السبت 17 شباط (فبراير) 2024

هل هي جائزة سياسية للفيلم الفلسطيني «برتقالة من يافا»؟

سليم البيك
السبت 17 شباط (فبراير) 2024

- سليم البيك

رغم الأوجاع الكثيرة، يمكن لخبر واحد أن يحمل تفاؤلاً أوّلياً بمعزل عن أي تفاصيل أخرى، وهو أن يفوز فيلم فلسطيني بجائزة في مهرجان فرنسي. من بعد هذا التفاؤل غير المشروط، يدخل أحدنا أكثر في التفاصيل التي ستغيّر قليلاً من إدراكه.
فيلم قصير للمخرج الفلسطيني محمد المغني هو «برتقالة من يافا» فاز قبل أيام بالجائزة الدولية الكبرى في مهرجان كليرمان فيرون للأفلام القصيرة، وهو من بين أهم مهرجانات الأفلام القصيرة في أوروبا. مهما تبع ذلك من تفاصيل، سيُسعَد أحدنا بأن قصة فلسطينية ستنال من بعد الجائزة مساحاتٍ للعرض والوصول ما كان لها أن تنالها دون المهرجان وجائزته.
ينقل الفيلم بوصفه عملاً فلسطينياً، إلى جانب غيره من أفلام طويلة وقصيرة روائية ووثائقية، قصةً فلسطينية يريد الفلسطيني لاسم بلده، من خلالها، أن يستحق التقدير فنياً. في ذلك ما سيضع حداً للتفاؤل الأوّلي.
أنّ قصةً فلسطينية ستجد طريقها لجمهور واسع بفضل الجائزة، هو اعتبار بريء ومشروع، تحديداً في أيامنا النكبوية هذه التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، ذاهبين في التضحية إلى أقصاها وكذلك في البطولة إلى أقصاها. لكن، هل نقبل بالتصفيق السياسي لعمل فني؟ وماذا إن كان التصفيق في صالحنا؟

يمكن لمن شاهد الفيلم أن يسأل إن كانت باقي الأفلام الدولية في المهرجان بهذا السوء، فينال الفيلم هذه الجائزة. يمكن لآخر متعاطف مع القضية، أن يتخطى السؤال منبهراً بالفيلم لكونه فلسطينياً وحسب، وهذا الانبهار يدركه أحدنا أكثر كلّما تواصل مع فرنسيين أصدقاء لقضيتنا، يحضرون مهرجانات السينما الفلسطينية المنتشرة في فرنسا وعموم أوروبا، فينبهرون بأدنى أفلام الفلسطينيين ويعظّمون الرداءة فيها، لانحياز طاغٍ لديهم على كل ما دونه تجاه الفلسطينيين وعدالة قضيتهم، وقد تتشكّل مواقف بعض هؤلاء من نظرات استعطاف فوقيّة تطبطب على الفلسطيني مهما فعل، كأنّ الأخير عاجز أساساً، وكل ما يخرج منه يستحق التشجيع. هذه مواقف شائعة لدى الكثير من أصحاب الضمائر والأخلاقيات العالية في أوروبا، من مناصري هذه القضية وبعضهم يضحّون من أجلها، وهذه القيمة العليا لديهم، والطاغية، هي ذاتها المنبهرة من كل ما يخرج فنياً عن الفلسطينيين، ما يسيء، في النهاية، إلى الإنتاج الفني الفلسطيني في عمومه وتراكمه، كأن تقيّم أمٌّ رسمةً لابنها.
لا يعني هذا الكلام أن المهرجان متضامن مع الفلسطينيين ومنبهر بكل ما يخرج منهم وكان هذا الفيلم منتفعاً مباشرة من هذا التضامن. نحن هنا أمام مهرجان له ثقله في عالم الأفلام القصيرة، ولا شكّ في أن المحكّمين رأوا في الفيلم ما يستحق الجائزة، أو في أخرى ما حال دون استحقاقها لها فنال الفيلم الفلسطيني جائزته. لكنها، الأفلام، لم تكن بسوء مريعٍ يسمح لها إتاحة الجائزة للفيلم الفلسطيني وبعضها معروض على قناة ARTE).
بكل الأحوال، يسعد أحدنا لأن فيلماً فلسطينياً نال هذه المساحة والجائزة لا الفيلم البريطاني أو البرتغالي أو المكسيكي أو الهندي أو غيرها. لكن، في حديث فلسطيني فلسطيني، سنترك هذه الاعتبارات جانباً. لن يكون أحدنا فرحاً بنيل عمل فني فلسطيني جائزةً لكونه فلسطينياً وحسب، ولأن الظرف السياسي الراهن استلزم ذلك. نبحث عن استحقاق فني تام لهذا العمل الفلسطيني أو ذاك، لمنافسة آخرين على أسس فنية ومهنيّة لا استعطاف فيها.
بيننا وبين بعضنا فقط وبعيداً عن المهرجان الفرنسي، الفيلم سطحي في موضوعه، لا يستحق جائزة لهذا المهرجان، ببساطة وبمعزل عن أي ظرف يعيشه الفلسطينيون اليوم أو كل يوم. الفيلم متواضع فنيا لاعتبارين، أولهما مقارنة مع باقي الأفلام المشاركة في المهرجان، وهذا لا يعنينا كثيراً هنا، فليكن الفيلم الفلسطيني أسوأها ولينل الجائزة، حسناً يفعل. ثانيهما مقارنة بعموم الإنتاج السينمائي الفلسطيني، طويلاً وقصيراً.
يحكي الفيلم عن شاب يُمنع من المرور عن حاجز قلنديا فيجد سيارة تاكسي تقله إلى حاجز حزمة، وهناك تعلق السيارة ومن فيها في انتظار أمر الجنود لهم بالتحرك. يتكئ الفيلم بكسل على المساحة الآمنة التي يمكن لفيلم فلسطيني أن تدور أحداثه فيها، حاجز وعجزٌ لمدني مسكين أمام جندي مسلّح، استعطاف للمُشاهد الأوروبي الباحث عن صورة الضحية للفلسطيني، وانبهار للمشاهد الأوروبي المتضامن الباحث عن أي شيء فلسطيني يفرح قلبه.

لا بأس، لكن ألا تدور السينما الفلسطينية في حلقة مفرغة بسبب هذا الاستعطاف وذلك الانبهار؟ ألم يصبح مادةً للملل هذا الفيلم أو ذاك، فتتكرّر على أبصارنا ومسامعنا القصص والصور ذاتها؟ لمحة إنسانية مبتذلة لدى الشاب حين يعطي من حقيبته، للجندي الباحث عن كْريم وقاية من الشمس، ما يحتاجه. ابتذال فولكلوري في أن يكتفي الشاب ببرتقالة من يافا يعطيها له السائق، تعويضاً عن العجز عن الوصول إلى المدينة. فيلم بنصف ساعة استطاع أن يزاحم في دقائق تنميطاتٍ مباشرة لا ابتكار فيها ولا اجتهاد، ولا لقطة ملفتة واحدة يمكن أن تُخرج الفيلم من رداءته.
الخبر الجيّد في كل ذلك، بكل الأحوال، هو أن قصة فلسطينية أخرى ستجد طريقها إلى مشاهدين منهم من لا يعرف عن الفلسطينيين سوى من التقارير الإخبارية. الخبر الجيد الآخر هو أن جائزة المهرجان، كالكثير من جوائز مهرجانات كبرى في العالم تُمنح لظرف سياسي راهن يتعلّق بالفيلم أو صانعه (من إيران إلى أوكرانيا مروراً بتايوان) أنها جائزة سياسية لعمل فني فلسطيني، لشعب يعيش حالة إبادة جماعية العالم كله يطالب بوقفها، فكانت الجائزة نوعاً من التعاطف أو التضامن. جائزة لن يستحقها الفيلم إن لم نعطِ اعتبارات سوى لجانبه السينمائي. الخبر السيء من كل ذلك هو الفيلم كعمل فني. هو هذا الإنتاج الجديد للسينما الفلسطينية.
الفيلم بحد ذاته خبر سيئ سينمائياً، أما جائزته فهي خبر جيّد سياسياً. استحق الفيلم جائزته أم لم يستحقها، أن تكون الجائزة سياسية هنا، يفوق أهميةً مدى الجودة من الرداءة في هذا الفيلم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2184557

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع فنون مسرح وسينما   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184557 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40