الأحد 28 آذار (مارس) 2021

الاعلام الجديد بين التجذير والتعهير!

بقلم: رياض سيف
الأحد 28 آذار (مارس) 2021

قبل نشوء ما يسمى بالقنوات الفضائية , كانت برامج المحطات متنوعة وجذابة سواء في المنوعات او برامج الشو او الافلام او المسلسلات او البرامج الاجتماعية والاخبارية وغيرها من البرامج المختلفة التى كان يتابعها المشاهد على قناة تلفزيونيه واحدة او على القنوات التى يتسنى الوصول لها عبر الانتيل الخارجي والتي لاتزيد عن ثلاث قنوات , ولذا كان المشاهد يحيط بما يعرض على الشاشه , وكان لكل برنامج رونقه وجمهوره , واذا ما عرض مسلسل متميز متفرد خلت الشوارع من المارة لمتابعته بكل انتباه وحرص على ان لايفوته مشهد من مشاهده , كانت المسلسلات في تلك الفترة كا العملة النادرة من حيث الكم والنوع , وكان الانتقال من برنامج لاخر يتم عن طريق مذيع او مذيعة للاعلان عن الفقرة التالية بظهور انيق وتقديم مشوق .
انتهى هذا الزمن الجميل مع بساطته وعفويته , وانتقل بنا الحال الى ماهو اكثر تعقيدا وابهارا , بل وكلفة تفوق الخيال احياناً .
وترامت المحطات الفضائية هنا وهناك بما لا يتخيله عقل واصبح المشاهد حائراً اي القنوات يتابع , يحاول أن يستقر على قناة فتراوده نفسه الى قناة أخرى فيُقلب بين القنوات دون أن يستقر على رأي , وفي النهاية يغلق التلفاز دون أن يشاهد برنامجا واحداً من عشرات البرامج التي تزخر بها المحطات المتخصصة وغير المتخصصة , فلا مشاهدة تمت , ولا عين رأت , وكأن كل هذه المئات من القنوات كزبد البحر لا تغني ولا تسمن من جوع , وكأن الكثرة تفسد المتعة , بل وتستنزف الروح والفكر .
معظم المسلسلات العربية المقلدة للغرب او للنمط التركي اضحت فيديو كليب مسلسلات لها في الظاهر وأحيانا في البهرجة واستعراض لمقدمات ومؤخرات وابراز مفاتن انثوية وذكرية وحكايا الخيانة وتجاوز الممنوعات والمحرمات , ومعظم الافلام تهاوت في اللهاث والسخافة والبلطجة وفي كلتا الحالتين تخريب الذوق العام وتعهير الامة وزرع الافكار المنحرفة وأحيانا المتطرفة في عقول الجيل الناشيء عبر خطة استعمارية مغرضة تنفذها كبرى المحطات العربيه لانتزاع ما تبقى من الكرامة العربية وقضاياها التي أضحت من ضمن سلم اولويات المنع في الطرح او التداول , والادهى من هذا كله البرامج التى امتطاها شخص واحد ليتحفنا وعلى مدى ساعتين أو أكثر بكلام ممجوج لنسمع نفس الكلام ونفس المصطلحات في عدة قنوات وان اختلفت اسماءها لكنها كمن اسست للترويج للسيد الاعلى مسبحين بحمده متغاضين عن الحقائق التى توجع القلب وتقلب المفاهيم وتُجرم الاحرار والاشراف بل وتصفهم بأقذع الالقاب والتهم وكأن الموكلين بهذه المهمات المغرضة والدنيئة يقرؤون على شيخ واحد وحسب ما يطلب منهم , ولا يختلفون عن شيوخ المساجد الذين يوزع عليهم تفاصيل خطبة الجمعة ولا يحيدون عنها قيد انملة . فما تسمعه من جمل ومصطلحات في قناة ما تسمعه وبنفس النسق في قنوات أخرى بأختلاف أشكال مقدمي البرامج والديكورات الخلفية وما عدا ذلك فالكل يهتف في جوقة واحدة ولحن واحد أقل ما يقال فيه لحن الانحدار والتفاهة الفكرية والاخلاقية .
وبمعنى أوضح فان ما حصل من تقدم كبير وتطور هائل في التقنيات الفنية وفي أدوات العمل الاعلامي وفي الاداء الفني والبذخ الانتاجي بدل أن يصب في مصلحة المشاهد العربي وقضاياه المصيرية , أضحى وبمخطط رهيب ضد كل ما هو في مصلحة الامة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها حيث انقلبت المعايير والمفاهيم وانحازت الامور نحو تبرئة القاتل وادانة المقتول , والاعتراف بحق المحتل فيما سلب وتجريم الضحية في سعيها بالمطالبة بحقوقها المشروعة , .
لم تعد للبساطة والعفوية النابعة من المشاعر الصادقة مكان في هذا الزمن المغرق في البهرجة . ولم يعد المتلقي يتفاعل مع ما يعرض بروحه واحاسيسه , بل بنزعته لاشباع رغبات النفس والانا . واصبح عدد المسلسلات في كل موسم يفوق عدد شعر الرأس لاتستطيع لها احاطة او عداً . ناهيك عن عدد الحلقات التي تبدأ ولا تنتهي على مبدأ ( خض الماء في القِرب).
المسلسل البسيط ذو الحكاية العفوية ذو الحلقات المعدودة الذي كان يلامس القلوب ويثري العقول بمضامينه الاخلاقية والوطنية والاجتماعية والانسانية ذو الكلفة التي لاتوازي عُشر كلفة مثيله هذه الايام انتهى الى غير رجعه , وحال الفنان رغم هذا الانقلاب اسوأ من حاله بالامس , كونه هو الخاسر الوحيد امام الملايين التي تصرف لنجم واحد ولبذخ انتاجي يبهر العين لكنه لا يعبيء الرأس او يلامس الفكر والاحساس الا في ماندر .
فمن من جيلنا لايذكر تلك الاعمال الملتزمة الكبيرة المعبرة عن هوية الشعب وروحه في مسلسلات اجتمع عليها الناس وتابعوها بكل شغف لتكون رصيدا فكرياً لدى جيل كامل كونها اتكأت على نتاج القمم الادبيه من أعمال نجيب محفوظ وغيره من رواد الفكر والادب او موروث البيئة الشعبيه في ليالي الحلمية وقال البحر والراية البيضاء وغيرها من اعمال اسامة انور عكاشه وليلة القبض على فاطمة وغيرها لمحسن زايد , اضافة الى تلك الاعمال الوطنية وعلى رأسها رأفت الهجان , ناهيك عن الاعمال التاريخية التى لم يخلو منها موسم من المواسم لاستحضار التاريخ العربي والقاء الضوء على ابطال كبار عبر التاريخ او أساطير شعبيه ما زالت في الذاكرة في ابهى صوره سواء في الاعمال المصرية او السورية او الاردنية والتى كان للدكتور وليد سيف ومخرجنا الكبير صلاح ابو هنود دور كبير فيها .
ومن منا لا يذكر او يتذكر قمم الافلام العربية ذات المضامين القيمة في عصر الابيض والاسود والتى مازالت تاجاً في جبين الفن العربي , ناهيك عن البرامج الثقافية والندوات الفكرية والادبية الشيقة التي صنعت جيلا كاملا والتي لم تكن تخلو منها قناة عربية .
نعم انتهى هذا العصر الجميل ببساطته وعفويته وطروحاته ليحل محله جنون اللهاث وراء البهرجة في برامج الشو لعرض ما يثير الغرائز ويبعد العربي عن مشاكله ومعاناته اليوميه في صراعه المستميت من أجل لقمة العيش التى ضاقت عليه , ليُصفع يومياً ببرامج تعده بما هو أت , والاتي رغم ما يزينه اعلاميوا السلاطين اسوأ وأسوأ في كل المناحي المعيشية والفكرية والادبية , حتى بات العربي وسط هذا الهجوم المبرمج بلا هوية او امل حتى بحياة اقل مايقال فيها انها كريمة .
المحرمات التى كانت ضابطاً لايقاع الاعلام العربي بكل انواعه في تجنب التعرض للدين والجنس , اضحت مباحة , وأضحى المحرم الوحيد في الاعلام الجديد قضايا الامة المصيريه سواء في ماضيها او حاضرها في زمن تسيد فيه شيوخ السلطان والاميين على المشهد الاعلامي في المنابر الكبيرة , وانزوى فيه المفكرون وسادة الكلمه عن الساحة . ويبقى ووحيا من موروثنا الذي لم ولن يخبوا رغم كل محاولات التغريب والتهويد نقول ما قاله الشافعي:
لا تأسفنّ على غدر الزّمان لطالما

والباقي لديكم …….



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2184573

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع مواد  متابعة نشاط الموقع مقالات ومحطات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2184573 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40