السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) 2019

لماذا يجري إخضاع الأدب العربي للمناهج الغربية؟

د. أحمد جبر
السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) 2019

للغة العربية منابع وغدران وعيون تتفجر بلاغة وبيانا وسحرا، ولها من الصيغ والتراكيب ما عز وندر في غيرها، ولها أصواتها الخاصة بنغماتها وبموسيقاها التي تظهر مع النطق بكل حرف وكلمة وجملة، لغة تكره الساكن ، وان تصدر الساكن الكلام حرّكته حتى يكون له صوته مسهما بذلك في إحداث وانجاز سلمها الموسيقي. وللأسف الكبير فقد وقعت هذه اللغة الأم فريسة لبعض الدراسات والمناهج غير العربية وتم استدراج الأدب العربي لذلك الشرك الذي يجعل منه تابعا و ضحية، من خلال إخضاعه لنظريات الغرب الأدبية والفكرية، وحتى علم اللغة والأصوات لم يسلما من ذلك.
الأدب تراث خاص وملكية خاصة للأمم، وقيل بأن الأدب مرآة الأمة؛ وهو إنتاج يأتي بمواصفات وبمقاييس أممية وشعبية إن تقاطعت فما تطابقت، ذلك أن الأدب يعبر عن المشاعر والانفعالات والأحاسيس إضافة إلى منظومة المعتقدات والقيم والمثل؛ فإلى متى يصر البعض على ربط عجلة الأدب العربي وفنونه المتنوعة في العصر الحديث بعصر النهضة وبحملة نابليون، وبما جرى من احتكاك بين الشرق والغرب ويبحثون عن مسوغات ومبررات لذلك؟ وما هي الظواهر الأدبية والأشكال الفنية التي استجدت في الأدب العربي بتأثير غربي ؟ فحين نتحدث على القصة سنجد جذورها ضاربة في تراث الأمة وهكذا الحال عند بقية الأمم التي أنتجت من القصص ما يلائمها ويلبي حاجاتها الروحية، وكذلك الروية والسيرة والرسالة، وحتى المسرحية التي حفل الأدب العربي بمشاهد منها بالإضافة إلى ما يمكن أن نشير إليه في هذا المجال من فنون شعبية كما هو الحال في صندوق العجب أو الدنيا.
لا شك بان هنالك تأثيرا وتأثرا متبادلا بين الأمم والشعوب وهناك حوارا للحضارات ومثاقفة أيضا ، ولكن هل يسوغ ذلك لقراءة أو دراسة آداب الأمم وفق مناهج تناسقت وتساوقت مع آداب أمم أخرى ؟ بمعنى هل تنسحب المناهج النقدية الغربية على الأدب العربي مثلا ليدرس استنادا إليها ؟ لو أقدم العالم على توزيع التراث العالمي لكان الأدب من نصيب الأمة العربية بدون منازع, وهذا لا يلغي الأعمال الإبداعية للأمم الأخرى فالشعر مثلا هو فن العرب الأول والعرب هم فرسان الكلمة حتى إن معجزتهم كانت تكمن في الكلمة، وقد تسربت المئات من جذورها إلى اللغات الأخرى.
إن الأدب العربي ليس فرعا من فروع الآداب الغربية أمريكية كانت أم روسية أم فرنسية أم انجليزية أم سويسرية ، وحتى علم الأصوات العربية أخضعه البعض للدراسات الغربية ولنظرياتها بما في ذلك المأثورات الشعبية التي تعد جزءا أصيلا من الهوية الشعبية ، فان كانت الأمم خاضعة لتيارات فكرية وثقافية في مرحلة من مراحل ضعفها فان ذلك لا ينسحب على تراثها الأدبي واللغوي الذي أصّل له العرب من أزمنة قديمة بل وسبقوا الغرب في الحديث عن تلك العلوم فالجرجاني في نظرية النظم والكلام والتركيب سابق لدي سوسير وكذلك النقاد والأدباء العرب الأعلام أمثال الجاحظ وابن قتيبة وحازم القرطاجني وابن طباطبا والعسكري وابن المعتز والمبرد وابن جني وابن سينا، بل إن من المشاهير في الآداب الغربية تحدث عن تأثره الكبير بألف ليلة وليلة وغيرها من الإبداعات الأدبية العربية.
إن الاستمرار في هذا النهج يؤكد أن الأمر خاضع لمزاجية بعض الأذهان العربية وارتباطها بشكل أو بآخر بالفكر الغربي وبأدبه الذي يناسبه هو، كما يشير إلى تبعية عمياء للثقافة الغربية، ولتأثيرها القوي بل وسيطرتها على الذهنية العربية، إن الأدب مرآة الأمة ومشاعر الأمة وأحاسيسها وهو انفعالاتها التي لا يمكن أن تكون غربية أو شرقية فما ناسب الغرب لا يناسب الأدب العربي لذلك نحن بحاجة ماسة إلى تأصيل علومنا الأدبية فالأدب هو الأمة بهويتها وبمشاعرها تماما، ويكفي العرب فخرا أن المولى عز وجل قد اصطفى لغتهم لتكون بها آخر رسالاته السماوية مجريا إياها على لسان من اصطفاه ليكون آخر الأنبياء والرسل، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2184611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع مواد  متابعة نشاط الموقع مقالات ومحطات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2184611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40