الأحد 19 أيلول (سبتمبر) 2021

النقد الثقافي منهجاً لدراسة الشعر: المصري رضا عطية يقارب اغترابات سعدي يوسف

عبداللطيف الوراري
الأحد 19 أيلول (سبتمبر) 2021

كُتب العديد عن الشاعر العراقي سعدي يوسف (1934- 2021) قياساً إلى تحولات تجربته الشعرية الغنية والممتدة في الزمن والمكان، إلا أن الأقل منه هو الذي استطاع أن يمسك بالمختلف والجوهري داخل هذه التجربة، وآخرها الدراسة النقدية التي كتبها الناقد المصري رضا عطية، تحت عنوان «الاغتراب في شعر سعدي يوسف».

قراءة ثقافية

يُقدم الناقد في هذه الدراسة قراءة ثقافية في شعر سعدي يوسف، من خلال ثيمة الاغتراب في أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية والجمالية، وقد بَرر هذا الاختيار لكون تجربة الشاعر العراقي ممتدةً في الزمن منذ عام 1954، وحافلةً بالكثير من الملامح الجمالية والتحولات الفنية التي طبعتها بالنظر إلى ما عرفته حياة الشاعر نفسه وسيرته الذاتية من قلق وعدم استقرار بسبب الوضع السياسي في بلده العراق، وبسبب المنافي «الاضطرارية» التي ارتحل إليها/ بينها؛ ثُم لكون موضوع الاغتراب ـ نتيجة ذلك كُله – يحضر بكثافة شديدة الثراء في شعره، بقدر ما يُعبر عن توجهاته الفلسفية والسياسية، التي تأتتْ من اعتناقه الأيديولوجيا الشيوعية وإيمانه بالمنهج الماركسي في حقبة ما بعد الكولونيالية والحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، أو خلال قيام النظام العولمي الجديد وانحسار الشيوعية.
ولهذا، يتخذ الباحث من منظور النقد الثقافي أداةً منهجيةً في دراسة تجربة الشاعر سعدي يوسف؛ أي «اكتشاف ما وراء الجمالي من خلفياتٍ سياسية واجتماعية وثقافية» وما تعكسه من «صراع أيديولوجيات وفق المفهوم الماركسي للأدب بوصفه تمثيلاً لصراع قوى مُتضادة». عدا عن أن هذا المنظور يتيح له إمكانيات الكشف عن «تشابكات الوعي الفردي للذات المبدعة بالوعي الجمعي للذات الكُلية والشخصية الجمعية للطبقة التي ينتمي المبدع إليها وللوطن عموماً» لكنه يحاول أن يتجنب ما يقع فيه معظم دارسي الثقافي عند إهمالهم للجماليات في دراسة النص الأدبي بِخاصة، وتركيزهم فقط على الأبعاد الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية واستخراجها من النص.
من هنا، فالقراءة التي يتوسل بها ويشتق مفهوماتها القرائية (الأيديولوجيا، الوعي الطبقي، المتعة، نفي المعنى..) من حقل الدراسات الثقافية – ما بعد البنيوية التي تنحدر من تيارات سياسية وفلسفية (الماركسية، مدرسة فرانكفورت، جماعة بيرمنغهام) فيما هي تنقل اهتمامها من النص إلى ما وراء النص، إنما تتوزع إلى محورين رئيسين: نظرياً، يهتم ببحث مفهوم الاغتراب من خلال شتى تعريفاته اللغوية والاصطلاحية والفلسفية ذات التوجه الماركسي والوجودي والفرويدي في الغالب (روسو، هيغل، فيورباخ، ماركس، دوركايم، فيبر، إريك فروم، هوركهايمر، ماركوز، سارتر، هايدغر، فرويد..) قياساً إلى «تمثيلات» الاغتراب عند الشاعر سعدي يوسف بوصفه مثقفاً عضوياً، وتحوله من وعي تفاؤلي رومانسي ومتضامن، إلى آخر تشاؤمي متناقض ومنشطر نتيجة «أفول الحلم اليوتوبي الماركسي» وفقدان الشعور بحركة التاريخ ومعنى التقدم.
وتطبيقياً، يعتمد على المنظور المكاني، باعتبار أن المكان ـ في نظره – هو «مرآة عاكسة لملامح الفردي والجماعي وتمثلات الشعور الاغترابي» وقد فرّع هذا المكان إلى نوعين: المكان الأول تعبيراً عن الوطن، والمكان الآخر الذي يتجسد في المهجر أو المنفى؛ وذلك على نحو يستوعب ذات الشاعر (طفولته، منشأه، تكوينه الثقافي والفكري) والآخر المختلف عن هذه الذات في كينونتها الفردية أو الجمعية ثقافياً وهوياتياً.
يتوسل الناقد رضا عطية في قراءة سعدي يوسف، والحالة هذه، بآليات التحليل الثقافي من أجل الكشف عن علاقة النص الجمالي/ الشعري بخلفياته الثقافية وأنساقه الاجتماعية المنتجة له، خاصة ما يرتبط منها بهوية الشاعر الفكرية الماركسية – الشيوعية إلى حد «الانسحاق الأيديولوجي»؛ فرغم ما فرضه الواقع العالمي من «مراجعات» على صعيد الماركسية في ثوبها الأرثوذكسي، إلا أن الشاعر ظل متمسكاً بالشيوعية الراديكالية، ما عمق اغتراباته الذاتية. أما على الصعيد الفني، فقد كان في بداياته كلاسيكياً، فلم يتسم شعره بروح طليعية أو ثورية تضاهي الأيديولوجيا الثورية السياسية التي آمن بها، بحيث انطبع هذا الشعر بطابع الغنائية التي تتجلى في العناية بالإيقاع الموسيقي وشفافية اللغة، التي تستهدف جمهوراً واسعاً من القراء. ولم يتململ شعر الشاعر فنياً إلا في حقبة ما بعد الكولونيالية، سواء من خلال انفتاحه على الثقافة الشعبية، أو على الذاكرة الثقافية، من خلال علاقاته التناصية، أو على الفنون الجميلة مثل الفن التشكيلي والموسيقى، وهو ما كرس حضور هذا الشعر «كفعل جمالي يحمل بُعداً أيديولوجياً» في علاقة الذات بالوعي الجماعي من جهة، أو بالآخر المختلف والغريب من جهة أخرى.

اغترابات الذات

يبحث الناقد تمظهرات الاغتراب في المكان الأول (العراق) باعتبار علاقة الشاعر بأوضاع بلده والعالم العربي السياسية والاجتماعية في عقدي الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، وباعتبار أيديولوجيته الشيوعية كمثقفٍ عضوي ينحاز لوعي الجماعة في صراعها الطبقي ونضالها المستميت من أجل العدالة الاجتماعية. وأول هذه التمظهرات ما يسميه «الاغتراب الاجتماعي» الذي يتمرأى في وعي الذات الشاعرة عبر النصوص الشعرية التي تدل عليه، سواء ما يتعلق بالاغتراب الأسري والعائلي، حيث ٱابت الشاعر عن أسرته، وافتقد صلته بها صغيراً، وهو ما يفاقم شعوره بالاغتراب عن البيت كفضاء حميم، بل يزيد إلى حد انشطار الذات بين الأنا وظلها أو قرينها القناعي، بما هو انعكاسٌ لفكرة «الوعي الشقي» وملاذٌ تلجأ إليه الذات حين تلفظها الأماكن ويغلق العالم أبوابه في وجهها. وأحياناً أخرى يتحول قناع الشاعر ـ قناع النبي مثلاً- إلى نوع من الانفصام أو الازدواج الثقافي بتعبير هومي بابا، لأنه يعكس انفصاماً فادحاً ومتذبذباً، بين التعبير عن الجماهير الفقيرة وصورة «البورجوازي الصغير» الذي يمقت الإمبريالية الغربية، فيما هو يستعمل منتجاتها الحضارية.
ويلازم شعورَ الذات الاغترابي في البيت/ المكان (الشخصي والجماعي) شعورٌ آخر بالاغتراب في الزمن، وفق ما ينعته ميخائيل باختين بـ(الكرونوتوب). فالذات في مغتربها المكاني تشعر بتطاول الليل وبجمود الزمن وتعثر دورته، ولا تقاومه إلا باسترجاعها لعهد الطفولة، كوهم أو عزاء، أو كحيلة دفاعية للفكاك من هنا والآن، والانسلاخ من واقع المدينة حيث تعاني الذات اغتراباً في الخارج، وتفتقد الألفة والأمان النفسي، فيحن الشاعر للريف، ويستعيد قريته حمدان في قضاء أبي الخصيب التابع للبصرة، وعهد صباه وحداثته فيها، في شكل نوستالجيا نابضة بالذكريات البعيدة، تشيع في النفس الشعور بالألفة والرضا، ولاسيما إذا كان الحاضر يتميز بوحشية البيروقراطية والتمييز العرقي، ويجبر الذات إلى الانزواء واكتشاف أوهام التغيير ودعاوى الثورة بعد سقوط الأقنعة.
أما «الاغتراب السياسي والأيديولوجي» فهو يتولد ـ عنده- من إحساس الذات بخلل في «التعاقد الاجتماعي» مع سلطة تصادر الحقوق في المشاركة السياسية ومعارضة الحكم، وتفرض الهيمنة، إلى الحد الذي يُسقط في وعي الذات فكرة الوطن، وينفي انتماءها للدولة، فيدفعها إلى الاحتماء بقناع (الأخضر بن يوسف) على نحو يجسد عمق مأساتها الاغترابية في الوطن، ويطبع صوتها الشعري بنبرة رومانسية تستلهم الروح الثورية سبيلاً لمقاومة الفقر وقبح الواقع وفساده. كما أن «الهيمنة الأجنبية» بعد الزحف الكولونيالي «التتري» والمطامع الاستعمارية، تُعرض الوطن لخطر الانتهاك والاستلاب والتوسع، ما دفع ذات الشاعر إلى البحث عنه وهي تتلهف لتلمس وجهه في مرايا متشظية، لكن إقصاء المثقف وتهميشه من طرف السلطة، يسلب تلك الذات القدرة على التغيير ويعزلها عن الجماهير، ما يفضي بها إلى الانشقاق عن الجماعة التي تنتمي إليها، بل هجائها ونقدها، بعدما كانت تُعول عليها.

وفي مقابل رفضها لمد الإمبريالية الغربية، تقع الذات تحت «الانسحاق الأيديولوجي» بعدما أسلم الشاعر وعيه للأيديولوجيا الماركسية، وآمن بالعقيدة الشيوعية إيماناً أعمى كأنها «حل نهائي» دون مراجعة أو تعديل تفرضهما تجربة الخصوصية الوطنية وفضائها القومي، بل إنه يكشف تأخر وعيه في تلك الحقبة الستينية عن قراءة تحولات الواقع الأيديولوجي، الذي اتسم بتراجع الشيوعية وفكرة المركزية السوفييتية وفضح المذابح الستالينية، وكان هذا الوعي رومانسياً مغترباً عن واقعه الزمني ومكانه الأصلي على نحو مَثل خللاً واضطراباً هوياتياً من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن سوى «وعي بروليتاري تابع» على حد تعبير سبيفاك.
إن إحساسه بفقد الوطن/ المكان الأول، وانبهاره المبالغ فيه بالمكان الآخر تحت نجمة الشيوعية بطرسبرغ، الفولغا، صوفيا..) لم يمنع الشاعر من التضامن مع معاناة الطبقة البروليتارية وتآمر «البورجوازية الصغيرة» عليها والعنف الدموي الممارَس ضدها، مسكوناً بحس نيتشوي في الانفعال الأسيان لكفاحهم دون فعل شيء، ومُطارَداً مسجوناً بتهمة الشيوعية من طرف خصومه الأيديولوجيين ثمن نضالاته مع غيره من مثقفي العراق، في مناخ تفشى فيه القتل والاغتيال، وبث الخوف في وعي الجماعات المعارضة وعزلها عن واقع الجماهير التي يتم تزييف وعيها عبر وسائل الميديا الرسمية. رغم تضاعف اغترابات الذات في مكانها الأول/ العراق، إلا أنها لم تتخل عن «التمسك بالوطن والحلم اليوتوبي» من خلال روح ووعي رومانسييْن نابعين من «رؤيا» تستمد طاقاتها الممكنة من «الأصقاع النائية في الحس».

الاغتراب الثقافي

بعد ارتحال الذات عن مكانها الأول وهجرتها له في منفى قسري أو اختياري، سوف يتولد عند الشاعر «نوع من القلق الكينوني والاضطراب الهوياتي» ينعته الباحث بالاغتراب في المكان الآخر. فالذات أخذت تواجه اغتراباً آخر جديداً في مكانها الآخر، واحتكاكها به اجتماعياً وثقافياً، وهو ما قد يُفاقم أزمتها الوجودية ويراكم شعورها الاغترابي الذي حملته من مكانها الأول. وقد خبر سعدي يوسف المكان الآخر مُبكراً، من خلال ارتحالاته للاتحاد السوفييتي ولدول المعسكر الشرقي منذ عام 1957، أو إقامته في الجزائر لسبع سنوات من عام 1964 حتى 1971، ثُم خروجه الكبير في عام 1978 إلى بيروت فدمشق، قبل أن ينتقل بين عواصم الغرب، بما في ذلك لندن التي أقام فيها لأكثر من عشرين عاماً حتى رحيله في 13 يونيو/حزيران 2021.
جرّد رضا عطية أبرز تجليات الاغتراب في المكان الآخر، ابتداءً من إحساس الشاعر بوحشية المكان وعزلة الذات فيه، عبر مجموعة من التمثلات العاكسة لدرجة وعيها الحاد بالاغتراب؛ مثل حرمانها من المكان الأول واكتناف الموت لها وقتامة الرؤية لعالمها الذي تتقطع فيه جسور ألفة تصلها بالآخر، ثقافياً واجتماعياً ووجدانياً، وهو ما فرض عليها الانكماش في الغرفة وشعورها الفادح بضيق المكان وبرودته وثقل آثار الوحدة عليها، فتستحيل الغرفة إلى مرآة أو مرايا تتداعى على سطوحها صور الخارج. قد تكون المنافذ الخارجية (النافذة، الشباك، الشرفة) مثلت بالنسبة للذات مُتنفساً من أجل قيود العزلة والانفتاح على المكان والتواصل مع الآخر، غير أنها لم تتأقلم مع أمكنة الخارج (الحديقة، الشارع، الجسر..) ما أشعرها بالعوز والفقد وباللاانتمائية إزاء الحياة بسبب التمايز الهوياتي وضمور العلاقات الإنسانية وطغيان الشيئية والمادية النفعية، وبالتالي أمست في حالة تيه مستدام، شاعرةً بالعجز الوجودي وغير قادرة على تقرير مصيرها، أو إدراكها (إلى أين؟) إلى أن تمارس نوعاً من الانسحاب من المكان وتختار الانزواء والانكفاء على نفسها، لتؤثر حياة «العزلة التامة» والانقطاع عن العالم في وسائله التقنية وتمظهراته المرقمنة (البريد الإلكتروني، الهاتف، التلفزيون) على نحو ينبع من لاشعور شيوعي قار يرفض هذه الوسائل التي مكنت الرأسمالية تاريخياً من السيطرة على المجتمع وتغريبه واستلابه، ويعكس رغبة الذات في إعادة «هيكلة نفسها وإعادة صياغة تاريخها في تحد مع الآلة». لكن الأمر ينعكس سلباً على علاقة الذات بجسدها، حيث تسودها حالة الاضطراب واللاتوافق، وبحركة الزمن الرتيب الذي يرين عليها بثقله ويُفقدها الثقة بنفسها وبالعالم، فتلجأ إلى السكر في محاولة منها لاستهلاك الوقت والهروب من وطأة الزمن ليلاً، وإلى التفاؤل لمداراة مأزقها الوجودي.
إن ما تعيشه الذات في مكانها الآخر، في سياق ثقافي مغاير وأحياناً مُضاد وغير مُواتٍ لها، هو ما يدعوه بـ»الاغتراب الثقافي» الذي يُضاعف إحساس الذات بالعزلة، بل يُعرضها لصدمة ثقافية. فمن جهة أولى، تواجه الذات رفض الآخر وعدم تقبله لها، رغم محاولاتها الاندماج والاتصال به. ومن جهة ثانية، تشعر الذات بـ»الاغتراب الماركسي» ولاسيما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في مطلع 1992، حيث الإحساس بطغيان الرأسمالية ونمطها التسليعي يعبث بالهوية الروحية والنمط الجمالي للمكان، ويُكرس قيماً بالغة المادية والبراغماتية. وفي تراجع الشيوعية الذي أوقع الذات المتمسكة بالأيديولوجيا الماركسية في «الانفصام» بين ما تؤمن به ولا جدواه واقعياً، فقد بات الشعور بالوحدة هو المهيمن على ديوان سعدي يوسف «الشيوعي الأخير» في عزلته الوجودية التي تصحبه أينما ارتحل. لكن رغم هذا التراجع والحصار الذي تتعرض له الاشتراكية، فإن الذات ما تزال تتمسك بوعي رومانسي بالشيوعية، كحلم متجدد وكفعل اتصالي وتحريضي وتنويري، وليس كحزب سياسي أو نظام للحكم: «يموتُ الشيوعي/ لكن حلم الشيوعي أجملُ من أن يموت/ البيوتُ لساكنها/ والحقولُ لحارثها/ والأغاني لمن لا يُطيق السكوت/……/ إذن: لن يموتَ الشيوعي/ إن الشيوعيةَ الحُلْمَ أبعدُ من أن تموت».
مع الإحساس المضاعف بالاغتراب واللاانتماء في المكان الآخر، يراود الذات الحنين إلى المكان الأول/ الوطن ويلح على ذاكرتها، فتقوم باستعادته كفعل تعويضي عبر نسيج اللغة والخيال داخل فضاء القصيدة. فالعراق استحال هاجساً يشغل الشاعر، وهماً يساكنه ويؤرقه أينما حل: «أُفكرُ في العراقِ/ كأن وَحْلاً على جفني يحط/ كأن طيراً على طرف المُلاءةِ/ أهو نَسْرٌ، أم الثورُ السماوي؟/ العراقُ مُخضبٌ بدمٍ…/ سآوي إلى كَهْفٍ، سآوي إلى نفسي/ وأسألُ عن شبابي». وقد اتخذت استعادة العراق، لاسيما في المحنة التي يمر منها، شكل فعل سيريالي أو حلم تهويمي يتجاوز الواقع. وأبرز تمظهراتها: الصراع الهوياتي ومغالبة المكان الأول للمكان الآخر، أو استعادة آثار المكان الأول بأماكنه وزمنه وشخوصه، ثُم رثاء هذا المكان تحت الأمريكي.

سؤال الجماليات

قدم الناقد المصري رضا عطية في دراسته، وهي في الأصل أطروحة جامعية نال عنها درجة الدكتوراه فى الآداب في جامعة عين شمس تحت إشراف صلاح فضل وعبدالناصر حسن، مختلف مقولات الاغتراب وتمظهراته التي لازمت شعر سعدي يوسف وتطورت معه على مدى أكثر من ستين عاماً، وحللها تحليلاً ثقافياً يزاوج بين المطلبين المضموني- الثيماتي والفني – الجمالي. فبقدر ما كان معنياً بتجريد هذه التمظهرات الاغترابية ووصفها وربطها بحياة الشاعر وسيرته الذاتية وانتمائه الأيديولوجي، كان مهتماً كذلك بتحليل الشكل الفني وإبراز نقلاته النوعية التي استوعبتها وكانت تتحول على الدوام، على مستويات اللغة والإيقاع والبناء والرؤية الفنية. ولهذا، نطالع عبر هذه الدراسة تحليلاً لا ينقطع لهذا المستوى أو ذاك: بنية الإيقاع، التشكيل الكاليغرافي، أسلوب الالتفات، رمزية الألوان، بلاغة الحذف، تقنية القناع والاستدعاء بالدور، الانفتاح على الثقافة الشعبية، أسلوب الباروديا، التمثيل الأليغوري، تقنية المونتاج المتسارع، الانعكاس المرآوي، الهجنة الثقافية التي تتمثل في سعدي كلمات أجنبية في الخطاب دون تعريبها، التناص بينه وبين شعراء عرب وغربيين (صلاح عبد الصبور، سركون بولص، ييتس، إليوت، والت ويتمان). وبالتالي، يمكن القول إننا بصدد دراسة ثقافية لم تقع تحت إغواء النقد الأيديولوجي أو بخلافه، بل هي قراءة بديلة زواجت بين النصي والسياقي، وارتفعت إلى ما يمكن أن يكون عليه النقد كخطاب معرفي وجمالي في آن، وهو يسائل شعراً عظيماً كالذي كتبه سعدي يوسف وتقلب معه.

كاتب مغربي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 397 / 2184606

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع مواد  متابعة نشاط الموقع مقالات ومحطات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184606 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40