الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022

ايام فلسطين السنمائية: مهرجان بوجه الاحتلال

الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022

- سليم البيك

يمكن لمهرجان فني، سينما أو رقص أو أدب أو مسرح أو غيرها، أن ينغمس في اختصاصه عازلاً ذاته، كحدث ثقافي، عن محيط وظرف وسياق، يكون سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو غير ذلك، إذ لا يكترث مهرجان الأدب مثلاً سوى بذاته، محتوى وضيوفاً وعناوين وموضوعات وغيرها، وهو ما يمنح المهرجان إمكانية التفرغ مادياً ونفسياً وفريقاً وخططاً، لإنجاح المهرجان من داخله، فيكون لنجاحه أو فشله معايير تخصه وحده، تتعلق بالتنظيم والمدعوين والبرامج…
في فلسطين يختلف الأمر، وليس قليلاً، بل في جوهره، إذ تكون للمهرجان عوامل في إيقافه مثلاً أو تأجيله، أسباب خارج مجال تخصّص المهرجان ذاته، تكون في ظرفه ومحيطه. هذا ما نشهده مع كل مهرجان فني فلسطيني، وتحديداً، مع «أيام فلسطين السينمائية»، المهرجان السينمائي الفلسطيني الذي فرد مساحة معتبَرة له ضمن المهرجانات العربية، في نوعية أفلامه وجمالية مطبوعاته وجدية برامجه وإدراكه كمهرجان لمعنى المهرجان السينمائي الجاد ولضرورة السينما في جوانبها الفنية والسياسية والاجتماعية. والمهرجان يتحضّر لعقد دورته التاسعة ما بين الأول والسابع من نوفمبر/تشرين الثاني. المهرجان الذي تنظمه مؤسسة «فيلم لاب فلسطين» في رام الله، والذي يقيم عروضاً في كل فلسطين، في القدس ورام الله وبيت لحم وحيفا وغزة، لا بد أنّ التنظيم له يكون في أكثر من خطة، أولها A: في حال تمت البرمجة كما يجب ولم يُعق المهرجانَ أي ظرف خارجي، وهذا بتخطي حقيقة أن ضيوفاً قادمين سيتم منعهم من دخول البلاد، لأسباب تخص سلطة الاحتلال وحسب، فالخطة A تتضمن هذا المنع. ثانيها B: في حال قامت سلطة الاحتلال باقتحامات واعتقالات، في حال حمي الاشتباك ما بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال، كما جرى في الأيام الأخيرة، هنا لا بد أن يتكيف المهرجان مع هذا الظرف في إعادة برمجة وإلغاء وتأجيل وتثبيت وتغيير في العروض، في أمكنتها وأزمنتها، وهي خطة طوارئ، كما هو الحال في كل حدث وفعل فلسطينيين، من العملية الفدائية إلى العزومة على العشاء. لهذه الحالات، كما لمهرجان سينما، خطة B في الواقع الفلسطيني لا يكون كذلك من دونها. آخرها C: ستكون خطة تحرير للبلاد قد تتطلب تأجيل المهرجان لأيام أو أكثر.
هذا كله يفتّح الأعين على معنى أن يكون مهرجان سينمائي في فلسطين.

ويعيدنا إلى سؤال علاقة السينما بالمجتمع ، وهي علاقة لازمة، فالصور المتحركة والصوت المركّب لا تكون فيلماً في ذاتها، بل بعلاقتها مع المتلقي، المُشاهِد الذي من دونه لا يصير المشاهَد فيلماً، كما أن الكلام لا معنى له من دون سامع، وتحديداً من دون متفاعل مع هذا الكلام ومدرك له. هذا الاستماع، وتحديداً التفاعل والإدراك، توفّره صالات السينما ومهرجاناتها. في الحالة الفلسطينية لا يكون المهرجان وساطة بين المشاهِد والمشاهَد، كما هي أي شاشة أو صالة في أي مكان لا ظرف خاص فيه، كما في فلسطين، بل مهرجان كـ»أيام فلسطين السينمائية»، من خلال تماهيه مع المُشاهِد بصفته الفردية والجماعية، في ظرفه، ومن خلال برامجه الموازية والمتعلقة بالعروض السينمائية، يقدّم الفيلم في تفاعله مع متلقيه، ويتماهي المهرجان مع المتلقي هذا، فرداً وجماعة، في الظرف الخاص واحتمال الظرف الطارئ الوارد وقوعه على الطرفين، وهو ما حصل بدرجة ما، في دورة العام الماضي، حين اقتحم جيش الاحتلال رام الله وتمركزت جيبات عسكرية عند أبواب مبنى قصر رام الله الثقافي، قبل موعد فيلم الختام بساعات. علاقة هذا المهرجان بمجتمعه تتخطى حتى تلك التي لدى مهرجان سينمائي مع جمهوره، مهرجان يقدم ما هو أكثر من عرض فيلم. لا يكون المهرجان الفلسطيني على الطرف الآخر من المُشاهِد، لا يكون أحدهما أمام الشاشة والآخر خلفها، بل كلاهما أمامها وكلاهما خلفها. «أيام فلسطين السينمائية» يقدّم لمجتمعه المحلي في المدن الفلسطينية ما على أي مهرجان سينما في العالم تقديمه، لكنه كذلك يشترك مع هذا المجتمع في ما هو خارج إطار المهرجان، في ما هو أكبر من السينما ومن الحدث الثقافي. المهرجان هنا فعلُ حياة ومقاومة وإثبات حضور للفلسطيني على أرضه. من بين أكثر ما سيزعج الاحتلال في الأيام القليلة المقبلة، لن يكون انعقاد المهرجان وحسب، بل تلك العلاقة التي تتطوّر مع الأيام، ما بين الفلسطينيين، أفراداً وجماعات، والحدث الثقافي، وأبرزها سيكون هذا المهرجان السينمائي بخططه الطارئة.

كاتب فلسطيني سوري*



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2184561

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع مواد  متابعة نشاط الموقع مقالات ومحطات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2184561 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40