لم يعد أحد يتحدث هذه الأيام عن القمة العربية الدورية التي كان من المقرر أن تعقد في بغداد الشهر الفائت، والأسباب كثيرة وواضحة، أبرزها بالطبع حالة عدم الاستقرار التي تسود الكثير من الدول العربية الآن، فمعظم الدول يشغلها حالها الداخلي المباشر، كما أنه لا أحد من القادة العرب في مقدوره وحده أن يأخذ مبادرات لإيجاد حلول لهذه الحال العربية، فضلاً عن أن أجندة تلك القمة باتت غامضة، لسبب مباشر أن أحداً ليس في مقدوره أن يتنبأ بما سيؤول إليه حال النظام العربي، وما سوف تفعله الثورات العربية به، فالنظام العربي نفسه أضحى في مهب رياح الثورات العربية .
هل هي مرحلة إعادة ترتيب الأوراق؟
يبدو أن الأمر كذلك، فنحن نعيش لحظة فارقة من عمر النظام العربي من منظور أنه كنظام دول وليس نظام شعوب ،أضحى نظاماً استبدادياً غير ديمقراطي لا يقر ولا يعترف بحق الشعوب في المشاركة بالقرار السياسي، كل هذا الذي كان يقال عن النظام العربي ويتهم به، بات من الممكن مراجعته وتصحيحه .
لم يعد مستحيلاً علينا أن نبدأ من الآن كمشاركين في تقرير هوية ومستقبل النظام العربي الذي نريد، فالثورات العربية والانتفاضات العربية تكاد تجتمع كلها حول مطالب ثلاثة هي: العدل والحرية والسيادة الوطنية والقومية، وإذا كان النظام السياسي الذي يريده الشعب العربي هو النظام الذي يحقق على المستوى الوطني العدل والحرية والسيادة الوطنية، فإن النظام الذي يجب أن يسود عربياً هو النظام الذي يحقق أيضاً العدل والحرية والسيادة القومية، وهنا نجد أن هدف الوحدة يجب أن يكون شعاراً، ولكن على أساس من العدل والحرية .
في مقدورنا أن نبدأ في تأسيس مشروع عربي جديد لنظام عربي جديد، وفي مقدورنا أن نبدأ عبر مراكز البحوث والدراسات العربية وغيرها من المؤسسات والمنتديات أن نفتح من الآن ملف تأثير الثورات الديمقراطية العربية في النظام العربي وتأثيرها بالعلاقات المستقبلية لهذا النظام مع الجوار الإقليمي، سواء الجوار الحضاري للعرب، تركيا وإيران، أو الجوار الإفريقي، أو النبت الشيطاني المتمثل في الكيان الصهيوني .
أسئلة مهمة كثيرة في حاجة إلى إجابات، إذ لم يعد ممكناً أن يحدث ما يحدث داخل النظم العربية الحاكمة، ويبقى حال النظام العربي على الجمود والهشاشة .
المراجعة واجبة، وهذا أوانها، والثورة يجب أن تصل إلى عمق النظام العربي الذي يقف الآن عاجزاً عن فعل أي شيء في أي شيء يخص العرب مقارنة بالآخرين والأمثلة كثيرة .