الأحد 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2020

الموت يغيب الشاعر والقاص الفلسطيني حنا إبراهيم

الأحد 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2020

ابراهيم خليل :

غيب الموت، على نحو مفاجئ الشاعر والإعلامي والقاص الفلسطيني حنا إبراهيم إلياس عن عمر يناهر الـ93 عاما بعد ظهر الخميس 15/10/ 2020 . ولد الشاعر في قرية البعنة في شمال فلسطين عام 1927 وتلقى دراسته الابتدائية في الرامة، والثانوية في مدرسة عكا.
وفي شبابه عمل مدرسا، وقبيل عام 1948 انتسب لعصبة التحرر الوطني الفلسطيني التي كانت النواة، التي انبثق عنها الحزب الشيوعي الفلسطيني. وقد استخدم حنا إبراهيم الكلمة إلى جانب السلاح في مقاومته للمشروع الصهيوني، فعُرف عنه إلقاؤه الشعر في المظاهرات التي كانت تملأ الشوارع في مواجهة الانتداب، ومواجهة الهجرة اليهودية لفلسطين، والمؤامرات الصهيو ـ بريطانية ضد البلاد، إلى جانب إلقائه الشعر التحريضي في مجمعات العمال. فأشعاره المبكرة تمجد العامل، والفلاح، وتندد بالشوفينية الصهيونية على السواء.
وقد جمع حنا إبراهيم إلى جانب الكلمة الشعرية الكلمة النثرية، فكتب القصة القصيرة، والطويلة، إلى جانب القصيدة، والسيرة. ونشر الكثير من هذه الأعمال في الصحف، ولاسيما في صحيفة «الاتحاد»، وهي صحيفة الحزب الشيوعي، ومجلة «الجديد» وهي المجلة الأدبية الثقافية التي ظلت تصدر عن الاتحاد، ولمع على صفحاتها كبار الأدباء؛ كمحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وإميل حبيبي وراشد حسين ونايف سليم ومحمد علي طه وحنا أبو حنا وآخرين. وفي هذه الكلمة – التي يغلب عليها الطابع التأبيني – نقرأ معا بعض قصصه القصيرة التي تنطوي عليها مجموعته «أزهار برية» الصادرة في حيفا سنة 1973 قبل أن تعاد طباعتها ونشرها في طبعة أنيقة مجلدة سنة 2000.
ولأن حنا إبراهيم ممن صمدوا داخل الأرض المحتلة بعيد عام 48 فقد هيمن على قصصه هذه الاهتمام بمقدمات المقاومة الفلسطينية، وبوادرها منذ عام 1936 أي عام الثورة، ففي واحدة من قصصة الجيدة يعود بنا لتلك الأحداث فيقف عند الفلاح الفقير المعدم (نايف) وتغلّبه على فقره بتناول خبز الشعير بدلا من خبز القمح. ومع ذلك لا يبخل بالجنيهات القليلة التي يملكها فيقتني السلاح بها ليقاتل، وحين يتوافر لديه القمح، والدقيق، يأتي بهما للثوار، ويتبرع بحصة أسرته منهما لأسرة آخر أكثر فقرًا منه، وهو أبو مفلح، أي أنه آثر أن يقدم الدقيق لعائلة أخرى، على الرغم من حاجته، وحاجة عائلته الماسة. فالثورة في عرف هذا النموذج تصهر الثوار في بوتقة واحدة، وتقرّب بين المختلفين، والمتباعدين، فيشعرون بشعور العائلة الواحدة. وفي قصة «رفيق السلام « وقصة «مكان مقدس» وقصة «مفهوم قديم» وسواها… يقف بنا الكاتب حنا إبراهيم أمام لوحة فلسطينية متكاملة تتفاعل فيها الشخوص وتتكامل في ظلال الثورة. وفي قصة «الوثيقة» يعود بنا الكاتب حنا إبراهيم لاسترجاع زمن المعارك الضارية مع العدو المزدوج: الصهيوني والبريطاني. وهي قصة تروي سقوط بقعة عزيزة من فلسطين، ألا وهي الجليل. واضطرار الأهالي للنزوح شمالا نحو الحدود اللبنانية، واللجوء إلى قرى الجنوب. ويقف الكاتب إزاء شخصية أبي سعيد الذي يتشبث بالأرض، ويرفض اللجوء، على الرغم من التهديد بالقتل، وبسبب بساطة هذا الفلاح يطلب من عصبة التحرر الوطني شهادة تفيد بأنه لا يستطيع المغادرة، ولسذاجته عندما أحاط الإسرائيليون بالبلدة، وأخذوا يفتشون عن المقاومين، ظن أن الورقة: «الوثيقة» ستنجيه من عواقب هذا التفتيش، فأخرجها، وأطلع الجنود عليها، فما كان منهم إلا أن أطلقوا عليه النار، وأردوه قتيلا، فيما أُجْبرَ الآخرون على المغادرة. والخطأ الذي وقع فيه هذا الفلاح البسيط أنه سمع من الإنكليز عن عصبة التحرر الوطني أنهم عملاء لليهود، وصدق ذلك بالطبع، فظن أن الوثيقة التي أبرزها تنجيه، ولكن الرياح جرت بغير ما تمناه الفلاح.
ويقال إن حنا إبراهيم، الذي لم يغادر البعنة، ساعد كثيراً من اللاجئين على العودة لديارهم في حقبة الفوضى القصيرة، التي أعقبت النكبة، وقبيل أن تستقر الحدود، وتعقد اتفاقية الهدنة. ومن هذه الأحداث استوحى بعض القصص القصيرة. ومنها قصة «متسللون»، التي تسير في خطين متوازيين، أولها يشير إلى تعسف الإسرائيليين، وقتل العائدين، وتبجحهم بالانتصار على العزل والنساء والأطفال والشيوخ. والثاني قتلُ، أو الغدر – بكلمة أدق – بالمغادرين، فقد دارت قصة المتسللين هذه حول سيدة عجوز وابنتها المرضع، وقد طرقتا في ليلة عاصفة ممطرة بابا، صادف أن كان باب منزل استولت عليه أسرة ضابط إسرائيلي، واستقبلتهما سارة، وقدمت لهما الإيواء من العاصفة، وبعد مغادرتهما بساعات جاء شموئيل وأخذ يتبجح بقتله امرأتين عجوز وابنتها المرضع كانتا بزعمه تحاولان الرجوع إلى ما يسميه أرض إسرائيل، وعندئذٍ تكتشف سارة أكاذيب زوجها التي تثير لديها التقزز، والاشمئزاز، وتكف من ذلك الوقت عن قراءة الصحف.
وفي قصة «صبي صغير» يقف بنا الكاتب حيال نموذج إنساني آخر سحقته النكبة. أجبر المحتلون أباه على مغادرة فلسطين، وبقي هو وأمه. ولم يستطع الاستمرار في المدرسة، ولم يجد عملا، فكان يذهب إلى الأرض المحيطة بالقرية ليبحث عن أغلفة الرصاص المصنوعة من النحاس ليبيعها، ويدخر ثمنها، وحين سأله معلمه السابق عما سيفعله بتلك النقود، يقول: سأشتري حذاءً، وسأبعث بتحياتي إلى والدي من الإذاعة. بيد أن الصبي بعد أن ادخر ما يكفي لشراء الحذاء، انفجرت به قنبلة قديمة من مخلفات الحرب، ومات قبل أن يفرح بحذائه الجديد. لقد تقاسمت قصصَ حنا إبراهيم همومٌ شتى في مقدمتها ذكريات ثورة 1936 وأصداء النكبة لدى عرب فلسطين في الداخل والخارج على حد سواء، والعلاقة بين العرب وحلفائهم خارج الخط الأخضر. علاوة على واقع العرب الفلسطينيين تحت الانتداب البريطاني. وهذه الهموم تعدُّ القاسم المشترك في القصة القصيرة لدى عدد من الكتاب منهم: إميل حبيبي، ومحمد علي طه، وتوفيق فياض. وعلى مستوى الأداء يقترب الكاتب حنا إبراهيم – كغيره من كتاب هذا الفريق – من لغة الحياة اليومية الفلسطينية، ولا يحرجه استخدام العامية في الحوار لما فيها من قوة التأثير، وصدق التعبير، والإيهام بالواقع، مع التوجّه المبالغ فيه أحيانا لاستخدام الأمثال الشعبية الدارجة، في نسق يضفي على القصص اللون المحلي، مؤكدًا هويَّة القاص، وهوية الشخوص، وهوية الأمكنة التي تجري فيها الوقائعُ، والأحداث، وذلك كله مما يغني النصَّ، على الرغم من أنه يلقي بظلال التقرير والمباشرة عليه. وبذلك يمكننا أن نصنف قصص حنا إبراهيم في التوجه الفني الذي تميزت به قصص غسان كنفاني، وسميرة عزام، ونجوى قعوار، وتوفيق فياض، ومحمد علي طه، وماجد أبو شرار، وغيرهم من كتاب فلسطين في الجيل الماضي.
يذكر أن لحنا إبراهيم مجموعات قصصية أخرى، منها: «ريحة الوطن» 1979 و»الغربة في الوطن» 1980 وله من الرواية «أوجاع البلاد المقدسة» 1997 و»موسى الفلسطيني» 1998 و»عصفورة من المغرب» ـ تحت النشر. وله «ذكريات شاب لم يغترب» وسيرة ذاتية بعنوان «شجرة المعرفة» 1996 ومن الدواوين «صوت من الشاغور»، و»نشيد للناس»، و»صرْخة في واد»، ومختارات من شعره.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2184539

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع أعلام واستذكار   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2184539 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40