السبت 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2021

افادة المتهمين بجريمة مقتل نزار بنات: اعتراف بخطأ يراد منه تبرئة خطيئة

السبت 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 par ناديا حرحش

لائحة الاتهام التي تم تداولها بشأن جريمة مقتل نزار بنات على يد نظام السلطة الفلسطينية قدمت مشهدا مرعبا لجريمة جعلتنا نتأكد اننا نعيش تحت بساطير وهراوات وبطش نظام بوليسي كنا صدقا نظن انه لا يمكننا العيش فيه يوما. فلا يعقل ان تكون بساطير الاحتلال واسلحته ونظامه العرقي العنصري من جهة، ومن جهة أخرى بساطير سلطة جلبناها لتخلصنا من الاحتلال فسوّت بنا الأرض التي لم يسوّها الاحتلال …بل أفظع.
اصابني الذعر والغضب والرعب ككل من قرأ لائحة الاتهام لإفادات المجرمين، ولكن بدا الامر مدسوسا بما هو غير مريح أكثر من الافادات ومحتواها من وصف اجرامي همجي لكيفية اقتراف الجريمة مع سبق إصرار وترصد.
نهاية الإفادة يبدو فيها ما يراد من هذه المحاكمة ان تنتهي اليه، فما تيقننا منه كجريمة مع سبق الإصرار انتهى ليكون ضربا مفضيا الى الموت. ويبدو ما حذر منه الأستاذ المحامي إبراهيم البرغوثي- مركز مساواة- في منشوره على الفيس بوك مهما للغاية:(القتل العمد مع سبق الاصرار يتطلب توفر القصد الجنائي الخاص المتمثل بالعلم والإرادة، والفرق بينه وبين الضرب المفضي الي الموت او التسبب بالوفاة عن غير قصد معياره الوقائع والأداة المستخدمة ومكان الإصابة وسياق وقوع وتنفيذ الجريمة؟! وهذا ما يقع تحت مظلة اختصاص المحكمة التي لها أن تعطي الوصف الحقيقي للجريمة؟! وقرارها قابل للطعن والتعليق وان غدا لناظره قريب).
ولكن لا تنتهي المشكلة -الجريمة- الكبيرة هنا، فهناك تبرئة لمن اعطى الأوامر في هذه القضية: ” وقاموا بالاتصال على مدير العمليات وأبلغوه بحالة المجني عليه فطلب منهم على الفور نقله الى المستشفى إلا أن المتهمين قاموا بإدخال المجني عليه محمولا من يديه ورجليه الى داخل المديرية …. وبعد إجراء الصفة التشريحية تبين أن سبب الوفاة هي الصدمة العصابية …. وأن المتهمين بذلك قد خالفوا أيضا التعليمات المستدامة من قبل قيادة جهاز الأمن الوقائي والمستندة على مدونة قواعد استخدام القوة والأسلحة النارية لمنتسبي قوى الأمن الفلسطينية الصادرة عن وزير الداخلية في العام 2011م وتعليمات مدير العمليات ومدير الأمن الوقائي في محافظة الخليل بنقل المجني عليه فوراً إلى المستشفى”.
يبدو مدير العمليات (وهي ما يسمى بالعمليات المشتركة، أي كل الأجهزة الأمنية، البوليسية والسياسية مجتمعة)، ومدير الامن الوقائي، وبالتأكيد وزير الداخلية أبرياء من المسؤولية. كأن كل الأوامر بكل ما جرى كانت عادية وطبيعية. المشكلة تمثلت بالعناصر الذين خرجوا عن الحد المطلوب من عدم القتل في ضربهم لنزار.
تصرف السلطة حتى بجريمة بهذه البشاعة وبوضوح يورط اعلى هرمها وما يتدلى من ذلك العنقود السلطوي بهذه الجريمة. هؤلاء العناصر الذين ضربوا وعذبوا وقتلوا بلا رحمة لم تأت قسوتهم عنوة. ولم يتصرفوا بهذه الوحشية لأنهم مخلوقات مجرمة أصلا. هؤلاء تدربوا ليقمعوا ويقتلوا عند اخذ الأوامر بذلك. وانضباطهم كان في أقصاه في كل فعل اجرامي قاموا به في تلك الجريمة الشنعاء.
نعم مطلوب محاكمة ومحاسبة هؤلاء، ولكنا كمواطنين لم نعد نأمن على حياتنا تحت اجرام وقمع هذه الأجهزة. مطالبتنا هي تقديم من طلب وأعطى الأوامر لهؤلاء العناصر بارتكاب جريمتهم. لا يهم ان كانت هذه الجريمة في محصلتها ضربا اودى الى قتل او قتل عمد. أوامر تصفية نزار صدرت من رؤساء هؤلاء.
من يجب ان يقدم للمحاسبة والمحاكمة تباعا هم رؤساء الأجهزة الأمنية ومن اعطاهم الأوامر والذين تقع تبعيتهم لرئيس السلطة، ووزير الداخلية المتمثل كذلك برئيس الوزراء.
قبل أسابيع قليلة، قدمت وزيرة الخارجية الهولندية استقالتها لتصرف الجيش الهولندي بطريقة غير مقبولة وتورطه مع قوى التحالف بجريمة كابول الأخيرة. في أي نظام يحترم ناسه كان يجب على هذه الحكومة متمثلة برئيس الوزراء نفسه الذي يعتبر المسؤول المباشر عن الامن بكونه وزير الداخلية ان يقدم استقالته. وان لم يكن رؤساء الأجهزة التابعين للرئيس مباشرة على قدر تحمل مسؤوليتهم بما جرى واستقالوا، فكان من الأولى ان يقدم الرئيس استقالته من منصب يعطي رؤساء اجهزته أوامر القتل والترهيب للشعب.
هذه المحاكمة ليست من اجل اسكات الشعب وارضائه. انها محاكمة لتقول السلطة للعالم المترصد لقمعيتها وارهابها اليوم ان هناك سيادة قانون. بلا اكتراث لشعب يرى ويعيش القمع والرعب في كل لحظة. شعب يخشى الخروج في مظاهرات لكيلا يسحل او يتم ابتزازه او يعتقل، شعب يخاف ان يتكلم او يعبر خشية قطع رزقه وعائلته. شعب يعيش تحت تهديد سلطة تتسلط عليه وتقتله عند الضرورة وتجد من ترمي عليه جريمتها إذا ما تم الضغط عليها.
ذكرتني لائحة الاتهام بجريمة مقتل نيفين العواودة عندما خرج ملقط الحواجب ليكون دليل الجريمة.
مقتل نيفين انتهى بدية وقعدة عشائر ومنشد. مقتل نيفين كان مقتل امرأة أخرى تلاها قتل كثير، فالمرأة كانت ولا زالت الارخص والابخس ثمنا في هذا المجتمع.
ولكن مقتل نزار هو مقتل كل المجتمع، رجاله ونسائه. ولا يبدو ان هناك حتى اتعاظ بسبب الضغط الممارس على السلطة، فلا تزال عمليات الترهيب مستمرة لعائلته وللشهود في هذه القضية.
إن مرور هذه الجريمة بلا حساب حقيقي يقدم فيه المسؤولين المباشرين للمساءلة سنتحمل جميعا مسؤوليته من حياتنا التي ستزهق على يد النظام البوليسي تباعا.
الأنظمة لا تصنع نفسها بنفسها، بل هي نتاج شعوبها. إذا لم تصلح هذه السلطة نفسها – ولن تصلح- بمحاولة أخيرة للبقاء قبل انهيار حتمي قادم بانتخابات يمكن ان تنتج – ولن تنتج- قيادة تمثل الشعب لا ترعبه، ولا ترهبه ولا تقمعه ولا تقتله.
سنكون نحن جزء من هذه الجريمة.
ولن يكون الامر الا اكثر سوءا ان صرنا كلنا نزار، او صرنا كلنا قتلة نزار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2184547

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184547 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40