الأحد 11 نيسان (أبريل) 2021

الدراما السورية... هل تستجيب للواقع المأزوم؟

الأحد 11 نيسان (أبريل) 2021

في الظروف المتردّية، يصبح السؤال عن جدوى الفن وماذا يمكن أن تقدّمه الدراما للمواطن المقهور مسألة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى! من المؤكد بأن رغيف الخبز أقوى من كلّ أنواع الفنون، وتأمين الاحتياجات الأساسية أولوية لا يمكن للدراما الرمضانية أن تنافسها! مع ذلك، لم تتزحزح مكانة الدراما على المائدة الرمضانية. بالنسبة إلى المتفرّج، لا يمكن له مقاومة غواية شخصيات خبرها طويلاً، واعتاد أن يشاهد جزءاً من واقعه على أيديها، بصيغة مصنّعة وسرد حكائي جذّاب! ربما كانت الوصفة السحرية حاضرة في عدد من لوحات «بقعة ضوء» لأنها لا تتنكّر للظرف الذي يعيشه المواطن، وفي الوقت عينه لا توغل في مآسي الحياة اليومية، بل تعيد تدويرها بطريقة ساخرة وبمنطق الكوميديا السوداء. هذا ما يصبو إليه المشاهد المتعب من واقعه عموماً، فيجد في الشاشة الصغيرة فسحة للفرجة التي تصوغ متعته وتقبض على مفردات حياته بدون تغريب مقصود أو إدارة الظهر لما يكابده! هذه السنة لا تشبه سابقاتها بالنسبة إلى سوريا، بسبب تبعات الحرب الطويلة والحصار الاقتصادي الجائر. الطوابير تملأ المدينة، والجوع يتسيّد مشهدها، والعوز يسطو على سكّانها. مع ذلك، سيجد المتابع جزءاً جديداً من السلسلة الكوميدية الشهيرة. وبعد يوم طويل ومتعب، سيهرب إلى قصص تاريخ الشام أيّام زمان، في دراما صارت تقليدياً فولكلورياً مثل «حارة القبّة» و«الكندوش»، وسيتعرف إلى جزء من الواقع في دراما اجتماعية معاصرة، بعضها عاد إلى حقبة السبعينيات والثمانينيات مثل «خريف العشّاق»، والآخر أوغل في الواقع الآني مثل «على صفيح ساخن». وستكون للكوميديا حصّتها مع عودة الكوميديان ياسر العظمة في «السنونو».

- «أيّام شامية» بنت مجدها على النوستالجيا

اشترى أحد الرجال حذاء غالي الثمن، ومرّت عليه سنون من الاستعمال اليومي من دون أن يهترئ، أو تنال منه كثرة الاستخدام، فضاق الرجل ذرعاً بما اشتراه، لأنه كان يودّ التجديد! ذهب إلى حكيم لكي يعاينه، ويكشف له السرّ، فقال الحكيم إن الحذاء مصنوع من جلد البشر. استغرب صاحبه، وسأله كيف له أن يهترئ علّه يشتري غيره، فأجابه: «ما عليك سوى انتعاله والدوران به في الليل حتى بزوغ الضوء». وبالفعل راح صاحب الحذاء ينفّذ وصية حكيمه، وما هي إلا أسابيع حتى تهاوى الحذاء واهترأ كلياً! فهم الرجل بأنه لا يمكن أن يضّر الإنسان شيء أكثر من السهر! تلك القصة ترد على لسان «ديبو الحلّاق» التي أدّاها الراحل سليم كلّاس في مسلسل «أيّام شامية» (1992 ـــ كتابة أكرم شريم وإخراج بسّام الملّا). بهذه النوعية من القصص، بنت الدراما الشامية مجدها، معتمدة على الفرجة أكثر من أي شيء آخر، وربما تداعب النوستالجيا المعتملة داخل كلّ من تعلّق قلبه بالشام، بخاصة أيّام زمان التي توصف بأنها عنوان للتآلف والإغاثة والتآخي والشهامة... منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، أنجزت الدراما السورية آلاف الساعات التلفزيونية، من هذه النوعية، ووجدت من يتلقّفها بدون تردد مهما كانت حال الدراما السورية وتموضعها على الفضائيات العربية!

هذا العام، تقدّم سوريا مجموعة كبيرة من المسلسلات الشامية، أوّلها ما أنجزته شركة MB (صاحبها ماهر البرغلي ومديرها العام جود البرغلي). إذ تولى النجم أيمن رضا إدارة أول مشاريعها وهو المسلسل الشامي «الكندوش» (العمل يتألف من 60 حلقة ــــ كتابة حسام تحسين بيك ــــ إخراج سمير حسين، بطولة: أيمن زيدان، سلاف فواخرجي، شكران مرتجى، أيمن رضا، فايز قزق، تيسير إدريس، رضوان عقيلي، كندة حنا، جفرا يونس، همام رضا، فاتح سلمان، حازم زيدان ـــ تعرضه «دبي»، «الظفرة»، «روتانا خليجية»، منصّة «ويّاك»، lbci...). العمل الذي تدور قصته في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، لا يمتثل للقاعدة التقليدية في السبك التصعيدي، إنما يعتمد على نسج معطيات مكثّفة أكثر خصوصية، في جوهر كلّ شخصية، وتوريط المشاهد في تعقّب مصائر هذه الشخصيات. تنطلق الحكاية من رجل ثري وخيّر، له هيبته ووقاره، وحضوره في الحارة الشامية، وقصّة غرامه الصادمة مع أرملة غير زوجته وأمّ أولاده. ومن ثم هناك الصراع الدائم بين محورين، أحدهما يتمثّل في شرّ شبه مطلق، يجسّده شاب يريد تطويع الحياة، وتحقيق الأحلام عن طريق السرقة والسطو، فيما سيكون المُشاهد لاحقاً أمام فرصة تأملية، من خلال شخصية مغسّل أموات. ستترك أسماء الشخصيات ومنطقها وبناؤها عموماً إتاحة واضحة لتلقٍّ مختلف، وفرجة شعبية عالية، معافاة من الاستعراضات المجانية، فيما سيكون للمنطق الموسيقي والغناء مساحة واسعة من العمل الذي يتنافس بشكل واضح مع «حارة القبة» (60 حلقة ـــ كتابة أسامة كوكش وإخراج رشا شربتجي وإنتاج شركة «عاج» هاني العشي- تلفزيون «دبي»). العمل الذي يؤدّي بطولته كلّ من عباس النوري، سلافة معمار، فادي صبيح، خالد القيش، ندين تحسين بيك، نادين خوري، يقدّم حكاية ضمن قالب المسلسل الشامي التقليدي، تجرّب اللعب بمنطق تشويقي للحد الأقصى، وسرد حكاية تدور في زمن السفر برلك من دون التعريج على المطرح التاريخي، إلّا بخلفية ناعمة جداً، والتدوير بين المطارح التي يلعبها الممثلون عادة بالاتّكاء على خبرة رشا شربتجي، واجتهادها ومحاولتها بتجديد تقني، أو صياغة بصرية تزيد الحالة التشويقية.

جزء ثان من «بروكار» و«سوق الحرير» وموعد دائم مع سلسلة «باب الحارة»

من جهتها، تعتصم شركة «قبنض» بالإنتاج الشامي الرابح بالنسبة إليها، وأولها إنتاج جزء ثان من «بروكار» (كتابة الراحل سمير هزيم وإخراج محمد زهير رجب، بطولة: جمال قبّش، سلمى المصري، زهير رمضان، رنا الأبيض، قاسم ملحو، علاء القاسم وزينة بارافي). قدّم العمل في جزئه الأوّل حكاية تخللتها مطارح درامية لها علاقة بصناعة «البروكار» الشامي، ومحاولة أحد المهندسين الفرنسيين سرقة هذه الصناعة والخروج بصنعة بديلة للقضاء على الصنعة الوطنية المحلية في أربعينيات القرن الماضي. وجرّب إضافة جرعات تشويقية على خلفية المحور الجوهري للحكاية من خلال جرائم قتل متتالية تدور خيوطها على خلفية الحدث الرئيس، وتصفيات لضبّاط فرنسيين، وسيستمر بالروي ضمن هذا السياق في جزء ثانٍ.
سلاف فواخرجي في مشهد من «الكندوش»

كذلك تستمر الشركة في إنتاج أجزاء جديدة من سلسلة «باب الحارة» (كتابة مروان قاووق، إخراج محمد زهير رجب، بطولة: زهير عبد الكريم، رضوان عقيلي، نجاح سفكوني، قاسم ملحو، أمية ملص، زهير رمضان، فاتح سلمان، رنا الأبيض، مصطفى المصطفى، بلال مارتيني ـــ قناة «الجديد»). أيضاً سيكون الجمهور على موعد مع جزء ثان من مسلسل «سوق الحرير» بعد فشل جزئه الأوّل رغم حشد النجوم الذين لعبوا فيه وهم: بسام كوسا، سلوم حداد، كاريس بشار، فادي صبيح، ندين تحسين بيك... فقد قرّرت شبكة mbc المنتجة الفعلية للمسلسل تغيير طاقم العمل. هكذا، أضافت كاتباً إلى حنان المهرجي كاتبة الجزء الأوّل، ليصبح شريكها سيف حامد، واتفقت مع المثنى صبح ليتولّى مهام الإخراج خلفاً للأخوين بسّام ومؤمن الملّا. على أمل أن تتغيّر تصاعدية الحكاية وتشتد وتجرّب القبض على جمهور أوسع!
أيضاً سيكون المشاهد على موعد مع مسلسل «أولاد سلطان» (كتابة سعيد الحناوي وإخراج غزوان قهوجي، إنتاج «شقرة للإنتاج الفني»، بطولة حسام تحسين بيك وسليم صبري ويحيى بيازي وماهر شقرة وعبد المنعم عمايري...) وهي حكاية تقدّم منطقاً مكروراً لصراع المال والسلطة والجاه في حارة شامية.

من سمير هزيم إلى جفرا يونس... تحيّة خاصة
«نصوّر كلّ يوم بصحبة أكثر من 50 كومبارساً، عدا فريق المسلسل الأساسي من فنيين وممثلين. لذا لا يمكن أن نتعامل مع فيروس كورونا، مهما أخذنا من حيطة وحذر إلا على أنه يشبه نزلة البرد»! يقول أحد النجوم السوريين المكرّسين في زيارتنا لموقع تصوير مسلسله. وبالفعل لا يمكن لكل درجات التعقيم والتباعد أن تفيد في مهنة مثل التمثيل التي تفرض تقارباً إجبارياً ومعطيات مختلفة عن كل المهن الأخرى. لعلّها فرصة بحلول شهر الصوم وموسم الدراما أن نتوجّه بتحية إلى من أصابهم الفيروس بمقتل أو خلّف لهم خسائر واضحة، وهم يجرّبون بذل أقصى ما يملكون لصوغ ترف المتعة عند المشاهد، ولو كلّفهم ذلك حياتهم دفعة واحدة. البداية كانت مع المحامي والسيناريست سمير هزيم (1951ـ 2021) الذي فارق الحياة بعد إصابته بالفيروس. كذلك، خسر مدير الإنتاج السوري فراس حربا (1974ـ 2021) معركته مع كورونا التي استمرت أسابيع. لم تتمكّن رئتاه من المقاومة، والسبب أنّه خضع قبلها بفترة لعملية في القلب تكلّلت بالنجاح، لكن قبل أن يتماثل للشفاء بشكل نهائي، أصيب بكورونا فكانت النهاية بعد معاناة وصعوبة في التنفّس! الراحل خلّف صدمة، خصوصاً أنه يُشهَد له بالأخلاق العالية والطيبة الواضحة! بقدر أقلّ بكثير تماثلت الممثلة السورية الشابة جفرا يونس للشفاء من الفيروس لتجد بأن قرارها الأخلاقي بالابتعاد عن التصوير كي لا تعدي أحداً من زملائها كلّفها دورها في مسلسل «على صفيح ساخن» واستبدالها بدون علمها، ما جعل زميلتها رنا كرّم تعتذر عن عدم أداء الدور كنوع من التضامن مع رفيقتها!

- الأعمال الاجتماعيّة تشتبك مع الحرب وأحلام الهجرة

خلافاً لواقع أنّ للنجاح ألف أب، فقد كانت جائحة كورونا هي الأب الوحيد لكلّ فشل وقع في الموسم الدرامي الماضي. شماعة مناسبة علّقت عليها كل الهزائم الفنية بسبب تفشيها المباغت، ووصولها إلى منطقة لا تعرف كيف تدير شؤونها في الوضع الطبيعي، فما بالك عند انتشار وباء وجائحة هوجاء! لكن ماذا ستكون حجّة صنّاع المسلسلات السورية هذا العام في حال لم تكن النتائج على المستوى المطلوب؟! يبدو بأنه لن يكون هناك داع للمبررات، فالمؤشرات المبدئية، توحي بأننا قد نكون أمام أكثر من عمل مهم انطلق من فرضيات متماسكة، ودعوات للخوض في مطارح مغايرة، ومقترحات حكائية جديدة تأخذ المشاهد إلى دروب شائكة. منطقياً، يبدو أن حصان الموسم الرابح سيكون مسلسل «خريف العشّاق» (كتابة ديانا جبور ـ إخراج جود سعيد ـ بطولة أيمن زيدان، صفاء سلطان، محمد الأحمد، أحمد الأحمد، حسين عبّاس، حلا رجب، ترف التقي، علا سعيد... يُعرض على: OSN، «الظفرة»- «لنا» - «زي ألوان») كونه ينطلق من حكمة بلاغية لرجل متنفّذ مفادها أنّ الحرب تملي عليك عدم الوقوف في المنتصف، أو عند مسافة واحدة من طرفي النزاع، لأنّه سيُطلق الرصاص عليك من كلّ صوب... الرجل الذي يحوط نفسه بالمريدين ضامناً لهم مستقبلاً متوهجاً من المال والسلطة، يشترط أن يكون الولاء المطلق له وحده. عندما يشتمّ رائحة خيانة، أو يرى ملامح انحرافة عند أحد رجاله، سيضرب بيد من حديد، فيما ستتداخل سطوته مع إحدى ثنائيات المسلسل، وتؤثر عليها بشكل واضح. يلاحق العمل مصائر ثلاثة شبان قرروا مجابهة التيّار، وتحدّي الزمن، والزواج المخالف للأعراف، فتبعتهم لعنة المجتمع المترنّح! كل ذلك سيجري على خلفية صراع الإخوان المسلمين مع السلطة والقوى المجتمعية الأخرى على أكثر من صعيد، واصطفاف بعض الأحزاب مع الإخوان رغم العداء الجذري بينهما على المستوى الفكري والعقائدي! إذاً، يُجري المسلسل جردة حساب مع تاريخ سوريا في أحلك الأوقات وأصعب الظروف التي كان يرسي فيها «البعث» دعائمه لسنوات مديدة في الحكم!

يَعد «على صفيح ساخن» بقصة لاهبة، بطلتها عائلة تتاجر بالقمامة

على طرف آخر، يَعد «على صفيح ساخن» (كتابة علي وجيه ويامن حجلاني، إخراج سيف الدين السبيعي، وبطولة: باسم ياخور وسلّوم حداد وعبد المنعم عمايري وميلاد يوسف وأمل بوشوشة ـ يُعرض على «أبو ظبي» و«عمّان») بقصة لاهبة، كونه يحكي سيرة عائلة تتاجر بالقمامة، وتتحول من ظرف متردٍّ إلى مكان تحكم فيه بفعل المال. ينطلق المسلسل من قصة عائلة الحجّار التي لم تتوقع أن تعود إلى دمشق ثانية، بعدما باع الإخوة الثلاثة كلّ ممتلكاتهم في بلادهم وقرروا الهجرة إلى ألمانيا لافتتاح مطعم شامي، والانطلاق بحياة جديدة مختلفة عن واقع بلادهم، لكنّهم يتعرضون للاحتيال ويعودون أدراجهم إلى بلادهم لتعاين الأحداث واقع الطبقة المسحوقة بصيغة اشتباكية!
«المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» على موعد هذا العام مع مسلسلات اجتماعية عدة لا نعرف إن كانت ستحضر على الفضائيات وتحقق الحد الأدنى من المشاهدة، أم أنّها ستكون بمثابة استرزاق للعاملين فيها وحالة تشبه تبديد الأموال العامة. علماً بأن الأجور في المؤسسة الحكومية تحقق أدنى معدّلات لها، إذ يعمل معظم الممثلين فيها بطلب شخصي من وزارة الإعلام. هذا العام، أنتجت المؤسسة أعمالاً هي: «بعد عدة سنوات» (كتابة بسام جنيد ـ إخراج عبد الغني البلّاط وبطولة: سعد مينه، ديمة قندلفت، ميلاد يوسف، روبين عيسى، ريم زينو- المحطّات السورية). يرصد العمل مجموعة من الشخصيات منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى اليوم من خلال قصص متنوعة وعلاقات اجتماعية متداخلة تنطلق من محور بوليسي له علاقة بجريمتَي قتل وسرقة يرتكبهما شخص بالاتفاق مع شقيقته. أما المسلسل الثاني، فهو «ضيوف على الحب» (كتابة سامر إسماعيل ـ إخراج فهد ميري ـ بطولة: فادي صبيح، شكران مرتجى، ناظللي الرواس، جيني اسبر- المحطات السورية). يقدّم العمل مقترحاً حكائياً رمزياً من خلال بيت شامي يريد الدلالة على سوريا، تسكنه سيدة تؤجر غرفه لمجموعة من الفتيات اللواتي يشرن بحضورهن إلى الأجيال السورية المنهكة من الحرب. ورغم أن صاحبة البيت لا تطمع بالجانب المادي، لكن الفتيات يغادرن البيت تعقباً لمصائر مختلفة، وهو أيضاً نوع من الإيحاء للهجرة التي يطمح إليها الكثير من الشباب السوري. كذلك، تنتج المؤسسة «دفا» (كتابة بسام مخلوف ـ إخراج سامي الجنادي ـ بطولة: باسل حيدر، محمد حداقي، نادين خوري) الذي ينطلق من حكاية مجموعة شباب يعملون في كافتيريا تقع في حديقة عامة، ويضيء على صراعهم مع أحد المتنفّذين وتجّار الحرب ربما. وهو شخص محدث نعمة صنعته سنو الأزمة. يجرّب العمل القول بأنّ الحب وحده هو المخرج الأكيد لكل الظروف المتلفة التي تسطو على مجتمعاتنا!

- عودة الكوميديان ياسر العظمة

خلال أربعين عاماً، شكّل الكوميديان السوري ياسر العظمة حالة فنيّة نادرة جداً، كونه اعتصم عند مسلسل وحيد هو «مرايا» قدّم فيه عشرات الكاركترات المتباينة والمتشابهة أحياناً، وحقّق جماهيرية واسعة وإقبالاً جماهيرياً لافتاً. في هذا المشروع، اتكأ الممثل المخضرم على مفاتيح أدائية ثابتة، من ناحية الشخصيات التي يلعبها بمساندة كوكبة من النجوم. العمل صار مثل منجم خرّج عدداً كبيراً من الممثلين الشباب والمكرّسين، مع كشف مواهب انطلقت لاحقاً في المهنة من واسع أبوابها، كصفاء سلطان، روعة ياسين وغيرهما. صمدت شعبيته حتى اليوم، إذ ما زالت لوحاته تحقق أعلى نسب مشاهدة بعد إعادة نشرها على السوشال ميديا وتقطف أرباحاً كبيرة لمالكيها! من جهة أخرى، جرّب العظمة مراوغة الانتقادات التي كانت تتهمه بسرقة أفكار لوحاته من مكتبة الأدب العالمية وروائعها، وتحديداً من المؤلفات التركية لعزيز نيسن! فكتب على شارة مسلسله بأنه من تأليفه مما قرأ وسمع وشاهد؟!

مع ذلك، انحدر مستوى أجزاء مسلسله الأخيرة تحديداً عندما أقحم الإعلانات التجارية بشكل منفّر، ثم سافر إلى الجزائر في سنوات الحرب وأنجز جزءاً من «مرايا» عُرض بشكل حصري على التلفزيون الجزائري بدون أن يحقق أي أثر أو متابعة! قبل أشهر، قرر أن يحضر على السوشال ميديا، وبالفعل ظهر مرّة ليلقي شعراً اتُّهم بأنه سطحي وساذج ولاحقته موجة من الانتقادات اعتبرت بأنّ الفنان يهوي بمستواه ليكون مجرّد «يوتيوبر». وبالفعل لم يقدّم سوى بضع حلقات على حساباته الافتراضية، سرعان ما أعلن عن طلاقه هذا العالم مؤقتاً، لانشغاله بالتحضير لمسلسل جديد! علماً أنه سبق أن سرت أخبار مراراً عن عودته في نسخة جديدة معاصرة من عمله الشهير، ودخوله في مباحثات مع منتجين من دون أن تترجم تلك المشاورات عمليّاً.

«سنة ثانية زواج» يطرح هموم الزواج في سنته الأولى

هذا الموسم تغيّرت المعطيات وتأكّدت عودته في عمل سوري توحي بشائره بأنه لن يكون سوى إعادة اجترار لتجربة «مرايا» في الجزائر، كونه يصوّر في الإمارات، وبالتالي يفقد البيئة المحلية السورية، وهي نقطة جوهرية في البناء الدرامي والمقترح الحكائي الذي قدّمه الكوميديان الشهير واشتبك فيه مع قضايا الناس الصغرى ويومياتهم وما يحيطهم من فساد!
على أي حال العودة، بعد انقطاع طويل ستكون عودة العظمة هذا الموسم من خلال «السنونو» (كتابة ياسر العظمة ـ إخراج خيري بشارة ـ يشاركه في البطولة: عابد فهد ومحمد قنوع وتقلا شمعون ومرح جبر وبشار إسماعيل وولاء عزّام...). في هذا العمل، نتعرّف إلى شخصية عوني الناكش الذي يسافر في باخرة مترفة الغنى، وتحدث معه مفارقات عديدة تكون قوام الحالة الكوميدية التي يطرحها العظمة بعيداً عن المقترح الذي تبناه لسنوات في «مرايا». ولعلّ المسلسل سيكون هو الحضور شبه الوحيد للكوميديا السورية هذا العام، إلى جانب محاولة البحث عن مادة لايت في مسلسل «سنة ثانية زواج» (كتابة أحمد سلامة ـ إخراج يمان إبراهيم ـ بطولة يزن السيّد ودانة جبر). العمل جزء ثان من مادة طرحت هموم ومقاربات الزواج في سنته الأولى، وانتزعت إقبال الجمهور المحلي بنسبة معقولة، وهو ما جعل فريق المسلسل يفكّر في استمرار التجربة مع تشريح درامي للسنة الثانية من الزواج، وماذا تحمل من هموم ومشاكل ويوميات!

- ملف وسام كنعان في «الأخبار»



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2184605

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع مواد  متابعة نشاط الموقع مقالات ومحطات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

2 من الزوار الآن

2184605 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40