السبت 4 كانون الثاني (يناير) 2020

«تشي جيفارا المسلم»

السبت 4 كانون الثاني (يناير) 2020 par سماهر الخطيب

- امريكا اغتالت اليوم تشي جيفارا المسلم باغتيالها قاسم سليماني، وبذلك افتتحت عصرا جديدا أقل وصف له أنه مخيف ومرعب لها ولربيبتها وقطعا ستكون مفصل مركزي.

- تيار المقاومة والتحرير: نحن جزء من محور أصبح ولي الدم وعلى العدو الصهيوني والامبريالي أن ينتظر القصاص العادل

- المفوضية السياسية والاعلامية للتيار: محور المقاومة يحوي آلاف الرجال المخلصين والشهداء الأحياء من وزن القادة الشهداء المهندس وسليماني.

أمريكا اختارت طريق الجبناء والعصابات وأعلنت ساعة الصفر لكنسها من مشرقنا مع ربيبتها كيان صهيون....

- الاعلام المركزي: تيار المقاومة والتحرير ينعي الشهيدين الجنرالين سليماني والمهندس على طريق القدس والتحرير

«تشي جيفارا المسلم»

- هل يضعف اغتيال سليماني نفوذ ايران في العراق؟

- هل يضعف اغتيال سليماني نفوذ ايران في العراق؟

بقلم: وائل عصام / القدس العربي

اغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس في العراق، هو ضربة كبيرة بلا شك للقوى الشيعية الحليفة لإيران في العراق، ولن يكون العراق قبل اغتيال سليماني، كما هو العراق بعده. بعض المحللين الأمريكيين وصفوا مقتل سليماني بأنه أشد أهمية من مقتل بن لادن والبغدادي، والبعض الآخر حذر من خطورة هذا التصعيدعلى المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، ففي أي إطار يقع اغتيال سليماني؟
العملية الأمريكية وإن مثلت تصعيدا غير مسبوق مع إيران، إلا أنها تمت في إطار محدد، ولهدف محدد، وهو الرد على الهجمات المتواصلة للحشد الشعبي على القواعد الأمريكية، وقد يدخل في إطاره، التلاقي مع عمليات إسرائيل التي استهدفت قادة الحشد على الحدود السورية العراقية، بهدف تشذيب مخالب إيران إذا امتدت خارج العراق نحو سوريا وإسرائيل، بمعنى أن الهدف من العملية لا يتعلق بقوة ونفوذ الحشد والأذرع الإيرانية في الإطار العراقي الداخلي، ولا يستهدف إضعاف نفوذ إيران في العملية السياسية، ولن يؤدي بالتالي إلى التأثير على معادلة السلطة في بغداد وإضعاف الأحزاب الشيعية الحاكمة، كما يعول كثيرون.

أالمعولون على دور أمريكي لإضعاف إيران في العراق، يتجاهلون وجود قوى شيعية حزبية عريقة ومراجع دينية وازنة، ترتبط مع نظام خامنئي

لا تملك الولايات المتحدة الأمريكية في العراق اليوم، أكثر مما كانت تملكه في العراق عام 2003، أكثر من 140 ألف جندي أمريكي، لم يمكنوا واشنطن من فرض حلفائها كإياد علاوي والجلبي، واضطرت حينها لمجاراة القوى الشيعية العراقية، التي نتج عنها تصاعد النفوذ الإيراني في العراق، جراء سلسلة أحداث كان أهمها اكتساح القوائم الشيعية الدينية والكردية القومية للانتخابات العراقية منذ 2005، ما اضطر الأمريكيين في النهاية للانسحاب بهدوء من العراق، الذي أصبح تحت هيمنة إيرانية مستندة لكتلة شيعية وازنة. وكان تقرير الجيش الأمريكي قبل عامين، المكون من 1700 صفحة، وثيقة مهمة تعترف فيها الإدارة الأمريكية بقصور سياساتها عن مواجهة التمدد الإيراني .
مقتل سليماني إذن، قد يفرح الكثيرين ممن اكتووا بنار طهران في دمشق وبغداد، لكن عمليا، فإن هذا التصعيد قد يقود لزيادة الهيمنة الإيرانية والنفوذ الإيراني في العراق، انطلاقا من ثلاثة محاور، الأول هو الاستثمار السياسي للقوى الموالية لإيران في التحشيد ضد الوجود الأمريكي في العراق، وصولا لمحاولة إقرار قانون إخراج القوات الأمريكية من العراق، وهو ما دعا قادة الحشد للمطالبة بأن يكون مشروع القانون، متضمنا في جلسة السبت المقبل. وعلى المحور الثاني، فإن هذا التصعيد يعتبر فرصة لتجاوز صفحة التظاهرات العراقية ومطالبها، وفي المقابل، تحشيد الشارع الشيعي خلف الحشد الشعبي مجددا، تحت راية المواجهة مع الأمريكيين، وهو ما سبق وفعلته القوى الشيعية الأصولية، عندما حشدت المناطق الشيعية خلفها بالمواجهة مع تنظيم الدولة. أما الجانب الثالث، فهو إعادة توحيد الفرقاء الشيعة تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» بعد تنامي النزاعات والغضب الشعبي، الذي يقوده الصدريون ضد غرمائهم التقليديين، ومن غير المستبعد أن يكون الإيرانيون قد سعوا لهذه المواجهة لتحصيل هذه المكاسب التي ستصب في ملف التفاوض الأمريكي الإيراني في النهاية، ولعل أحد الأدلة على ذلك، هو أن الحشد الشعبي، وحسب البيانات الأمريكية، قصف القواعد الأمريكية في العراق خمس عشرة مرة بصواريخ الكاتيوشا والهاون، منذ فبراير/شباط من العام الماضي، في سلسلة تحرشات تهدف إلى جر الأمريكيين لهذه المواجهة، وإن كان تجرؤ واشنطن على قتل سليماني والمهندس تصعيدا تجاوز الخطوط الحمر .
المعولون على دور أمريكي لإضعاف إيران في العراق، يتجاهلون حقيقة أنه لا وجود عسكري تقريبا لإيران في العراق، يمكن أن يمنحها كل هذه السيطرة، وانما هناك قوى شيعية حزبية عريقة ومراجع دينية وازنة، ترتبط بوشائج مذهبية مع نظام خامنئي، وأن مشكلة نفوذ ايران تأتت من الثقل الاجتماعي والسياسي والأمني لهذه القوى الشيعية في العراق، ولا يمكن لشخص مثل سليماني، أو غيره من ضباط الحرس الثوري الإيراني أن يتمكن من تدمير مدن السنة في العراق أو حتى سوريا، من دون اعتماده في الأساس على ركائز محلية طائفية كالميليشيات الشيعية العراقية، والنظام الأقلوي العلوي في سوريا، وبالتالي، فإن النزاع هو في جوهره عراقي داخلي بين المكونات العرقية والمذهبية، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تمتلك عصا سحرية لتغليب حلفائها عسكريا، من دون أن يمتلكوا ثقلا سياسيا وأمنيا فاعلا في العراق، وبحكم أن الحشد الشعبي الشيعي، هو القوة الأكبر في العراق عسكريا، من دون وجود قوة مقابلة له وموالية للولايات المتحدة تملك تأثيرا على الارض، فإن فرصة واشنطن في التأثير على مفاصل السلطة في العراق ستبقى محدودة، وستقتصر على تقليم مخالب القوى المتحالفة مع إيران فقط، إذا امتدت خارج العراق، نحو القواعد الامريكية أو نحو سوريا، أما داخل العراق فالولايات المتحدة لا تبدو معنية ولا قادرة على تغيير في موازين السلطة، لعدم امتلاكها أدوات التغيير.

- عن اغتيال سليماني ودلالاته وتداعياته

- عن اغتيال سليماني ودلالاته وتداعياته

بقلم: ياسر الزعاترة / عربي 21

لا زالت أصداء اغتيال قاسم سليماني تتوالى على كل الأصعدة في الإقليم وعلى مستوى العالم أجمع، وستبقى كذلك إلى حين.

فهذا الرجل ليس شخصا عاديا بحال، والمسمى الذي يحمله (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري) لا يعبّر بحال عن حقيقة مكانته في المنظومة الإيرانية خلال ثلاثة عقود، إذ يكاد يتفوق في أهميته على خامنئي نفسه.

بدون تردد؛ يمكن القول إن سليماني هو مهندس مشروع التمدد المذهبي الإيراني؛ لجهة التخطيط والتنفيذ في آن معا، وهذه حالة غريبة ومثيرة، وتعبّر من جهة أخرى عن قدرات الرجل الاستثنائية حيث كان يتنقل من بلد إلى آخر ويشرف بنفسه على معظم تفاصيل المشروع.

هذا الاغتيال يردّ ابتداءً على تلك التحليلات السطحية التي كانت تتحدث عن تحالف إيراني أمريكي، ولا ترى أن الفوائد التي جنتها إيران من المغامرات الأمريكية هي نتاج طبيعي لعبثية تلك المغامرات، ولذكاء الاستثمار من الطرف الإيراني، وإن كان بعيدا عن المبدأ والشعار في أحيان كثيرة، كما هو الحال في الملف السوري واليمني على وجه التحديد، حيث انحازت إيران لصالح طاغية ضد شعبه، وفي اليمن بجانب أقلية انقلبت على ثورة شعب رائعة.

والحال أن ذكاء استثمار إيران لمغامرات واشنطن لم يتواصل، فقد أصيب قادة المشروع (مشروع التمدد) بحالة من غرور القوة بعد ما حققوه في العراق، بجانب انتصار حزب الله (الأول 2000، والثاني 2006) على الكيان الصهيوني، فكانت كارثة التدخل في سوريا التي قلنا مرارا إن قادة إيران سيتذكرونها بوصفها أسوأ قرار يتخذونه منذ الثورة عام 1979.

غرور القوة الإيراني هو الذي أفضى إلى هذا المأزق الذي جعل اتخاذ قرار باغتيال سليماني أمرا ممكنا.

فبعد وضع مميز لإيران في الإقليم، جاء العبث الطائفي في العراق، ثم التدخل في سوريا واليمن، ليضع إيران في مربع العداء مع الغالبية في المنطقة، ثم اكتملت الكارثة بحماية طبقة سياسية فاسدة في العراق، جعلت شيعة العراق ينتفضون ضد إيران، وهو أمر بالغ الأهمية في السياق المتعلق بمشروع التمدد. ثم جاءت انتفاضة الشعب اللبناني لتضيف مأزقا لأهم فروع المشروع الإيراني ممثلا في حزب الله.

قدرة إيران على إيذاء أمريكا والكيان الصهيوني كبيرة؛ ليس باستهداف جنودها في العراق وأفغانستان وحسب، بل بضربات في مواقع كثيرة عبر خلايا نائمة موجودة، أو عبر الوكلاء

تحدثنا عن العبث الإيراني الناتج عن غرور القوة، والذي جعل اغتيال سليماني أمرا ممكنا، لأن الاغتيال قرار سياسي وليس أمنيا وحسب، باستثناء حالات خاصة يعطي فيها المستوى السياسي للأمني حق الاغتيال؛ ما تيسر ذلك دون رجوع إليه.

نقول ذلك لأن الوصول للرجل كان متاحا غير مرة، وهو كان يتجوّل هنا وهناك على نحو شبه مكشوف، ولم يكن الوصول إليه أمرا صعبا، لكن القرار لم يكن متوفرا.

لا شك أن ما جرى للسفارة الأمريكية في بغداد، وقبله عمليات الاستهداف لبعض المواقع الأمريكية في العراق، قد أشعر الأمريكان بالإهانة البالغة، ما دفع إلى اتخاذ قرار الاغتيال.

ولأن قرار الاغتيال كان ذا صلة بما أشير إليه آنفا على صعيد المغامرات إياها، فإن تقديرا كهذا لا يفقهه عقل ترامب؛ برؤيته السياسية المحدودة، ما يرجّح أنه كان قرار الدولة العميقة، أو كان بدفع من نتنياهو واللوبي الصهيوني، وتم إقناع ترامب به، ففرضه على الدولة العميقة.

هل يعني ذلك أن قرار الاغتيال في هذه اللحظة كان موفقا بالنسبة لأمريكا؟ الإجابة ليست سهلة، إذ تعتمد على دقة تقدير الرد الإيراني، وجاهزية التعامل معه. رد لا يبدو من السهل الجزم بمداه، إذ سيخضع لجدل داخلي عنيف؛ ليس لجهة القدرة على إيذاء أمريكا، بل لجهة التبعات المترتبة على ذلك.

قدرة إيران على إيذاء أمريكا والكيان الصهيوني كبيرة؛ ليس باستهداف جنودها في العراق وأفغانستان وحسب، بل بضربات في مواقع كثيرة عبر خلايا نائمة موجودة، أو عبر الوكلاء في اليمن والعراق، فضلا عن ضرب الكيان الصهيوني عبر حزب الله، أو مباشرة بيد الإيرانيين من سوريا، بل حتى من بعيد عبر صواريخ بعيدة المدى أو طائرات من دون طيار.

لكن السؤال الأهم هو: هل القدرة على تحمل تبعات الرد الأمريكي كبيرة أيضا في ظل وضع اقتصادي صعب جدا، وفي ظل ارتباك في عموم المحاور التابعة؛ من العراق إلى اليمن ولبنان، بجانب سوريا الخاضعة للنفوذ الروسي؟ هذا هو الجدل الداخلي الإيراني الآن، والذي قد لا نعرف نتيجته سريعا بالضرورة، لكنه سيُراوح بين ردود كبيرة قد تنزلق إلى ما هو أكبر، أو ردود محدودة سيراها الأمريكان عادية، قياسا بأهمية الرجل المُستهدف.

أما الحديث عن ردود في الدول العربية التابعة لأمريكا، فسيكون خبرا سارا لترامب، وإن نفّس عن الغضب الإيراني.

المؤسف بالطبع أن يكون الوضع العربي في حالة مراقبة وانتظار بلا فعل، وسيكون المشهد أسوأ إذا شملت ردود إيران بعض الدول العربية، لكن ذلك يذكّرنا بحقيقة مهمة هي أن سليماني لم يكن المجرم الوحيد بحق أحلام الأمة في الحرية والتحرر عبر ما فعل في سوريا والعراق واليمن، فقد التقى بذلك مع منظومة الثورة العربية التي طاردت تلك الأحلام، ولا زالت تفعل دون كلل أو ملل، رغم أنها تسجل فشلا أيضا، تماما كما فشل هو أيضا، وأسهم في توفير الأجواء التي شجّعت على اغتياله.

بقيت مسألة مهمة، وتتمثل في ضرورة التذكير بأن جرائم سليماني في سوريا والعراق واليمن، لا يجب أن تنسينا أن قتلته كانوا وما زالوا يغطّون جرائم الصهاينة، وهم دمّروا العراق وأفغانستان، وهم من ضغط على الجميع لمنع مضادات الطيران عن الثوار في سوريا، وحوّلوها إلى “ثقب أسود” يستنزف الجميع.

والخلاصة أن أمريكا والكيان الصهيوني هم ألد أعدائنا؛ وإن كثر الأعداء في هذه المرحلة التي تشترك فيها كل القوى الكبرى في استهداف أحلام شعوبنا في الحرية والتحرر، ويدعمون الطغاة في منطقتنا، بل يخوضون في دمائنا كما تفعل روسيا في سوريا والصين مع مسلميها، وصولا إلى الهند.

- إيران تكون.. أو لا تكون!

- إيران تكون.. أو لا تكون!

بقلم: سليم عزوز / عربي21

ليس اغتيال الرجل القوي في إيران، قاسم سليماني، بالعمل العشوائي، فالخصم اختار فريسته بعناية، ووجه ضربته إلى هدف ثمين، وبرصاصة اخترقت الدولة الإيرانية، قبل أن تنال من رجل المهام الصعبة فيها!

فقاسم سليماني ليس مجرد قائد عسكري لإيران، ولكنه عنوان القوة فيها، الذي ينتقل بين الدول، ومن لبنان إلى سوريا، ومن هناك إلى بغداد كاشفاً عن امتدادات الإمبراطورية الفارسية الجديدة في مرحلة النشأة والتكوين، والتي تحقق انتصارات في المشهد اليمني الذي يوشك أن يقع ضمن النفوذ الإيراني، الذي حقق انتصارات في الربع قرن الأخير لم يكن الآباء المؤسسون يحلمون بها، وجعلت طهران تتحدى الولايات المتحدة الأمريكية، فتبدو القوة الوحيدة في العالم عاجزة عن لجمها، أو تهديدها!

وحيثما وصل كانت لقاسم سليماني بصماته العسكرية الواضحة، وانتصاراته المدوية، حتى صار اسمه أشهر من المرشد الديني للدولة، أو للدقة للإمبراطورية الناشئة، تنفيذا لفتوى الإمام الخميني بتصدير الثورة، لكن الجديد هو التمدد ولو من باب الثورة المضادة، ولو كان الثمن أرواح الناس، ومساندة الاستبداد، وإنكار الحق في الثورة، فالمستهدف هو الهيمنة الإيرانية على المنطقة، بالثورة أو بالثورة المضادة!

الخصم الكبير لإيران مأزوم، وهو في أزمته يبحث عن أي انتصار، وترامب شأنه شأن الحكام الطغاة، الذي يرون أن الحروب فيها الشفاء من كافة الأمراض

ترامب إلى الأمام:

الخصم الكبير لإيران مأزوم، وهو في أزمته يبحث عن أي انتصار، وترامب شأنه شأن الحكام الطغاة، الذي يرون أن الحروب فيها الشفاء من كافة الأمراض. وقد أوشكت دورته الأولى على الانتهاء ويطمع أن يزيد، فقد جرب أسلوب التهديد فلم يفلح مع كوريا الشمالية، أو مع فنزويلا، أو مع تركيا، وفشل كذلك في إخضاع إيران أو تركيعها، فسياسته مع الخارج فشلت، إلا مع العرب. وهو يريد أن يسابق الزمن، والانتخابات الجديدة على الأبواب، فكانت خطة اغتيال قاسم سليماني، بدلاً من الدخول في حرب تكون فاتورتها نهاية له، تماما كما انتهى أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية بالحرب على غزة، التي مني فيها بهزيمة باعتراف إسرائيلي وإنكار عربي لا تخطئ العين دلالته!

لا أعتقد أن طهران، وهي تعلن التحدي لمن في البيت الأبيض، كانت تدرك أنه قد يلجأ إلى هذا الأداء الذي يليق بمليشيا، ولو كان الصيد ثمينا بحجم قاسم سليماني. فالجيش الإيراني ليس هو المذكور فقط، وإن كانت جودة الأداء لا ينكرها أحد، فالجيوش القوية لا تقوم على فرد مهما كانت قوته!

في تقديري أن طهران بنت تصوراتها على أن واشنطن بين خيارين، إما حربا، وقصف منشآت في الداخل الإيراني، أو أن يظل العداء في حدود التهديدات. وفي حالة الحرب الواضحة، فإنها تملك أن توجه الضربات الموجعة للمصالح الأمريكية في المنطقة، وتمثل إسرائيل هدفاً سهلا، يمكن بقصفه إحداث تغير في المنطقة! وقد هدد حسن نصر الله بذلك، إذا تعرضت إيران للاعتداء.

ترامب اختار طريقة التعامل بعناية، فاستهدف قاسم سليماني، وهو على قيمته ونفوذه في الداخل الإيراني، فإن اغتياله ليس حربا مفتوحة، بل إن رد الفعل غير المحسوب قد ينتج حرباً ضد إيران، ليست مستعدة لها، وهي إن لم تتمكن من أن تنتقل بها إلى خارج التراب الإيراني،

إسقاط الحكم:

بيد أن ترامب اختار طريقة التعامل بعناية، فاستهدف قاسم سليماني، وهو على قيمته ونفوذه في الداخل الإيراني، فإن اغتياله ليس حربا مفتوحة، بل إن رد الفعل غير المحسوب قد ينتج حرباً ضد إيران، ليست مستعدة لها، وهي إن لم تتمكن من أن تنتقل بها إلى خارج التراب الإيراني، فقد تمهد الطريق لإسقاط الحكم، وقد تنشط المعارضة الداخلية، إذا وجدت النظام في حالة ضعف. وطهران بلد مغلق وإن وجد مراسلون لوسائل إعلام عالمية فيه، فلا يمكن لنا قياس قوة السلطة في الحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة إذا حدثت المواجهة، فالإعلام يخضع لرقابة السلطة.

وفي المقابل، ليس أمام إيران إلا أن ترد، وقد هددت برد مزلزل، لست على ثقة من حرصها عليه، فقد تلجأ إلى الدواء المر، ممثلاً في الرد “الأكليشيه” المحفوظ من قبل النظام الحليف في سوريا عندما يتم التعرض لهجمات إسرائيلية: “لا أحد يحدد لنا موعد الحرب”.. لكن إيران ليست سوريا، فالأولى تتصرف على أنها دولة كبيرة في المنطقة، وتحلم بعودة الإمبراطورية الفارسية، أما سوريا فدولة صغيرة وهي في حدود إحدى ملحقات هذه الإمبراطورية، فلا تخشى على سمعتها من شيء!

إذا لم يكن هناك رد موجع من الجانب الإيراني، فقد انتهت إيران من حيث كونها دولة إمبراطورية، لتكون قد أنهت على الفكرة التوسعية، التي بدأت مع الثورة الإسلامية بفتوى السلف بتصدير الثورة

وإذا لم يكن هناك رد موجع من الجانب الإيراني، فقد انتهت إيران من حيث كونها دولة إمبراطورية، لتكون قد أنهت على الفكرة التوسعية، التي بدأت مع الثورة الإسلامية بفتوى السلف بتصدير الثورة، وانتهت في ظل حكم الخلف إلى استدعاء التاريخ، فالتوسع لبناء إمبراطورية الأجداد. فالوفاء ليس لمرحلة الثورة ولكن لما قبلها، حيث التاريخ الموغل في القدم.

وبابتلاع المهانة، تصبح إيران كسوريا، وخامنئي كبشار الأسد، ويصبح سقوط دولة الملالي في المستقبل أمراً وارداً، فلا أخطر على حكم أكثر من ضياع الهيبة، وافتقاد المكانة، لا سيما إذا كان مثل الحكم الإيراني، الذي أصبح يتحرك في وسط معاد، كان في السابق على مستوى الطبقات الحاكمة في المنطقة، فصار الآن على مستوى الشعوب أيضاً، وانتهت مكانة حزب الله من حزب يمثل قيمة في نفوس الناس، وعابرا للطائفية، إلى مجرد حزب طائفي، لا ينسى الناس أنه كان شريكا متضامنا في وأد الثورة السورية والانحياز للطاغية المجرم بشار الأسد، وهو ما لا ينسونه لحكام طهران، الذين تجلت طائفيتهم في سوريا وفي العراق، وكان مشهد إعدام صدام حسين، في يوم عيد الأضحى للمسلمين السنة، درساً بليغاً.

إن إيران أمام خيارين لا ثالث لهما: تكون أولا تكون!

- عودة صدام حسين

- عودة صدام حسين

بقلم: عبدالحليم قنديل/ القدس العربي

بدت كأنها مفاجأة وقعت قبل أيام، وقت أن هتف المتظاهرون في ساحة التحرير بقلب بغداد «حيوا الشهيد صدام». وبدت الدراما العراقية الراهنة، في كثير من مظاهرها وجوهرها، كما لو أن صدام حسين خرج من قبره المجهول المكان، وعاد لينتقم من الذين أعدموه برعاية وأوامر الاحتلال الأمريكي.
وليست مصادفة بلا مغزى، ما بدت عليه أحوال المتظاهرين في بغداد ومدن الوسط والجنوب العراقي، الذين يواصلون انتفاضتهم الباسلة، على مدى ثلاثة شهور إلى الآن، ولا يرعبهم الموت الذي يترصدهم في البيوت والشوارع والميادين، إلى حد إيقاع قرابة الثلاثين ألف قتيل وجريح في صفوفهم، ومن دون أن يتراجعوا عن رفضهم القطعي لكل محاولات الاحتواء والقهر، وتصميمهم على معارضة كل اقتراحات تعيين رئيس وزراء جديد خلفا للمستقيل جبراً عادل عبد المهدي، يكون من مرشحي «تحالف البناء» الموالي لإيران، أو من لوائح أسماء الذين شاركوا في العملية السياسية، التي تلت يوم احتلال أمريكا للعراق في إبريل/نيسان 2003، وأيا ما كانت طائفته وحزبه، وكأنهم لا يعترفون بشرعية ولا بجدارة أي مسؤول حكم أو شارك في حكم العراق بعد شنق صدام حسين.
وما بدا أكثر إثارة، وأعظم دلالة، أن الشباب المتظاهرين المنتفضين، قد نشأوا وكبروا في مناخ شيطنة اسم صدام حسين، واعتباره مسؤولا عن مظلومية الشيعة بالذات، واستنزال اللعنات عليه حيا وميتا، وفي صلوات الصباح والمساء، واعتبار مجرد ذكر اسمه من المحرمات وكبائر الذنوب، وعلى نحو شكّل ورسّب عقدة نفسية مستحكمة متوارثة، بدا أنها انفكت فجأة، مع الانتفاضة الثورية الراهنة، التي يشكل الشيعة أغلبية جمهورها وقادتها، كما هم أغلبية عرب العراق، وقد وجدوا أنفسهم في لحظة استبطان واستظهار وعي جمعي عراقي عربي، في سياق استفاقة روح، تطلب استعادة العراق الجامع، وتتخطى الحواجز والحزازات الطائفية المصطنعة، وتنشدّ إلى شعار جوهري يقول «حلمنا وطن»، وتحلم بالعودة إلى وطنية عراقية جامعة، بدا كما لو أن صدام رمزها الأظهر، فقد كان صدام هو رجل العراق القوي لمدة 35 سنة، وهي المدة الأطول لحاكم واحد في تاريخ العراق الحديث، منذ تكون قبل نحو مئة سنة.

الانتفاضة استفاقة روح، تطلب استعادة العراق الجامع، وتتخطى الحواجز والحزازات الطائفية، وتنشدّ إلى شعار جوهري يقول «حلمنا وطن»

والمعنى الذي لا يخفى، أن جموع المنتفضين، ينظرون إلى صدام من زاوية بعينها، هي أنه كان آخر رئيس قوي فعلي لدولة كان اسمها العراق، وأن من خلفوا صدام صوريا، كانوا مجرد لصوص، أتوا على ظهور دبابات الغزو، أو مجرد «قطع شطرنج» على موائد الملالي الإيرانيين، لا يعرفون عن العراق سوى كونه غنيمة، وثروات قابلة للسرقة والنزح خارج البلاد، ومن دون إيمان بكون العراق وطنا يستحق الاستقلال بشؤونه، وهويته الوطنية، بل شيئا أقرب إلى صحراء «الربع الخالي»، ليس لناسه سوى حق الإعدام، إن هم خرجوا عن طاعة المحتل الأمريكي، أو المهيمن الإيراني، تماما كما تواطأ الطرفان في عملية إعدام صدام حسين، وإلى أن أتمت المأساة فصولها من بعده، وانتهينا إلى إعدام العراق نفسه.
وقد لا يلتفت الوجدان الجمعي للعراقيين الآن، إلى ما قيل ويقال كثيرا عن ديكتاتورية صدام حسين، فقد كان صدام حاكما ديكتاتورا بالفعل، وكان عظيم القسوة مع مخالفيه، وأسال دماء الكثير من معارضيه السياسيين والاجتماعيين، لكن صدام كان عراقيا نقيا بامتياز، سعى إلى صهر المكونات كلها في عراق قوي عزيز مهاب الجانب، ونجح في تحقيق هدفه، غالب سنوات حكمه، وقبل أن يتورط في حروب قاسية، استنزفت كثيرا من طاقة العراق، ومن الترقية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، التي أحدثها في حياة العراقيين.
لكن العراق ظل راسخا في سنوات الحصار المتصل المفزع، واحتفظ بجهاز دولة، كان قادرا على إدارة حياة العراقيين، مع شح الموارد على نحو منضبط، وبأساليب متعددة، احتملت قدرا من القهر والإجبار، وأقدارا من العدالة في نظام البطاقات التموينية المعتمدة المعممة، التي لا يوجد غيرها إلى الآن سبيلا لحصر أعداد العراقيين، وكأنها الهوية الحصرية للعراقيين، التي لا تجد عوضا لها، في ظل ما جري من تحطيم شامل لجهاز الدولة العراقية، مع الاحتلال والهيمنة الأجنبية، إضافة لتحطيم حواضر العراق في أغلبها، وإفناء حياة ملايين من العراقيين في حروب المحتلين والمهيمنين على أرض العراق، وفي نوازل «داعش» السنية المزاعم، ومعارك «دواعش» الشيعة من فصائل الحشد الشعبي وغيرها، الذين حاربوا ويحاربون الأمريكيين المحتلين أحيانا، ليس من أجل العراق، ولا على رجاء تحريره، بل من أجل خلافة الخرافة الداعشية، أو من أجل تحويل أرض العراق إلى «درع أمامي» لحماية الإمامة الإيرانية، وعلى نحو ما جرى أخيرا، من وقائع قصف فصائل موالية لإيران لقاعدة أمريكية، وما استتبعه من انتقام الأمريكيين من جماعات إيرانية الولاء في العراق، ومن حصار شعبوي استعراضي لسفارة واشنطن في «المنطقة الخضراء» ببغداد، سرعان ما انفك بانسحاب المحاصرين، بعد أن صدرت الأوامر العاجلة من طهران.
والمحصلة، أن كل ما قيل عن ديكتاتورية ودموية صدام، وأغلبه صحيح إلى حد كبير، لكنه يبدو متصاغرا متواضعا في عيون العراقيين اليوم، بعد ما شهدوه من أهوال ومجازر وحروب وضحايا ووجوه دمار شامل، تلت فترة حكم الرئيس العربي العراقي الراحل، الذي لم تنسب إليه سرقات ولا لصوصية، لا لنفسه ولا لأهله المقربين، الذين لم يبق من ذكراهم، سوى مشهد الصمود الأسطوري لصدام تحت حبل المشنقة، ومشاهد القتال الأخير لولديه قصي وعدي وحفيده مصطفى، وقد حاربوا بما تبقى لديهم من طلقات رصاص، وإلى أن أفضت الأرواح إلى ربها بكرامة، يعشقها الطبع العراقي الناري التكوين، خصوصا بعد سنوات الهوان ومحو العزة العراقية، التي لم تكفلها خدع الديمقراطية الموهومة بعد صدام، فلا قيمة لديمقراطية مدعاة في وطن محتل ومهيمن على ناسه، إلا أن تكون طريقا سالكا لتسهيل مهمة اللصوص وتوزيع الغنائم، وهذا ما جرى على نحو بالغ التوحش في العراق، ما يستثير حنينا مفهوما إلى فكرة الرجل القوي والوطن الموحد، وإلى رمزية صدام حسين، وإلى اندفاع المتظاهرين إلى تفضيل حكم رجال أقوياء، على طريقة ترشيحهم المتحمس للجنرال عبد الوهاب الساعدي مثلا، ورغبتهم في أن يحكم العراق رجل مثله، برزت نجوميته في الحرب ضد «داعش»، وأطاحت به حكومة الدمى الموالية للهيمنة الإيرانية، ويطلقون عليه في الشارع العراقي اليوم لقب «روميل العراق».
وأتذكر أنني رأيت صدام حسين لمرة واحدة عن قرب، كان ذلك في عام 1994، وكانت تلك هي زيارتي الوحيدة لبغداد، كان العراق في ذروة أزمة الحصار الأمريكي الدولي المفروض عليه بعد حرب الكويت، وكنت مصاحبا لوفد ضم كبار الكتاب والصحافيين والسياسيين المصريين المعارضين، واستقبلنا الراحل طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقي وقتها، ثم انتقلنا إلى قاعة خطابة مليئة بحشود، وتوالى على المسرح جمع من شعراء العراق، وفجأة ظهر صدام من حيث لم نحتسب، ولم أكن من المغرمين بطريقة إلقائه للخطب، فقد كنت أراها مضجرة رتيبة الصوت، وبدا الحماس من حولي ظاهرا، أما أنا، فلم أصفق لشيء مما سمعت، وكنت مأخوذا بما أعتقده عن ديكتاتورية ودموية صدام، وحين انتهى الرجل من كلمته، نزل إلينا مغادرا، وهنا اشتعلت القاعة بمزيج من الصياح والتدافع، وامتدت الأكف لتصافح صدام حسين، أو حتي لتلمس طرفا من ردائه العسكري، إلا أنا، فقد تفرغت لمراقبة الرجل من قريب، وعلى مسافة ذراع لا تزيد، رأيت صدام كقطعة صخرية قدت من جبل، كان وجهه لا يبين عن مشاعر بعينها، مجرد ابتسامة مرسومة كأنها من لوحة معلقة على جدار، وفي نظرة واحدة خاطفة، أدركت طبيعة الرجل، وصدقت كل ما نسب إليه من فظائع، ثم لم أتعجب في ما بعد من ثباته الأسطوري الفريد تحت حبل المشنقة، كان رجلا لا يهاب قتل الآخرين، ولا قتله هو شخصيا، وتلك من طبائع عشائر العراق العربية الصفات والتكوين، فقد كان صدام عراقيا حتى النخاع، لا يخاف الموت الذي نخافه، لكن موته الحقيقي في المهانة وإهدار الكرامة، وهو الشعور الذي يحتاج نفوس العراقيين هذه الأيام، ويدفعهم إلى تذكر رمزية صدام حسين، وقت إن كان العراق عراقا بحق، وكان العراقيون كراما أعزة، لا عبيدا لسطوة الاحتلال الأمريكي، ولا سبايا لهيمنة الملالي الفرس.

- استشهاد سليماني والمهندس: إنها الحرب

- استشهاد سليماني والمهندس: إنها الحرب

بقلم: حسن عليق/ الثبات

لم يكن الحاج قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، يتخذان اجراءات امنية غير اعتيادية. على العكس من ذلك، حركتهما كانت شبه طبيعية، وشبه علنية. في بغداد، كان يُعرف موعد قدوم «الحجّي» من طهران أو من غيرها، إلى العاصمة العراقية، من قِبل غالبية العاملين في الشأن العام. وكان يٌعرف من التقى، ومن سيلتقي. كان الرجلان قريبين من الموت مرات كثيرة. عند محاور القتال، في لبنان والعراق وسوريا، أو على مهداف قتلة الموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية غير مرة. لكن قرار عدم اغتيالهما سابقاً كان نتيجة لقوة الردع في محور المقاومة. واغتيالهما فجر اليوم، لم يكن عملية أمنية معقدة؛ لكنه، في الميزان السياسي والعسكري، العملية الأقسى التي يتعرّض لها المحور، منذ استشهاد الحاج عماد مغنية، على أقل تقدير، وعلى مستوى أوسع. ضربة لئيمة، تفتح باب الجنون في الإقليم. من اتخذ القرار، هو إما غبيّ لا يدري ما أقدم عليه، أو، والأرجح، انه يفتح باباً لحرب اعدّ لها مسبقاً. هو قرار تريد منه الولايات المتحدة الأميركية القول لمحور المقاومة إن «قوة ردعك تتآكل، ولن يثنينا شيء عن منعك من طردنا من الاقليم، وسنستهدف كل قادتك ونقاط قوتك». هي معادلة «صفرية»، سيكون على محور المقاومة ألا يتعامل معها إلا بما يوجب الثأر، لا طلباً للثأر وحسب، بل لإعادة الاعتبار إلى قوة ردعه، وترسيخ ما انجزه على مدى عقود. اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، الحاج قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في بغداد، قبيل منتصف ليل الخميس - الجمعة (2-3 كانون الثاني 2020)، لا يمكن أن يمر كغيره من الاحداث في الإقليم.
سليماني هو الجنرال الإيراني الأشهر، شريك الحاج عماد مغنية في الدفاع عن لبنان في حرب تموز - آب 2006، والداعم الاول للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق، ومهندس خطوط الدفاع عن دمشق، والشريك الميداني للرئيس السوري بشار الأسد في المعارك السورية الكبرى (كمعركة استعادة حلب، على سبيل المثال لا الحصر)، والرجل الذي فاوض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقناعه بالتدخل في سوريا، وشريك مدير الاستخبارات التركية حقان فيدان في تسويات الشمال السوري وغيرها، وصلة الوصل الأولى بين إيران وفصائل المقاومة الفلسطينية. في عهده تحوّلت قوة القدس في الحرس الثوري إلى قوة عسكرية إقليمية عظمى، تعمل كقوة إسناد حربي و«لوجستي» في المناطق الممتدة من اليمن جنوباً، إلى ما بعد العراق شمالاً، مروراً بلبنان وسوريا وفلسطين، وخاصة في قطاع غزة حيث له نصيب كبير في تطوير قدرات المقاومة. في سوريا والعراق، تلاحقه اسرائيل ملاحقة استعلامية حثيثة، وعملياتية، لمنعه من نقل أسلحة كاسرة للتوازن إلى البلدين، و«استنساخ» تجربة المقاومة اللبنانية فيهما، وهو ما ترى فيه تل أبيب خطراً وجودياً.
الحاج قاسم سليماني قضى على الطريق من مطار بغداد إلى العاصمة العراقية. هو نفسه، في نظر محور المقاومة، طريق القدس. كان آتياً من دمشق، فخرج المهندس لاستقباله في المطار. غادرا في «موكب» بسيط، مؤلف من سيارتين لا اكثر. استهدفتهما طائرات اميركية، بعيد انطلاقهما من المطار، ليقضي كل من كان في السيارتين، وبينهم، إلى سليماني والمهندس، مسؤول التشريفات في الحشد الشعبي، محمد رضا الجابري، وعدد من أعضاء الحشد.
اما المهندس، (اسمه الحقيقي جمال محمد جعفر) فهو، عملياً، قائد أركان «هيئة الحشد الشعبي». النائب السابق في البرلمان، عاد إلى بغداد عام 2003، آتياً من طهران بعد تهجيرٍ دام أكثر من عشرين عاماً. معارضته لحكم «البعث» والرئيس صدّام حسين أوصلته الى نهاية المطاف أن يكون قائداً لـ«فيلق بدر»، منتصف الثمانينيات. اكتسب في تلك الفترة خبرة عسكرية واسعة، ما لبث أن طورها في مقاومة الاحتلال الأميركي، وقتال «داعش». الرجل الستيني، ابن مدينة البصرة، متّهمٌ بجملة قضايا «إرهابية»، كتفجيرات الكويت التي استهدفت السفارتين الأميركية والفرنسية عام 1983.
سارعت واشنطن إلى تبني عملية اغتيالهما، على لسان مسؤول تحدّث إلى «رويترز». اغتيالهما أتى في سياق سياسي وعسكري عراقي شديد التعقيد. انتفاضة شعبية تسعى واشنطن إلى استثمار نتائجها لصالحها، والتأسيس عليها لتقليص نفوذ طهران في بلاد الرافدين، وتنفيذ انقلاب ضد الحشد الشعبي وفصائل المقاومة العراقية. اما عسكرياً، فلجأت قوات الاحتلال الأميركي، يوم الاحد الماضي، إلى الاعتداء على مقار للحشد الشعبي عند الحدود العراقية - السورية، قرب مدينة القائم، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 25 مقاتلاً، وجرح العشرات. لم يكن ذلك رداً على استهداف موضعي لقاعدة عسكرية أميركية في بغداد، بل سعياً من قوات الاحتلال إلى تثبيت قواعد سياسية جديدة، عنوانها الفصل بين سوريا والعراق، وتحجيم «الحشد» وباقي قوى محور المقاومة في بلاد الرافدين. كان الجميع في انتظار الرد على الاحتلال الأميركي، فإذا به يذهب بعيدا، فجر اليوم، باغتيال الحاج قاسم والمهندس، في عملية عنوانها هذه المرة الفصل بين ايران والعراق، ومن خلفه باقي قوى المحور.
ماكينة الشائعات الأميركية - الخليجية انطلقت فور تنفيذ الجريمة. جرى التداول بأسماء قادة من حزب الله اللبناني للقول بأنهم استشهدوا مع سليماني والمهندس، إلا أن مصادر عراقية ولبنانية نفت وجود أي شهيد من الحزب في العملية. بعد ذلك، نشرت قناة «العربية» السعودية خبراً مفاده أن قوات المارينز اعتقلت قائد «عصائب اهل الحق» الشيخ قيس الخزعلي، وقائد منظمة بدر هادي العامري. الخبر ليس صحيحاً، لكنه مؤشر إلى لائحة الأهداف الاميركية في «أرض السواد». الخزعلي والعامري كانا إلى جانب المهندس وغيره من قادة الحشد الشعبي وفصائل المقاومة العراقية، يقودون الجماهير التي اقتحمت مجمع السفارة الأميركية في بغداد الثلاثاء الماضي، تعبيراً عن الغضب لعدوان القائم.
اغتيال سليماني والمهندس، ليس حدثاً عابراً. هو قرار اتخذته الإدارة الأميركية بإشعال الإقليم، وفي أقل تقدير، محاولة لإعادة الزمن إلى الوراء، ومحو النتائج التي أفرزها صمود محور المقاومة في لبنان وسوريا واليمن والعراق وفلسطين، وسعي إلى المزيد من العدوان الذي يُراد منه تدمير كل المنجزات التراكمية لهذا المحور. ومن دون أي «معلومة» من أي «مصدر موثوق» في المحور، يمكن توقّع رد فعله. ثمة خطوط حمراء أسقطها اغتيال سليماني تحديداً... وبناءً على ذلك، ستدفع الولايات المتحدة الثمن باهظاً. فالخطوط الحمر لا تسقط من جانب واحد.

- إغتيال القائدين سليماني والمهندس … مرحلة جديدة

- إغتيال القائدين سليماني والمهندس … مرحلة جديدة

بقلم: علي عبادي / الثبات

لماذا لجأ الأميركي الى الإغتيال المباشر لقائدين لطالما تهيَّب المسّ بهما في الفترة الماضية بسبب الخوف من التداعيات على مصالحه في العراق وفي المنطقة؟
هناك مجموعة معطيات قد تفيد في الجواب:

– وجود مشروع في مجلس النواب العراقي يدعو لخروج القوات الاميركية من العراق باعتبار أنها تجاوزت على السيادة الوطنية العراقية بشكل فجّ في محطات عدة وأصبحت قوة احتلال تمارس ما تمارس، من دون العودة للحكومة العراقية. ويُفترض مناقشة المشروع قريباً جداً. وهذا سيضع الوجود العسكري الاميركي في العراق، الذي عاد من شُبّاك الحرب على “داعش” بعدما خرج من الباب في نهاية 2011، في مرمى العراقيين.

– الإخفاق في “قلب الطاولة” في العراق على قوى المقاومة التي يمثل الحشد الشعبي العراقي عمودها الفقري، عبر حملة الفوضى والفتنة التي تُدار من قبل مجموعات تدربت في الخارج.

– تعمُّق حضور محور المقاومة في المنطقة على حساب الوجود الأميركي. ولم تتمكن واشنطن من تثمير حضورها العسكري المباشر في العراق، وأصبح وجودها في سوريا محل شك. كما انها تعاني من عدم قدرتها على فرض رؤيتها في جميع القضايا تقريباً، ومنها “صفقة القرن”. بل إن روسيا والصين اللتين أجرتا مؤخراً مناورات بحرية مع ايران في الخليج تُعززان حضورهما في المنطقة، وسط عجز أميركي لا سابق له.

– إخفاق الحصار الاقتصادي الاميركي الشديد في حمل ايران على الإستسلام وطلب التفاوض، وهذا ما أغاظ ترامب الذي كان قد ترك للإيرانيين رقم هاتف للتواصل معه دون جدوى.

– وقوع ترامب تحت مقصلة المحاكمة في مجلس الشيوخ قريباً، ما يدفعه لتأجيج المواجهة مع طرف خارجي لاستنهاض الروح الوطنية الاميركية ضد “عدو” ما. وقد يلتقي ذلك مع رأي قيادات أميركية حزبية وعسكرية تعتبر أن القيام بعمل عسكري مدروس ضد ايران ضروري لإيجاد توازن مع ايران في المنطقة، وهو ما يتلاقى مع أهداف ترامب الخاصة في تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية. مع الإشارة الى أنه في عهد أوباما كانت القيادة العسكرية الأميركية أكثر حذراً وتحفظاً في تشخيص أخطار المواجهة العسكرية مع ايران.

– الدور الإسرائيلي في تحريض أميركا على خوض مواجهة مع ايران، وهو دور لا يمكن التقليل منه، وألمحت “إسرائيل” مراراً الى أنها ستتحرك بمفردها ضد ايران، مما سيورّط الولايات المتحدة بحكم تحالفها الإستراتيجي مع تل ابيب.

من الواضح أن اغتيال اللواء سليماني على أرض العراق وبهذا الشكل الفظّ يعكس مجدداً حقيقة ان الولايات المتحدة لا تعترف بوجود العراق كدولة لها حق السيادة الوطنية على أراضيها، وبالتالي أصبحت قواتها قوات احتلال بشكل جليّ. وثمة ما يدعو للإعتقاد بأن الاميركي أصبح في مأزق لا خروج له منه بالأدوات السياسية والتهديد والإجراءات الاقتصادية. كل هذه الأدوات فشلت في تحقيق الهدف، وهو لجأ إلى العمل العسكري المباشر والواضح لإيصال الرسالة وإخضاع قوى المقاومة.
نحن أمام مرحلة جديدة واختبار جديد، بعدما تجاوز محور المقاومة كل التحديات وأصبح وجهاً لوجه أمام اللاعب الاميركي الذي فرغ من استخدام كل الوكلاء المحليين والإقليميين.

- ماذا يعني استهداف واشنطن للجنرال الإيراني قاسم سليماني؟ وما هي دلالات مقتله؟

- ماذا يعني استهداف واشنطن للجنرال الإيراني قاسم سليماني؟ وما هي دلالات مقتله؟

بقلم: محمد مصطفى العمراني / رأي اليوم

من المؤكد بأن مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بقصف ‎امريكي في بغداد يشكل ضربة عسكرية كبيرة لإيران وخسارة فادحة فسليماني يعد أبرز قائد إيراني تولى مهام عسكرية خارجية وأدار عمليات أمنية وعسكرية ولذا فإن هذه الضربة لن تمر دون رد وستسعى إيران للرد عليها ومن المرجح بأن يكون الرد في العراق الذي تحول موخرا لساحة صراع مصالح ونفوذ بين واشنطن وطهران .
تفيد الأخبار القادمة من طهران فجر اليوم بأن خبر مقتل سليماني قد تسبب بصدمة كبيرة لدى قيادات النظام الإيراني وأن إيران قد أعلنت الحداد لمدة 3 أيام وأن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي سيدير خلال الساعات القادمة اجتماعا لكبار القيادات العسكرية والأمنية الإيرانية لتدارس الرد على هذه الضربة الأمريكية .
هذه الضربة الكبيرة تؤكد بأن واشنطن قد نجحت في اختراق القوات الإيرانية وقوات حلفائها في العراق ولذا كانت ترصد تحركات سليماني والمهندس ونفذت ضربتها بدقة بعد أيام من استهداف المتظاهرين العراقيين الموالين لإيران للسفارة الأمريكية في بغداد ردا على قصفها لقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران .
* من هو قاسم سليماني ؟
في 12 مارس آذار 2019 م قام المرشد الإيراني علي خامنئي لقاسم بتكريم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني حيث قام بتقليده لوسام ” ذو الفقار ” وهو أعلى وسام عسكري إيراني.
وُلد قاسم سليماني في ١١ آذار/ مارس عام ١٩٥٨، في قرية جبليّة اسمها رابور تابعة لمحافظة كرمان شرقي إيران لينخرط بعد ذلك في الحرس الثوري الايراني ويشارك في الحرب الإيرانية العراقية وفي مهام أمنية وعسكرية عديدة ليتم تكليفه بعد ذلك بإدارة فيلق القدس المكلف بإدارة العمليات العسكرية الإيرانية خارج إيران ودعم وإسناد حلفاء إيران وتدريب وإعداد الفصائل المسلحة الموالية لإيران وقد شارك سليماني في الحرب بسوريا وظهر في عدة مناطق كما اشارت العديد من المصادر الإعلامية عن قيام قاسم سليماني بزيارة العراق مؤخرا وعقده اجتماعا بكبار القيادات العسكرية والأمنية الموالية لإيران وحثهم على استهداف الحراك الشعبي العراق واخماد التظاهرات بكل السبل والوسائل وأبدى استعداده لنقل تجربة طهران في إخماد التظاهرات والاحتجاجات للقيادات العراقية .
ويعتبر الجنرال قاسم سليماني أول من حصل على وسام ” ذو الفقار ” منذ الثورة الإيرانية عام 1979م اي منذ 40 عاماً كما ان هناك إجماع لدى القيادات العسكرية والسياسية في طهران وفي المنطقة على أن سليماني يعد الشخصية العسكرية الأكثر سطوعاً والأكبر تأثيراً في دوائر صنع القرار في إيران وخصوصا في المجال العسكري حيث قاد سليماني الجهود الإيرانية لتوسيع التأثير في المنطقة الذي تحاول الولايات المتحدة الحد منه .
ومثل يومها ذلك التكريم إشارة واضحة على أن النظام الإيراني لن يغير من سياساته في المنطقة بل انه يعتبرها مفخرة له وهذا التكريم هو مباركة واحتفاء ودعم لا محدود من قبل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لتحركات قاسم سليماني وقوات فيلق القدس التي يقودها والمخصصة للمهام الخارجية وخصوصا في المنطقة العربية حيث أكد خامنئي خلال تكريم سليماني بأن هذا القائد الإيراني ” قد عرض نفسه المرة تلو الأخرى لخطر الأعداء وفعل هذا لله ولله فقط ومن أجل الله، وقام بمهمة عظيمة» وأضاف خامنئي: «أرجو من الله العظيم أن يجزيه ويباركه ويساعده على العيش حياة مباركة ويجعل نهايته الشهادة » واستدرك المرشد قائلًا: «طبعًا ليس سريعًا؛ لأن الجمهورية الإسلامية بحاجة إلى خدماته في السنوات المقبلة، لكنني آمل أن تتوج خدماته بالشهادة إن شاء الله.. وآمل أن يكون هذا الوسام بشارة لك إن شاء الله».
قوات فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني نجحت في إدارة عمليات عسكرية في سوريا والعراق وكان حضور قاسم سليماني للقاء الرئيس السوري بشار الأسد بالمرشد الإيراني خامنئي لدى زيارته لطهران في 25 فبراير شباط 2019م نوعا من الاعتراف بجهوده والاحتفاء بهذا الانتصار الذي حققته قوات النظام السوري بدعم من قوات فيلق القدس التي يقودها في سوريا والمنطقة .
* دلالات استهداف واشنطن لقاسم سليماني
من المؤكد بأن واشنطن قررت التصعيد العسكري ضد إيران وحلفائها في العراق ولذا أقدمت على هذه الخطوة التي ستزيد من تعقيد المشهد العراقي المتوتر وستخلط الأوراق وتشعل المواجهة بين واشنطن وطهران في العراق والمنطقة ومن المرجح أن يقوم حلفاء طهران في العراق بالرد بعمليات انتقامية كبيرة من الجنود الأمريكيين وقواعدهم في العراق والمنطقة اذا قررت طهران عدم الرد المباشر عبر قواتها واكتفت بالرد عبر حلفائها واذرعها المسلحة في العراق فمن المرجح أن لا تنزلق واشنطن وطهران إلى مواجهات عسكرية شاملة لكن ايران سترد على هذا التصعيد الأمريكي وستنتقم لا محالة وستوجه ضربات موجعة ومدروسة لمصالح واشنطن وحلفائها في العراق والمنطقة .
وزارة الدفاع الأمريكية من جهتها أصدرت بيانًا أشارت فيه إلى أن الضربة الجوية كانت بتوجيه من الرئيس دونالد ترامب، وجاء في البيان الرسمي الأمريكي: “بتوجيه من الرئيس، اتخذ الجيش الأمريكي عملًا دفاعيًّا حاسمًا، لحماية الأمريكيين في الخارج عبر استهداف قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المصنف كمنظمة إرهابية بالولايات المتحدة الأمريكية.
هذا التصعيد الخطير ينسف كل الجهود والوساطات اليابانية والأوربية لتخفيف التوتر وتلطيف الاجواء بين طهران وواشنطن وإعادة قيادات البلدين إلى طاولة المفاوضات ومن المرجح أن مفاوضات كهذه صارت مستبعدة الآن إلى أجل غير مسمى حيث صارت خيارات المواجهة بين واشنطن وطهران مفتوحة على كل الاحتمالات .

- «أنا قاسم سليماني»

- «أنا قاسم سليماني»

بقلم: خليل كوثراني / الاخبار

«أنا قاسم سليماني، قائد فيلق صاحب الزمان السابع التابع لمحافظة كرمان. ولدت سنة 1958 في قرية قنات ملك من ضواحي كرمان، حائز شهادة البكالوريا، متزوج ولديّ ولدان، صبي وبنت. قبل الثورة، كنت موظفاً في مصلحة مياه كرمان. وبعد انتصار الثورة الإسلامية، التحقت بحرس الثورة في الأول من شهر أيار سنة 1980. مع اندلاع الحرب وهجوم النظام العراقي على مطارات البلاد، بقيت مدة أحرس الطائرات في مطار كرمان. بعد شهرين أو ثلاثة على اندلاع الحرب، انطلقنا إلى جبهات سوسنكرد ضمن القوات الأولى المرسَلة من كرمان والتي كان تعدادها 300 شخص تقريباً، بصفة قائد فصيل. في الأيام الأولى لالتحاقي بالجبهة، اعتقدت بأن العدو قادر على القيام بأيّ شيء، لكننا تمكّنا في أوّل هجوم لنا من إرغامه على التقهقر من جانب طريق سوسنكرد إلى الحميدية، وكبّدناه خسائر أيضاً. وقد أدّى هذا الأمر إلى زوال التصوّر الخاطئ عن العدو من ذهني».

(الجنرال قاسم سليماني لمجلة «نداء الثورة» عام 1990)

بعد ثلاثين عاماً: هنا البوكمال
شاهده في البوكمال السورية. المعركة في ذروتها، القتال كان من مسافة قريبة، وهو لا يبعد عنه سوى أمتار معدودات. في الخط الأمامي على مشارف المدينة، كان الشهداء يتساقطون، وذلك المقاتل في حزب الله يوزّع عيناً على العدو وأخرى على «الحاج» غير المبالي بسلامته الشخصية. كانت البوكمال آخر المعارك الكبرى التي خطّط لها وقادها وحقق فيها انتصاراً كما اعتاد.

الخروج إلى الضوء
منذ انطلاق الحرب على «داعش»، لم يعد قاسم سليماني «قائد الظل» كما لقّبته الصحف الأميركية في 2009 بعيد تجنب العدوّ إياه في عملية اغتيال عماد مغنية في دمشق. كان الحضور العلني للواء الإيراني في الميدان، بالنسبة إلى القيادة في طهران، خروجاً إلى الضوء وإيذاناً بنقطة تحوّل في ملف الوجود والنفوذ خارج الحدود. بدأت صور «الحاج قاسم» تنتشر في كل مكان، بين المقاتلين على مختلف الجبهات، وفي غرف العمليات والاجتماعات. عشية انطلاق المعارك في العراق، استأنف علاقة ثانية له مع مطار بغداد (محطته الأخيرة ليل الخميس - الجمعة الماضي)، حيث بات يتردّد باستمرار بموازاة خطّ إمداد لوجستي وتسليحي يرافق تحرّكاته. سريعاً، جمع حلفاءه في المقاومة العراقية ضدّ الاحتلال الأميركي، وراح يوزّع بتنقلاته المكوكية جهده باتجاهين: وضع الخطط لاحتواء التمدد «الداعشي» ولإطلاق المعارك المضادة، وإعداد برامج التنظيم والتدريب للفصائل المقاتلة قيد الإنشاء تلبية لفتوى المرجعية، أو تلك التي تحتاج تأهيلاً لاستيعاب آلاف المتطوّعين الجدد، إلى أن أُطلقت عملية جرف الصخر باكورة المعارك الواسعة.

ليلبس جند أميركا الحفّاضات
تلك كانت حرباً للدفاع عن العراق ولحماية حدود إيران وأمنها في آن. لكن لم تكن أولى المعارك التي خاضها لتحقيق الهدفين معاً. فالمساهم الأول في تأسيس تشكيلات المقاومة العراقية ودعمها، عمل وفق استراتيجية إيرانية تعتبر غزو بغداد توطئة لاستهداف إيران، ما يحتّم إشعال حرب استنزاف تُبعثر حسابات الأميركي الآتي إلى أفغانستان والعراق ومهدّداً سوريا. كان لسليماني ما أراد، وفي تلك المرحلة، بدأ يتردّد اسم قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري همساً، ويأخذ بالانتشار شيئاً فشيئاً. عادت يومها استراتيجية في السياسة الخارجية يقال إن واضعها هو الامام الخميني: يد تضرب العدو ويد تفاوضه في مكان آخر في الوقت ذاته. تَعزّز هذا المسار أخيراً في ظلّ ازدواجية الحضور الإيراني في المنطقة، بين ابتسامة جواد ظريف وعبوس قاسم سليماني.
يحفظ العاملون مع اللواء سليماني الكثير من القصص أيام المقاومة العراقية. هي شواهد على نبوغ عسكري وأمني تَسبّب، غير مرة، في إحباط لدى ضباط ودبلوماسيين أميركيين راوغهم في الأمن والعسكر وحتى السياسة. وتلك صفة يعزوها عارفون بالرجل إلى موهبة متأصلة فيه تحاكي «الدهاء الفارسي» على حدّ تعبير أحدهم. قال دونالد ترامب أمس: «سليماني أسقط آلاف الأميركيين بين قتيل وجريح على مدى فترة طويلة». لم ينكر «الجنرال» هذه التهمة ولا الخوف الذي زرعته عبواته بالجنود الأميركيين، وقال في إحدى المناسبات ساخراً من جبن الجنود الأميركيين: إن القوات الأميركية كانت بحاجة لإمدادات من «حفّاضات البالغين».

«الفارس النبيل»
بالنسبة إلى أعدائه في الغرب، هو الرجل الثاني في الجمهورية الإسلامية. لكنه ليس كذلك في طهران، لا في النفوذ ولا الرتب. مع هذا، فهو أخذ منذ عقد مكان البطل الأسطورة. هو للإيرانيين القوميين بطل رمز يشبه أبطال الأساطير في الإمبراطوريات الفارسية الغابرة. لكنه ليس هكذا بالنسبة إلى نفسه أو «إخوته» الإسلاميين في الحرس الثوري وإيران والمنطقة عموماً. يرى نفسه «جندياً للولاية على طريق القدس»، وفق أدبيات الثورة الإيرانية، ويراه رفاق سلاحه حاملاً لراية هذه الثورة خلف الحدود، ليحمي مصالح البلاد من جهة، ويبقي جذوة الثورة بنسختها الأممية مشتعلة. لقّبه المرشد علي خامنئي بـ«الشهيد الحي»، وراح الإيرانيون يرفعون صور المتحدّر من عائلة فقيرة في حياته، في ظاهرة نادرة كانت حكراً على الخميني وخامنئي وقادة الثورة الشهداء كمطهري وبهشتي وشمران وآخرين.
لدى العدو، هو «رجل المهمات القذرة» و«السفاح» و«المرعب»، حين يقاس الأمر بعبء سياسته على إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها من مشيخات الخليج. لكن أحد رفاق درب «الجنرال» يكثّف صفاته بعبارة «الفارس النبيل»، ويشرح «أبوّة» القائد العسكري ولطفه وتواضعه مع الجميع، حتى الأعداء القادر على إبادتهم كان يسعى إلى التعامل الرحيم معهم بأقصى قدر ممكن. دبلوماسي مفاوض، متواضع ولبق وشهم وخلوق وقريب من القلب، لا يقطع الجسور مع أحد. نشيط ومبادر و«روحاني»، بحسب الصفات التي يسوقها الراوي، منبّهاً إلى أنها قد لا تخطر ببال من يراقب عمله العسكري عن بعد.

«هيبة» المحور... وقطبه
أن تكون قائداً لـ«قوة القدس» التي تبلورت بعد حرب الخليج من رحم الحرس الثوري لتنظّم نشاط «الحرس» الخارجي أيام «السلم»، فهذا يعني أنك مسؤول عن العمليات الخارجية في كلّ مكان خلف حدود إيران، وبالحدّ الأدنى في الإقليم أو «غرب آسيا» كما يسمّيها الإيرانيون. وهنا، منطقة تزدحم بالأعداء الذين يجب التعامل معهم: الولايات المتحدة ومعها القوات البريطانية والغربية عموماً، حلفاؤهم العرب، إسرائيل، الانفصاليون الكرد، وأخيراً التنظيمات التكفيرية. في الوقت عينه، تزدحم بالحلفاء والأصدقاء: سوريا، فصائل المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين واليمن. كانت مهمة «سردار سليماني» (القائد بالفارسية) أو «الحجي أبو دعاء» كما يشير إليه العراقيون، نقل التكتيكات القتالية التي استخلصها الحرس الثوري من حرب السنوات الثماني مع العراق ودشّن على أساسها صناعته العسكرية. وهي تقوم على ملاحظة التفوق التسليحي للعدو ومواجهته بقتال غير تقليدي أو لا متناظر، عماده الأساس: الصواريخ مقابل التفوق الجوي.
باتت على عاتق سليماني، منذ استلامه منصبه أواخر التسعينات، مهمة نقل الخبرات والتسليح، وإنشاء بنية تحتية قتالية صلبة لدى الحلفاء. سنوات قليلة وسيتردّد مصطلح «محور المقاومة». محور، كان سليماني يشكّل البنّاء ومن ثم المركز له، حتى بات أحياناً يطلق عليه البعض «محور قاسم سليماني». حرب تموز كانت محطة أساسية لاختمار التجربة. بأمر من المرشد خامنئي، صار يستقلّ بجزء من دور سليماني في اتخاذ القرارات في شأن الملفات الإقليمية (لا سيما منها المرتبطة بحركات المقاومة ضد إسرائيل) حزبُ الله في لبنان، وتحديداً أمينُه العام السيد حسن نصر الله، وقائدُه العسكري آنذاك الشهيد عماد مغنية.

ماذا عن ما لم ينجزه؟ يجيب أحد أكثر المقرّبين منه في الآونة الأخيرة: «القدس!»

في غزة ولبنان، ولاحقاً في سوريا والعراق واليمن، أخذ ينظر الحلفاء إلى الرجل كسند لحركاتهم، حيث بصماته خلف كلّ إنجاز وانتصار. لم يقتصر دوره على العسكري فحسب، إذ كان شديد الاهتمام بالإعلام والسياسة لرفد الحركات الحليفة بـ«قوة ناعمة»، لا بالسلاح فحسب. ولعلّ أهم ما ساعده في تنويع خبراته، بل واختياره للمنصب، دوره في محافظة كرمان كقائد للحرس الثوري، وهي منطقة قريبة من الحدود الأفغانية، حيث عمل على مكافحة تهريب المخدرات. تلك المسؤولية سمحت له بتجربة العمل الأمني والإسهام في حماية الحدود، ليحقق خلالها نجاحات لافتة ضدّ عصابات تهريب الأفيون.
تَكَرّس سليماني، مع تمدّد محور المقاومة، اللاعب السياسي والعسكري الأول في المنطقة، إلى جانب أذرع أخرى لطهران تجتمع في المجلس الأعلى للأمن القومي، وتخوض نقاشاً حادّاً تتنوع فيه الآراء، وقد لا تكون الكلمة الفصل فيه لسليماني، كما يظن البعض. يستفيض قيادي في محور المقاومة، على اطلاع على آلية صنع القرار بين أطراف المحور، في شرح حجم خسارة سليماني. سريعاً يستدرك: «الحرس مؤسسة»، وإذا ما أردنا تشخيص الخسارة الأكبر باغتيال «الجنرال»، فهي ضرب «هيبة المحور» التي أسهم في صنعها طوال السنوات، أمام العدو وأمام الحليف، بالكثير مما أَنجز. ماذا عما لم ينجزه؟ يجيب أحد أكثر المقرّبين منه في الآونة الأخيرة لـ«الأخبار»: «القدس. كانت برنامجه العملي وحلمه وهاجساً شخصياً يلهج به في الجلسات الخاصة!».

- المهندس الذي «أتعب» أميركا

- المهندس الذي «أتعب» أميركا

بقلم: نور أيوب/ الاخبار

ممكن نشوف أبو مهدي المهندس خارج الحشد (الشعبي)؟

- ممكن... إن شاء الله شهيد.
ذلك مقطع من حوار تلفزيوني أُجري مع الحاج جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم، عقب الانتخابات التشريعية العراقية الأخيرة في أيار/ مايو 2018. إجابة سريعة ومكثّفة جلّت قناعة الرجل الستيني، الراسخة كرسوخ نخل البصرة الجنوبية، مسقط رأسه، منذ تخلّى المهندس الشاب، خرّيج جامعة بغداد، عن اسمه المدني، ليحمل لقباً اختاره بنفسه: «أبو مهدي».
متنقّلاً بين تنظيمات الإسلام السياسي، ودول الصراع في منطقة الشرق الأوسط، راكم المهندس تجربة غنية: أمنية وعسكرية وسياسية، ليُعرف لاحقاً - وتحديداً بعد الاحتلال الأميركي للعراق في نيسان/ أبريل 2003، بـ«رجل إيران في العراق»، ما دفع واشنطن إلى إدراجه على لائحة العقوبات الخاصة بها لعام 2009. علّق المهندس على تلك الخطوة بأن «الأميركيين تحسّسوا منّي بسبب خلفيّتي الجهادية وحضوري في أكثر من ساحة، خصوصاً في أحداث النجف (2004) وما تلاها. كذلك، تحسّسوا من دوري المتواضع في إنشاء الائتلاف الوطني العراقي، الأول والثاني».
استطاع المهندس، بوصفه وحداً من أبرز وجوه محور المقاومة، بناء شبكة من العلاقات المتشعّبة من طهران إلى غزة، مروراً ببغداد ودمشق وبيروت. استثمر صداقاته القديمة في مشروع بناء المقاومة العراقية، منذ تسعينيات القرن الماضي ضدّ النظام السابق برئاسة صدام حسين، وصولاً إلى مطلع الألفية الثانية ضدّ الاحتلال الأميركي، قبل أن يُتوّج مسيرته بالحرب ضدّ تنظيم «داعش» في حزيران/ يونيو 2014، والتي تسنّم خلالها منصب نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي».
مسيرته «الجهادية» الحافلة كرّسته رقماً صعباً في حسابات «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني. يصفه البعض بـ«العضد العراقي» لقائد القوة اللواء الشهيد قاسم سليماني، حتى اقترن اسمهما ورسمهما، خصوصاً في الأعوام الخمسة الأخيرة، على سواتر المواجهة ضد «داعش»، من حزام بغداد إلى تلعفر (شمال غربي البلاد)، وصولاً إلى القائم - البوكمال (عند الحدود العراقية - السورية). الرحلات المشتركة لم تعرف حدوداً؛ مرة يطلّان من العاصمة السورية دمشق حيث يزوران مقام السيدة زينب، وأخرى في جرود القلمون عند الحدود السورية - اللبنانية إبّان معارك المقاومة ضدّ المجموعات الإرهابية، وثالثة عند الحدود مع فلسطين المحتلة خلال الاطلاع من قيادة المقاومة على تفاصيل عملية الردّ على اغتيال الشهيد جهاد عماد مغنية ورفاقه.
طوال أعوام الدم والنار ضدّ «داعش»، بدا الحاج الذي غزاه الشيب بحيوية الشباب. تراه في مقرّه مجتمعاً بضيوفه، ليتوجّه من دون سابق إنذار إلى خطوط التماس، وتَعرِف لاحقاً أنه حطّ على الساتر الأمامي في إحدى الجبهات للإشراف على إنجاز مهمةٍ مستعجلة. كان يصل ليله بنهاره، ما انعكس دائماً إرهاقاً على وجهه.

في أيّامه الأخيرة، كان حنين الرجل كبيراً إلى رفاق سلاحه الشهداء

الثابت الأبرز في مسيرة المهندس عداؤه المطلق لواشنطن، وإيمانه بالمقاومة المسلّحة لطردها. يصف الحضور الأجنبي في العراق بأنه «خطٌّ أحمر قاتم بلون الدم»، مؤكداً - باللهجة المحكية المصحوبة بضحكته المعهودة - أن الروح المقاوِمة «لا تتعب... أميركا هي اللي تتعب». هذا الثبات شكّل محطّ إشادة في ردود الفعل التي أعقبت نبأ اغتياله، وعلى رأسها موقف المرشد الإيراني، السيد علي خامنئي، الذي وصفه في بيانه أمس بـ«مجاهد الإسلام الكبير»، وأيضاً بيان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي عدّه «قائداً كبيراً»، علماً أن المهندس كان ضيفاً دائماً على القائدَين، خصوصاً نصر الله الذي كانت زياراته إليه دورية، وآخرها في أيلول/ سبتمبر الماضي.
في أيّامه الأخيرة، كان حنين الرجل كبيراً إلى رفاق سلاحه الشهداء، وحديثه دائماً عن الشهادة. تحدّث - كما يُنقل عمّن التقاه أخيراً - عن «السابقين»، آملاً أن يكون من «اللاحقين». تحقّقت للمهندس أمنيته، برفقة من كان يصفه بأنه «قائده». سقطا معاً في الطريق إلى بغداد، فيما كانت الوجهة حتماً: القدس.

- «الجنرال»: سنهزم أميركا في سوريا

- «الجنرال»: سنهزم أميركا في سوريا

بقلم: ايلي حنا، حسين الأمين / الاخبار

لم تكن علاقة الحاج قاسم سليماني بسوريا وليدة الحرب، على الرغم من أنها بلغت ذروتها خلالها. هذه العلاقة بدأت مبكرة قبل تحرير الجنوب في العام 2000 بسنتين، حين تمّ تعيينه كقائد لـ«فيلق القدس» عام 1998. آنذاك، كان قادة «الحرس الثوري» المعنيون بمتابعة الملفات الخارجية، وخصوصاً العلاقة مع قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، يتخذون من سوريا مكاناً لإقامتهم. منذ ذلك الوقت، كان الحاج قاسم ينظر إلى سوريا كقاعدة «آمنة» لتوزيع المهام وعقد اللقاءات، والاستفادة من موارد الجيش السوري وقدراته، وأيضاً من وجود شخص رئيس الجمهورية بشار الأسد. في ما بعد، كان الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث ظهرت سوريا كهدف تالٍ للغزو الأميركي، وشكّلت في ذلك الوقت قاعدة لرفد المقاومة العراقية بالتجهيزات والسلاح لقتال الأميركيين، وهو ما كان لقاسم سليماني دور بارز فيه.

على الرغم من قِدَم نشاط سليماني في سوريا، إلا أن التحوّل الحقيقي في العلاقة كان بعد حرب تموز 2006. في تلك الفترة، بدأ دوره في سوريا يكبر باطّراد، مع انطلاق مرحلة جديدة من العمل برفقة صديقه وشريكه في حزب الله الشهيد القائد عماد مغنية. آنذاك، وفي ظلّ العمل على نقل تجربة حزب الله إلى الفصائل الفلسطينية، تحوّلت سوريا إلى أكثر من خط إمداد للمقاومة، إذ صارت حلقة وصل حقيقية بين قوى المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، وبإشراف من الحاج قاسم. بعد سنتين، استشهد مغنية، شريك مشاريع سليماني في سوريا، لتتحوّل كلّ أعباء الملف إلى مسؤولية الأخير وحده.
نقطة التحول الثانية في سياق علاقة سليماني بسوريا كانت في العام 2011. تنبّه الحاج مبكراً لما يخطط لهذا البلد. بعد فترة قصيرة من المراقبة، اتخذ قراراً بتعزيز دور المستشارين الإيرانيين هناك، بموجب الاتفاقات الموقعة مع بين طهران ودمشق، قبل أن يضع خطة عمل مبدئية تقوم على: «أولاً، الحفاظ على الرئيس الأسد كشخص وموقع. ثانياً، الحفاظ على تماسك الجيش السوري قدر الإمكان. ثالثاً، الحفاظ على العاصمة دمشق بعد بدء سقوط المحافظات الأخرى. رابعاً، منع قطع الوصل بين غرب سوريا وعاصمتها دمشق عبر منع سقوط حمص». بعد ذلك، شرع الحاج بالتعاون مع القيادة السورية في بناء جيش رديف (الدفاع الوطني) وتطويره. كان تشخيص الحاج قاسم أن «الأعداء ذاهبون إلى تدخل أكبر بكثير في الحرب في سوريا، ولن نقف مكتوفي الأيدي». أظهر اهتماماً خاصاً بمعارك محافظة حمص، وخصوصاً منطقة القصير، ومعارك ريف دمشق الشمالي الغربي، وخصوصاً منطقة القلمون. تابع معارك القلمون الأولى والثانية بنفسه، وجال خلالها ميدانياً. «كان يرى فيها بعدين: الأول أن هذه المناطق تمنح قدرة على تأمين شريان حياة للعاصمة دمشق نحو لبنان وحماية الأخير، والثاني تأمينها ضمن خطط تحصين العاصمة السورية». في تلك الفترة، بدأت المعارك في الساحل أيضاً، ليبدأ الحاج بتعزيز «الدفاع الوطني» بالعتاد والعديد، مولياً اهتماماً أيضاً للحرب الإعلامية والنفسية ضدّ المسلحين ومشغليهم.
في العام نفسه الذي انطلق فيه العمل لتأمين دمشق، خصوصاً من جهة لبنان، برز تهديد الولايات المتحدة بـ«الردّ» على هجوم كيميائي مفترض وقع في ريف دمشق، واتُهَم به الجيش السوري. في ذلك الوقت، تواجد الحاج قاسم في دمشق، وأجرى اتصالات عدة، فضلاً عن عمليات تعزيز عسكرية، وإجراءات ميدانية في عدة بلدان في المنطقة. كما وجّه رسائل مباشرة وغير مباشرة إلى الأميركي تحذّره من مغبة الخوض في حرب على سوريا. «نُصح أوباما بأن هذه تجربة العراق أمامك»، يقول أحد المقرّبين من الحاج، مضيفاً: «كان القرار أن سوريا لن تسقط حتى لو ذهبنا إلى خيارات استشهادية». حينها سُرِّب إلى الإعلام نقلاً عن سليماني قوله: «بلاد الشام هي معراجنا إلى السماء وستكون مقبرة الأميركيين»!
العام التالي، عام سيطرة تنظيم «داعش» على أجزاء من العراق، رصدت فرق الحاج تحركات التنظيم ونشاط عناصره. مباشرة، حطّ ليلاً في بغداد: «كان التشخيص منع سقوط بغداد»، يقول مصدر مقرب من سليماني. بعد مدة قصيرة، ظهر أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم، في خطبة في غرب الموصل أعلن فيها قيام «الخلافة». تسارعت الأحداث، فتمدّد «داعش» في العراق ثم سوريا. مباشرة، شرع الحاج في رسم خريطة عمل، أقرّ بموجبها «علاجاً» باتجاهين: الأول تعزيز «الحشد الشعبي»، والثاني تعزيز الجيش السوري والقوى الرديفة في سوريا والتجهيز لقتال التنظيم. في عام 2015، مع تعاظم خطر «داعش» واستعار المعارك حول مدينة حلب، بدأ سليماني مساعيه لإدخال روسيا على خطّ الحرب السورية. هكذا، توجّه إلى موسكو، بعد «اتصالات روسية إيرانية رفيعة المستوى أدت إلى اتفاق يقضي بضرورة ضخّ دعم جديد للأسد»، و«توفير أسلحة روسية أكثر تطوراً للجيش السوري، وإنشاء غرف عمليات مشتركة تجمع هؤلاء الحلفاء معاً بالإضافة إلى العراق».
جنوباً، ومع بدء الغارات الإسرائيلية في سوريا، ذهب الحاج مباشرة بإطلاق المقاومة الشعبية في الجولان، وكان مسألة «ربط نزاع» أكثر من كونه اتجاهاً عملياتياً ضخماً. بعد غارة القنيطرة الشهيرة التي استشهدت فيها مجموعة من حزب الله والحرس الثوري، أخذ سليماني قراراً بالذهاب نحو أبعاد أخرى للعمل في الجنوب، عبر توسيع العمليات في المدن والبلدات الجنوبية (الشيخ مسكين ...). وفي السياق نفسه، سعى دائماً الى تفعيل برامج التطوير والتحديث في الأعمال العسكرية والتسليحية لقوى المقاومة في سوريا وانطلاقاً منها. وعلى هذا المنوال، وضع برامج تشغيلية لعدد كبير من القوى متعددة الجنسيات للعمل عليها وتدريبها وتجيزها لقتال إسرائيل، والإعداد لـ«المعركة الكبرى».

كسر الحدود
كان استحقاق الشمال السوري (حلب 2015 – 2016 / الشرق 2017) منعطفاً حقيقياً في الحرب، أولاه الحاج قاسم اهتماماً كبيراً. يقول أحد القادة الميدانيين الذين شاركوا تحت قيادته في المعركة إن الحاج «تواجد شخصياً في الميدان وعاين السواتر بنفسه»، كما كان يقوم «بعشرات الرحلات، بعضها يومي، بين بغداد ودمشق وبيروت وطهران» لتنسيق العمليات. شكّلت معركة حلب بالنسبة إليه «المعركة الحاسمة». كان الرئيس الأسد، بعد السيطرة على المنطقة الوسطى، قد ارتأى أن تكون حلب هي الوجهة المقبلة، وهو ما تبنّاه الحاج أيضاً. لم يتأخر سليماني عن المهمة: سرعان ما بدأ بالتخطيط، ليُعلَن لاحقاً عن غرفة «عمليات الحلفاء» وينطلق التحشيد العسكري والإعلامي. أراد الحاج معركة حلب «باكورة التعاون بين قوى محور المقاومة وروسيا»، بحسب ما يقول قائد ميداني كان برفقته حينها. أشرف سليماني شخصياً على التجهيزات، وأجرى لقاءات مع كلّ الفصائل المشاركة في العمليات. وفي العام 2016، بدأ الحديث عن سلامته الشخصية، وإمكانية تعرّضه لاغتيال. يومها، قال له القائد علي خامنئي: « شاهدتك على التلفاز».

كان استحقاق الشمال السوري منعطفاً حقيقياً في الحرب، أولاه الحاج قاسم اهتماماً كبيراً

أما في معارك الشرق السوري، خصوصاً عمليات البادية السورية، فقد كان الحاج قاسم حاضراً شخصياً أيضاً. تهيّب الجميع الدخول في تلك المعارك: صحراء قاحلة ومساحات مفتوحة ممتدة على العراق، ولا أفق للعمليات فيها. أصرّ على خوض غمار البادية مقاتلاً. أعلن بدء عمليات «والفجر» الكبرى، وكان يقودها ميدانياً. يروي أحد القادة أن سليماني أرسل مبعوثاً إلى مقرّ واحد من «الكوادر» في حزب الله، طالباً ملاقاته على وجه السرعة. كان ذلك في يوم من أيام شهر رمضان من العام 2017. تحرّك المسؤول سريعاً، وحين وصل سأل الحاج: ألم تكن تنتظر المسألة إلى ما بعد الإفطار؟، فردّ سليماني: «يجب أن نهزم أميركا». كان الحوار المتقدم قبيل توجّه الرتل الأول من قوى المقاومة نحو الحدود مع العراق، والإعلان عن التقاء القوات السورية والعراقية والحليفة عند الحدود. قبيل ذلك، وصل الحاج قاسم إلى خط الجبهة في البادية، وأجرى اجتماعاً مع القادة الميدانيين هناك، وأعلمهم أن «الأميركي يريد الدخول إلى البوكمال إذا لم ندخل خلال 5 أيام»! بعد الاجتماع، خرج ووقف على الساتر، وطلب من العسكريين فتحه أمامه، ليتقدم بنفسه بسيارته وسيارات مرافقيه، حتى قطع 35 كم في ساعة ووصل إلى البوكمال، قبل أن يصل الأميركيون.

- «الحاج» في العراق: قائد بلا أوامر

- «الحاج» في العراق: قائد بلا أوامر

بقلم: محمد بدير / الاخبار

كان ذلك ذات مساء بارد، مطلع شهر آذار عام 2015. في اليوم الأول من عمليات «لبيك يا رسول الله» المخطط لها أن تحرر نحو ألفي كلم مربع شرقي نهر دجلة ما بين سامراء وبيجي باتجاه نهر العظيم. صعد الحاج قاسم سليماني في آلية عسكرية مصراً على التوجه إلى الخطوط الأمامية على محور سد العظيم، حيث واجهت القوات عقدة دفاعية للعدو راوحت عندها. كعادته، أعطى توجيهاته مجبولة بشحنة عالية من المعنويات سرعان ما وجدت ترجمتها باندفاعة متجددة للقوات دفعت بها نحو عمق منطقة العدو. في طريق العودة، سلكت سيارة الدفع الرباعي، محمّلة بقياديَين من الحشد ومستشار لبناني من حزب الله، طريقاً عسكرية شقتها آليات سلاح الهندسة التابع للحشد لتجاوز العبوات المنتشرة في المنطقة بكثافة. على أطراف الطريق، كانت مجموعة من المقاتلين تأخذ استراحة محارب، بينهم شاب عشريني يرتدي كنزة خفيفة ويبدو عليه التأثر ببرودة الجو. ما إن اجتازت السيارة جوار المجموعة حتى طلب الحاج قاسم من المستشار الذي كان يقود السيارة التوقف فورا. وسط تفاجؤ الجميع، فتح باب السيارة ونزل سريعا متوجها نحو مجموعة المقاتلين. ارتبك مرافقو الحاج، وسارعوا إلى اللحاق به خشية عليه من العبوات. اقترب الجنرال مبتسماً من ذاك المقاتل، مدّ يده إلى جيب السترة التي كان يرتديها، أخرج منها بعض الأوراق، ثم خلعها ووضعها على كتفي المقاتل المذهول، تناول رأسه بيديه وطبع قبلة على جبينه ثم قفل عائدا إلى السيارة. فيما كان المرافقون يلملم بعضهم البعض الآخر، تقدم أحدهم نحو الشاب وسأله: هل تعرف من هو هذا الشخص؟ نفيٌ بريء عكسته سريعا ملامح الشاب، قبل أن يأتيه الجواب من السائل: هذا الحجي قاسم، هنيئا لك سترته. كابَرَ المرافقون على الدمع الذي اجتاح عيونهم، حاولوا قول شيء ما، لكن الحاج رمقهم بواحدة من نظراته الحاسمة أفهمهم بها بأن الموضوع انتهى ولا يرغب بالحديث عنه.

تسعة أشهر قبل ذلك. الشوارع في مدينة بلد، منتصفَ حزيران 2014، كانت مشبعة برائحة الخوف. السواد الأعظم من أهالي المدينة الواقعة جنوب سامراء مشغولون بتحميل أمتعتهم على سياراتهم تمهيداً للرحيل. داعش أحاطت بالمدينة من معظم الإتجاهات، لكن ثمة منفذاً باتجاه بغداد كان لا يزال متاحاً. عبره سلكت قواتٌ مبعثرة من بقايا فصائل المقاومة إبان فترة الإحتلال طريقها نحو المدينة. المهمة: فتح الطريق إلى مدينة سامراء وفك الحصار عنها ومنع سقوط مقام الإمامين العسكريين. سوء التنظيم، حالة من الإرباك والكثير من الحساسيات المتبادلة بين الفصائل طبعت الأجواء. أيام قليلة ويأتي الحاج قاسم برفقة الحاج أبو مهدي المهندس. يدعو إلى اجتماع عاجل، يحضره مسؤولو القوات متذمرين من التعثر وقلة الإمكانات. نصف ساعة كانت كافية لـ«الحجي الكبير» لحل مشكلة التنظيم من خلال توزيع القوات على محاور تقدم محددة وإسناد مهام محددة لكل منها. رداّ على شكوى الإمكانات، قال بشكل حازم: إن لم تقاتلوا اليوم بهذه الإمكانات القليلة التي تشكون منها، فإنكم ستقاتلون غدا في منطقة خلفية بإمكانات أقل وبروح معنوية أسوأ، ولن تتمكنوا من تحقيق الإنجازات المطلوبة. جال بنظراته الواثقة في أوجه الحاضرين مردفاً بعربية ثقيلة: أنتم اليوم، بإمكاناتكم المتواضعة، لكن بروحيتكم الجهادية ومعنوياتكم المرتفعة وتلبيتكم المتوثبة سرعان ما ستكتشفون أن النصر حليفكم. بعضكم سينتصر بالشهادة، وإن شاء الله نكون نحن منهم، البعض الآخر سينتصر بفك الحصار عن سامراء.
في الغداة انطلقت القوات نحو مغامرتها، عديدها بالمئات، وعتادها أسلحة خفيفة في الغالب، وبعض الأسلحة المتوسطة، مشفوعة ببعض الهامرات ودبابتين من نوع أبرامز. قريباً من منطقة الإسحاقي، في منتصف الطريق إلى سامراء، تعرقل التقدم البطيء أصلاً، ثم ما لبث أن جمد إثر التعرض لرمايات من جهة العدو. عقد الحاج قاسم اجتماع عمليات ميداني، وتحدث مع الجمع باطمئنان استغربه الحاضرون الذين كانوا مأخوذين بالرعب الداعشي. قال لهم: هذه هي النقطة التي سينكسر فيها داعش؛ إذا ثبتم وحررتموها ستكون الطريق مفتوحة إلى سامراء. لم يُطل الكلام: «سنواصل التقدم»، ختم ثم صعد في سيارة دفع رباعي طالباً من السائق التحرك قدما. ليست الأوامر العسكرية، ولا الإنضباط التنظيمي كانا ما حركا القوات خلفه على تردد. وحده الخجل من شجاعته، والشعور بالذنب من احتمال تعرضه لمكروه، دفعا نحو خمس عشرة آلية للحاق به متقدماً غير آبه برمايات أصاب بعضها سيارته. في غضون دقائق، تجاوز الرتل المتقدم منطقة التماس، فإذا بالقوات المتبقية تنتابها الحماسة وتندفع خلف موكب الحاج وتلتحق به. مع الوصول إلى سامراء كان الرتل ممتداً كيلومترات على الطريق؛ ينظر الحاج قاسم إليه وسط سعادة غامرة اعترت الجميع بالإنتصار المتحقق ويعلق ممازحاً: ما شاء الله، كنا في البداية نتوسل القوات، والآن بفضل الله القوات كلها وراءنا.
في اجتماعات التخطيط للعمليات، إختار أن يكون دائما آخر المتكلمين. يعطي الكلام بالدور للحاضرين مستمعاً إلى وجهات نظرهم. يستمزجها، ثم يدلي برأيه حاسماً النقاش من دون الحاجة إلى ممارسة سطوة القيادة في إصدار الأمر. كان يكفي أن يحمل القلم بيده الجريحة ويرسم على الخريطة منطقة العمليات المفترضة ومحاور التقدم الأولية إليها كي يسلّم الجميع بالمهمة طواعية، نزولاً عند عشقهم للحاج، لا عند إمرته لهم. غالباً ما كانت الدوائر التي يحددها لمنطقة العمليات شاسعة المساحة، بما يفوق توقعات الحاضرين. درجت في أعقاب ذلك دعابة وسط بعض المستشارين الإيرانيين تدعو إلى أن تكون مقاييس خرائط التخطيط المقدمة إلى الحاج دون «الواحد على عشرة آلاف»، كي تصغر مساحة الدائرة التي يرسمها لمنطقة العمليات.
بيجي، تشرين أول 2015. عند مشارف نهاية العمليات التي أفضت إلى تحرير المدينة ومحطيها الأوسع، يكون الحاج قاسم في خلوة استراحة قصيرة في أحد مقرات العمليات. يتسلل مقاتل إلى مكان استراحته، يقف بالباب، ويومئ إليه على خجل بوجود ثلة من رفاقه يرغبون بالتقاط الصور معه. يبتسم الحاج: «در خدمتيم» (بخدمتكم) وينهض من فوره، يرتب ثيابه ويخرج إلى المجموعة التي تنتظر في الخارج على أمل. يتوسطهم وتبدأ حفلة التصوير التي، كما في كل مرة يجري ضبط الحاج فيها بحضور كاميرا، لا تنتهي. الجنرال الذي يملأ صيته المشرق والمغرب، كان بين المقاتلين كأحدهم، يتودد إليهم، يمازحهم، يقبلهم، يأنس بهم، ويفيض بطاقة استثنائية لإشباع رغباتهم التواقة إلى التقرب منه، تقبيله وضمه، التصور معه، أو اغتنام شيء من أثره، عادة ما يكون شالاً على كتفه، أو خاتماً في إصبعه. لم يكن شيئاً غير مألوف أن تجده يركب دراجة نارية وراء أحدهم متفقدا وضعية القوات أثناء العمليات، أو في سيارة بيك آب، التي كان يفضلها على سيارات الدفع الرباعي الفخمة ويهرب من طوابير مواكبها التي تحرص، لأغراض حمائية، على الإلتصاق بحركته.
البوكمال، تشرين الثاني 2017. يتنفس الحاج قاسم بصعوبة. النزلة الصدرية التي ألمت به تزداد سوءاً، وتُخمد همته المستديمة على الحضور في الميدان. يلتحف عباءة عربية ويحزم رأسه بلفحة عربية أيضاً، ويجلس وعلى محياه الإعياء في احدى غرف مقره، مصراً على مواكبة سير عمليات تحرير المدينة. يرفض نصيحة الجميع بالذهاب للعلاج والراحة. ما هي إلا أيام وتنتهي العمليات بتحرير المدينة. يدعو إلى اجتماع موسع. ربما كان أحد الإجتماعات النادرة التي ضمت معظم مكونات القوات المقاتلة في محور المقاومة: عراقيون، سوريون، لبنانيون، إيرانيون، أفغان وباكستانيون. بارك في كلمته للجميع الإنتصار على داعش وأثنى على التضحيات معلناً إنجاز المهمة التي «بدأتموها قبل ثلاث سنوات ونصف». ينصرف الجميع، ويبدأ الحاج بإعداد نفسه للرحيل. قبل أن يغادر المنزل، يخط بيده رسالة لصاحب الدار التي كان اتخذها مقرا لإقامته، يبلغه فيها أنه أهداه صلاة ركعتين ودعا له بحسن العاقبة، ويطلب فيها منه مسامحته على اضطراره إلى استخدام المنزل ويطلب منه أن يتواصل معه على رقم الهاتف المدون أسفل الرسالة للحصول على التعويض الذي يرتأيه لإبراء ذمته. توقيع الرسالة: إبنكم وأخوكم، سليماني.

- القدس... قِبلته التي لا تتبدّل

- القدس... قِبلته التي لا تتبدّل

بقلم: عبدالرحمن نصار / الاخبار

في الحديث عن علاقة الشهيد الجنرال قاسم سليماني بفلسطين كلام طويل، وقصص مخبّأة ربما ستظهرها الأيام القريبة. لكن معرفة النزر اليسير منها يكفي لفهم ما كانت تعنيه فلسطين، والقدس خصوصاً، لقائد «فيلق القدس». وإن كانت علاقة سليماني بفلسطين قد بدأت منذ شارك في طلائع الثورة الإسلامية في إيران، فإنها أخذت مسارها عسكرياً وإدارياً سنة 1998، عندما استلم قيادة الفيلق، وهو جزء من «حرس الثورة»، خَلَفاً لأحمد وحيدي الذي أدار هذا الملف لسبع سنوات. منذ ذلك التاريخ وحتى استشهاده أمس، قاد سليماني الفيلق الشهير 21 سنة، شهدت خلالها فلسطين انتفاضة الأقصى الثانية (2000) التي تَلَتْها نقلة نوعية في قدرات المقاومة الفلسطينية، ما عادت خافية على أحد.

«تقريباً لا يوجد في فلسطين صاروخ، أو حتى بندقية، ليست عليها بصمة سليماني»، يقول قيادي في المقاومة. ربما يكون في ذلك مبالغة؟ يردّ القيادي: «من يعرف كيف كان يتعامل الحاج مع فلسطين لا يرى في هذا الكلام أيّ مبالغة... صحيح أنه يهتمّ بأدق التفاصيل في كلّ خطواته والمعارك التي خاضها، لكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين تصير التفاصيل عشقاً، لدرجة أنه كان يمكن أن تسأل الحاج الكبير، كما كنا نُكنّيه، عن شوارع في غزة أو جنين فيجيبك عنها». هذه التفاصيل هي التي قادت الشهيد إلى الإشراف شخصياً على إيجاد طريق للصواريخ والأسلحة كي تصل القطاع وتُغيّر المعادلات، التفافاً من الخليج إلى البحر الأحمر، فالقرن الأفريقي، مروراً بإريتريا ثمّ السودان حيث المصانع المُخصّصة لتجميعها، قبل أن تُرسَل إلى المقاومة عبر شبه جزيرة سيناء. كان هذا المسار الأول لرحلة الصواريخ قبل أن يُؤخذ القرار بأن تصنع غزة سلاحها بأنواعه. «عندما كان الوضع صعباً في سيناء، في مراحل عدة، وكانت المقاومة بحاجة ماسة إلى السلاح، غامر الحاج بفكرة أن تعبر السفن قناة السويس وتلقي الأسلحة ببراميل بعد دراسة التيارات البحرية الواصلة إلى غزة»، يروي القيادي، مضيفاً أن «المقاومين كانوا يدخلون مسافة قصيرة في البحر ويلتقطون غالبيتها... التوفيق الإلهي عاملٌ أساسي في عمل الشهيد سليماني، لكن الجنون والإبداع يحضران دوماً».
بعد خروج العدو الإسرائيلي من غزة عام 2005، صارت فكرة «تسلّل» الحاج إليها مطروحة عنده فعلياً. هل دخل إلى القطاع؟ «ثمة حديث عن دخول الشهيد عماد مغنية مرة. لا أحد يستطيع أن يؤكد هذا الشيء. لكن سليماني كان يذكر هذا الأمر كتمنٍّ، وأحياناً ما بين المزح والجدّ. الفكرة كان أمامها موانع كثيرة... عملياً لم تَقْوَ شوكة المقاومة وتبسط سيطرة فعلية على غزة إلا بعد سنوات»، يستدرك القيادي. مع ذلك، ما من قائد فلسطيني بارز، عسكري أو سياسي، إلّا والتقاه الحاج، لأنه كان معنياً بلقاء الكلّ من دون استثناء لأيّ طرف مهما كان حجمه الميداني والشعبي، والإصغاء إليهم في أدق التفاصيل. أكثر من ذلك، تَوسّط في حلّ عدد من الخلافات بين الفصائل في مراحل مختلفة. كان يشاركهم الطعام، ولم تقتصر لقاءاته معهم على إيران، بل جرت في سوريا ولبنان... «ودول أخرى»، بحسب القيادي نفسه.
كان الرجل متابعاً دقيقاً لكلّ ما يتعلق بفلسطين، ليس في الشؤون العسكرية والأمنية فقط، بل وأيضاً التاريخية والجغرافية وحتى التراثية. وقد أنشأ وحدات متعدّدة المهمّات في الملف الفلسطيني، مثل الإعلامية والسيبرانية والحرب النفسية... إلخ. «تابع كلّ شاردة وواردة في فلسطين. وكان عاشقاً للقدس وتاريخ المدينة... ربما يكون انشغل بسبب الحرب في العراق وسوريا وأيضاً اليمن، وأوكل جزءاً من مهماته إلى نائبه (إسماعيل قاآني، المسؤول عن الفيلق الآن) ومسؤولي الملفات المشهورين بأسمائهم المستعارة، لكنه في المحطات المفصلية كان حاضراً دائماً، ولم يُفوّت لقاء واحداً مع الفصائل الفلسطينية عندما كان يُطلب منه». يقول القيادي: «ثمة مثال بسيط على عمق العلاقة: لمّا قرّرَت حماس تعديل ميثاقها السياسي، بادرت بأن أرسلت إليه نسخة للاطلاع عليها بعد أن اعتمدها مكتبها السياسي، لكي تأخذ ملاحظاته قبل أن تعلن الميثاق».

لما أعلن ترامب القدس «عاصمة لإسرائيل» سارع سليماني إلى الاتصال بغزة

أما ما حصل عليه سليماني من تسهيلات كبيرة من القيادة السورية للمقاومة الفلسطينية، فكانت توازي ما أخذته تلك الفصائل تلقائياً من دمشق خلال سنوات العلاقة الطويلة بينها. إذ حصل الجنرال على إذن من الرئيس بشار الأسد لإجراء التجارب الصاروخية في البادية السورية، كما نال إذناً بهبوط طائرات على مدرج خاص في أحد المطارات العسكرية، من دون أن يسأل العسكريون السوريون عن هويات الآتين والخارجين، إلى جانب امتيازات أخرى كثيرة. وما هي إلا سنوات قليلة حتى أتى الاختبار الصعب: الحرب في سوريا. يجزم كلّ العارفين بالعلاقة أن سليماني لم يقطع، حتى في أسوأ مراحل التوتر بين «حماس» وإيران، التواصل مع الحركة، ولاسيما جناحها العسكري الذي استمرّ في تزويده بالسلاح والمال من دون تأخير أو منع. كان هذا ثابتاً أساسياً لدى سليماني: لا شيء يمنعنا من أن ندعم فلسطين حتى لو خضنا مواجهة مباشرة مع أيّ فصيل فلسطيني! وبمجرد أن انتهت المعارك الكبرى في سوريا، سارع الجنرال إلى تحسين العلاقات بين أطراف المحور كافة، فأصلح كثيراً منها وخفّض حدّة التوتر في أخرى، على أن يأخذ الوقت مداه في حلّ ما تبقى.
حتى الأسابيع الأخيرة، أجرى سليماني لقاءات مع عدد كبير من القياديين الفلسطينيين، العسكريين والسياسيين، دارساً معهم بالتفصيل احتياجاتهم الملحّة في ضوء الضغوط الاقتصادية المتصاعدة على محور المقاومة، ومُقيِّماً معهم المواجهات الأخيرة مع العدو الإسرائيلي. يستذكر قياديون أنه في الشهر الأخير من عام 2017، لما أعلن دونالد ترامب القدس «عاصمة لإسرائيل»، اتصل سليماني بقيادة «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، و«سرايا القدس»، الجناح العسكري لـ«الجهاد الإسلامي»، في غزة. كان الاتصال مباشراً و«حميمياً»، وفيه تأكيد من الحاج لاستمرار «الدعم المفتوح» لفصائل المقاومة كي تكون «جاهزة للدفاع عن المسجد الأقصى». لم يحدّد لهم الآليات والكيفية، كما العادة، بل قال إن «كلّ مقدّراتنا وإمكاناتنا تحت تصرفكم في معركة الدفاع عن القدس».

- إسرائيل «ترتاح» من أكبر الأعداء: أسئلة اليوم التالي


- إسرائيل «ترتاح» من أكبر الأعداء: أسئلة اليوم التالي

بقلم: يحيى دبوق/ الاخبار

لا جدال في أن الفائدة الاستراتيجية التي تحقّقت لإسرائيل، جرّاء الاستهداف الأميركي لقائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني، كبيرة جدّاً. إخراج الرجل من المعادلة يؤمّن لإسرائيل، وفق ما ورد في التقارير العبرية أمس، «الانفكاك عن أكبر أعدائها على مرّ كلّ الأزمنة». فائدة استراتيجية أخرى جنتها تل أبيب من اغتيال نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» في العراق، أبو مهدي المهندس، أحد القادة المتقدّمين الذين يثيرون خشية تل أبيب من أن يُخرجوا القوة العراقية الرافضة للاحتلال من حيّز الإمكان إلى الفعل.

لكن تلك الفوائد، على أهميتها، لا ترقى وحدها إلى التسبّب بتغيير فعلي في البيئة الاستراتيجية لإسرائيل، والتي باتت مشبعة بالتهديدات ومقبلة على مزيد منها. وهنا محلّ القلق الإسرائيلي الذي ينطوي عليه الترحيب بعملية الاغتيال. قلقٌ لا يرتبط فقط بإمكانية أن يكون الكيان العبري بين أهداف الردّ الإيراني، بل يتصل بنوايا الحليف الأميركي، وما إن كان مستعدّاً فعلاً للذهاب بعيداً في المواجهة مع إيران حتى كسرها. وفي هذا الإطار، تخشى تل أبيب من أن تكون خطة الإدارة الأميركية مقتصرة على هدف محدود: ردع إيران وحلفائها.
عملية اغتيال سليماني، بوصفه شخصية إيرانية وازنة واستراتيجية، ستجرّ حكماً، بحسب صحيفة «هآرتس»، ردوداً إيرانية بمستويات عالية، وهو ما لا يتساوق مع ذلك الهدف «الردعي». لذلك، ترى الصحيفة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يتسبّب فعلاً بحرب مع إيران، حتى من دون خطة معدّة مسبقاً. وفي الوقت نفسه، يمكنه العودة إلى الانكفاء. إلا أن إخراج الولايات المتحدة من «ورطة» التصعيد الأخير قد يلحق الضرر بمصالحها ومصالح حلفائها. قد تكون إسرائيل نجحت في دفع الولايات المتحدة، في نهاية المطاف، إلى مواجهة إيران بشكل مباشر، أو ساهمت في حملها - إلى جانب عوامل أخرى - على اتخاذ موقف عدائي متطرف تَجاوَز قواعد الاشتباك في العراق والإقليم. إلا أن الحسابات باتت اليوم متعلّقة بما سيلي الردّ الإيراني الذي تُقدّر إسرائيل، كما تسرّب عنها أمس، أنه آتٍ لا محالة.
في ظاهر موقف تل أبيب تهليلٌ عارم ورضا كامل عن التسعير الأميركي للمواجهة مع طهران، خصوصاً إذا ما كان اغتيال سليماني مقدّمة لخطوات لاحقة ضمن استراتيجية أميركية محدّدة مسبقاً، تستهدف إخراج إيران من العراق وسوريا والإقليم. لكن هل هذا هو الهدف الأميركي؟ لا إجابات إسرائيلية قاطعة، وإنما تقديراتٌ، لعلّ أبرز من عبّر عنها، أمس، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، الرئيس الحالي لـ«مركز أبحاث الأمن القومي»، اللواء عاموس يدلين. إذ رأى أن «إيران وأميركا غير معنيتين بأن تتسبّبا بحرب بينهما، على رغم أنهما تسيران حالياً على حافة المواجهة، علماً أنه في الديناميكية الاستراتيجية يُمنع الافتراض أن الخصم سيستمرّ في التصرّف كما في الماضي. استمرار الأمور على حالها مرهون بالردّ الإيراني، في حين أن الحفاظ على الردع الذي أُنجز، ومنع ردّ إيراني ضمن ضبط التصعيد، هو تحدٍّ استراتيجي للولايات المتحدة».

تخشى تل أبيب من أن تكون خطة الإدارة الأميركية مقتصرة على هدف محدود

في التسريبات العبرية أمس، ورد أيضاً أن إسرائيل كانت على علم مسبق باستهداف سليماني، بل إن عملية اغتياله شكّلت مادّة للأخذ والردّ في الزيارات والاتصالات المتبادلة بين الجانبين، ومن بينها ثلاثة اتصالات هاتفية أخيراً بين رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو (القناة 12)، ولذا «لم تفاجأ إسرائيل بالتصفية الدراماتيكية» لسليماني. لكن، مع ذلك، رفض نتنياهو الإجابة عن سؤال عمّا إذا كان على علم مسبق بالضربة، في ما بدا محاولة متجدّدة لضمان إبقاء إسرائيل بعيدة عن المواجهة الأميركية - الإيرانية. وكان نتنياهو قرّر قطع زيارته إلى اليونان، والعودة إلى فلسطين المحتلة، توازياً مع إصداره تعليمات إلى وزرائه بالامتناع عن التعليق خوفاً من التبعات. وفي حديث مع الإعلاميين حرص مكتبه على تعميمه، قال نتنياهو إن «للولايات المتحدة الحق في الدفاع عن مواطنيها ومصالحها»، مضيفاً أن «سليماني كان المسؤول عن مقتل العديد من المواطنين الأميركيين ومدنيين عزّل آخرين»، وأنه «خطّط للمزيد من الاعتداءات الإرهابية». ورأى أن «ترامب تصرّف بحزم وبقوة وبسرعة، وإسرائيل تقف إلى جانب الولايات المتحدة في النضال من أجل توفير الأمن والسلام والدفاع عن النفس».
من جهته، سارع وزير الأمن، نفتالي بينت، إلى عقد جلسة تقييم وضع في تل أبيب، بمشاركة رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، وكبار المسؤولين الأمنيين الآخرين، تَقرّر في أعقابها، بحسب مصادر عسكرية، رفع مستوى التأهّب العسكري على كلّ الجبهات، ولا سيما الجبهة الشمالية (لبنان وسوريا).

- الراقص على حبال الموت

- الراقص على حبال الموت

بقلم: هادي احمد/ الاخبار

فجر 12 شباط/ فبراير 2008، كان الوقت مناسباً لتنفيذ عملية الاغتيال. عندما نزل عماد مغنية من سيارته في منطقة كفرسوسة، رصد منفّذو العملية وجود شخص آخر إلى جانبه: لم يكن إلا قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني. تحدث الرجلان وقوفاً قليلاً، قبل أن يدخلا أحد الأبنية للاجتماع مع قادة فلسطينيين. أتيحت للموساد، يومها، فرصة لا تتكرّر لقتل الرجلين معاً. لكن المعادلات وقتها على الإسرائيليين عدم المساس بسليماني. انتظر المنفّذون خروجه من المكان وحيداً. فيما كان في طريقه إلى المطار، خرج مغنية من المبنى لتحين الساعة الصفر، ويتمّ الضغط على زرّ التفجير. أقلّ من 5 سنوات كانت كافية ليعبّر عدد من قادة الاستخبارات، الأميركية والإسرائيلية، عن ندمهم على تفويت تلك الفرصة، خصوصاً أن دور الرجل تطوّر حتى بات «الوحيد القادر على جرّ الجيش الإسرائيلي إلى حربه المقبلة»، بحسب تعبير رئيس الموساد السابق تامير باردو.

لم تكن تلك المرة الأولى ولا الأخيرة التي اقترب فيها سليماني من حافة الموت. الرجل، الذي عُيّن قائد لواء وهو لمّا يزل في الـ19 من عمره، وضعته الظروف على حافة الشهادة مرات عدّة، فضلاً عن إصابات بالغة تعرّض لها غير مرة، في إيران والعراق وسوريا ولبنان. مسافة صفر من العدو كانت أمراً معتاداً بالنسبة إليه. عام 2004، على الحدود اللبنانية - الفلسطينية، كان هو والحاج عماد وقياديون آخرون يتجوّلون على الحدود، متجهين صوب نقطة المنارة. اقتربوا لحظتها من السلك لمعاينة المشهد من هناك. توقفوا قليلاً، وبعد لحظات وصلت دبابة وآلية إسرائيليتان. ترجّل منهما الجنود سريعاً ووجّهوا الأسلحة نحوهم. لم يتزحزح أحد منهم، بل على العكس، قاموا هم أيضاً برفع الأسلحة بوجه الجنود. ساد صمت لدقائق معدودات لم يبادر فيها أحد إلى فتح النار، قبل أن يتراجع الإسرائيليون ويكملوا دوريتهم، ويبقى الحاج قاسم ومَن معه في مكانهم.
عام 2006، وبحسب ما يروي أحد قادة «سي آي إيه»، وصل الى الاستخباراتِ الأميركية تقريرٌ مفاده أن موكباً إيرانياً يضمّ سليماني يتجه نحو شمال العراق. جرى البحث سريعاً في القرار الذي يجب اتخاذه: هل نهاجم القافلة؟ هل نفجّرها؟ أم لا نفعل شيئاً؟. «كنا متأكدين 100٪ أن قاسم كان هناك»، يقول القائد المذكور، مضيفاً أنه «كانت لدينا مشروعية ملاحقته وتصفيته». انتظر الأميركيون حتى يصل الموكب مكاناً يمكنهم فيه السيطرة عليه. اعتقلوا خمسة أشخاص أقرّوا لاحقاً بأنهم دبلوماسون إيرانيون، لكن سليماني، الذي كان على متن الموكب بالفعل، «باغتنا ونجح في الخروج منه من دون أن نتمكن من رؤية ذلك»، وفق المسؤول الأميركي.

لم تكن واقعة 2008 المرة الأولى أو الأخيرة التي اقترب فيها سليماني من حافة الموت

في سوريا، وبعد دخول معركة القصير أسبوعها الثاني، زار سليماني غرفة العمليات للاطلاع على مسار المعركة. أُفردت له خريطة العمليات. لكنه أراد أن يعاين المشهد بنفسه. طلب الوصول إلى مركز بلدية المدينة، خطّ التماس الأخير. تَقدّم مع قائد المعركة رويداً رويداً داخل القصير، وكلّما كان القائد يطالبه بالاكتفاء، كان يطالب بالمزيد، علماً أن السيد حسن نصر الله أوصاه شخصياً بألا يخاطر بنفسه. لكنه سليماني ظلّ مصرّاً على الوصول إلى أقرب نقطة، أي على بعد أمتار من المسلّحين. هناك، وقف بارتياح، ليوصي بإقامة غرفة عمليات متقدّمة تكون أقرب إلى مجريات المعركة.
تعرّض لمحاولات أخرى سابقة ولاحقة أدّت إلى جرحه. كما تعرّض لمحاولات اغتيال أثناء معالجته في المستشفيات. أثناء الحرب الإيرانية - العراقية، تعرض لإصابة بليغة في صدره. ينقل الدبلوماسي صادق خرازي أن أحد أنصار «المنافقين»، وكان يرأس غرفة العمليات، أبقى صدر سليماني مفتوحاً ليزداد وضعه صعوبةً، قبل أن تنتبه ممرضة للأمر وتبلغ المعنيين. محاولات كثيرة، جميعها باءت بالفشل، قبل أن يقضي «الحجي» في كمين الفجر في بغداد.

- «عماد مغنيّة» شهيداً...

- «عماد مغنيّة» شهيداً...

بقلم: قاسم قاسم/ الاخبار

خرجت صورة قائد قوة القدس قاسم سليماني للمرة الأولى إلى العالم بعد عام 2008، عقب استشهاد صديقه القائد العسكري للمقاومة الإسلامية في لبنان الحاج عماد مغنية. ينقل عارفو سليماني أن خروجه إلى الضوء جاء كردة فعل على استشهاد مغنية.

العلاقة بين الرجلين عاينها العدو بعينه. يروي الصحافي الإسرائيلي رونين برغمان في كتابه «انهض واقتل»، أنه صبيحة اغتيال الحاج رضوان، في 12 شباط 2008، رصدت أعين الاستخبارات الإسرائيلية مغنية واقفاً مع صديقه الحاج قاسم بالقرب من السيارة المفخخة. بحسب الكاتب، لم تسمح الإدارة الأميركية بقتلهما معاً لاعتبارات عدة، بينها أن قتل سليماني قد يؤدي إلى حرب مع إيران، وأنه يريد ضمان «قتل الهدف». بعد اغتيال مغنية، احتفظ سليماني بـ«الكنزة» السوداء التي كان يرتديها الحاج عماد لحظة استشهاده. وضعها في صندوق زجاجي في صالون بيته في طهران. فوق الصندوق، ثبّت لوحة عليها صور قادة وشهداء إيرانيين ولبنانيين (بينهم السيد موسى الصدر والسيد حسن نصر الله) وفلسطينيين وعراقيين وأفغان، والثائر الليبي عمر المختار. مرات عدة، عبّر الحاج قاسم عن اشتياقه للحاج رضوان، وكيف أنه باستشهاده فقد صديقاً من الصعب تعويضه. كان يشير إلى كنزة صديقه ويطلب من زائريه التدقيق في الثقوب التي خلفتها الكرات المعدنية التي اخترقت جسده. اعتاد الحاج قاسم استرجاع لحظة استشهاد مغنية، وكيف وجده أحد رفاقه ساجداً. أحب سليماني إخبار زائريه عن علاقته بمغنية ولم يقدر على منع انسياب الدمع خلال حديثه عنه. بعد استشهاد الحاج رضوان، أصبح سليماني فرداً من عائلة مغنية. اعتبر نفسه مسؤولاً عنها.
بعض أفراد عائلة الحاج عماد كانوا قد التقوا سليماني سابقاً، لكنهم لم يكونوا يعرفون هويته. كل ما عرفوه عنه أنه «صديق عماد». إبان حرب تموز ــــ آب 2006، شاهدت زوجة الحاج عماد، سعدى بدر الدين، قاسم سليماني مع زوجها عندما كانا يحضران لتسلّم الطعام منها، في نقطة متفق عليها مسبقاً في الضاحية. كانت تنظر إليهما، متسائلة عن الرجل الذي لا يفارق زوجها والذي يُحتمل أن يقتل معه في أي لحظة. لم تعرف أنه قاسم سليماني إلا ما بعد استشهاد رفيق عمرها.
في الآونة الأخيرة، استذكر الحاج قاسم بعضاً من أيام حرب تموز التي قضاها في لبنان برفقة الشهيد مغنية والسيد نصر الله. في إحدى المرات، كان الموت قاب قوسين أو أدنى من الثلاثة. خرجوا من المكان الذي كانوا فيه، تظلّلوا بشجرة كبيرة بعدما شعروا بأن مقرهم في الضاحية الجنوبية لبيروت سيستهدف. طلب عماد من سليماني حماية السيد نصر الله. غاب لدقائق وعاد يقود سيارة. صعدوا فيها، ولحظات حتى انهمرت الصواريخ الإسرائيلية مستهدفة المكان الذي كانوا فيه. قاد الحاج عماد السيارة بسرعة كبيرة حتى وجد الثلاثة أنفسهم في منطقة بعيدة جداً. انتبهوا إلى أنهم ابتعدوا كثيراً عن الخطر، فكانت ردة فعلهم الضحك. يسرد الحاج قاسم هذه الرواية، ويختمها بابتسامة قائلاً: «ما لا يفارق ذهني وما لم أتمكن من سؤال عماد عنه، هو من أين أتى بالسيارة؟».
بعد الحرب، توطدت علاقة سليماني مع عائلة مغنية، وخصوصاً أنه في مرات عدة رافق الحاج رضوان وانتظره للانتهاء من لقاء عائلته. بعد استشهاد مغنية، حرص سليماني، خلال زياراته لبيروت، على لقاء أفراد العائلة والاطمئنان إلى أحوالهم، ومتابعة تفاصيلهم اليومية. بدورها، عائلة الحاج عماد اعتبرت سليماني واحداً منها. فلطالما كانت الحاجة آمنة سلامة (أم عماد)، تعاتبه، لمخاطرته بنفسه، ولعدم نيله قسطاً كافياً من الراحة والنوم.
عند استشهاد جهاد عماد مغنية، شعر سليماني بأنه فقد ولده. جاء إلى منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقف مستقبلاً المعزّين، متجاوزاً المخاطر التي أحاطت بعد التهديدات الإسرائيلية باستهدافه بسبب العمل العسكري على جبهة الجولان. ليلة استشهاد «جهاد الكبير» (كما تلقّبه عائلته)، توجّه سليماني إلى قبره، وانتشر له فيديو وهو يقرأ القرآن على قبره. في إيران، وعلى مدى يومين، أقام مراسم العزاء وتقبّل العزاء برحيل جهاد.
في الذكرى السنوية العاشرة لاستشهاد الحاج رضوان، أطلق الحاج قاسم العنان لنفسه للحديث عن صديقه. عند سؤاله: لماذا قررت الآن الحديث عن مغنية؟ كان يجيب أنه يحب الحديث عنه، لكنه يخاف أن لا يفيَه حقه. تحضيراً لمهرجان الذكرى السنوية العاشرة، تابع سليماني التفاصيل، وسأل عن المتحدثين في الحفل، والأناشيد التي ستتلى، وأين سيجلس الحاضرون، وكان فرحاً على غير العادة. بعد الاحتفال، قال لمن التقاه في بيته إنه يتمنى أن يكون قد أعطى الحاج عماد بعض حقه.
عند وفاة الحاج فايز مغنية عام 2017، سارع الحاج قاسم إلى الاتصال لتقديم واجب العزاء. المعارك الدائرة في سوريا والعراق منعته من الحضور، لكنه كان حاضراً في التفاصيل، للتأكد من إجراء مراسم العزاء على أكمل وجه. عند مرض الحاجة آمنة، كانت المعارك في العراق على أشدها. ولدى دخولها في غيبوبة، اتصل طالباً وضع الهاتف على أذنها. فضول الحاضرين دفعهم إلى فتح مكبر الصوت لسماع ما سيقوله لها. عبّر لها بصوته المتهدج عن محبته لها وحاجته إليها، قائلاً لها «نحن بحاجة لنصيحتكم ودعائكم».
عند وفاة الحاجة آمنة، حضر الحاج قاسم إلى بيتها معزياً. طلب من عائلتها سجدة من سجدات الصلاة التي كانت تصنعها بيديها، حملها واختار واحدة كانت آثار أصابعها وبصماتها عليها.
يقول من التقى الحاج قاسم، قبل ساعات من اغتياله في العراق، إنه كان هادئاً على غير العادة، وما لفتهم إطالته في الصلاة والدعاء أكثر من المعتاد. مع انتشار خبر استشهاده، لم تفقد «الحكيمة» (اللقب الذي كان يطلقه على زوجته) وأولادها أباهم فقط. فقدت عائلة عماد مغنية مرة أخرى أباً وأخاً. بالنسبة إليهم، عماد استشهد مجدداً.

- اسرائيل قدمت الأسباب الموجبة: لم نعد نتحمل والأعداء على باب الدار | مقامرة أميركا: اللعب باسم كلّ الوكلاء

- اسرائيل قدمت الأسباب الموجبة: لم نعد نتحمل والأعداء على باب الدار | مقامرة أميركا: اللعب باسم كلّ الوكلاء

بقلم: ابراهيم الامين / الاخبار

ماذا يعني أن تتّخذ حكومة أكبر وأقوى دولة في العالم قراراً وتنفّذه عنوانه: اغتيال القائد العسكري العام لمحور المقاومة قاسم سليماني؟

منطقي أن يقفز الى الذهن، مباشرة، افتراض أن أميركا مستعدة للذهاب الى أبعد الحدود. وإذا ما جرت استعادة ضربة القائم قبل أيام، والتنكيل بعشرات المقاتلين في نقطة تخصّ مريدي سليماني، يمكن تثبيت الصورة بالقول إن أميركا تقول لإيران وحلفائها: اسمعوا، أنا مستعدة للذهاب الى أبعد مما تعتقدون، فاعقلوا!
هذا يعني، ببساطة، أن الرسالة وصلت. وهذا يعني أن الأميركيين تعبوا وملّوا من كل أنواع الرسائل الملتوية. هم لا يقفون كثيراً عند اتهامهم بالفشل. أصلاً، لا أحد يحاسبهم. لذلك، يمكنهم أن يجربوا مرة ومرتين وألف مرة، فإذا ما نجحوا احتفلوا، وإذا فشلوا تراجعوا ليعاودوا الكرّة من جديد. في حالة إيران ومحور المقاومة، تعب الأميركيون من كل محاولات الهدم. لا حروب إسرائيل نفعت في سحق عظام حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين ولبنان، ولا كل مجانين العالم مدعومين بكل استخبارات العالم وجيوشه نجحوا في إسقاط سوريا. ولا كل الفشل السياسي والاقتصادي والوجود العسكري نجح في إمساكهم بكل العراق، ولا كل همجية آل سعود وأقرانهم من أمراء الصحراء نفعت في تركيع اليمن. وفوق كل ذلك، يرفع هؤلاء الأعداء رؤوسهم، ويعملون للمزيد، يبذلون كل الجهود العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية لتحقيق «معدلات عالية من نموّ القوة»، الأمر الذي يعرف الإسرائيليون ومعهم عرب أميركا معنى أن يتحوّل ذات صبيحة الى فعل متكامل...
بهذا المعنى، يمكن فهم خلفية القرار الأميركي باغتيال القائد سليماني، ومعه أبرز قادة المقاومة العراقية أبو مهدي المهندس. وبهذا المعنى، يمكن التعامل مع ما يحصل على أنها عملية «تصفية حساب بمفعول رجعي»، قامت بها الولايات المتحدة بالأصالة عن نفسها، وبالنيابة عن كل حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل والسعودية.
ولمن لا يعرف ما الذي كان يحصل خلال العامين الماضيين، يمكن أن ندلّه على خطاب استراتيجي ألقاه رئيس أركان جيش العدو الجنرال أفيف كوخافي، قبل نحو أسبوعين في هرتسيليا، قدم فيه ما يمكن وصفه اليوم، بـ«الأسباب الموجبة لعملية الاغتيال».
الجنرال الإسرائيلي اختصر المشهد الإقليمي لناحية المخاطر التي يشكّلها محور المقاومة بكل أطرافه. وهو أشار مراراً الى قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، ودورها في رفد فصائل المقاومة بالعتاد النوعي، ليخلص إلى أن المطلوب توجيه ضربة ردعية لهذا الطرف. وهو ما يعيد الى الأذهان كلاماً تردّد مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة، عن رغبة أكيدة للعدو بتصفية اللواء سليماني.
قال كوخافي: «يوجد تغيير وتفاقم في التهديدات في كل المناطق التي تحيط بإسرائيل في الدائرة الأولى، وزيادة كبيرة في النشاطات السرية التي تركّز في الأساس على منع تعاظم قوة القدس في سوريا ومنع تهديد الصواريخ الدقيقة. سنواصل العمل في كل الدوائر وكل الدول». وانتقد بحسرة غياب ردود الفعل من دول الخليج والولايات المتحدة حيال الهجمات الإيرانية على منشآت النفط، مشيراً الى أنه «كان من الأفضل بكثير لو لم نكن وحدنا». وهو قال بعبارات واضحة وشفافة: «عندما تجتمع التكنولوجيا المتوفرة مع أفراد متطرفين وأعداء لدودين، لست بحاجة إلى صناعة عسكرية أو قوة سياسية لتعطيل الـ«GPS»، أو لامتلاك قدرة اختراق في السايبر. والصناعة العسكرية الإيرانية أكبر من كل الصناعات الأمنية في إسرائيل». كما كشف كوخافي أن قوة القدس في سوريا وحزب الله تمتلك أجهزة لتعطيل موجات الـ«spectrum»، وصواريخ الدفاع الجوي، و«نحن نبذل جهداً كبيراً لعدم السماح لأعدائنا بالتجهز بسلاح دقيق، وسنقوم بذلك بشكل سري وعلني وأيضاً بالمجازفة بمواجهة. وستكون هناك حالات تجازف فيها إسرائيل حتى عتبة المواجهة من أجل إحباط الصواريخ الدقيقة في الوقت المحدد»، وستواصل هذا النشاط لمنع تمركز «قوة القدس» في سوريا ومنع تهديد الصواريخ الدقيقة في كل أنحاء الشرق الأوسط.
وسط هذا المستوى العالي من الحافزية الإسرائيلية، لم يتعب الفلاسفة العسكريون في ابتداع المصطلحات التي توفر حلولاً لعقدة أن العدو غير قادر على شن حرب شاملة الآن. قالوا، في فترة سابقة، إن عدم حصول الحرب لا يمنع حصول «معارك بين الحروب». وعندما احتدمت المواجهات داخل دول الطوق، صاروا يتحدثون عن «مواجهة» أو «صدام» ما يمنع أحداً من الذهاب نحو الحروب. ومع فشل كل تجربة، ابتدع الفلاسفة إياهم الآن مبدأ «الأيام القتالية»، أي تلك التي تشير الى احتمال حصول مواجهة عسكرية تستمر لفترة زمنية وجيزة، ولا تستخدم فيها كل الأسلحة، وتنتهي بفرض وقائع جديدة أو قواعد لعبة جديدة.

ما يحصل عملية «تصفية حساب بمفعول رجعي» قامت بها الولايات المتحدة أصالة عن نفسها ونيابة عن كل حلفائها وفي مقدمهم اسرائيل والسعودية

عملياً، استنتج الأميركيون أن إسرائيل وبقية حلفائها لم يعودوا قادرين على القيام بالمهمة وحدهم. هي المرة الأولى التي تعرف فيها أميركا أنها معنية بالقيام بالعمل مباشرة. الآن، لن نسمع كلاماً عن أموال ودعم وبدل حماية وخلافه. الآن، أميركا تريد أن تحمي مصالحها، وتحمي حلفاءها الذين هم جزء من مصالحها. ولذلك، فإن فهم الواقع السياسي كان يقود الى أن الأميركيين ومعهم إسرائيل والسعودية في وارد القيام بأمور كثيرة لتحقيق أهدافهم. لكن، هل كان أحد يقدّر بأن يقدموا على ضربة كالتي حصلت أمس؟
لنضع جانباً كل التحليلات والتكهّنات. ولنتوجّه مباشرة صوب النتائج العملانية لما حصل. واشنطن تقول إنها مستعدة للعبة كبيرة جداً. وهي تحشد قواتها في البحر وفي قواعدها كافة، وتبعث برسائل نارية ودبلوماسية، قائلة إنها تريد «تأقلم إيران وأنصارها» مع الواقع الجديد. أي أن أميركا قالت، بعد اغتيال سليماني، إنها فرضت واقعاً جديداً على الأرض، وعلى إيران الإقرار به، وإذا ردّت إيران فستردّ أميركا بما هو أقسى...وعند هذه النقطة، يصبح الكلام مجرد هذيان!
الواضح أن الأميركيين، عندما اتخذوا القرار، اعتبروا أن إيران ليست في وضع يسمح لها بالمواجهة الشاملة. وبالتالي، يراهنون على أن الرد الإيراني سيكون موضعياً بما لا يدفع نحو مواجهات كبيرة. في هذه الحالة، ستتصرف أميركا على أساس أنه تم ردع إيران، وأن العراق سيكون ساحة خالية لها، وأن المعادلات التي تحكم الواقع في سوريا ولبنان ستتغير هي أيضاً.
ولأن الأميركيين يعرفون أن إيران ستردّ، عمدوا الى توجيه الضربات القاسية جداً للقول إنهم لا يناورون، وإنهم مستعدون للذهاب أبعد من ذلك. وهذا يعني، بحسب طريقة تفكيرهم، أن إيران ملزمة بحساب جديد. ولكن، هل فهم الأميركيون ما معنى أن يقوم مرشد الثورة الإيرانية بالتصدّي شخصياً لإدارة الملف من ألفه إلى يائه، وأن يضع في بيان مجلس الأمن القومي عبارة عن الرد الحتمي والقاسي، وأن يعمد مساعدون له الى التوضيح بأن الردّ لن يكون في ساحة محددة؟
ربما نجد عند الأميركيين والإسرائيليين، من يعتقد بأن بيانات طهران أو ردود فعل فصائل المقاومة تعبير عن غضب منطقي. وهنا، قد يكون مناسباً شرح جانب من الأمر:
ذات مرة، وصف صحافي غربي رجال حزب الله في لبنان بأنهم «مجانين الله». العبارة، كانت تخفي إعجابه، ليس بقدرات هؤلاء ولا بتعلمهم، بل في جرأتهم المحاطة بدرجة عالية من الحرفية والعلم. وميزة هذا النوع من «الجنون» أنه موجود في عقل قادة محور المقاومة. من السيد الخامنئي نفسه، الى الرئيس بشار الأسد في سوريا، الى السيد حسن نصر الله في بيروت، وصولاً الى قادة المقاومة في فلسطين واليمن. وهؤلاء، يحسبون الأمر من زاوية أن العقل يوجب الهدوء والتروّي، لكن الثبات يوجب الردّ على العدو بما هو أكثر إيلاماً. ولذلك، فإن المحسوم، عند هذا المحور، ليس أصل الرد فقط، بل الاستعداد أيضاً للذهاب أبعد مما تتصور أميركا نفسها. لأن الرد ليس هدفه الانتقام على الطريقة العشائرية، وإنما الردع. وهذا يعني، ببساطة، أنه مثلما قررت أميركا، بالنيابة عن كل أشرار العالم، أنه حان وقت الحساب مع قادة محور المقاومة، فإن من بيدهم الأمر عندنا قرروا، منذ وقت طويل، أنه وقت الحساب المفتوح مع قادة الشر في العالم. ومن يسعى الى الفوز، ينظر الى ما هو فوق الجباه لا إلى ما هو تحت النعال...
الرد على عملية الاغتيال هدفه القول للأميركيين وحلفائهم، وخصوصاً إسرائيل، إنه «لا يحق لكم الاستمرار في احتلالكم، ولن نسمح لكم بمواصلة عدوانكم، ولن نترككم من دون عقاب»!
شمشون الجبار أسطورة قابلة للتعديل. يمكن إضافة قليل من الحكمة والعقل، ثم دع للخالق أن يتصرّف في خلقه بما يريد!

- بعد استشهاد الجنرال سليماني
أميركا لن تكون… إلاّ في وضع أسوأ

- بعد استشهاد الجنرال سليماني
أميركا لن تكون… إلاّ في وضع أسوأ

بقلم: معن حمية / البناء

ارتكبت الإدارة الأميركية خطأ فادحاً وحماقة كبيرة حين قرّرت اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس وآخرين، ذلك أنّ الجنرال سليماني ليس قائداً عسكرياً فذاً وحسب، بل كان صانعاً للحدث، وهو الذي ارتبط اسمه بنجاحات وانتصارات حققتها قوى ودول المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق والشام. أما المهندس ومن موقعه في قيادة الحشد الشعبي، فكانت له اليد الطولى في دحر الإرهاب عن معظم أرض الرافدين.

ما هو مؤكد، أنّ الإدارة الأميركية اتخذت قرار الاغتيال عن سبق تهوّر وجنون، ولم تحسب العواقب جيداً. فاللواء سليماني بما كان له من دور وحضور وتأثير على أكثر من ساحة وصعيد، سيكون في استشهاده صانعاً للحدث، كما في حياته، والعاقبة على الأميركيين قد تكون أشبه بـ “فالق زلزالي” يُطبق على كلّ القواعد الأميركية في المنطقة.

وإذا كان عدوان الولايات المتحدة الأميركية على مواقع الحشد الشعبي العراقي في مناطق الأنبار والقائم قبل نهاية العام 2019، سرّع في اتخاذ المقاومة قرارها بطرد القوات الأميركية من العراق، فإنّ عملية اغتيال اللواء سليماني والمهندس، جعلت خط انسحاب الجنود الأميركيين متعذراً، لا بل إنّ هؤلاء الجنود ربما أصبحوا من الآن رهائن في مرمى نيران قوى المقاومة، إلى أن تدفع الولايات المتحدة ثمن حماقتها وأن تخضع لشروط دول وقوى المقاومة، وأن تسلّم بالواقع الجديد، الذي أسقطها عملياً من موقع القوة الأولى في العالم وقوّض مخططاتها من صفقة القرن الى مشروع الهيمنة على المنطقة.

بالتأكيد، هناك مَن يعتبر أنّ اغتيال الجنرال سليماني ومهندس الحشد إثباتٌ على قوة الولايات المتحدة الأميركية في الرصد الاستخباري وفي تنفيذ عمليات اغتيال كبيرة. هذا صحيح. ولكن هل تستطيع أميركا بكلّ قوّتها أن تمنع رداً قوياً وربما ردوداً كثيرة منتظرة على عملية الاغتيال؟

الردّ على عملية الاغتيال آتٍ لا محال، وحجم الردّ وقوته سيرسمان معادلات جديدة وسيثبتان أنّ جنوح أميركا نحو التصعيد غير المسبوق واستدراج المنطقة الى الحرب، هو آخر أوراق أميركا. فالحرب إنْ اندلعت ستطال حلفاء أميركا وأتباعها وفي مقدّمهم العدو الصهيوني، وستشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليّين. وهذا يحتّم دخول أطراف دولية على خط الصراعات بما يسرّع صياغة نظام دولي جديد متعدّد القطبية.

لا شك في أنّ قواعد الاشتباك في عموم المنطقة قد تبدّلت، وانّ ما كان ممكناً من خروج آمن للقوات الأميركية، صار مستحيلاً، لأنّ الإدارة الأميركية تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء.

الواضح أنّ التصعيد الأميركي يعكس فشلاً ذريعاً لسياسة العقوبات والحصار الاقتصاديين وكذلك فشلاً في استثمار الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في العراق ثم في لبنان على أثر نجاح الحشد الشعبي والجيش السوري في فتح معبر القائم، غير أنّ التصعيد الذي ترجم بقصف الحشد الشعبي ثم باغتيال سليماني والمهندس سيرتدّ فشلاً لا بل هزيمة أميركية مدوية، وبالتالي فإنّ ما بعد اغتيال سليماني ليس كما قبله، ولن تكون أميركا ومعها العدو الصهيوني إلا في وضع أسوأ…

- اغتيال سليماني خطأ استراتيجي وعواقبه استراتيجية

- اغتيال سليماني خطأ استراتيجي وعواقبه استراتيجية

بقلم: سماهر الخطيب / البناء



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 146 / 2184545

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ملفات  متابعة نشاط الموقع ملف في الموقف   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2184545 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40