على أهل العلوم السياسية أن ينسوا كل ما تعلموه، وأن يعفوا الناس مما يَدْرسونه ويُدَرسونه . فقد دقّت ساعة إبداع البدع في قيام الدول، وعلى الشعوب أن تستقيل من مهمة التدخل في ما يعنيها، فبلدانها لم تعد لها . . “باي باي” حرية تقرير المصير .
صار من الصعب الفصل بين المأساة والملهاة . اختر أحد الاندماجين: المأهاة أو الملساة . الخبر طريف ظريف: “أمريكا تريد حكومة انتقالية لسوريا، و”النصرة” تبايع الظواهري” . شرح المسألة يحتاج إلى ثلاث علامات سؤال تبعث على التعجب: ما دخل الولايات المتحدة في شؤون الدول حتى تريد أو لا تريد؟ هل البلدان أقمشة وواشنطن دار أزياء للخياطة والتفصيل طبقاً لما يهواه مزاجها؟ المسألة الثانية: لماذا تبايع “النصرة” الظواهري في سوريا؟ من قدّم سوريا على طبق من إرهاب إلى الظواهري المجهول البواطن؟ من هو هذا الذي يُعْطي ما لا يملك لمن لا يستحق؟ المبايعة تعني أن علينا أن نضع في خيالنا غير العلمي إمكانَ جلوس الظواهري على “عرش الخلافة” في ديار الأمويين .
المسألة الثالثة والأخيرة هي أن نجمع شطري الخبر ونُقيم بينهما جسراً، لتكون المحصلة: “أمريكا تريد حكومة انتقالية لسوريا تؤدي إلى مبايعة الظواهري” .
المأساة هي أن يتوهم الناس، العرب أعني، أن هذه الأخبار التي تلوح للوهلة الأولى تُرهات وهرطقات، تنتهي في أحيان كثيرة بإطلاق زفرة طويلة: آخ . سخرية التاريخ لاسعة لاذعة لادغة . فالسيناريو يحتاج إلى تكملة لكي نرى بقية المسار: الغاية في النهاية هي تدمير البلدان، وإذا كان وجود ابن لادن في أفغانستان جرّ احتلال البلد، ثم تدمير العراق بالقرينة، فإن تنصيب الظواهري على سوريا، سيضع سوريا بكاملها في “بوز المدفع” . أوَليست تحفة القيم الحضارية في هذا العصر هي مكافحة الإرهاب؟ وكيف تقبل ديمقراطية الغرب التقيّ النقيّ استيلاء “القاعدة” على البلدان؟ لا استثناء في هذه القاعدة .
الذريعة المسيلميّة جاهزة: أي مسلم هو يملك الحق في حكم المسلمين . والبراهين التاريخية لا تحصى: العرب والفرس والأتراك والأكراد والمماليك والمغول، كلهم حكموا العالم الإسلامي أو أجزاء منه، والحبل على الجرّار . اليوم الأمور أشدّ وضوحاً: أَوْصِلْ “النصرة” وغيرها إلى سدّة الحكم، ثم اصرخ: “يا عالم يا هو: الإرهاب سيطر على السلطة . فإلى الحرب على الإرهاب سر” .
لزوم ما يلزم: هذه هي خاتمة الثورات العربية؟ ختم الله على قلوب الواهمين .