الجمعة 21 حزيران (يونيو) 2019

المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد: الفيلم السينمائي ينجح عندما ينتج مأزقا لدى الجمهور

وديع عواودة
الجمعة 21 حزيران (يونيو) 2019

لا شك في أن الصدف لعبت دورا حاسما في مسيرة أبو أسعد منذ البدايات، حينما لم يشجعه أحد من معارفه وعائلته على الاقتراب من السينما فذهب كالآلاف من الشباب الفلسطينيين ودرس الهندسة وعمل فيها في هولندا قبل أن يتبع قلبه. المخرج الفلسطيني الذي كان مرشحا للفوز بجائزة الأوسكار العالمية مرتين، لم يدرس يوما واحدا في معهد للسينما وللإخراج الفني، وعوضا عن التعلم علّم نفسه بنفسه، بالقراءة والتجربة العملية، وما زال يتعلم حتى اليوم. داخل منزله الموروث عن والديه حوّل أبو أسعد إحدى غرفه لسينما صغيرة، يشاهد فيها لوحده أو مع زوجته أفلاما يتمتع بمشاهدتها، بيد أنه يرقبها بعيون المخرج المراقب المتعلم. «حتى اليوم أتعلم من تجارب الآخرين ولا نهاية للعلم»، يقول أبو أسعد واثقا ومن خلفه تتقاسم الكتب وسيديهات الأفلام مكتبته الضخمة المزدانة بلوحة فرعونية جميلة وغنية بأمهات الكتب الفلسطينية والعربية والأجنبية. بخلاف فنانين آخرين من فلسطينيي الداخل، نجا من فرية التطبيع وتهمة «جواز السفر الإسرائيلي» وهذا بالأساس بفضل جنسيته الثانية، الهولندية.

■ زيارة مصر
□ ويستذكر البدايات بالقول «دخلت مصر بجواز هولندي، وربما هذا السبب أنني لم اصطدم بمشاكل بعكس فنانين آخرين دخلوها بجوازاتهم الإسرائيلية. ويضيف «كنت وما زلت أرفض التقسيمات «فلسطيني من 48» و» فلسطيني من 67» ومصمم على تعريفي كفلسطيني فقط. ويؤكد أبو أسعد أن معاملته في المغرب وتونس كانت دافئة وحميمية جدا، وفي لبنان وسوريا لم يستشعر بأي حساسية، فهناك أدخل كفلسطيني بجواز هولندي. أبو أسعد لا يتحدث عن المستقبل، بل عن الماضي ويشير لآخر أعماله فيلم «الجبل بيننا» من إنتاج استوديو «توينتي سينشري فوكس»، ومن بطولة النجمين الهوليوديين البريطانيين كيت وينسلت وأدريس البا. لم تكن هذه المرة الأولى، التي يصنع فيها أبو أسعد تاريخا في هوليوود ففي عام 2007 كان أول مخرج عربي يفوز بجائزة «الغولدن غلوب « عن فيلمه «الجنة الآن»، الذي حقق أيضا ترشيحا لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية. كما رُشح فيلم آخر من أفلامه وهو «عمر» لأوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية عام 2013، ليصبح العربي الوحيد الذي رُشح لهذه الجائزة القيمة مرتين.
■ يا طير الطاير
□ وردا على سؤال يبوح هاني أبو أسعد بأن «يا طير الطاير» هو أقرب الأفلام إلى قلبه لأنه «يشبهني فكل قضاياه كانت تهمني لكنها بعيدة عن تجربتي الشخصية بيد أن تجربة الفنان محمد عساف قريبة لي، فأنا شاب خرج من حي شعبي في الناصرة يتمكن من المشاركة في مسابقة الأوسكار. أحب هذا الفيلم لأنه محزن، فالفنان لا يستطيع تحقيق التحرير.
■ لماذا لم تحصل على الأوسكار؟
□ اليوم أعرف أكثر. هناك عدة عوامل وأنت تختار أي عامل ملائم لك. عوامل النجاح والفشل مرتبطة بالكثير من الأمور، وربما «الدفعة الأخيرة» تعطيك جائزة. كوني فلسطينيا حرمني من جائزة الأوسكار، ولا شك في أن حملة التحريض الإسرائيلية المنسقة والممولة وقتها على «الجنة الآن» تركت مفاعيلها على المحكمين.
■ هل الثالثة ثابتة؟ وهل تخطط للفوز بالأوسكار؟
□ هذا في علم الغيب. اليوم أنا عضو في أكاديمية الأفلام وصاحب حق تصويت وفعال وأشارك في اللجان، ولذا اليوم أعرف ما يجري في الداخل، وأعي أهمية حجم الحملة الدعائية للفيلم المرشح كي يصل لأوسع مساحة ممكنة. «روما» الذي حاز قبل عام الجائزة فقد وظف 13 مليون دولار للحملة الدعائية. أنا متفائل ولكن حينما أنتج فيلما فأكرس كل طاقتي فيه، بصرف النظر عن الجوائز، لا يوجد لديّ الآن مشروع لفيلم كبير.. ولكنّ عندي أفكارا.

هناك عدة عوامل وأنت تختار أي عامل ملائم لك. عوامل النجاح والفشل مرتبطة بالكثير من الأمور، وربما «الدفعة الأخيرة» تعطيك جائزة. كوني فلسطينيا حرمني من جائزة الأوسكار.

■ من أين تستوحي أفلامك؟
□ من القراءة والمتابعات. أولا يفترض أن تكون القصة تخصك وتثير مشاعرك وفضولك، ولاحقا تتأكد، إن كان بالإمكان ترجمتها للغة سينمائية تستطيع فيها إنتاج مأزق لدى المشاهد حتى لا يتمكن من اتخاذ موقف بسهولة. الفيلم الجيد هو الذي يثير أسئلة. وثانيا أن تتوفر القيمة الجمالية في الفيلم، كي يكون كالموسيقى الجميلة متجانسة.
■ لماذا لم تنشغل بالوثائقي؟
□ تحتاج لتوثيق فكيف توثق؟ الروائي يعطيك فرصة لتذهب بعيدا وبحرية، فتدخل كثيرا من الزوايا بعكس الوثائقي.
■ كيف حال السينما الفلسطينية؟
ـ هناك جيل جديد من المخرجين الفلسطينيين يواصلون الطريق، سبقني ميشيل خليفة ورشيد مشهراوي ثم إيليا سليمان ومي مصري وآخرون. قياسا بالسينما العربية، السينما الفلسطينية بخير، رغم كل ظروف الاحتلال، وربما بسببها لأن الصعوبات تقويك.
■ السينما والسياسة؟
□ بالنسبة لي طبعا لها دور سياسي. مجرد أن تذكر اسم فلسطين في الفيلم فأنت تحارب أضخم مشروع يواجهنا هو المشروع الصهيوني المرعب بضخامته وإمكانياته. أحيانا تشعر أمام المشروع الصهيوني وكأنك نملة مقابل فيل، لكننا نصمم على أن نحارب. المشروع الصهيوني يرمي لأن يبقى متفوقا على محيطه، ومحاولة إنهاء الثقافة أو الهوية الفلسطينية. مع كل هذا أن تأتي وتنتج فيلما فإنك تحوّل الكابوس لحلم وتتغلب على الفيل. الثقافة أداة مهمة جدا، رغم أنها غير حاسمة، والفنون باقية فأم كلثوم ماتت وبقي تراثها ومحمود درويش رحل وبقي موروثه. الفيلم السينمائي كالكتاب الجيد يبقى خالدا كقصيدة توفيق زياد ورواية غسان كنفاني. لن يتغلب المشروع الصهيوني على «مديح الظل العالي» فهي قصيدة حية وباقية، أما الدبابة العسكرية فصدئت واندثرت وصارت خردة.
■ والسينما العربية هل قامت بدورها من أجل فلسطين كما فعلت أوساط صهيونية مع «آنا فرانك» و»قصص إيفا»؟
□ الأنظمة العربية متواطئة على قضية فلسطين، ولكن كانت هناك محاولات فردية مثل «المخدوعون» المستوحى من قصة غسان كنفاني «رجال تحت الشمس».
■ متى قررت أن تذهب للسينما؟
□ كنت طفلا أذهب لسينما ديانا المجاور لبيتنا. في 1976 كنت في الرابعة عشرة من عمري وشاهدت فيلم «مون فلو ذا كوكس» لجاك نيكلسون. فهمت كم يستطيع فيلم سينمائي أن يحرض على الظلم حتى لو كان الثمن هو الموت. ترك فيّ كفلسطيني أثرا كبيرا. فنحن نخشى أن ندفع ثمنا باهظا في حال مواجهتنا المشروع الصهيوني وأنا أحب أن تثور الناس على الظلم، فأحببت الفيلم لأنه لامس وجداني ووجدت نفسي فيه لأن الخوف يشلنا.
■ رد فعل العائلة؟
□ بعد الفيلم قلت إنني أريد تعلم السينما فصار الكل من حولي يضحك، وحتى أقربائي وأصدقائي، حاولوا أن يردعوني فذهبت ودرست هندسة في هولندا، عملت هناك مهندسا، ولكنني شعرت بأنني ضائع «مش زابطة معي» فعدت لفلسطين، وعملت مع والدي في مجال النقليات، وبالصدفة تعرفت على رشيد مشهراوي وبشير أبو ربيع صدفة محض بدون أي تخطيط فبدأت أعمل معهما. أهلي لم يطيروا فرحا لكنهم «فقدوا الأمل» فيّ، ومن جهة أخرى كنت مستقلا فواصلت مسيرتي تابعا قلبي.
■ كيف بدأت مع المشهراوي؟
□ سألت رشيد مشهراوي عن إمكانية الشغل معه، فأبلغني أن هناك فرصة للعمل كمساعد فبدأت أعد قهوة وشايا مع رشيد وبشير خلال إخراج الفيلم الوثائقي «دار دور» في 1989 وكان معدا للقناة الرابعة. أعد ساندويشات وأنظف وأرتب وأعمل حسابات، وأطبع وأذهب للبوسطة، ورويدا رويدا بدأت أتعلم عندهما بالتجربة وبقراءة الكتب. أكملت مع رشيد مشهراوي فأنتجت له أول فيلم روائي طويل «حتى إشعار آخر» وهو قام بإنتاج «بيت من ورق» عام 1992 وقمت أنا بإخراجه. وهكذا انطلقنا في مسيرة السينما.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 73 / 2184539

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع حوارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2184539 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40