السبت 26 حزيران (يونيو) 2021

«سينيبالستين» و«أيام فلسطين»: فلنعُد إلى الصالات

سليم البيك
السبت 26 حزيران (يونيو) 2021

سريعاً، عادت الأفلام الفلسطينية إلى الصالات، بعد إغلاق لدور السينما امتد لأشهر طويلة، تفاوتت من بلد لآخر. سريعاً أقول، بناء على حالة أولى هي، مهرجان «سينيبالستين تولوز» بنسخته السابعة، التي عادت إلى الصالات بعد أسبوعَين فقط من إجراءات تخفيف الحجر، وفتح الصالات أمام الجمهور في 19 أيار/مايو في فرنسا، فأقام المهرجان القسمَ الثاني من نسخته بين 3 و 17 من هذا الشهر.
أما الحالة الثانية فهي مهرجان «أيام فلسطين السينمائية» الذي أصر كذلك على العودة إلى الصالات بعروض في مدينة القدس، إذ لم يتمكن المهرجان من إتاحة عروضه في نسخته السابعة كذلك، في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، في المدينة، فاستكمل نسخته فيها بعروض تمتد بين 23 و29 من هذا الشهر.
خلال عام ونصف العام، فرض فيروس كورونا أسلوب مشاهدة على محبي السينما، منزلية بكل تنغيصاتها على شروط المشاهدة، لتلق ملائم لأي فيلم، وبكل كسلها، وفرضَ عروضاً إلكترونية على عموما المهرجانات في العالم، تلك التي لم تلغِ نسخة عام 2020 وربما 2021.
تعاملُ كل من المهرجانَين في فلسطين وفرنسا، أعاد الاعتبار لمكانة السينما، حيث لا بد أن تُشاهَد الأفلام كخيار أول، بعدما بدل الفيروس الخيارات الأولى للمشاهدة. وسريعاً، اختار المهرجانان العودة إلى الصالات حال فتحها، في القدس وتولوز، ولهذه أهمية سينمائية قد لا تلفت انتباهاً في طبيعة مهرجان فلسطيني، أقصد القيمة الفنية للفيلم لا السياسية، والتلقي السينمائي له لا التلفزيوني.
ليست الأفلام الفلسطينية، كما يراها كل من المهرجانَين، رسائل سياسية على شكل صورٍ متحركة فيكون تناقُلها الأنجع، بالتالي، عبر الإنترنت، كأنها بيانات ومناشير جماهيرية، كلما انتشرت أكثر، وصلت أفضل إلى غايتها.
من العودة السريعة إلى الصالات، نفهم من المهرجانَين إصرارهما على السمة السينمائية لكل منهما، على فنية العمل، سينمائية الفيلم لا تلفزيونيته، على أهمية تلقيه ضمن الشروط الضرورية لتلقي أي فيلم سينمائي جدير بالاحترام، وذلك لا يُتاح سوى في الصالات، بتليفونات مغلقة وبمنعٍ للمأكولات والمشروبات والثرثرة.

من حفل افتتاح المهرجان

قدم «سينيبالستين تولوز» نسخة مختصَرة في آذار/مارس هذا العام، الموعد المعتاد له، بعروض إلكترونية محدودة، بعد قرار أن لا يتوقف المهرجان، وأن يُقسم إلى جزأين، كان الثاني هذا الشهر (حزيران/يونيو). وقدم «أيام فلسطين السينمائية» نسخة في موعده في أكتوبر، بقدرة استيعاب للصالات محدودة وبعروض حذرة وقليلة، إنما، لم يتوقف كحال العديد من المهرجانات. القيمة الأساسية كانت، لكلا النسختَين المحدودتَين الأولتَين، كانت الاستمرارية، بأي شكل. القيمة الأساسية للنسخة الثانية من المهرجانَين، كانت العودة إلى الصالات، بأسرع شكل، كانت الإثباتُ أن المشاهدة المنزلية ليست قدَراً.
في حالة كالفلسطينية، حيث تفصل فجوةٌ زمنية وإجرائية كبيرة بين الفيلم وجمهوره الفلسطيني، توجد ضرورة دائمة لإتاحة الأفلام إلكترونياً، فتشتت الفلسطينيين داخل البلد وخارجها، يحتم ضرورة العروض الإلكترونية كي يتعرف الناسُ إلى سينماهم، وإن بظروف ليست الأفضل، لكن تبقى، هذه الظروف، الخيار الثاني الطارئ، المستجيب لتلك الحالة الفلسطينية الخاصة، وغير الصالحة، تماماً، للأفلام الجديدة، التي لا بد، كي تنال حقها في التلقي، عامَ إنتاجها على الأقل، أن تنحصر في عروض سينمائية. فـ»حرامٌ» أن تكون مشاهدتُنا الأولى لفيلم فلسطيني جديد، منزليةً.
مررنا، خلال العام ونصف العام الأخيريَن، بظروف طارئة قيل كثيراً عن «أبديتها» عن أن هذا هو الشكل الجديد للمشاهدة، عن أن الصالات ستُغلق، عن أن الشاشات المنزلية (تلفزيونات ولابتوبات وتليفونات) ستحل محل الشادر الأبيض المفرود المعلق في صالة مظلمة نجت، لأكثر من قرن، من كوارث أشد ضراوة من تلك الشاشات. وها هم الفلسطينيون يسرعون إلى الصالات.
للحظات ما، خلال زمن الإغلاقات، اعتقد أحدنا بمستقبل منزلي للأفلام، متمنياً زواله بزوال الفيروس، وكل ما صاحبه من إجراءات، وشاهدنا الكثير من الأفلام، الفلسطينية وغيرها، وقد أتيحت إلكترونياً، متأملين أن يبقى هذا، دائماً، البديل، إلى أن نعود إلى الصالات في أقرب وقت، لنتعامل مع الأفلام كأعمال فنية لا كمصدر معرفة وحسب. في ذلك تتوافق السينما مع حالة المتاحف والمعارض في العالم، إذ أتاحت العديدُ منها (اللوفر وبومبيدو في باريس مثلاً) محتوياتها إلكترونياً ومجانياً. لا أحد يتمنى لهذه الإتاحة أن تحل محل زيارة ومشاهدة مباشرة للوحة، وتأملها كما يجب، بدل الاطلاع المعرفي على الصورة، عن الشاشة، وقراءة شرحها، كأنه واجب لا بد من إنهائه. أي منا يتأمل صورةً للوحة أعجبته، عن الشاشة، لأكثر من دقيقتَين؟ أي منا يتأمل اللوحة ذاتها، معلقة في متحفها، لأقل من ـ لنقل – اثنتي عشرة دقيقة؟

الأفلام أعمال فنية بالدرجة الأولى، ليست مصادر معرفة ولا مناشير سياسية (لنغض النظر الآن عن العديد من الأفلام الفلسطينية الأشبه بتلك المناشير، ولنحافظَ على التفاؤل الذي يعم المقالة) والتعامل مع الفيلم الفلسطيني، لا بد أن يكون ضمن هذا السياق، ضمن إدراكها كأعمال فنية، والسلوك الأقرب إلى ذلك هو المحاولة الجاهدة لتلقيها كما هي، في صالة السينما، لا لتلقيها كالنظر إلى صورة لها، عبر شاشة منزلية.
إصرار كل من المهرجانَين الفلسطينيين على العودة، سريعاً، إلى الصالات، كان تأكيداً على ذلك، على ضرورة تقديم وتلقي الفيلم الفلسطيني كعمل فني بالدرجة الأولى، عمل له شروط تلقي يكون احترمُها من احترام العمل وجهد العاملين عليه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2184667

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع فنون مسرح وسينما   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2184667 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40