الأحد 26 كانون الأول (ديسمبر) 2021

الاتحاد الأوروبي: تجاوز تأثيرات كوفيد – 19 إلى استراتيجية عسكرية واقتصادية سنة 2022 للبقاء ضمن الكبار

الأحد 26 كانون الأول (ديسمبر) 2021

تعد منطقة الاتحاد الأوروبي من أكثر المناطق في العالم التي تناقش مستقبلها باستمرار على ضوء التطورات العالمية، حيث تشكل نهاية كل سنة مناسبة للتقييم الجيوسياسي للاتحاد للتساؤل بشأن النتائج التي جرى تحقيقها وتلك التي يتم التطلع لها. وهذا الإحساس يتعاظم خلال سنة 2021 كما كان عليه الأمر سنة 2020 بسبب دخول العالم مرحلة جديدة نتيجة جائحة فيروس كورونا، ثم نتيجة سير العالم نحو قطبية جديدة بين الصين والولايات المتحدة، في حين يرغب الاتحاد في أن يكون هناك عالم متعدد الأقطاب ويعمل من أجله.

ويمكن رصد الكثير من المحطات والمنعطفات في الاتحاد الأوروبي خلال سنة 2021 قد يوحي بعضها بأهميته مثل انسحاب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من الحياة السياسية بعد 16 سنة في السلطة أو ارتفاع أسهم اليمين القومي المتطرف في القارة وآخر فصولها وجود شعبوي من طينة إريك زمور ضمن المرشحين الثلاثة الأوائل لشغل رئاسة فرنسا ابتداء من الصيف المقبل. لكن التساؤل هو: هل قطع الاتحاد الأوروبي شوطا في تعزيز وإرساء أهم ركيزتين تمنحانه بعدا جيوسياسيا وهما: استراتيجية الدفاع المشترك التي يتم الحديث عنها كثيرا لاسيما بعد خروج بريطانيا في إطار «البريكسيت»؟ وهل سيعمل الاتحاد الأوروبي على تقوية نفوذه الاقتصادي في العالم؟ فقوة الاقتصاد والقوة العسكرية تأتي على رأس معايير تقييم قوة دولة أو اتحاد معين.
وعلاقة بهذا، كان الاتحاد قد اتخذ سنة 2020 قرارات اقتصادية هامة للغاية لتنشيط الاقتصاد الأوروبي بعد الأزمة الشائكة الناتجة عن جائحة فيروس كورونا. واتخذت القمة الأوروبية خلال منتصف تموز/يوليو 2020 قرارا تاريخيا عندما ربطت ميزانية 2021-2027 بمخطط تنموي ميزانيته 750 مليار يورو لمساعدة الدول المتضررة من كورونا. وقامت المفوضية الأوروبية لأول مرة في تاريخها بالاستدانة باسم الاتحاد لتوزيع الأموال بين دعم مباشر وقروض ذات فوائد محدودة للغاية. ولخصت المفوضية هذا القرار المالي في «مهم للغاية وذو أهداف دقيقة ومحدودة زمنيا». وساعد الاتفاق الذي يشبه «مارشال جديد» على تعزيز البناء الفيدرالي لأوروبا. وبعد البناء الداخلي اقتصاديا سنة 2020 اتخذ الاتحاد الأوروبي سنة 2021 قرارا يعد منعطفا هاما في حالة تنفيذه وسيعطي له مكانة حقيقية بين نادي الكبار للبقاء ضمن المنافسة الصينية والأمريكية ثم الابتعاد عن الدول التي تلتحق به في التأثير مثل تركيا لاسيما في البحر المتوسط والقارة الأفريقية.
ومع بداية كانون الأول/ديسمبر كشفت المفوضية الأوروبية عن مشروع اقتصادي ضخم يعد بمثابة «مشروع مارشال دولي» (مارشال هو المشروع الأمريكي لبناء أوروبا بعد دمار الحرب العالمية الثانية). وكشفت عن تخصيص 300 مليار يورو لبرنامج «البوابة العالمية» خلال السنوات المقبلة لتأهيل البنيات التحتية لعدد من الدول بهدف منافسة المشروع الاستراتيجي «طريق الحرير الصيني». وتعتبر مناطق معينة شريكة للاتحاد وعلى رأسها منطقة المغرب العربي الأكثر استفادة في حالة التنفيذ وقد يعني قفزة نوعية في مفهوم الشراكة الاقتصادية وتعويض فشل مشاريع أخرى مثل الاتحاد من أجل المتوسط. وعند تقديمها للمشروع، صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن «مقترحات دول أخرى لتمويل البنيات التحتية لدول ثالثة ليست مشاريع شفافة، وغير مستديمة ولا تشرك معها الساكنة المحلية لتعميم الاستفادة». وكانت تعني بالدرجة الأولى مشروع «طريق الحرير» الذي تنفذه الصين منذ أربع سنوات ويشمل عددا من الدول الآسيوية والأفريقية ويمتد إلى أمريكا اللاتينية.
ويريد الاتحاد الأوروبي تمييز نفسه عن باقي المشاريع الدولية التي تتنافس في الخريطة العالمية لتعزيز النفوذ. في هذا الصدد، يؤكد أن مشروع «البوابة العالمية» مختلف عن مشروع «طريق الحرير» فهو لا يستهدف فقط ما هو اقتصادي ومالي بل إلى تأكيد قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العلاقات الدولية سواء السياسية أو الاقتصادية، والتقليل من الفجوة الاقتصادية وطريقة أخرى للتقليل من الهجرة. وكشفت جرائد أوروبية عن الوجه الآخر لهذا المشروع وكيف يلتقي مع «طريق الحرير» الذي تسيطر به الصين على تجارة العالم والمواد الأولية في القارة السمراء، حيث كتبت جريدة «ليزيكو» الفرنسية المتخصصة في الاقتصاد عند تقديم «البوابة العالية» أن «هذا المشروع الضخم يشكل فرصة كبيرة للاستثمارات والوصول إلى المواد الأولية بالنسبة لأوروبا».
في غضون ذلك، يبقى نجاح البوابة العالمية رهينا بمدى ثقة الشركاء وخاصة من مستعمرات أوروبا بهذا المشروع، حيث فقدوا الثقة في الكثير من المشاريع السابقة. ويكفي أن دول المغرب العربي-الأمازيغي التي تعد شريكا رئيسيا للاتحاد الأوروبي لم تعد تعطي أهمية لهذا النوع من المشاريع، وآخرها التقليل من مستوى تمثيلية الحضور في قمة الاتحاد من أجل المتوسط نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في مدينة برشلونة.

نحو قوة عسكرية

وفي انتظار مدى نجاح «البوابة العالمية» كل المعطيات تشير إلى استمرار الاتحاد الأوروبي بدون جناح عسكري خاص بل سيستمر في الاعتماد على منظمة شمال الحلف الأطلسي. في هذا الصدد، أوضح الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والدفاع الأوروبي جوسيب بوريل في حوار مع جريدة «الباييس» يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر الماضي أنه «لا يمكن التوفر على جيش أوروبي غدا، سنستمر في الرهان على الجيوش الوطنية وعلى الحلف الأطلسي».
وخلال سنة 2021 استمر الاتحاد الأوروبي عسكريا رهين ثلاثة تيارات تتصارع فيما بينها، وينادي التيار الأول بتقوية الحلف الأطلسي والرهان على الولايات المتحدة وتتزعمه دول أوروبا الشرقية مثل بولونيا وهنغاريا. وينادي التيار الثاني بإرساء تحالفات عسكرية ظرفية يتم بموجبها التحرك لمعالجة حدث معين دون استمرارية، في حين يصر التيار الثالث من الذين ينادون بضرورة إنشاء برنامج عسكري واضح لمواجهة التحديات بطريقة سريعة. وهذا التيار الأخير يرى ضرورة تشكيل قوة عسكرية أوروبية واضحة، ومن أكبر المدافعين عنه فرنسا ونسبيا ألمانيا. وكان هذا التيار قد تبلور في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك والمستشار الألماني الأسبق شرودر في أعقاب حرب الخليج الثانية سنة 2003. ولم يتقدم المشروع لاحقا ومن ضمن الذين عرقلوا المشروع الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الذي كان يميل كثيرا للسياسة الأمريكية ومخططاتها.
ويبدو أن قرار واشنطن بإنشاء تحالف ثلاثي مكون من أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة المعروف باسم «أوكوس» خلال ايلول/سبتمبر الماضي لمواجهة النفوذ الصيني في المحيط الهادي والهندي بدون استشارة الأوروبيين وبدون إشراكهم، يدفع الاتحاد الأوروبي إلى جعل 2022 المنعطف في التنسيق العسكري سواء التفكير في بناء نواة أولى لجيش أوروبي وفق مفهوم «entry force» أي القوة السريعة التحرك لمواجهة التحديات. وكتبت المجلة البريطانية «جينس» المتخصصة في القضايا العسكرية مؤخرا أنه خلال شهر آذار/مارس المقبل قد يصادق وزراء الدفاع من 14 دولة أوروبية على إنشاء هذه القوة المشتركة التي سيكون قوامها في البدء خمسة آلاف جندي من مختلف الشعب، القوات البرية والبحرية والجوية للتحرك في مناطق الأزمات في سرعة قياسية. ويأتي هذا التطور بعد الانتكاسة التي تعرض لها الاتحاد الأوروبي خلال الثلاث سنوات الأخيرة في كل من ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي.
لقد كانت سنة 2021 سنة المجهودات الأوروبية لتجاوز تأثيرات الأزمة الاقتصادية في الاتحاد، وفي الوقت ذاته، سنة التفكير التي وضعت أسس الانطلاقة الجديدة لسنة 2022 لتعزيز نفوذ هذا التكتل، وذلك عبر استراتيجية عسكرية وهي القوة السريعة ثم استراتيجية اقتصادية وهي «البوابة العالمية» للبقاء ضمن نادي الكبار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 733 / 2183405

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع متابعات  متابعة نشاط الموقع في الأخبار  متابعة نشاط الموقع أخبار دولية   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2183405 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40