الأحد 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2020

في الذكرى الـ(47) لحرب أكتوبر 1973: وثائقيات تحتفي بالوجود المصري

الأحد 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2020

محمد عبد الرحيم :

القاهرة ـ «القدس العربي»: ربما لم يزل شهر أكتوبر/تشرين الأول يحمل في ذاكرة المصريين والعرب ذكرى انتصار وحيد، يحاولون الاحتفاظ به والاحتفاء بتحققه، لأنه في الأول والآخر احتفاء بالوجود. فالانتصار العسكري على الكيان الإسرائيلي ـ بغض النظر عن الهزيمة السياسية بعد ذلك في ما اتفق على تسميته بمعاهدة كامب ديفيد ـ أثبت أن الشعب المصري لم يزل على قيد الحياة، وأن التاريخ قادر على تجاوز محنة الجغرافيا.

وتأتي السينما محاولة أن تواكب الحدث في أعمال تليق به، متفاوتة في بعض الأحيان، وغير جديرة في أغلبها بتجسيده على الشاشة. فالأفلام الأكثر شهرة، التي تم إنتاجها لتخليد حرب أكتوبر 1973 لم تكن أبداً في المستوى المطلوب ـ نقصد السينما الروائية ـ التي اتخذت من الحدث ذريعة واهية لسرد قصص تافهة، جاءت الحرب كظل خفي لشخصيات وحكايات لها تحدث في أي مكان وزمان، بدون أي ارتباط اجتماعي أو سياسي بحالة الحرب التي عاشها المصريون، وعانوا من تبعاتها، سواء ما قبلها أو بعدها. فمعظم الأفلام المصرية الروائية سقطت في فخ الدعاية والمباشرة، أعمالاً متسرعة، وقصصاً مُستهلكة، أصبحت الآن تثير الضحك، أكثر مما تثير الاهتمام، باستثناء تجارب قليلة، نذكر منها فيلم «أغنية على الممر» إخراج علي عبد الخالق، الذي تناول حرب الاستنزاف، وتم إنتاجه عام 1972 أي قبل هوجة أفلام الحرب، وعبور خط بارليف. ولكن ماذا عن السينما الوثائقية؟
من وجهة أخرى ومختلفة تماماً، جاءت بعض الأعمال الوثائقية، التي تناولت حرب السادس من أكتوبر، ربما تكون هي الأقرب ـ رغم تباين مستواها الفني ـ للروح المصرية وقتها، محاولة تسجيل لحظة الانتصار هذه من خلال وعي وروح الجنود، الذين هم في الأول والآخر أبناء هذا الشعب من الفلاحين والبسطاء. نذكر من هذه الأعمال مثالاً «جيوش الشمس» إخراج شادي عبد السلام، «أبطال من مصر» إخراج أحمد راشد، «صائد الدبابات» إخراج خيري بشارة، «مسافر إلى الشمال.. مسافر إلى الجنوب» إخراج سمير عوف، «رجال خلف المقاتلين» إخراج محمد قناوي و«موكب النصر» إخراج سعد نديم.

الكرنفال وحلم العودة للمعركة

في فيلم «موكب النصر» لسعد نديم، إنتاج عام 1974، توثيق للاحتفال بمرور عام على نصر أكتوبر، ينتهج نديم طابعاً إخبارياً، يقترب كثيراً من أسلوب الجريدة المصورة، والريبورتاج المصور. لقطات احتفالية وتعليق من الخارج عن الحرب والانتصار. مع بعض المقابلات مع عدة فنانين وطلبة أجانب، يدرسون في مصر، أو أتوا للمشاركة في الاحتفال. الملاحظ أن هؤلاء ينتمون إلى ما كان يُعرف بأوروبا الشرقية وقتها، إضافة إلى لقطات لوجوه ناس مختلفي الأعمار، وهم في غاية السعادة، حيث يعتلون الدبابات والمدافع والصواريخ المُشاركة في العرض، خاصة وقد ضم العرض بعضا من القطع الحربية الإسرائيلية، التي دمرها المصريون في الحرب.
ونأتي إلى موكب السادات، حيث يحيط الناس بالموكب، بدون أن يستطيع رجال الأمن إبعادهم، أو بمعنى أدق كان السادات يريد المشهد هكذا، قبل أن يستوي على المنصة بجوار ياسر عرفات، ليشهد الحفل. المنصة الصاخبة وقتها، هي نفسها التي كانت في غاية التوتر عام 1981، والتي انتهت عندها حياة السادات في مشهد لن ينساه المصريون. فالرجل في المشهد الأول كان يتحرك بين الشعب، لكنه في الأخير ـ لم يكن يستطيع بفضل رجال أمنه ـ أن يقترب منه أحد، فانتهى.
أما فيلم «جيوش الشمس» لشادي عبد السلام ـ اسم الجيش المصري منذ آلاف السنين، وكان مقره سيناء ـ كما كتب شادي على تيتر الفيلم. هنا يتواصل الأمر مع المصري القديم، الذي حاول شادي تجسيد حالة الجندي المصري وحروبه المستمرة لحماية حدوده منذ القِدم. توزعت الصورة ما بين بعض اللقطات على جبهة القتال، ووجوه الجنود، وهم يسردون بعضا من أحداث المعارك. لقطات كبيرة لوجوههم وخوذاتهم، فقط عيونهم التي تنطق وتقول، جباه متعرقة ووجوه سمراء، وملامح قديمة، كأهل هذه الأرض منذ آلاف السنين. على الجهة الأخرى يستعرض شادي بعض الجنود المصابين في أحد المستشفيات، وكانت الفنانة الراحلة نادية لطفي ـ بطلته الأثيرة ـ قد تطوعت وبعض الفنانات لرعاية المصابين. هنا يبدو حزن الجنود لتغيبهم عن استكمال الحرب، ويحلمون بالعودة بدون استكمال العلاج. وحتى يتواصل الأمر أكثر، تأتي رحلة مدرسية لأطفال يسيرون بين الدبابات المحترقة وأسلحة العدو الإسرائيلي المحطمة في مدن القناة بعد تحريرها.

أبطال من مصر

يتعرض أحمد راشد في فيلمه «أبطال من مصر» إلى حالة الشهيد فتحي عبادة النقيب في سلاح المدفعية ـ استشهد في سيناء في 21/11/1973 ـ أحد أهالي قرية نائية في محافظة بني سويف الواقعة جنوب مصر، والحاصل على بكالوريوس التجارة بتقدير جيد جداً في جامعة عين شمس، هذا الشاب الذي قامت أسرته كبيرة العدد ببيع بعض من قليل تمتلكه حتى يستكمل تعليمه الجامعي.
يبدأ الفيلم بأحد الضباط القاهريين، الذي يتحدث عن أحوال الحرب ولحظات الانتصار، وهو يُمسك طفله ويتجول بين الدبابات والمدرعات الإسرائيلية المتخلفة عن المعركة، ليبدأ خط السرد معه، عند زيارته لمقابر الشهداء، ويتوقف عند قبر الشهيد فتحي عبادة، لينتقل الحدث إلى القرية البعيدة في الجنوب، لنطالع الأب، الذي يعـمل رئيساً لعمال الطرق، والأم التي تعمل لتساعد في إعالة الأسرة. الجميع يشعرون بالفخر والأسى على ابنهم، الذي قدم روحه طواعية لهذا الوطن، يبدو هذا في خطاباته التي يقرأ منها الأب، الشاب الحي الذي لم تزل كُتبه الدراسية مكانها، وكأنه بينهم في كل لحظة. يكسر المخرج إيقاع التماهي التام مع الحدث، ليبدو وهو يُحادث بعض أصدقاء وأخوة عبادة، إضافة إلى لقطات لوصول طاقم الفيلم إلى القرية، لنسمع طفل يسأل.. «انتوا اللي هتيجيبوا لنا الكهربا؟» لنكشف مدى ما تعانيه هذه القرية ومثلها معظم قرى مصر من سوء الحال والأحوال.
كما اعتمد المخرج أسلوباً شاعرياً للتعامل مع الحدث، ومحاولة الاقتراب من روح الفلاح المصري، المتمثل في الشهيد وأسرته، وكأن الزمن توقف عند عصر قديم، فالأسرة كما هي، وكما نطالعها في رسومات المصري القديم، من رجل وامرأة يواصلان الكفاح حتى النفس الأخير، أجساد هزيلة، وملامح عاركت الزمن بدون أن تستسلم، وكما قدمت ابنها من قبل، لا تتورع في الفداء بآخر ـ الأخ الأصغر في مرحلة التجنيد وقت صنع الفيلم ـ لينتهي الفيلم بتوديع أسرته له، ليغيب وسط الحقول. ولن تفارقنا كلمات الأم الباكية بمدى إيمانها بقضاء خالقها، فحالتها الصعبة يزيدها الفراق الأصعب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2184593

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع فنون مسرح وسينما   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184593 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40