الجمعة 23 آب (أغسطس) 2019

أثر المعاناة الفلسطينية على الأدب

د.سناء أبو شرار
الجمعة 23 آب (أغسطس) 2019

يعتبر الأدب أحد المقومات الأساسية لهوية الشعوب، بل قد تنقرض الأمم ولا يتبقى منها سوى قصص قصيرة أو قصاصات أدبية وربما روايات طويلة؛ فالأدب هو ذاكرة الشعوب الشعورية والنفسية؛ وحين يمل الأطفال من أحاديث الكبار، تجذبهم القصص وتيقظ في نفوسهم مشاعر الانتماء وبغض الخيانة والتمسك بالجذور.
ومعاناة الشعب الفلسطيني تركت بصماتها العميقة والمؤلمة على الأدب الفلسطيني، فلا يستطيع أي كاتب فلسطيني أن يكتب دون أن تتراءى له فلسطين عبر السطور، فهي ليست قضية مكان فقط بل قضية جذور وهوية وانتماء واقتلاع. لقد شكلت القضية الفلسطينية نوعاً نادراً من البشر مُقتلعي الجذور ولكنهم لا يعيشون دون هذه الجذور لأنها جذور لا ترتبط بالأرض فقط بل تنغرز عميقاً في الروح والعقل والنفس، ولهذا تركت القضية الفلسطينية آثار لا تزول في الأدب الفلسطيني؛ وحتى حين لا يكتب الأديب الفلسطيني عن فلسطين، تتسلل فلسطين عبر كلماته وروحه، فنراها قابعة خلف الكلمات وحتى خلف الموضوع الذي يكتب عنه ولو لم يكتب عن فلسطين.
ما لا يدركه الاحتلال الصهيوني أو ما يريد تجاهله ولا يستطيع مواجهته هو هذا الانتماء العقلي والروحي، فرغم اقتلاع الفلسطينيين وتشريدهم في البلاد يبدو وكأنهم لا يزالون يقيمون في أرضهم، يبدو وكأنهم لم يغادروا، فيحارب المحتل من بقي على الأرض ويحارب أيضاً حلم من يعلم بأنه سوف يعود.
ولكن ورغم الأثر الكبير للمعاناة الفلسطينية على الأدب، فلا يجوز أن يقتصر الإبداع الأدبي على واقع القضية الفلسطينية وإلا فُقدت الهوية الأدبية للمجتمع الفلسطيني وهي من أهم مقومات وجوده بل وإثبات وجوده ففلسطين ليست فقط الأرض الواقعة تحت الاحتلال بل هي أيضاً تاريخ ومجتمع له جذوره شديدة القدم. لذلك لابد من إحداث فرق بين أدب القضية الفلسطينية والمتأثر بمعاناتها، وبين الأدب الفلسطيني القديم والحديث؛ لأن الاحتلال ومن ضمن أهدافه ألا يوجد أدب فلسطيني وأن يتم طمس هذا التاريخ الشعوري والنفسي من الكتب ومن الصدور.
لقد مهدت الصحافة الغربية مع اللوبي الصهيوني لاستقبال بارد لأدب القضية الفلسطينية لأنه جزء المقاومة النفسية والاجتماعية؛ ولكن الأدب الفلسطيني بمفهومه الشامل والإنساني أصبح بقدر أهمية القضية الفلسطينية ولا يجب تقليص مساحة هذا الأدب لأنه أكثر قرباً وتأثيراً على الشعوب الأخرى كما أنه جزء من الهوية الفلسطينية التي يحاول الاحتلال الصهيوني طمسها عبر التأكيد بأنه لم يكن هناك شعب على هذه الأرض، فالاحتلال قد حصن نفسه محلياً ودولياً ضد أدب المقاومة، ولكنه لن يستطيع بأي شكل من الأشكال ان يحصن نفسه ضد الأدب الفلسطيني بمفهومه الإنساني والذي يتوجه به الشعب الفلسطيني إلى كل دول العالم بمختلف الثقافات والتوجهات. فمن مصلحة الاحتلال الصهيوني طمس كلما يتعلق بالهوية الفلسطينية، بالذكرى الفلسطينية، بقصص الجدات وحكايا الأجداد، بوصف المدن والقرى، بوصف المجتمع وتشابك العلاقات، بامتداد العائلات وانتمائها، بما كان على أرض الواقع من حياة لأمة عاشت على تلك الأرض ولها جذورها وأدبها وهويتها وتاريخها.
لذلك تقع المسؤولية على الكاتب الفلسطيني بأن يحمي هوية الأدب، وألا تتم الكتابة فقط عن القضية الفلسطينية بل عن المجتمع الفلسطيني أيضاً، عن القرى والمدن، عن الأحداث التي مرت عبر التاريخ، عن التغييرات التي طرأت على المجتمع، عن قصص العائلات وأقدار الناس، أن يكون الأدب هو المساحة الواسعة الحقيقية التي تُعيدنا ولو عبر صفحات الكتب إلى المجتمع الفلسطيني بعراقته وأصالته. فمعاركنا مع العدو متعددة ومتنوعة خصوصاً وهو يحاول اختلاس كل ما يمتلكه الفلسطيني فلا يتوانى عن اختلاس الفولكلور أو وصفات الطعام عدا عن اختلاس التاريخ وتحريفه، أو حتى الموسيقى، ولكنه لا يستطيع أبداً أن يختلس الأدب، لأن ذلك سوف يؤدي لاعترافه بالهوية الفلسطينية. فالأدب هو الهوية الحقيقية للشعوب، لأنه صدى روحها، وحماسة فؤادها، وذاكرتها التي لا تذوي وحلمها الدائم بالعودة إلى ما كان والتمسك بما هو موجود.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2184605

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع مواد  متابعة نشاط الموقع النقد والأدب   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184605 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 1


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40