة بالدفع باتجاه إنجاز اتفاق “سلام” فلسطيني “إسرائيلي” يقفز على طبيعة هذه الأزمة ولا يواجه جذورها، والأبرز منها الاستيطان الذي يرتبط بالأرض الفلسطينية واللاجئون بالعودة إليها وإلى بيوتهم، وهي قضايا غير قابلة للالتفاف وهي لا تموت حتى لو فرضت إعلانات بشأنها تتصادم مع إحقاق الحق المسلوب .

الثاني: ما كشفته الزيارة المتزامنة لوزيري خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا، فالزيارة في ظاهرها بدت، كما لو أنها إظهار العزيمة والجدية لحل الأزمة، لكنها أعادت التذكير بالاتفاق الأمريكي البريطاني في شأن الكيان الصهيوني، فقد تكفلت بريطانيا بوجوده من خلال وعد بلفور، وأمريكا تعهدت بدعمه وحمايته، والتذكير لا يتوقف عند “كان يا ما كان”، بل يؤخذ في الاعتبار أن ما يجري وبخاصة أمريكياً يهدف إلى إعادة إنتاج “إسرائيل” .

على هذا التجديد لن تبقى “إسرائيل” ركيزة عسكرية استراتيجية أمريكية وحسب، بل ستكون إلى ذلك ركيزة مالية وتجارية واقتصادية في هذه المنطقة وعلى حساب مراكزها القائمة والقادمة في آن .

لهذه “الوظيفة” ذات الآثار المباشرة والأبعاد الاستراتيجية كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد جدّد ومن تل أبيب تعهد الولايات المتحدة بإبقاء “إسرائيل” قوة عسكرية متفوقة في هذه المنطقة، فيما طالب وزير خارجيته أثناء مشاركته في المؤتمر الاقتصادي الدولي الذي انعقد منذ أيام في الأردن بانفتاح عربي اقتصادي وتجاري مع “إسرائيل” .

في الإجمال، تدير الولايات المتحدة ليس عملية بل لعبة سلام للاحتلال، لكن مع إنكار الحق والعدل تصير لعبة انتحار لا سلام واستقرار وازدهار، وهذا ما ستكشفه قادم الأيام .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2692436

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع الإعلام المركزي  متابعة نشاط الموقع أرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2692436 مشتركو الموقف شكرا

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010