السبت 4 نيسان (أبريل) 2020

من الصحافة الصهيونية ...

السبت 4 نيسان (أبريل) 2020

- هل يفتح “كورونا الإيراني” نافذة لتقريب المسافة بين طهران وواشنطن؟

“ليست لديهم أسرّة ولا يجرؤون على الذهاب إلى العمل، لكن هذا لا يزعجهم في مواصلة الأكاذيب عن إيران”، بهذه الكلمات هاجم الرئيس الإيراني حسن روحاني عرض المساعدة الذي طرحته الولايات المتحدة هذا الأسبوع لبلاده إزاء وباء كورونا. قائد حرس الثورة، حسين سلامي، رفض باستهزاء العرض، وأضاف: “إذا كانوا بحاجة إلى مساعدة فنحن مستعدون لمساعدتهم. ولكننا لا نحتاج إلى مساعدة الولايات المتحدة”. المساعدة لا، لكن إيران تطالب برفع العقوبات الأمريكية عنها، وهي ليست الوحيدة التي تطلب ذلك.

أعضاء بارزون في الكونغرس، مثل السناتور الديمقراطي جارد هوفمان والسناتور بيرني ساندرز الذي يتنافس في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية على الرئاسة، وعضو مجلس النواب بيتر وولتش، وعشرات الأعضاء من المجلس.. بادروا إلى تقديم طلب للرئيس دونالد ترامب حثوه فيه على استغلال الفرصة وإظهار الشفقة وتخفيف سياسة العقوبات وحتى إرسال مساعدة مباشرة من المعدات والأموال للمواطنين الإيرانيين.

صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت مقالاً لهيئة التحرير برزت فيه جهود محاولة لأن يكونوا متوازنين، ودعوا فيه الرئيس والإدارة إلى اتخاذ سياسة خارجية حكيمة تتضمن تخفيف العقوبات وإظهار الشفقة تجاه إيران – التي تضررت بصورة شديدة من كورونا– لأن هذه السياسة “يمكنها أن تحقق لترامب أهدافه”. وكتب أيضاً في المقال بأن “الأزمة يجب معالجتها كفرصة”، واقترح في المقال إرسال مساعدة إلى إيران أو على الأقل عدم معارضة طلب الحصول على قرض قدمته إيران لصندوق النقد الدولي بمبلغ 5 مليارات دولار.

حسب صحيفة “التايمز” فإن بادرة حسن النية هذه قد تؤدي إلى إطلاق سراح سجناء أمريكيين محتجزين في السجون الإيرانية، وربما حتى وضع أساس لمفاوضات أيضاً حول الاتفاق النووي. ولكن حتى لو كان هذا التنبؤ المتفائل لن يتحقق، فتعتقد هيئة تحرير الصحيفة بأن الولايات المتحدة ستعرض كدولة إنسانية تعرف كيفية التسامي في أوقات الأزمة فوق الاعتبارات السياسية والسياساتية.

يصعب معرفة ما الذي يؤثر على الرئيس ترامب؛ هل هم أعضاء الكونغرس ومنهم أعضاء من حزبه الذين يدفعونه للتصرف خلافاً لطبيعته ويظهر الوجه الإنساني الذي قد يكون مخبأ فيه؛ أو أنها مقالات وسائل الإعلام التي تهاجمه لأنه وجد في الشهر الماضي أنه من الصحيح فرض عقوبات جديدة على إيران. وربما تكون التقديرات التي يسمعها من مستشاريه الذين يعتقد عدد منهم أنه إذا كان يؤمن بالحوار مع النظام الإيراني فيفضل أن يقترح أي جزرة معينة، وأن بادرة حسن نية أمريكية في هذا الوقت لن تعتبر تراجعاً أو علامة ضعف، بل قد تفيد الولايات المتحدة.

ليست مسألة إنسانية فحسب

يبدو أن مواقف عدد من مستشاري الرئيس الأمريكي تتفق مع مواقف الرئيس الإيراني. شرح روحاني هذا الأسبوع بأنه “يجب على العالم التعاون مع في الحرب ضد كورونا… لأنه إذا أصيبت عشر دول بالفيروس، في حين أن الحرب ضده تجري فقط في تسع دول منها، أي ببقاء دولة في الخارج، فهذا لن يجدي؛ لأن الفيروس لا يعرف الحدود. الوثائق التي تعرض على الرئيس ترامب تشير إلى أن انتشار المرض في إيران قد يمس بالقوات الأمريكية المتواجدة في العراق، وبحلفاء الولايات المتحدة مثل دولة الإمارات وقطر والكويت. هكذا، فإن جهود صد المرض في إيران ليست مسألة إنسانية فحسب، بل هي أيضاً مسألة تمس بالأمن القومي للولايات المتحدة.

مد روحاني طرف خيط لواشنطن على أمل أن يكون هناك من يمسك به عندما قال “هذا هو الوقت الذي عليهم أن يعتذروا فيه عن أفعالهم الشريرة ضد الأمة الإيرانية… دائماً عملوا ضد الشعب الإيراني، لكن الآن كراهيتهم ظاهرة أكثر”. هذه الصياغة التي لم يشر فيها روحاني إلى الشرط الدائم الذي -بحسبه- يقتضي أي حوار مع الولايات الامتحدة في البداية رفع العقوبات، تفسره إيران كتليين للخط المتشدد واستعداد لتليين شروط إيران للمفاوضات، نتيجة الضربة الشديدة التي تسبب بها وباء كورونا. حسب المعطيات الرسمية التي يصعب معرفة مدى موثوقيتها، فإن عدد الوفيات بسبب الفيروس تجاوز 3 آلاف شخص، وعشرات آلاف المصابين يملأون المستشفيات التي تتفجر من نقص الأسرة والطواقم الطبية.

هذه النداءات والضغوط لم تؤد إلى تحول جوهري في سياسة واشنطن، لكن شرخاً ضيقاً، مع كل ذلك، فتح. وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الشخص الذي يرفع راية “الضغط بالحد الأقصى على إيران” – مثلما اعتاد ترامب تسمية سياسته– ويعتبر القيادة الإيرانية عصابة من المخادعين المؤيدين للإرهاب، قال في هذا الأسبوع إنه مستعد لفحص تقديم تسهيلات في العقوبات لأسباب إنسانية. لم يفصّل بومبيو متى وما هو نوع هذه التسهيلات، وسارع إلى الإضافة بأن العقوبات لا تسري على منتجات المواد الغذائية الأساسية والأدوية، أي أنه لا يوجد أي سبب حقيقي لتخفيف العقوبات، ولكن مجرد قوله هذا يعتبر تجديداً حقيقياً في خطاب الإدارة، وإن لم يرافقها فعل حقيقي.

في هذه الأثناء سجلت دول الاتحاد الأوروبي وإيران لنفسها نجاحاً أولياً في استخدام نظام التمويل الذي يلتف على العقوبات والذي أقاموه في كانون الثاني 2019، ولم ينطلق حتى الآن. صفقة أولى من الأدوية من ألمانيا تجاوزت حاجز الخوف، والإرسالية الأولى هبطت في إيران. ومن غير الواضح إذا ما كان هذا النجاح يشير إلى قدوم المطر التجاري الذي أملته الدول الأوروبية، لكنه الآن يثير قلق واشنطن.

أقامت دول الاتحاد الأوروبي صندوقاً خاصاً لتفعيل هذا النظام. الطريقة التي سيعمل بحسبها تشمل تخصيص تمويل لصفقة أمام المنتج أو المصدر الأوروبي، وخصم ثمنها من التصدير الإيراني إلى أوروبا، وبعد ذلك تجري إيران الحساب مع المصدر الإيراني بواسطة نظام مواز قامت بإنشائه. هكذا سيتم تجاوز الحاجة إلى استخدام الدولار أو التحويلات البنكية الخاضعة للعقوبات. التقدير هو أنه في الفترة القريبة القادمة سيتم استخدام النظام في الأساس لتوفير سلع إنسانية لإيران.. وهكذا تستطيع الدول الأوروبية أن تخفف الانتقاد والتهديدات التي ستأتي من الولايات المتحدة.

انتقاد حرس الثورة

لا يوجد خلاف على أنه رغم التبجح الإيراني بالقدرة على صد وباء كورونا، إلا أن وضعها الاقتصادي والخدمات الصحية على شفا الانهيار، فثمة نقص شديد في المعدات الأساسية مثل الكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي والقفازات وحتى مواد التعقيم. في عدد من المستشفيات تم الإبلاغ عن أن الطواقم الطبية اضطرت إلى استخدام كمامات سبق استخدامها، الأمر الذي يشكل خطراً على حياتهم. على الأقل 55 طبيباً وأعضاء من الطواقم الطبية ماتوا حتى الآن، وفي المناطق الريفية لا يوجد ما يكفي من الأسرة، وغرف الحجر والأدوية الضرورية آخذة في النفاد بوتيرة كبيرة.

بعد التأخر لفترة طويلة عن اتخاذ خطوات العزل والإغلاق، فرضت إيران قيوداً متشددة على الحركة بين المدن وفيها، وتسمح فقط بفتح البقالات والصيدليات ومحلات البيطرة والمخابز، أما السوبرماركت والمقاهي والمطاعم وبرك السباحة والحدائق العامة فقد أغلقت. ويضع حرس الثورة خدماته الطبية تحت تصرف السلطات المدنية.

في الوقت نفسه تسمع في الشبكات الاجتماعية انتقادات شديدة على تصرفات حرس الثورة في كل ما يتعلق بتوزيع المعدات والأدوية، التي تذهب بالدرجة الأولى للنخب وأعضاء البرلمان، في حين أن على الجمهور الواسع الاكتفاء بقطع القماش لتغطية الوجه. إيران أيضاً أطلقت سراح نحو 93 ألف سجين لفترة ستستمر حتى 19 نيسان، وبعد ذلك سيعودون إلى السجن بعد فحصهم. إيران التي أعلنت في بداية الأزمة بأنها تعمل على تطوير لقاح ضد الفيروس اعترفت بأنها حتى الآن لم تنجح في جهودها وبأنها تستورد الآن لقاحاً غير مثبت من الصين، من أجل إنتاجه بنفسها.

يصعب قياس درجة الالتزام في أوساط الجمهور بتعليمات البعد الاجتماعي التي فرضت في هذا الأسبوع. ولكن الرئيس روحاني أثنى على التضامن الذي يظهره مواطنوا الدولة. في موقع وكالة الأنباء الإيرانية “آي.آر.ان.ايه” نُشرت صور جميلة لحدائق عامة فارغة وملعب لكرة القدم في أحد الأحياء لا يظهر فيه سوى قط يسير. “لا نطبق نموذج الصين”، أوضح روحاني، وأضاف: “السياسة الاجتماعية في الصين تناسب الصينيين، ولكنها لا تناسب إيران”.

ولكن أقواله سوغت عدم فرض الإغلاق على المدن والأحياء المصابة، لا تهدئ انتقاد الطريقة التي عمل فيها النظام في بداية الأزمة. تذمر شديد سمع أيضاً ضد الخطة الاقتصادية التي اقترحها النظام لمساعدة المصانع والمواطنين. “على الرغم من العقوبات، خصصنا 10 مليارات دولار لمساعدة المحتاجين”، قال روحاني. ولكن بالنسبة للأضرار الاقتصادية الكبيرة فإن هذا المبلغ ضئيل، وشروط توزيعه غامضة.

ضائقة إيران الشديدة تخدم بشكل جيد عدداً من مستشاري الرئيس ترامب، الذين يعتقدون بأن كورونا سيجعل إيران تركع وتوافق على إجراء مفاوضات بالشروط التي تمليها الولايات المتحدة. هذه هي النظرية نفسها التي استندت إليها العقوبات، والتي بحسبها سيؤدي الضغط إلى عصيان مدني أو إلى تراجع في موقف إيران من أجل ضمان استمرار بقاء النظام. ليس هذا هو ما يعتقده الجنرال كينت ماكنزي، قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، الذي قال في جلسة استماع في لجنة القوات المسلحة لمجلس الشيوخ قبل أسبوعين بأن “القيادة الإيرانية منقسمة الآن، وهي تجد صعوبة في علاج بضعة مواضيع. وقد يكونون أكثر خطورة الآن في كل ما يتعلق باتخاذ القرارات”.

ماكنزي قصد،كما يبدو، استعداد إيران للعمل عن طريق أذرعها في العراق ضد أهداف أمريكية وأهداف في دول الخليج. هل يعني تفسير تحذير الجنرال أنه يجب على الولايات المتحدة إيجاد مسار دبلوماسي مع إيران أو أن عليها زيادة التهديد؟ علينا أن ننتظر مقربي ترامب في “فوكس نيوز” لمعرفة سلوك الإدارة الأمريكية القادم.

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس 3/4/2020

- كيف يواجه الملك الأردني ورئيس الوزراء الفلسطيني أزمة كورونا؟

إن تلوي حكومة إسرائيل هذه الأيام أمام السكان المتدينين في كل ما يتعلق بالتجمهر والصلاة الجماعية ليس من نصيبنا نحن فقط، فقد مرت ثلاثة أسابيع منذ بدأت حكومة إسرائيل تتخذ الوسائل الأولى بالنسبة لسلوك الجمهور، إلى أن أرسل أفراد الشرطة لتشميع بوابات الكنس في “بني براك” كي لا تستخدم أتوناً لنقل العدوى بكورونا. الحكومة الأردنية هي الأخرى تتعاطى مع الفيروس بجدية كبيرة، ومنذ أسبوعين يفرض إغلاق تام في معظم ساعات اليوم. وإذا كنا نعتقد أننا دولة قبائل، فانظروا شرقاً.. سكان الأردن يضمون عشرات القبائل المنتشرة من الشمال حتى الجنوب، وسكاناً فلسطينيين أقوياء، وملايين اللاجئين من العراق ومن سوريا. أين شخصت مشاكل الانضباط الأولى؟ قبائل البدو في بلدات المحيط واصلت عقد الأعراس وخيام العزاء وكأن شيئاً لم يكن.

عبد الله الثاني ليس كلي القدرة، فهو زعيم يفعل كل ما في وسعه في إطار عقدة من مراكز القوى المتصادمة، والنفوذ الأجنبي، وأعداء من الخارج والداخل، وصندوق عام فارغ. كورونا ليس فقط تحدياً لمطوري اللقاحات، بل هو اختبار للزعماء أيضاً. كان مشوقاً أن نرى هذا الأسبوع كيف حاول جلالته ترويض الرافضين في الشعب. فقد قال في تغريدة على “تويتر”: “القانون فوق الجميع. وفي ضوء ما يجري في بلادنا وفي العالم لا مجال للامتيازات للاستثنائيين أو للخاوة والعطاءات”.

الأسبوع الماضي، كتبتُ أن أزمة كورونا هي لحظة نادرة وجد فيها الزعماء العرب ممن اعتادوا إدارة الجماهير بالإملاءات، وجدوا أنفسهم فجأة يستجدون الشعب. والمثال الأفضل هو طبيعة الإغلاق الذي يفرضونه هذه الأيام. ثمة فرض إغلاق عام في ساعات النهار أو الليل في معظم الدول العربية. كل زعيم ورئيس دولة يعرف أن ليس بوسعه فرض إغلاق تام بسبب تمرد الجمهور، ومن الأفضل له أن يختار صيغة رقيقة.

لو لم تكن هذه فترة طوارئ، لكانت أقوال الملك مادة لكُتّاب أدب السخرية. عبد الله الثاني، الذي في يديه صلاحيات الفيتو على القوانين التي يقترحها البرلمان، يقول فجأة إن القانون فوق الجميع، وإنه لن تكون هناك امتيازات، كما يقول الشعب الأردني. هذا الشعب، المعتاد على حل المشاكل الشخصية بمساعدة الأقرباء، أو الأصدقاء الذين هم في المكان الصحيح.

الهرب الكبير

لو لم يهوِ لكان بوسع ترتيب مبيت العمال الذي تم بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أن يشكل نموذجاً لعلاقات سلمية في وضع الأزمة. ولكن بعد يومين من انطلاقه على الدرب، أحد ما هناك في رام الله فزع، ولعل هذا كان أفضل من أن يتمكن من النجاح.

وحسب هذا الترتيب، سمحت إسرائيل بشكل استثنائي وغير عادي، لعشرات آلاف العمال من الضفة للمبيت في أراضيها كي لا يعودوا إذا ما أصيبوا بالعدوى إلى الديار فينشروا المرض في مطارحهم. السلطة ترى في إسرائيل مجتمعاً منكوباً بكورونا، ويخافون أن يجتاح الفيروس أراضيهم منها. ومن أراد مثالاً على ذلك تلقاه هذا الأسبوع. 15 فلسطينياً كانوا يعملون في مصنع إسرائيل للدجاج في المنطقة الصناعية “عطروت”، من إجمالي 50 عاملاً أصيبوا بكورونا في أثناء عملهم.

يعمل في إسرائيل في الأيام العادية أكثر من 150 ألف فلسطيني من الضفة وشرقي القدس.. عمال بناء، وبلاط، وحدائق، وأنواع أخرى من الحرف. ويدخل عملهم عشرات ملايين الشواكل في الشهر نقداً إلى الاقتصاد الفلسطيني، وينتج معدلات ضريبة عالية لصندوق السلطة. كانت لإسرائيل مصلحة حيوية في مواصلة تشغيلهم. هؤلاء العمال هم الأيدي العاملة لفرع البناء، وبدونهم يتجمد.

تعهد المقاولون بالاهتمام بترتيبات المبيت، وتعهدت السلطة بالسماح لهم بالخروج لفترة طويلة، وانطلق هذا الترتيب على الدرب. وكانت الأطراف الثلاثة راضية. مر يومان، وتملكت إعادة تفكير برئيس وزراء السلطة، د. محمد اشتيه، فسأل رجاله ماذا سيحصل لعامل يصاب بالمرض وهو في إسرائيل، وفوجئ إذ قيل له إنه سيعاد إلى الديار. وفي ذات المساء شددت إسرائيل الإغلاق بشكل مطلق.

شاهد اشتيه الأنباء الصادرة من تل أبيب وافترض أن حكومة إسرائيل تستعد لتفشّ واسع للوباء. قدر أن 70 ألفاً من عماله هم في خطر العدوى. وهذه مصيبة من ناحيته، فقرر إعادتهم إلى الديار. فتوجه رجال الأمن إلى السلطات المحلية وأمروا كل سلطة بدعوة سكانها العاملين في إسرائيل. كان هذا الثلاثاء الماضي. والأربعاء، فرغت إسرائيل من العمال. قليل منهم قرر البقاء.

قلق اشتيّة مفهوم، ولكن مثلما هو الحال لدى الجميع، هذا أيضاً مجبول بمقاييس الفكر السياسي الصحيح، وهو ليس من محبي إسرائيل، ويعتقد أنها تقبض بلا مبرر على عمق السلطة، وتتوحش تجاهها أكثر مما ينبغي، وتحتجز أموالها بلا مبرر. ولم يذرف دمعة حين فهم أنه مس بالاقتصاد الإسرائيلي بإعادته العمال إلى الديار. هو بحاجة إلى المداخيل من العمال، ولكن تفشي الوباء هو مصيبة صحية وسياسية، تفضل عليها أزمة اقتصادية حادة.

أناس في مكانته يفكرون دوماً باليوم التالي، ولقد دخل اشتيّة (62) منصبه قبل سنة فقط، بعد سنوات طويلة في الخدمة العامة. هو مدير في طبيعته، ورجل تنفيذي، واقتصادي اكتسب تعليمه في بريطانيا، تولى مناصب رفيعة، وعمل في إطار الأكاديميا، ونشر بحوثاً في موضوع اختصاصه. في شبابه، شارك في محادثات السلام مع إسرائيل، وعلى مدى السنين احتك ببلاط كبار المسؤولين، إلى أن أصبح كبيراً بنفسه. تنفيذي ذو قدرات سياسية هو بالضبط ما تحتاجه السلطة الآن في ذروة أزمة كورونا وفي أواخر أيام أبو مازن.

بالصدفة أم لا، هبط هذا الفيروس على اشتيه في أزمنة الفراغ. زعيمه، أبو مازن، أرسل إلى الرعاية الصحية في بيته، بسبب سلسلة فحوصات وضعف جسدي يعاني منه. وقبل ذلك أظهرت المؤشرات بأن اشتية يضرب عينيه لكرسي الرئيس في اليوم التالي. هكذا بقي وحده مع المهمة ثقيلة الوزن لإنقاذ الشعب من مصيبة كورونا. وكانت إعادة العمال إلى الديار قراراً صعباً، ولكنه زعامي أيضاً. إذا ما اجتاز الأزمة بسلام، سيعزز اشتية فرصه للتنافس على خلافة الحكم.

اليد التي تعض

الجمعة الماضي، بعد بضع دقائق من الساعة التاسعة، أطلق صاروخ من أراضي غزة إلى بلدات الغلاف، وسقط في أرض مفتوحة ولم يلحق ضرراً ولكنه جعل كل الجبهة تقفز. وحدد الجيش الإسرائيلي الجهاد الإسلامي كمسؤول عن النار. صباح الجمعة إياه، تحدث أطباء من غزة مطولاً مع زملاء لهم في مستشفى شيبا في تل هشومير، في خط مباشر بعلم حماس؛ بهدف تزويد خبراء القطاع بالمعلومات الطبية المتعلقة بمعالجة مرضى كورونا. ليس مؤكداً أن الذراع العسكري للجهاد كان يعرف بذلك. ولكن ماذا يغير هذا في الأمر من شيء؟ فعند مجيئهم لشد الشعر، كان لهم من يتعلمون منه.

نشر منظمو المظاهرات في غزة بيان إلغاء لأحداث يوم الأرض كان مخططاً لها أن تجري الإثنين من هذا الأسبوع. في الأصل رغبوا في حدث مثير للانطباع، بمناسبة سنتين على نشوب الاحتجاج الشهير على طول الجدار، كورونا عطل كل شيء. غير أنهم طلبوا من السكان أن يحيوا الحدث بسلسلة أفعال رمزية بوقف حركة السيارات لخمس دقائق بعد صلاة العشاء. رفع أعلام فلسطين ونعم نعم.. إحراق أعلام إسرائيل. إسرائيل ذاتها، التي منح أطباؤها معلوماتهم عن كورونا لهم قبل يوم من ذلك.

لو كنا نسأل حماس ما معنى الأمر لأجابوا بأن المساعدة واجب على إسرائيل، لأن جيشها يفرض حصاراً على القطاع، اقتصادياً، وتجارياً، ونقدياً، ويمنعه من التطور. وإذا كانت مشاكل القطار نشأت تحت الحصار، فإن على إسرائيل تلقى المسؤولية عن حلها.

لقد درج الإسرائيليون في مثل هذه الحالات على اتهام الآخر بنكران الجميل، فهم يعضون اليد التي تطعمهم، كما سيقولون. وبالفعل يعدّ هذا سلوكاً فظاً، ولكن لا يمكن الحكم على غزة بألوان الأسود والأبيض. مليونان يسكنون في القطاع وأغلبيتهم الساحقة يحلمون بالهدوء والسكينة، بالضبط مثل سكان الغلاف. واليد التي تطعمهم هي ذات اليد التي تقبض على خناقهم.

بقلم: جاكي خوجي

معاريف 3/4/2020

- 140 ألف مقدسي يرميهم الجدار إلى أحضان “كورونا”

تعرب مصادر طبية في العاصمة عن تخوفها من انتشار الوباء في شرقي المدينة في غضون أيام حتى أسابيع، بـ 350 ألف من سكانها، والتي عثر حتى الآن على 21 مريضاً بكورونا فيها.

هذا العدد القليل، حسب التقدير، لا يعكس معدل العدوى المتدني أو المناعة الزائدة للسكان العرب في شرقي القدس، بل يعكس معدلاً متدنياً جداً من التبليغ بكورونا من جانب السكان، وامتناع سكان شرقي القدس عن إجراء الفحوصات، وكذا نشاط على مستوى متدن من وزارة الصحة والجهات الطبية الإسرائيلية في نطاق شرقي المدينة. نجمة داود الحمراء مثلاً مقيدة جداً من ناحية أمنية في الدخول إلى بعض من أحياء القدس الشرقية، ولا سيما تلك التي خلف جدار الفصل حيث يسكن ثلث السكان، نحو 140 ألف نسمة.

الوضع في هذه الأحياء خطير بشكل خاص: في نطاق مخيم اللاجئين “شعفاط”، وفي كفر عقب التي تشكل في الأيام العادية مثابة منطقة سائبة، وتعاني من فراغ إسرائيلي سلطوي وإهمال في مجال البنى التحتية والخدمات… يجد السكان أنفسهم يقعون بين الكراسي، في أزمة كورونا أيضاً.

رسمياً، الحيان اللذان حددتهما خطة القرن كحيين لتسليمهما إلى السلطة الفلسطينية لا يزالان في مجال السيادة الإسرائيلية. أما عملياً، فهذه مناطق تكاد تكون بلا إنفاذ للقانون في موضوع كورونا: فلا فحوصات لتشخيص المرض لدى السكان؛ ولا تقارير من السكان عن المرض، ولا إنفاذ للإغلاق بذات الشكل الذي يتم فيه في الأحياء اليهودية. وحتى في الحالات القليلة التي يبدي فيها السكان استعداداً للدخول في العزل خوفاً من كورونا، لا توجد إمكانية حقيقية لتنفيذ ذلك؛ بسبب الاكتظاظ السكاني العالي، ولا سيما في مخيم “شعفاط” للاجئين.

هذا الواقع يذكر غير مرة بالواقع في جزء من الأحياء الأصولية في القدس و”بني براك”: عدد عال من النفوس، يسكنون في شقق صغيرة، قليلة الغرف. وينبغي أن يضاف إلى هذا الاستعداد المتدني أساساً للسكان في الأحياء خلف الجدار لإجراء الفحوصات، خوفاً من أن تظهر إيجابية للفيروس فيبعدون عن عائلاتهم.

لا للعمل في المستوطنات

السلطة الفلسطينية التي كان لا بد لها في الأيام العادية أن تستغل الفراغ السلطوي الإسرائيلي كي تحاول تعظيم سيادتها وسيطرتها في هذه الأحياء، لا تسارع هذه المرة لعمل ذلك. فضلاً عن ذلك، فإن مناشير وزعتها حركة فتح في الشبكات الاجتماعية، شرحت للسكان بأن هذه الأيام ليست عادية وأن لا مفر أيضاً من السلوك الذي يتعارض مع المصلحة الوطنية. على هذه الخلفية يمكن أن نفهم السلوك الاستثنائي للسلطة و”فتح” اللتين طالبتا إسرائيل لتشديد متابعة ومعالجة وباء كورونا في الأحياء خلف الجدار، التي توجد كما أسلفنا في نطاق القدس الإسرائيلية، بل ووضع حواجز منعاً لانتقال السكان هناك إلى مناطق السلطة الفلسطينية. وطلبت السلطة من إسرائيل منع سكان أحياء القدس العربية خلف الجدار من الوصول إلى العمل في المستوطنات خوفاً من انتقال العدوى إليهم هناك.

إسرائيل -من جهتها- تقيّد، بل وتفكر بالمنع التام لعبور السكان من الأحياء خلف الجدار إلى نطاق شرقي القدس داخل الجدار وإلى الأحياء اليهودية في العاصمة، وثمة خوف من انتقال واسع للعدوى. وهكذا يجد 140 ألف نسمة في نطاق القدس السيادية أنفسهم بلا عنوان في موضوع كورونا، بينما هم ممنوعون من الغرب والشرق ليصبحوا شبه جيب لا يسارع أحد للعناية بهم. وقد ولّد هذا الواقع ظاهرتين: الأولى هي انتظامات محلية للجان ولرجال تابعين لـ”فتح” يحاولون إبقاء السكان في بيوتهم، وتقييد وتقليص تواجد الناس في المجالات العامة، بما في ذلك إغلاق المحلات التجارية.

أما الظاهرة الثانية، فتذكر بما حصل قبل 15 سنة عندما بنت إسرائيل جدار الفصل، ففي حينه انتقل عشرات آلاف السكان من شرقي القدس ممن يسكنون خارج الجدار إلى نطاق شرقي القدس داخل الجدار خوفاً من أن يفقدوا سلسلة الحقوق الناشئة عن مكانتهم كمقيمين دائمين.

والآن، ينزح مرة أخرى آلاف السكان من الأحياء خلف الجدار مع أبنائهم، إلى أحياء شرقي القدس داخل الجدار، وكذلك إلى بيوت أهاليهم كبار السن. وهكذا يعرضون أهاليهم للخطر ممن هم أصلاً ضمن جماعات الخطر الأوضح للإصابة بالفيروس.

صفقة حول المسجد

بؤرة اهتمام أخرى في شرقي القدس تقدمها الأماكن المقدسة للأديان الثلاثة. فبينما سمح في “المبكى” وكنيسة القيامة بالصلاة الجماعية بجماعات ضيقة من المصلين فقط، اضطرت إسرائيل بالنسبة للحرم أن تستنفد جملة من الوسائل، الدبلوماسية وغيرها، كي تفرض على الأوقاف وعلى الجمهور الإسلامي إغلاق المساجد في الحرم.

كانت البداية صعبة. فقد رفضت الأوقاف والجمهور الإسلامي الاستجابة لمناشدات الشرطة، والامتناع عن الوصول إلى الأقصى، واكتظ الآلاف داخل المسجد وقبة الصخرة، وعرضوا أنفسهم وغيرهم ممن اختلطوا بهم إلى الخطر متجاهلين تعليمات وزارة الصحة والدولة. وذكّر السلوك الإسلامي بسلوك الأوقاف في أزمة أخرى، في بداية سنوات الألفين، حين تضعضعت أساسات السور الشرقي لنطاق الحرم. وعرض الأمر للخطر كل النطاق وسلامة المصلين المسلمين في المسجد التحت أرضي في إسطبلات سليمان (المصلى المرواني)، في الزاوية الجنوبية الشرقية من الحرم. رفضت الأوقاف في حينه إخلاء المصلى كي تسمح بأعمال الترميم للسور. ووحده الضغط الأردني أقنع الأوقاف بضرورة ذلك.

هذه المرة أيضاً، كان السلوك الأولي للأوقاف استفزازياً. عندما بدأت الشرطة تغلق بوابات الحرم، قام رجال الأوقاف بفتحها من جديد. وعندما أغلقت الشرطة بوابات الأقصى، تدفق المسلمون إلى المسجد الجديد الذي أعدوه في نطاق باب الرحمة. وعندما ضاقت الحال على إسرائيل توجهت لشريكها الهادئ في إدارة الحرم – الأردن.

في ختام سلسلة محادثات مع القصر الملكي ووزارة الأوقاف الأردنية، تبين اتجاه العمل. فقد اشترط الأردنيون استعدادهم للتعاون في أن تمنع إسرائيل بالتوازي زيارات اليهود إلى الحرم حتى لو كانت قليلة. وشرح الأردنيون ذلك بأن هذا يسهل عليهم إقناع الجمهور في شرقي القدس للاستجابة لتعليمات الأوقاف. ورفع الأمر إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي وافق على “الصفقة”. فأغلق الحرم أمام المسلمين واليهود. وباستثناء حفنة من عاملي الأوقاف ممن يجرون صلاة ضيقة كل يوم، لا أحد يخرج أو يدخل من وإلى الحرم.

عندما تفتح أبوابه من جديد سيتعين على إسرائيل أن توازن مرة أخرى بين عدد المصلين المسلمين وعدد الزوار اليهود. وإحدى الجهات التي ينبغي معالجة أمرها هم جماعة الجناح الشمالي للحركة الإسلامية. وكان نائب رئيس الجناح، الشيخ كمال الخطيب، حذر من المؤامرة الإسرائيلية “لاحتلال الأقصى تحت غطاء كورونا”. وكما هو معروف، فقد أخرج هذا الجناح عن القانون، ولكن نشطاءه في شرقي القدس يواصلون إثارة الخواطر.

بقلم: نداف شرغاي

إسرائيل اليوم 3/4/2020



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2183541

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع متابعات  متابعة نشاط الموقع في الأخبار  متابعة نشاط الموقع أخبار دولية   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2183541 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40