الاثنين 5 حزيران (يونيو) 2023

الثقافة السينمائية الفلسطينية بلغة أصحابها

سليم البيك
الاثنين 5 حزيران (يونيو) 2023

في حديث لا ينتهي حول الثقافي والمعرفي في السينما الفلسطينية، تستدعيه أفلام طويلة وقصيرة، روائية ووثائقية، تشي بجفاف سينمائي فيها، تغطّيها تقنيات بصرية لا تحتاج ثقافة ولا فناً، مكتفية بتدريب تقني على استخدام آلة لا روح فيها ما لم تُبث من قبل مستخدمها، أما مبعث البث فلا يكون سوى الثقافة السينمائية الذاهبة أفقياً في سينما العالم، وعمودياً في السينما الوطنية. في حديث كهذا، يصفّ أحدنا مصادر المعرفة أمامه ليجد محدوديةً في كمّها بالإنكليزية، وكمّها ونوعها بالعربية.
سؤال يراود أحدنا في كل مرة يشاهد أفلاماً فلسطينية فاقدة لعمقٍ ثقافي، وإن حاولتْ إدراج مرجعيات في الفيلم، فتكون على السطح ومقحَمة في غالبها، وكذلك في كل مرة يسمع أحدنا مخرجاً/ةً يتحدث سينمائياً عن غير أفلامه. بعض المسؤولية في ذلك يقع على مؤسسات لم تترجم، بعد، ثلاثة كتب عن الإنكليزية، يمكن أن تكون رافداً ضرورياً لصنّاع الأفلام، الشباب تحديداً، حيث الخلل يضرب في عدة جوانب لأفلام طويلة أولى وثانية وأحياناً ثالثة، دون التقليل من المجهود والرغبة في صناعة فيلم جيد، لكنهما، المجهود والرغبة، لا يعوّضان التواضع المعرفي.
لكن، وإن كانت اللغة عائقاً مهما بلغت نسبته، ماذا عن الكتب العربية حول السينما الفلسطينية؟ هل يقرأ صنّاع الأفلام كتباً بالعربية أم يكتفون بدورة تدريبية على التصوير، وبتقنيّات حديثة، وبين أيديهم نمطيات لا تنتهي مما يريده العالم من «السينما الفلسطينية»؟ لماذا تتكرر الأخطاء وتتحول بتزاحمها إلى كوارث؟ لماذا لا يراكم صنّاع الأفلام على شغل آخرين، لماذا لا نجد ثقافة واطلاعاً سينمائياً ونقدياً (ولا أقول بعد: أدبياً وفلسفياً وفنياً) فلسطينياً وعالمياً؟ لماذا يشعر أحدنا أن الرتابة صارت ثيمة سينمائية فلسطينية؟

كي لا تكون الأسئلة هذه دون غاية المحاولة للإجابة عنها، يمكن لكلمتين متقابلتين أن تفيا بذلك: المعرفة والثقافة. ولا ينادي أحدٌ بقراءات عن سينما من كل العالم، بل بالمختصة في السينما الوطنية، كسبب ضروري يخفف من وطأة الجهل المرئية في كثير من هذه الأفلام.
قبل سرد كتب ضرورية القراءة للبدء بكتابة سيناريو أول فيلم لأي صانع\ة أفلام فلسطيني، لا بد من ذكر مسؤولية المؤسسات الثقافية في تزويد المكتبة العربية والفلسطينية بكتب جديدة، أو معاد إصدارها، مكتوبة بالعربية أو مترجمة عن لغات أخرى، لكن، لا أحد إلا «المتعفّف» في النهاية، يمكن أن يردّ هنا: ليس هنالك ما نقرأه، أو لا ضرورة أساساً للقراءة. ببساطة، ليس هنالك الكافي والوافي من الكتب حول السينما الفلسطينية، وقراءة المقالات الأسبوعية والبحوث الدورية، وهذه الأخيرة نادرة بالعربية، لا تعطي معرفة متكاملة متراكمة على صفحات طويلة في كتب، تُقرأ على أيام وأسابيع بدل الدقائق المنهية للمقالة. وهذا، أخيراً، لا يبرّر للصنّاع التواضع المعرفي في أفلامهم، ولا يحول دون السؤال: لكن هل يقرأون الموجود؟
في محاولة الإجابة عن «ماذا نقرأ؟» نبدأ بكتابين للناقد الراحل بشار إبراهيم «السينما الفلسطينية في القرن العشرين» دمشق ـ المؤسسة العامة للسينما 2001 و»ثلاث علامات في السينما الفلسطينية الجديدة» دمشق ـ دار المدى 2005 يمكن إضافة كتاب ثالث إليهما هو «فلسطين في السينما العربية» المؤسسة العامة للسينما ـ 2005.
الكتابان انطباعيان وصفيّان في عمومهما، يقدمان المعلومة بالدرجة الأولى، الرأي النقدي في كليهما يبقى على السطح، وفيهما حكم أخلاقي (لسليمان وخليفي) قيمتهما الأساسية هي استثنائيّتهما في زمنهما، في تناول أفلام ما بعد الثورة، في رياديّتهما في ذلك، وإن تكرر الكثير من مضامينهما، بل نسخت بعض صفحات أولهما في ثانيهما. لكنهما يأتيان ضمن المحاولات الجادة في نقاش الحالة السينمائية الفلسطينية، بالعربية، وقراءتهما ضرورية للاطلاع على السينما الفلسطينية ما قبل عام 2000. يوازيهما كتاب «السينما الفلسطينية في الأرض المحتلة» القاهرة ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1997 لسمير فريد، فيه يتناول السينما الفلسطينية ما بعد الثورة، مضيفاً إلى مراجعاته للأفلام، التي جمعها الكتاب، بيانات سينمائية فلسطينية في المنفى. أما أهميته فتكمن في نوعية القراءات التي قدّمها كاتبها.

معظم الباقي تناولَ سينما الثورة ومن جوانب مختلفة. منها كتابا «أحلام لم تتحقق» عمّان: دار أزمنة، 2017 و»المتشائل السيناريو» طبعة خاصة في عمّان 2015 وكلاهما لمصطفى أبو علي، ومن إعداد خديجة حباشنة. هما وثائق تفيد في فهم محاولات سينمائية لم تتحول إلى أفلام، في زمن الثورة. أضيف إليهما كتاب حباشنة «فرسان السينما: سيرة وحدة أفلام فلسطين» عمّان الأهلية، 2019 الذي قدّم كذلك وثيقة مبنية على ذكريات ومقابلات وشهادات شفوية، تسترجع سينما الثورة الفلسطينية من خلال مشاركين فيها، إضافة إلى صفحات توثيقية، من بيانات وبطاقات أفلام وصور. والحديث دائماً عن سينما الثورة الفلسطينية، وقد صدر في زمنها أكثر من كتاب، أذكر كتابيّ قاسم حول «السينما الفلسطينية» بيروت ـ دار العودة، 1979 و»3 أفلام عن القضية الفلسطينية» بيروت ـ الفارابي 1974 وهما بيانات ومعلومات مصفوفة كوثائق مع شروح، وكذلك الحال مع كتيّب يفوقهما أهمية، هو «عن السينما الفلسطينية» ـ أفلام فلسطين، 1975 لمصطفى أبو علي وغسان أبو غنية، وآخر يكرر المعلومات وحسب، ككتاب «السينما والقضية الفلسطينية» عكا: دار الأسوار، 1989 لحسين العودات. أما كتاب قيس الزبيدي بجزأيه «فلسطين والسينما» بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية 2006 و2019 فهو أقرب لدليل شامل لبطاقات الأفلام، عناوين وأسماء وتواريخ وملخصات أفلام فلسطينية، أو حول القضية الفلسطينية. أهميتهما تكمن في المعلومات التفصيلية والتقنية عن الأفلام. أضيف إلى الكتب المذكورة كتاباً لصاحب هذه الأسطر هو «تأمّلات في الفيلم الفلسطيني» عمّان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2023. جميعها متفاوت في مستوياته ومواضيعه وفي مدى توفّره، لكن صانع الأفلام الباحث عن المعرفة الضرورية لصناعة سينمائية جادة، لن يضل الطريق إليها، وإن تشكّى أحدنا، بحق، من قلة الكتب السينمائية الفلسطينية.
في هذا السياق، وبعد الكتاب الأول الذي بدأت فيه مؤسسة «فيلم لاب فلسطين» في رام الله الاشتغال على الجانب المعرفي والثقافي في السينما الفلسطينية، كعنصر موازٍ لجوانب الصناعة والإنتاج والعرض، وهو «فلسطين في السينما» المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2022 لوليد شميط وغي هينبل، في مشروع كتابٍ نقدي وبحثي في السينما الفلسطينية، تطلقه كل دورة جديدة من مهرجان «أيام فلسطين السينمائية» سيكون للمهرجان هذا العام كتاب جماعي جديد يتناول السينما الفلسطينية في الربع قرن الأخير، الفترة التي لم تلقَ تناولاً نقدياً موافقاً لإنتاجها السينمائي كماً ونوعاً، وملائماً لما صدر حول السينما ما قبل العام ألفين، كما رأينا أعلامه، بالنظر إلى أعوام مقبلة يكون لصنّاع الأفلام الفلسطينيين رافد معرفي جديد كلّ عام، لغاية أولى وأوليّة هي ترميم الجانب النظري والثقافي في عموم الحالة السينمائية الفلسطينية، بصفتها مَخرجاً ضرورياً من عيوب تكدّست، وبدأت تتكرّس كأنها ميزات، في معظم هذه السينما، لتشخيصٍ أوّلي كذلك هو نقص في المعرفة السينمائية، الفلسطينية تحديداً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2184581

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع مواد  متابعة نشاط الموقع مقالات ومحطات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2184581 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40