الأحد 15 آب (أغسطس) 2021

فلسطين: ثالوث الاستبداد هل يبقى؟

الأحد 15 آب (أغسطس) 2021 par ناديا حرحش

يبدو ان الزيارات المكوكية للمبعوث الأمريكي بدأت بتكشف خفاياها.
في خبر يتم تداوله على نطاق واسع من خلال صحيفة عربي ٢١ الذي كشف عن تفاصيل سرية لاتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة الامريكية والسلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي أن “الوثيقة وقعت يوم 14 تموز/ يوليو 2021″، مبينة أن “الوثيقة تكشف، أن الإدارة الأمريكية تفرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام الفلسطينية، ومناهج التعليم، وإعادة تفعيل لجنة التحريض الثلاثية؛ الأمريكية الإسرائيلية الفلسطينية”. ونوهت المصادر، إلى أنه “تم الاتفاق على أن تقوم لجنة إسرائيلية-أمريكية، بإعداد صيغة حول قانون الأسرى الفلسطينيين، من أجل أن تقوم السلطة بتنفيذه”.
ونبهت إلى “. ومن بين الأمور التي فرضتها اللجنة الإسرائيلية-الأمريكية على السلطة، “تدقيق وثائق وحسابات وزارة المالية الفلسطينية في رام الله، من قبل شركات محاسبة وتدقيق أمريكية وعالمية”، بحسب المصادر التي أشارت إلى أن من بين تلك الشركات شركة “برايس ووتر هاوس” العالمية.
لفت انتباهي عبارة أن “اللجنة سابقة الذكر، فرضت على السلطة العمل على كشف كافة ملفات الفساد فيها، من أجل ترميم وتحسين صورتها في المجتمع”، مؤكدة أن “اللجنة الإسرائيلية-الأمريكية ستراقب على السلطة وتتحقق من تلك الإجراءات.
ملفت ان هذه اللجنة تريد التدقيق من اجل ترميم وتحسين صورة السلطة لا من اجل اجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين.
والرقابة المشددة المقصودة هي تأكد السلطات الامريكية ومباركتها لقمع السلطة الفلسطينية للشعب ومراقبته والتنكيل به واعتقاله وقتله متى امكن؟ استغرب هذا الكيان الأمريكي العظيم الذي يحارب من اجل الحريات ويكرس للاستبداد هكذا. هل يعقل ان حالة الانفصام التي نراها ونسمعها بتصريحات المسؤولين الفلسطينيين هي امتداد لحالة الانفصام في الإدارة الامريكية التي تميز بوضوح ما بين ديمقراطية الأبيض وديمقراطية “أشكالنا”. فكأنهم على قناعة اننا لسنا من نفس زمرة البشر التي يعيشونها. فيأتي مبعوثهم ليتفرج علينا من خلال زجاج كذلك المعروض في حديقة الحيوانات للمخلوقات الخطيرة المبهمة على وشك الانقراض.
لا اعرف كم من المرات سأكتب كلمة ” مؤسف” عن كل ما يجري. فالأسف لا ينفع ولا يجدي. ولا يبدو بالأفق ان هناك نهاية لهذا التردي الا المزيد منه. لا اعرف كذلك كم من المزيد من هذا التردي سيؤدي بالنهاية الى انفجار هذا البركان المتأجج، الذي لا تلبث حممه المنصهرة بالتصلب حتى تعود لانصهار يزيدها تأججا وحمية للتدفق والانفجار. ما يجري ينذر ببركان قادم لا محالة.
وجماعتنا من قواد هذه المرحلة يحاولون ردع البركان بطفايات حريق تحمي جماعاتهم الخاصة، كفرعون الذي ظن انه يستطيع ان ينجو بنفسه مع جنوده.
ما نعيشه من استبداد وفساد يأخذنا الى ذلك التاريخ منذ فرعون ومرورا بستالين. كيف كانت نهاية الطغاة؟ يكون امر الله ابسط بالعادة… يختفي أولئك فجأة في دورة الحياة الاعتيادية وينتهون الى تراب، ويكون زوالهم عبرة لا تزول.
أحيانا افكر ان العالم ربما مبني هكذا على ظلم وطغيان. وكأن السائد هو الظلم والاستبداد، ولحظات الانتصارات التي يحظى بها الشعوب هي لحظية آنية، ومع هذا تبقى ازلية.
قبل عام او بالأحرى على مدار أعوام من حكم الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب ظننا ان الأسوأ قد أتى، فكانت صفقة القرن التي تم ملء محتوياتها من قبل إسرائيل واملاها علينا ترامب، ووقفت قيادتنا بوجه الصفقة اللعينة.
اليوم، يدور الحديث عن تفاهمات لا ترقى حتى الى سطور وبنود رفضناها بشدة في صفقة ترامب. أتساءل لماذا تم رفضها؟ تبدو صفقة ترامب صفقة أحلام مقابل هذا الكابوس المتربص امامنا.
إدارة بايدن منذ تدخلها بالمنطقة وهي تدير كوارث، كان الالتزام الأول بفتح القنصلية الامريكية وتم التوقف عن الحديث عنه تماما. فأمريكا تريد ان تمنح الإدارة الإسرائيلية الجديدة فرصة الاستمرارية بأكبر قدر ممكن. وعليه قد نعيش في هذا الوقت الضائع من إدارة اسرائيلية يجب ان تستمر بقدر أكبر وقت ممكن لوقت ليس بالقصير. ومن اجل هذا، شرعت هذه الإدارة الجديدة بالإعلان عن إقامة ٢٥٠٠ وحدة استيطانية جديدة بالضفة الغربية، الامر الذي تم تجميده زمن ترامب. بينما رفضنا ونددنا بالاتفاقيات العربية للسلام مع إسرائيل زمن ترامب، تشرع إسرائيل على مدار الشهور الأخيرة برعاية أمريكية وعربية افتتاح سفارات وترسيم سفراء بين عواصم عربية وتل ابيب، المغرب، البحرين، وسبقها الامارات وجلست إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الافريقي. اما على الصعيد الدبلوماسي الفلسطيني، فتستمر حالة تدوير المناصب والتعيينات لأبناء واقارب المسؤولين الفلسطينيين من كل صوب وفي كل فرصة. فبعد موجة الإقالات بسبب تجرؤ تجنح وتعبير بعض المسؤولين عن استيائهم من القمع الجاري وتكبيل الحريات. وإذا لم يكفنا هذا، فتأكدت الحكومة الفلسطينية من الغاء قانون الحريات الخاص بالموظفين لكي تريح رأسها وتستطيع الاستبداد بلا رادع.
يوميا، وهذا لم يعد مبالغة في التعبير، نسمع عن اعتقال جديد بتهمة واحدة “قدح المقامات وذم السلطة”، القاضي يعطي صك الاستمرار بالاستبداد للنيابة، والله وحده، والضحايا يعلمون ما يجري في غرف التحقيقات. قصص مروعة يتم تناقلها من ضرب وتعذيب لا يزال يصيب الناس بحالة من الاستغراب الحقيقي، فمعظمنا كنا نعتقد ان هذه الأمور لا تحصل فيما بيننا. لا تحصل لنا. فمعظم الشعب يمشي الحيط الحيط كما يقال، لم يكن المرء يدري ان مجرد تعبيره قد يودي بحياته وبصحته ويدفع ثمنه وظيفته ورزقه ويعرضه للتعذيب والسحل والتنكيل.
قضايا كثيرة مصيرية ومأساوية تمر امامنا، ولم يعد هناك حتى مجال للوقوف عندها: في القدس ننشغل بتسريب أراضي للمستوطنين يوميا، وفي الضفة تخرج مشاريع لما كان للتو أراضي دولة واراضي اوقاف وتدك بالأرض أعمدة لمشروع استثماري يخرج من ورائه جماعات سلطة، أبناء او زوجات او أقارب او أصدقاء.
الفلتان الأمني حدث ولا حرج، من الجنوب الى الشمال يستخدم السلاح المخزن للاقتتال القادم من اجل السلطة في اليوم التالي لقضاء الله وقدره لاقتتال اخوة وجيران ومشاة وعابري سبيل. وكل دم له دية يقوم بحل ثمنها رجل اصلاح عشائري يمتد صيته كذلك على حسب هول الفاجعة من الشمال الى الجنوب.
استنزاف للدم وللأرواح والممتلكات والأموال. القانون يطبق من اجل ردع من بقي بعقل شبه سليم بمحاولة اخراسه وتطويعه وسط نظام بوليسي شمولي متحكم بأنفاس الشعب.
وإسرائيل، تستمر باعتداءاتها بين هدم بيت اخر او فرض هدم بيد أصحابه. بقتل هنا وهناك شبه يومي كذلك، يحظى الضحية فيه بلقب الشهادة. حتى الشهادة صارت كالصك لا يعرف المرء لمن تمنح وسط كل هذا القتل.
وتقدم إسرائيل من جهتها كل ما يلزمها من تنسيق امني لخدمة السلطة، فتدخل الى مناطق السلطة وتعتقل المتجنحين من المتذمرين من أداء السلطة بين اعتقال وتخريب وتهديد وقتل اذا ما سنحت الفرصة.
الانسان مستباح هنا.
الانسان الفلسطيني هو المستباح أينما كان.
في غزة، تخرج كذلك التقارير عن العدوان الأخير الذي راح ضحيته ما يقرب من ثلاثمئة انسان لنعرف ان الكثير من الضحايا فنوا بنيران محلية لا نيران عدو. وكما حرية التعبير ممنوعة في الضفة عند الحديث عن أصحاب المقامات وفسادهم، لا يستطيع المرء عند الحديث عن غزة التطرق الى هذا الامر. فالشعار هو التضحية من اجل القيادات حتى اخر فرد من الشعب في هذا الوطن.
إسرائيل تغلق باب الأموال وتفتحه على حسب مزاجها، فالتهديد لا يتوقف، والتنازلات الفلسطينية تهرول بلا نقاش، ولم نعد حتى نفكر ماذا يحدث بشأن رواتب الاسرى وماذا سيحل بملفهم.
المفاوضات تجري على مبالغ مالية تقدمها أمريكا وتحجبها إسرائيل مؤقتا مقابل تنازلات فلسطينية اكثر.
الوطن صار ملفات متفرقة متراكمة، كل واحد منا يتمنى ان يكون ملفه على السطح.
مصادرة الأراضي في مناطق جيم والتوسع الاستيطاني وتوغله يبدو ملفا عاديا. كما يبدو مشروع “معبر” قلنديا الذي أعلنت السلطات الإسرائيلية عن بدئه والذي سيتمر لأكثر من ثلاث سنوات، فبعد ان رأينا علي مدار السنوات كيف تحول الحاجز الى معبر ومن ثم الى معبر حدود بين دول وتأرجح جسر فوق رؤوس العابرين للمشاة وتوسع تدريجي بالمكان لصالح حرس الحدود الإسرائيلي، لم يعد بمقدور الشعب الذي يحتاج لما كان حاجزا للمرور الا التفكير بإمكانية عبوره، فلا يهم الانشغال بأي شيء، لأن شيئا لن يحدث.
كيف لهذا الشعب ان يصمد امام كل هذا؟ سلطة تتسلط عليه وتهمشه وان اعترض تهشمه. واحتلال ماضي قدما نحو ابتلاع ما يجده امامه واقتلاع من يقاومه.
كيان فلسطيني يتم تحضيره وتثبيته وتشكيله لزمرة محددة من قواد يرى كل واحد فيهم نفسه وطن.
وملف نزار بنات ، كملف نيفين واسراء وغيرهم كثر، ان لم تدفعه دية او منشد، يرمى في أرشيف الكوارث الكثيرة من حياتنا… ليوم حساب ربما يأتي فجأة، وربما لا يأتي.
عندما مات ستالين لم يصدق اعوانه انه مات واستمروا لبعض الوقت بتنفيذ أوامره. كان طاغوتا مستبدا طاغية… الاشتراكية من بعده شرعت في لملمة مبادئها الاصيلة التي أسس لها ماركس.
يفنى الطغاة بالنهاية…. وتلملم الشعوب اشلاءها وترممها كذلك… تبقى الشعوب ويفنى الطغاة. هذه هو درس الحياة الازلي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2184611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2184611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40