الأحد 30 كانون الثاني (يناير) 2022

قيم الأسرة المصرية وفيلم سينما

ابراهيم عبدالمجيد
الأحد 30 كانون الثاني (يناير) 2022

الحفاظ على الأخلاق ـ الحفاظ على قيم الأسرة ـ الحفاظ على التراث. ثلاث جمل صارت منذ سنوات ملعباً في مصر، يخوض اللعب فيه كل شخص يدري عما يتكلم أو لا يدري، وفي معظم الأحيان لم يعجبه فيلم أو مسلسل تلفزيوني، أو رواية، أو كتاب. مأساة ليست جديدة، فقد بدأت منذ أواخر السبعينيات، وكنا نعرف ونرى من هم وراءها من أعضاء مجلس الشعب، وكانوا دائما أو في الأغلب من الإخوان المسلمين.. نجحوا في إثارة أزمات كبيرة مثل أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر» أو أزمة الثلاث روايات، أو أفلام مثل «المهاجر» ليوسف شاهين، أو فيلم «للحب قصة أخيرة» الذي أخرجه أشرف الميهي.
انتهى الأمر بمصادرة الكتب فصارت مطلوبة أكثر، رغم أنه قد يكون فيها بعض العيوب الفنية في البناء أو اللغة، أو غير ذلك من أسس الكتابة الفنية والمغامرة في شكلها. لم تكن الأمور تختلف عن الدعوات التي ملأت المساجد، فالمساجد والإذاعة والتلفزيون كانت الميديا، عن ضرورة نقاب المرأة، وعدم خروجها من البيت، فهي شيطان يجب أن لا يراه أحد إلا ملثماً، وغير ذلك من الدعوات التي صدحت في الفضاء، بعدم قول صباح الخير، أو مساء الخير فهذه دعوة الأقباط، أما المسلمون فيقولون السلام عليكم. تفنيد ذلك كتبنا فيه كثيرا، ولا معنى لإعادته، لكن رغم مضي الزمن وحدوث ثورة كبيرة، هي ثورة يناير/كانون الثاني. وبعد فشلها الذي كانت له أسباب كثيرة، دخل المجتمع في الحالة القديمة بشكل واسع، رغم ما نعرفه من محاولات تجديد الخطاب الديني، الذي يبدو فخا، فبعض من يدخل، أو دخل فيه، انفتحت له قضايا ازدراء الأديان.. ما يدهشني ويصدمني في ذلك هم الشباب الذي تعلموا ذلك ممن قبلهم، أو من قراءات ساذجة للفنون والآداب. ساعدت الميديا على ذلك، فبمجرد ظهور عبارة مثل الحفاظ على القيم، يُفتح الطريق لكل هجوم ممكن على فيلم أو كتاب، بينما تعاني الأغلبية من الشعب من الغلاء ومشاكل التعليم والصحة والأوضاع السياسية، وهي الأولى بالحديث، لكن فرصة أن تكون حامي القيم فرصة ذهبية، رغم أن التاريخ لا يتقدم إلا بنسف القيم القديمة، والتخلص من التراث الرجعي، والبحث عن شكل جديد للأخلاق يقدمه التعليم والأسرة، لا صفحات الميديا المسمومة، أو المشمومة.
ترسخت مقولة خاطئة في النقد الأدبي والإعلام، هي أن الفن يحاكي الواقع، بينما الفن يبني واقعا آخر من خيال، حتى لو أخذ مادته مما حوله. ما الذي يجعلني أشاهد فيلما كل شخوصه أبرياء وبلا خيال يحلقون فيه؟ بل هل يمكن حقا عمل فيلم كذلك؟ سينتهي قبل أن يبدأ لأنه سيفتقد الدراما. حولنا ما أنتجه التعليم الناقص والتربية في الأسرة المشغولة بأكل العيش، من سلوك عشوائي، أشبه بما حولنا من عشوائيات في البناء.

الفن هو المعاكس، رغم أن الفن اختيار، وكل فيلم مهما بُذل فيه وأُنفق عليه في النهاية هو سلعة يمكن أن تحبها أو لا، دون ان تهاجمه لأسباب فكرية.

الميديا ساعدت على الانفجار في ما لا يستحق الانفجار، فمن له قناة على «يوتيوب» ينتقد مشهدا في فيلم، أو كتاب بمرجعية الحفاظ على القيم، التي لا أعرف أين هي حولنا، فيجد الآلاف من المعجبين والمعلقين، ويعود عليه شيء من المال من الموقع، بصرف النظر عن مادة الحديث. انفجرت الميديا بالحديث عن فيلم «أصحاب ولا أعزّ» وهو فيلم من إخراج وسام سميرة، ومن تمثيل جورج خباز ونادين لبكي ومنى زكي وإياد نصار وعادل كرم ومأخوذ عن فيلم إيطالي.
الفيلم حول مجموعة من سبعة أصدقاء يجتمعون على العشاء، ويقررون أن يلعبوا لعبة فيضعون هواتفهم المحمولة على طاولة العشاء، بشرط أن تكون الرسائل كافة، أو المكالمات الجديدة على مرأى ومسمع من الجميع. طبعا تتحول اللعبة إلى دراما ويكون الفيلم، وتتحول الفكرة الطريفة إلى فضائح وكشف الأسرار، رغم ابتكار الفكرة وإغرائها، بل بسبب ذلك.
الفيلم تم عرضه على قناة نتفليكس، ومن ثم فهو غير متاح إلا لمن يشترك في القناة، ويدفع من ماله ما يعطيه الفرصة للمشاهدة، فهو غير مفروض على أحد. ولم يحدث في تاريخ الدنيا أن فرضت مشاهدة فيلم على أحد، ورغم ذلك انفجرت الدنيا بأن الفيلم لا يناسب قيم الأسرة المصرية، وانفتحت الدنيا للانتقام من الفن، أو لمجرد الظهور في الصورة، واحتدم اللوم للفنانة منى زكي، كيف تساهم في فيلم كهذا فيه شخص مثلي، كأن مثل هذه الشخصية تظهر لأول مرة في السينما، ووصل السعار إلى درجة الطلب من زوجها الفنان أحمد حلمي تطليقها! أنا لا أعرف أول من قام بالهجوم على الفيلم، فأنا في وضع صحي يجعلني للأسف في حالة اتصال دائم بالأطباء، فلم أنتبه لما يحدث إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام، فرحت أتذكر تاريخ الهجوم على الفن والفنانين وترسيخ مقولات الفن رسالة، والفن يعكس الواقع بشكل ساذج. الفن لا يُعنى إلا بالشخصيات الجانحة غير المتوافقة مع المجتمع أو المهمشة، ولا يقصد بذلك أن يكون الناس مثلها، لكنه يقدم شخصيات مكتملة فنيا وبناء جذابا للقارئ أو المشاهد. كلنا شاهدنا عشرات الأفلام لمحمود المليجي، كان فيها شيطانا ومجرما وقاتلا، وما تشاء من غير المألوف في السلوك، وأحببناه كشخصية فنية ولم يتأثر فيه أحد ويفعل مثله. الأمر نفسه مع زكي رستم في كثير من أفلامه، ومع عادل أدهم في كل أفلامه تقريبا وأحببناهم أكثر من غيرهم، وما زلنا لكن لم يتحول أحد إلى مجرم مثلهم. الإجرام ابن المجتمع لا الفن. في عام 1973 شاهدنا فيلم «حمام الملاطيلي» من إخراج صلاح أبوسيف، ورأينا البدع في الحمام، وقام يوسف شعبان بدور شخص شاذ، ولم نسمع أن أحدا قام بتقليده، فالشذوذ له أسبابه التي أكثرها بسبب التكوين الجنسي، وأقلها بسبب الانحرافات الاجتماعية، ويستحق أصحابه الرثاء لا العنف ولا الاحتقار. الأمر نفسه منذ سنوات قريبة مع فيلم «عمارة يعقوبيان» ودور خالد الصاوي.

أخذ المهاجمون مشهدا عاديا جدا لمنى زكي تخلع سروالها الداخلي، دون حتى أن يرى أحد ساقيها، فهي تنحني تضع يدها تحت ثوبها، وتخرج سروالا لا نراه، تضعه في حقيبتها. كان يمكن جدا أن يكون المشهد غير ذلك، فنرى شيئا من ساقيها مثلا، لكن هكذا شاء المخرج، ورغم ذلك انصب الانتقاد على منى زكي التي لم نر منها شيئا، ووصلت الدعوات كما قلت إلى زوجها أحمد حلمي لتطليقها. لا أحد ينظر حوله إلى حالات التحرش في الشوارع التي تملأ حياتنا، ولا خطف الأطفال ولا الغلاء في كل شيء، ولا الأموال الطائلة التي تصرف في التعليم ثم يسقط «السيستم» في الامتحانات، وتتم ورقيا بعد ثورة مزعومة، قيل إنها ستجعل التعليم عصريا متماشيا مع العصر الرقمي. ولا حتى الأشجار التي يتم قلعها من الشوارع ولا الاعتداء على بعض المباني الأثرية، ولا حتى التخلص من الزبالة في الشوارع ولا ضيق حرية التعبير، كأن كل هذا يتماشي مع قيم الأسرة المصرية.
الفن هو المعاكس، رغم أن الفن اختيار، وكل فيلم مهما بُذل فيه وأُنفق عليه في النهاية هو سلعة يمكن أن تحبها أو لا، دون ان تهاجمه لأسباب فكرية. الأفكار ليست واحدة في أي مجتمع، ففي كل مجتمع طبقات وجماعات، والاتفاق الوحيد الصالح بينها هو احترام كل واحد لأفكار غيره، فهذا سبيل التعايش الوحيد، ولا يمكن ان تكون أمة كاملة على فكر واحد، فهذه الشمولية انتهت بكثير من البلاد إلى الضياع. للأسف تنعكس الشمولية على الأفراد العاديين، وتعطيهم الميديا الفرصة للحديث، في ما لا يحتاج منك أكثر من أن لا تشاهد الفيلم أو تقرأ الكتاب.

روائي مصري*



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2184534

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع مواد  متابعة نشاط الموقع مقالات ومحطات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2184534 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40