سرين في الصف السادس الابتدائي، دار حديث بيني وبينها عندما طلبت مني رقم بطاقة التموين «بطاقة تسجيل اللاجئين العائلية»، والتي تطلبها المدرسة من الطلاب اللاجئين في بداية كل عام دراسي، بعد أن حصلت على الرقم العائلي، قالت لي أن معلمتها قالت للطالبات بكلمة لماذا ممكن ان يصبح الإنسان عالماً أو مبدعاً، وممكن ان نتوصل لأشياء ومعلومات لم نكن نتوقع ان نعرفها، ويجب ان نسال أنفسنا كيف؟ ونعود للكتب والمراجع ونسال من هم اكبر منا سناً.
سرين كعادتها تسأل وتجيب، سألتني عن استحقاق أيلول، ولم تنتظر الإجابة، قالت لي: «سمعت الرئيس محمود عبَّاس على التلفزيون وهو يقول إن التنسيق الأمني سيتواصل، وأن المفاوضات خياري الأول والثاني والثالث، فهو ليس قد المهمة وأنا لا أثق به، وربما يتراجع في أي وقت عن أي شيئ، «هو مش قد هذا الكلام»، هو سوف يذهب إلى الأمم المتحدة من اجل العودة إلى المفاوضات وهذا لن يجلب السلام وعودة اللاجئين، وهذا ليس غريب على أبو مازن، هو ذهب لمقابلة ليفني ونتنياهو أكثر من مرة خليهم ينفعوه».
وأضافت «أنا لا أراهن عليه، لا اشعر انه رئيس للشعب الفلسطيني، فهو لم يلبي احتياجات الشعب الفلسطيني، وعد بالمصالحة وإنهاء الانقسام وزيارة عزة ولم يفي بوعده، كيف سيذهب إلى الأمم المتحدة؟ سمعتك تقول لصديقك وأنت تتحدث معه على التليفون كيف سنحصل على الدولة تحت الاحتلال؟ ومصير حق العودة للاجئين وتقرير المصير، هل سنعود إلى قريتنا «برير»»؟
«وهل ستعوضنا «إسرائيل» عن اقتلاعنا وتهجيرنا من بلادنا؟ هو فشل في التعبير بشكل جيد عن قضيتنا وعدالتها، كما فشل في تحقيق أمال وطموحات الشعب الفلسطيني، هو ضد المقاومة حتى السلمية في الضفة، ومع استمرار التنسيق الأمني، وسيفشل ويفشلنا معه في الأمم المتحدة لأن مشروعه غامض وغير واضح لنا، وهو لم يصارح الناس بحقيقة مشروعه بالتوجه للأمم المتحدة والمخاطر التي سوف تحصل».
هذا ما دار بيني وبين سرين مع التعديل في اللغة وبعض الكلمات، ومع اقتراب موعد التصويت على الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة في العشرين من أيلول، تطرح الأسئلة الكبيرة من الكل الفلسطيني بمن فيهم سرين حول نتائج مشروع الرئيس عبَّاس وفريقه وتداعيات ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية خاصة حقوق اللاجئين.
المخاوف كبيرة من خطوة عبَّاس، فالغموض يكتنفها وعدم وضوح الصيغة التي سيتقدم بها إلى الأمم المتحدة، فهو لا يمتلك القدرة في الاستمرار بتلك الخطوة، فطبيعته لا تدل على انه رجل صلب ولديه قدرة على المواجهة، وهو معروف بأنه لا يمتلك مشروعاً وطنياً كبيراً يحقق آمال وطموحات الشعب الفلسطيني، فهو رجل مساومة، وأفعاله وأقواله تدل على ذلك، فهو محكوم بالبقاء في السلطة للدفاع عن مصالحه ومصالح فريقه.
من يقدم على خطوة بهذا الحجم والمخاطر المحدقة بها، يجب ان لا يستمر بصم أذنيه وإصراره على عدم الأخذ بالتحذيرات والقلق من الضرر الذي سيعود على القضية الفلسطينية، عبَّاس سيتوجه للأمم المتحدة وحيدا من دون أي فعل جماهيري مساند، وتحقيق الوحدة الوطنية أو أي تحضيرات تشمل جميع الفلسطينيين أينما تواجدوا، فالرئيس عمل ويعمل بكل قوة على حرف طاقات الشعب الفلسطيني الذي أنهك بدوامة الراتب وهمومه الداخلية عن الالتحاق بالثورات العربية، وافشل جهود وتحركات الشباب الفلسطيني الذي نزل للشارع من أجل التظاهر ضد الانقسام.
عبَّاس لا يريد أن يستغل الخيارات التي نمتلكها، أو حتى التهديد بها، ويستهين بقدرات وطاقات الشعب الفلسطيني، فهو أسير مشروعه الصغير ومصالحه، وهو أن يظل يفاوض ويفاوض ويفاوض، فهذا لن يدوم طويلاً، فهو صاحب مقولة انه لا يريد رفع الشرعية عن «إسرائيل» المعزولة والملاحقة قانونياً، هو غير مقتنع بنقل ملف القضية الفلسطينية قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بها إلى الأمم المتحدة، والعمل على تشكيل رأي عام دولي حولها، فهو حاول تخطي تقرير القاضي غولدستون، ولم يعمل على نقل الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية المتعلق بجدار الفصل العنصري إلى الأمم المتحدة.
الرئيس عبَّاس حان الرحيل، لم يعد له وقت لا هو ولا فريقه، فهو مستمر بخطف الشعب الفلسطيني وقضيته، ومن فشل إلى فشل، وغير مستعد للتوقف عن السير في فلك الأنظمة العربية المستبدة والمتهاوية، علينا إعادة الاعتبار والاحترام للقضية الفلسطينية بالتنصل من اتفاقية اسلوا وحل السلطة الفلسطينية، وعليه أن يرحل قبل أن ترحله الجماهير الفلسطينية التي لن تصبر طويلاً، فهو لا يقدر طاقاتها وقدراتها الكفاحية والنضالية، لان مشروعنا الوطني اكبر من مشروعه الصغير المذل المرتبط بالمفاوضات وفقاً للشروط والإستراتيجية الأمريكية «الإسرائيلية».