الأحد 27 كانون الأول (ديسمبر) 2020

السينما في عام الوباء… كآبة المُشاهدة

الأحد 27 كانون الأول (ديسمبر) 2020

- سليم البيك

غالباً ما تكون الاستعادة مهمة أشد صعوبة من المزامنة، في تلقي العمل الفني والتفكير به، فتكون إعادة التلقي أو استعادة التلقي الأول، مشروطةً بظروف يمكن أن تغير من التقييم، فلا يكون الفيلم الأفضل، مثلاً، لدى مُشاهد (نقدي، لنقُل) في مرحلة ما من عام 2020، الفيلمَ ذاته في مرحلة أخرى. يتعلق ذلك، بطبيعة الحال، بما يليه من أفلام مُشاهَدة، وبالمقارنات وتعبئة لوائح الأفضليات. لكن يتعلق، بطبيعة التلقي النقدي، في عملية الاستعادة، التي تستلزم زمناً يحول بين التلقي الأول والثاني، فتكون الانطباعات راقت والتفكير أخذ مساحته، أو كما يُقال: «راحت السكرة وجاءت الفكرة».
في نهاية أي عام، قد يعود أحدنا إلى جرد الأشهُر الاثني عشر، مما أُنتج أو استهلَك، مما قُدم أو تلقى، وعادةً ما يعود أحدنا إلى الكتب التي قرأها أو الأفلام التي شاهدها، وقد تكون هذه مَهمة صعبة – هي كذلك – لكن فيها نوع من الرغبة التلقائية في الجرد والحساب والاستخلاص والخروج بنتائج في نهاية كل مرحلة.
ملاحظة أولية هي حصيلة المشاهدة لهذا العام، مشاهدة الجديد أقصد، ما نزل إلى الصالات في الفترات المتقطعة من فتحها، وما نزل إلى منصات الستريمينغ، التي استغلت غياب (أو تغييب) الصالات لتسرحَ في مساحات صُنعت للسينما، ولا تلائم غيرها، وأقول «حصيلة المشاهدة» لأن أحدنا لن يجد الوقت والطاقة لمشاهدة كل ما نزل، فلا أقول: حصيلة العام من السينما، وهو ما صار ادعاء صحافياً نقرأه هنا وهناك نهايات كل عام.
أما الملاحظة فهي تَقاسم المسلسلات للأفلام في حصيلة ما شاهده أحدنا، أحدنا المرتاد إلى صالات السينما في زمن ما قبل كورونا. هو فلانٌ من الناس، سينيفيلي، لا يمضي أسبوع دون مشاهدة سينمائية لفيلم، في صالة هادئة ومعتمة، وبمشاهدة غير متقطعة، وذلك قبل زمن الوباء الكئيب الذي تفشى فاضطر صاحبنا إلى البقاء في البيت، وقد أغلقت الحكومات صالات السينما، في إغلاقاتها العامة، وجمدت شركات التوزيع أفلامها إلى أن تنفرج، فما كان أمام فلان ذاته سوى التسلل إلى الصالات مع فتحها صيفاً، و (وهنا الكارثة) تحويل عادة المشاهدة إلى التلفزيون ومنصاته الستريمينغية، وعلى رأسها نتفليكس، فكان الجديد في عموم ما شاهده محدوداً، وكان أفضله، بطبيعة الحال، سينمائياً.
ملاحظة استدراكية: كان ذلك في صالح (إعادة) مُشاهدة كلاسيكيات من العالم.
بعض الأفلام الجيدة التي أمكن مشاهدتها في صالات السينما الفرنسية، خلال الأشهر الأولى من العام، وقبل تفشي الوباء، كانت من إنتاج العام الماضي، وقد شارك في مهرجانات منها «كان السينمائي». نبدأ بفيلمَين، «البؤساء» للفرنسي لادج لي، الذي نال جائزة لجنة التحكيم بالمناصفة، وفيه تصوير شديد الواقعية للحال الاجتماعي في فرنسا، والعنف البوليسي الذي استشرى في البلد خلال هذا العام، هو تصوير وهو كذلك استشراف لما وصل إليه هذا البوليس، لاحقاً، من عنف وفلتان. وفيلم «حياة مخبأة» للأمريكي تيرانس مالك، وفيه جمالية شعرية، بصرية وسردية، وإنسانية تحكي عن زمن الفاشية، يمكن ترجيحه ليكون من بين الأفلام الأجمل التي شهدتها الصالات الفرنسية والعالمية (على قلة ما شهدته) خلال العام.

بعض الأفلام الجيدة التي أمكن مشاهدتها في صالات السينما الفرنسية، خلال الأشهر الأولى من العام، وقبل تفشي الوباء، كانت من إنتاج العام الماضي، وقد شارك في مهرجانات منها «كان السينمائي».

مع الفيلمين أعلاه، أقترح أفلاماً في لائحة «الأفضل» التي يمكن أن أوجدها هنا، وهي -بالمناسبة – لائحة ذاتية أولاً، فتعتمد على الذوق الشخصي (كل لائحة هي كذلك مهما ادعى أصحابها الموضوعية) وهي غير شاملة ثانياً إذ تبقى محصورة بحدود مشاهدات صاحبها (ما توفر في الصالات مثلاً). الأفلام التالية يمكن أن تكون: «لا وجود للشيطان» للإيراني محمد رسولوف، وهو فيلم نال «الدب الذهبي» في «مهرجان برلين السينمائي» الذي عُقد في فبراير/شباط من هذا العام. وفيلم «ملح الدموع» للفرنسي فيليب غاريل، الذي شارك في مهرجان «برلين السينمائي» ذاته. وفيلم «إيما» للإسباني بابلو لاران، الذي شارك في «مهرجان فينيسيا السينمائي» العام الماضي. أضيف إليها «بورتريه لسيدة تحترق» للفرنسية سيلين سياما، الذي نال جائزة «أفضل سيناريو» في «كان» العام الماضي، و«باكورو» للبرازيليَين فيلهو ودورنيلز، الذي نال جائزة لجنة التحكيم بالمناصفة في دورة «كان» ذاتها. ولنتفليكس حصة ولو ضئيلة (لا بد أن تكون كذلك) من هذه الأفلام، أكتفي بواحد هو «ذا فايف بلدز» للأمريكي سبايك لي.
رافق إغلاقَ الصالات إلغاءُ دورات هذا العام للعديد من المهرجانات في العالم، وتحولت بعضها إلى «افتراضية» ما جعل الكثير من الموزعـــين ينتــظر انحسار الوباء أو تخطــــيه لطرح أفلامهــــم في الصالات، ما جعل الكثير من المخرجين والمنتجين يحولون «بوصلتهم» إلى التلفزيون كبديل يبدو تكتيكياً وهو استراتيجي، إن لم يكن لهم، فله هو.
بعيداً عن فرنسا، وبسياسة توزيع تختلف من دولة إلى أخرى، نزل الفيلم «باراسيت» للكوري الجنوبي بونغ جون هو، إلى الصالات هذا العام في عدة دول، وشارك في مهرجان «كان» العام الماضي، ونال سعفته الذهبية، كما نال عدة جوائز من بينها «أوسكار» أفضل فيلم، هذا العام، كاسراً «بروتوكول» هذه الجائزة المصـــممة لتُمنح لفيلم أمريكي أو بلغته. فيلم أخير في هذه اللائحة المختصَرة، هو فيلم مرتقَب، لم ينزل إلى الصالات الفرنسية بعد (سينزل في فبراير/شباط 2021 ما لم يُنهِ الفيروس على هذا الكوكب) لكن بمعــــرفة القلــــيل عنه يمكن القول إن هنالك توقعات حسنة منه، هو «نومادلاند» الذي نال «الأسد الذهبي» في «مهرجان فينيسيا السينمائي» هذا العام، وهو فيلم أمريكي للصينية كلووي زاو.
قاسمت، إذن، المسلسلاتُ الأفلامَ في مشاهدات المشاهدين هذا العام، فالصالات مغلقة والحجر جارٍ. أكتفي هنا بالإشارة بالاسم فقط إلى بعضها، وهي من بين الأفضل التي نزلت هذا العام مواسمَ أولى أو جديدة لها «لا كاسا دي بابل» و«أوزارك» و«أنت» و«ذي إيدي» و«مارتشيلا» و«دم زيوس» و«سوبورا».
ليس أمامنا، بعد هذه الجردة السريعة لهذا العام المتقشف، سوى أن نأمل عاماً جديداً بوباءٍ أقل وسينما أكثر.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 70 / 2184606

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع فنون مسرح وسينما   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184606 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40