إذا كان لكل أسطورة “عقب أخيلها” الذي يصيبه السهم المسمم بمقتل، فإن عقب أخيل الصهيوني هو انجذابها الدائم نحو الخرافة، فهي مضادة للتاريخ وسيرورته وجدليته، وباعتقادها أن اليهود عاشوا رغماً عن التاريخ وليس بفضله قررت أن لا ترى سوى ما يروق لها أن تراه وأن لا تصغي لغير المديح حتى لو كان مباركة لجرائمها، وبعد أن “تأسرلت” وظن دعاتها أنها تحولت إلى دولة، تعرضت لاختبارات عدة ورسبت فيها لأن مفهوم الحركة تغلب دائماً على مفهوم الدولة، وأدبيات المنظمة السرية تغلبت على ثقافة الدولة بمفهومها المعاصر، وقد تكون العقبة الأساسية دون تحقيق سلام ولو في حده الأدنى مع الفلسطينيين هي من صميم هذه الأدبيات التي تنتمي إلى ما قبل الدولة، فهي تفاوض بخطاب مزدوج وتطالب الطرف المقابل بأن يتحول إلى أحادي البعد، أي أن يتناسى الاحتلال ويتصرف كدولة، ومن المفارقات أن من يتنبه لهذه التفاصيل وهي بالغة الأهمية في دلالاتها مراقبون أجانب، لأنهم الأدرى بما مارسته الصهيونية من قلب للحقائق منذ مقاومتها الاندماج الذي أتاح ليهود العالم أن يلتئموا في السياقات التي يعيشون فيها بدءاً من الثورة الفرنسية .
والعالم الذي كان ممكناً خداعه لعقود سواء بالابتزاز الهولوكوستي أو العزف على الوتر النازي بلغ الآن رشده السياسي ولم يعد صيداً سهلاً لميديا ماكرة .
حتى المؤرخون اليهود الجدد بدءاً من الشاب الذي اكتشف مجزرة الطنطورة حتى فتكلشتاين بدأوا يقولون إن الدموع التي تذرفها الدولة العبرية هي دموع تماسيح . وإن الواقع أنهى صلاحية تلك الخرافة التي طالما استخدمت لتسويغ جرائم وتطهير عرقي، فالضحية في المثال الصهيوني لم تتمرد على جلادها بل تتلمذت عليه وكانت أمامها فرصة تاريخية لأن تعلن العصيان على تعاليم الجلاد، وتكون ضحية بليغة في نبلها، لكن ما حدث هو العكس . لهذا فإن اليهود بعد تحولهم من غيتوهات عدة إلى “غيتو” واحد كبير هو الدولة العبرية أصبحوا ينتجون “يهودهم” أيضاً، لهذا يطلق الفلاشا على أنفسهم بسخرية مريرة لقب يهود اليهود، وكانت بذرة هذه الظاهرة قد بدأت منذ تشكل الدولة، حين شعر السفرديم وهم اليهود الشرقيون بأنهم أدنى مرتبة من الاشكيناز القادمين من أوروبا وأمريكا .
وحين توصف الحملات العسكرية الأخيرة على غزة بأنها عمياء فإن معنى ذلك هو اشتباك الخرافة بكل أوهامها وأحلام يقظتها مع التاريخ، وسبق لكاتب يهودي من المغضوب عليهم صهيونياً أن قال إن الهلاك هو المصير المحتم لمن أدمن سايكولوجيا النصر، واستبعد الهزيمة من كل توقعاته، وهو بذلك عبر عن عقب أخيل الصهيوني بدقة .
الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014
عقب أخيل الصهيوني
الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014
par
خيري منصور
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
21 /
2195704
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
12 من الزوار الآن
2195704 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 7