السبت 4 نيسان (أبريل) 2020

الرواية ما بعد الكولونيالية في “منشدو كولونيا"

السبت 4 نيسان (أبريل) 2020

- محمد المسعودي

مما لا شك فيه أن الرواية العربية في بداية الألفية الثالثة فتحت أبوابها لآفاق جديدة في الاشتغال الفني، وفي القضايا التي تطرحها، وتتخذها منطلقا لبناء عوالمها السردية، وتشكيل رؤيتها للحياة والواقع من حولها. ولعل الانطلاق من الواقع الراهن وقراءته في سياق تحولات التاريخ المعاصر من أهم انشغالات الروائي العربي. وفي هذا السياق تندرج رواية “منشدو كولونيا” للروائي العراقي صلاح عبد اللطيف التي تترصد وضع الإنسان العربي المهاجر وتجعله أساس متخيلها السردي، وتتَّبع تحولات التاريخ العربي المعاصر في بعض البلاد العربية والبلاد المجاورة لتجلي “مقالب التاريخ” وأثره على الأفراد ودوره في الخلل الذي نعانيه في الفترة الراهنة. فكيف يصور صلاح عبد اللطيف “مقالب التاريخ” المعاصر؟ وكيف يُشخص خلل الراهن من أفق ما بعد كولونيالي في روايته؟
تحكي رواية “منشدو كولونيا” عن عدد من الشخصيات التي تنتمي إلى بلاد مختلفة (لكن غالبيتها عراقية) جمعتها غربة المنفى، وعرفت بعضها إما في “كولونيا”، أو في أصقاع أخرى، لكن جمعتها مدينة “كولونيا”. وهكذا تتتبع الرواية مسار هذه الشخصيات في تقاربها وتنافرها، وفي اختلافاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي خلافاتها الإيديولوجية وتفاعلها مع الحياة من حولها. وعبر هذا الرصد لحيوات هذه الشخصيات الروائية تنجلي للمتلقي صورة واضحة عن مقالب التاريخ المعاصر ومهازله في الشرق الأوسط خاصة، وفي العالم عامة. كما يتمكن الروائي من تحليل الواقع الراهن وكشف خلله من زاوية نظر ما بعد كولونيالية، قوامها تصحيح الرؤية حول ما جرى وما يجري تخييليا.
إن الرواية تتخذ من شخصيات طالب المالكي وفاضل الأنباري وسليم القصير وحسين البحر وجورج حوراني وياسمين وثريا بلخامسة وبهية(زوجة طالب المالكي) وساندرا دوم(زوجة فاضل الأنباري) وإلهام(زوجة سليم القصير) وميلاني(زوجة حسين البحر) وحنان(الزوجة الثانية للمالكي) وشهباز الأفغانية(صديقة حنان) ، وشخصيات أخرى محورا لمحكيها الذي يعكس أفقا لمتخيل سردي لا يقف عند مستوى تحليل نفسية هذه الشخصيات وكشف أفعالها وردود أفعالها، وإنما يستبطن من خلالها صيرورة تاريخ المنطقة التي تنتمي إليها هذه الشخصيات، ويعري الاختلال الذي شاب ممارسة السلطة وكان لها أثر بالغ على أفراد تلك المجتمعات في تلك البلاد المنكوبة. وقد كان التركيز على تصوير هذه النماذج، وكشف منطقها وكيفية تفاعلها مع الآخرين ومع الحياة، منطلقا لكشف اختلال المنظومة الجماعية وأثرها المدمر على الأفراد، وتبيان أوجه اختلال الحياة من حولها.
فها هو طالب المالكي الملَكي الهوية الذي هاجر بلده لدراسة الميكانيكا أوائل سبعينيات القرن العشرين يجد نفسه مرغما على المكوث في منفاه. ونفس الحال بالنسبة إلى الأنباري(اليساري المنزع) وسليم القصير(الليبرالي العقلاني) وحسين البحر(المتلون المتعدد الذي لا يؤمن بالانتماء) وياسمين(المتحررة الشهوانية) وثريا بلخامسة(الوصولية الانتهازية). إذ كانت الهجرة للدراسة في ألمانيا مجرد مرحلة من تجربة الحياة على أمل العودة إلى الوطن، لكن هذه المرحلة طالت واستطالت ودخلت بسببها هذه الشخصيات في متاهات الوجود وألاعيبه. ومن ثم تعددت سبل الحياة واختلفت المصائر. ومن خلال هذه المصائر المتباينة تتضح لنا مقالب التاريخ، وخلل الراهن.
في محكي طالب المالكي يبرز موقفه من النظام الجمهوري الذي يعتبره سبب خراب العراق ودماره وفقره؛ فبسببه وقع البلد في قبضة العسكر ذوي العقول الريفية، الذين كان همهم الانتقام من نخب البلد، فشردوا وقتلوا ونهبوا الأموال، وهتكوا الأعراض تحت ذرائع مختلفة: فلسطين مرة، والمساواة والوحدة ثانية، والاشتراكية ثالثة. وبذلك كان هذا “المقلب التاريخي” وبالا على أهل العراق الذين ما زالت معاناتهم الراهنة امتدادا لذلك الحدث التاريخي. وهكذا يُمعن المحكي المتعلق بسيرورة طالب المالكي الحياتية في كشف مهزلة النظام الجمهوري البعثي خاصة، وما جره على البلد والناس والمنطقة من خلل سياسي واجتماعي واقتصادي، وكان من بين ضحاياه المالكي نفسه الذي كان يأمل في العودة إلى مدينته البصرة، لكن هيهات فقد كان المنفى سبيله للنجاة من جبروت ذلك النظام، وإن ظل يعيش بغصة مدينته وأهله الذين حرم منهم. ولم تستطع زوجته بهية ولا إقامته ما بين ليبيا ومقاطعة دالاس الأمريكية أن تنسيه نداء أمه، وزيارة الموتى له إلى أن دخل عالمه المظلم الذي دفعه إليه الألم، واقتنع أن ترهات الساسة العرب لن تعيد المهجرين والمنفيين قسرا إلى أوطانهم، ولذلك عاد بعد ولوجه متاهة العمل المخابراتي في دالاس إلى كولونيا عن طريق بيروت مواصلا حياته في المنفى.
ولا يكاد يختلف محكي فاضل الأنباري عن صديقه المالكي، فهو قدِم إلى ألمانيا في بعثة دراسية منحتها الحكومة في عهد عبد الكريم قاسم للمتفوقين في ثانوية التجارة، وهكذا كان من نصيبه الدراسة في جامعة كولونيا إلى جانب زميل عراقي ثان. كان طالبا مواظبا خطط لعودة سريعة قصد إعانة والده -العامل في شركة النسيج- على نفقات دراسة إخوته وإطعامهم، غير أن انقلاب البعث في الثامن من شباط/فبراير عام 1963 جعله يلغي قراره بالعودة بسبب قربه من نشاطات اليسار الطلابية، ولأنه صار مهددا بقطع رقبته، والعامل الثاني الذي حفزه على اختيار المكوث في منفاه حب ساندرا دوم زميلته في دراسة الاقتصاد التي تزوجها وأنجبا بعد عام واحد ولدا أطلق عليه اسم أبيه “ياسين”. وهكذا كان النظام البعثي سببا في تخلخل حياة الأنباري، ومن ثم اختياره المنفى على العودة إلى بغداد. وقد ظل يشعر بتأنيب ضمير وشعور ممض بخذلانه للعائلة كان من نتائجه دخول عالم الكحول، وفوضى الهذيان. وبهذه الكيفية كان هذا “المقلب التاريخي” وراء مأساة الأنباري التي ستكتمل ذروتها بمقتل ابنه في أفغانستان محاربا في صفوف “القاعدة”، ثم تحول حياته نحو منعطفات جديدة.
أما سليم القصير فيركز محكيه على نظرته المتفتحة، ونزوعه للسفر، وحبه للمرأة، وحبه للحياة. وهو بدوره دفعته رياح الغربة بعيدا عن وطنه بغداد ليصل إلى كولونيا بعد رحلة لولبية عبر الجزائر والمغرب. وجعله مكر التاريخ يحيا في منفاه الألماني، اضطرارا لا اختيارا كبقية أصدقائه. وسليم القصير وجه آخر من أوجه تصوير “مقالب التاريخ” وفعله في تشكيل مصائر شخصيات الرواية. إذ إنه جاء ألمانيا لدراسة الفلسفة في جامعة كولونيا، وارتبط بياسمين غير أن ضغط والديها حال دون انتهاء قصتهما بالزواج. ظل تحت وطأة صدمة خسران حبيبته عامين كاملين إلى أن أخرجه صديقه السوري جورج حوراني من ظلماته الدامسة باقتراحه عليه أن يتقدم بطلب العمل كمترجم أو مذيع في القسم العربي للإذاعة الألمانية. وفعلا تم التحاقه للعمل بالقسم، ووجد في جورج حوراني صديقا مخلصا شاركه أسفاره إلى الهند وسيريلانكا وتايلند وبالي وإسبانيا وجزر الكناري، وعاشا أجمل اللحظات في منفاهما الكولوني. غير أن سفينة الحياة العملية لم تمض بهما في بحر هادئ، فبمجيء ثريا بلخامسة الجزائرية وبمجرد تسلقها وتوليها إدارة القسم العربي قامت –منعا لهدر المال العام كما زعمت- بسحب الترجمة من القصير، ثم تم تسريحه دون تعويض، أما حوراني فقد أحيل إلى التقاعد المبكر مع تعويض بسيط. وهكذا كان “مقلب التاريخ” مرة أخرى وراء خَلل راهن القصير والحوراني، فتعاطفهما مع المرأة الجزائرية ابنة بلد المليون شهيد، كان وراء ما جرى لهما. فقد تبين للقصير ميول المرأة للإسلاميين وحقدها على المسيحيين، ومن يختلف معها في الرؤية، فعملت على تصفية حساباتها معهم عن طريق الطرد والتسريح من الإذاعة. وطبعا تكشف حالة هذه الشخصية عن اختلالات سياسية واجتماعية في البلاد العربية تجد امتداداتها الشوهاء في بلاد المهجر كلما أتيحت الفرصة لأمثال ثريا بلخامسة للإدارة والتحكم. وهكذا تقف الرواية من خلال هذا النموذج عند وجه من أوجه الخلل المستشري راهنا: إضمار نوايا وإظهار أخرى في سياق سلوك مزدوج غير متزن ولاعقلاني، هذا فضلا عن انتهازية هذه النماذج ووصوليتها لتحقيق غاياتها الملتبسة. ولطالما آمن سليم القصير بأن الانتماء إلى هذا التنظيم أو ذاك يتم بصدفة عمياء حينما لا يجد الشباب أمامه أماكن ولا تتأتى له الفرص ليعيش حياته العادية ولتصريف طاقته العارمة، ومن هنا ترك السياسة وعاش للأدب.
وبالنسبة إلى حسين البحر النجفي المولد، صديق الجميع كما يقول عن نفسه، والرجل الذي لا تعنيه الميول والاتجاهات السياسية، لأنه كان يحلم أن يصبح ثريا بكل السبل التي تجعله يحصل على المال، فقصته قصة أخرى تختلف قليلا عن الشخصيات الأخرى، لكنها حكاية مغترب آخر ومغامر أصابه الخلل الذي أصاب المجتمع وكان وراءه مقالب التاريخ ومهازل السياسة. هكذا عمل حسين البحر بتجارة السيارات ثم الأسلحة، وعمل جاسوسا لدولة يكره توجهاتها، وجاسوسا لبلده، ومتعاونا مع المافيا الكولومبية، ومتعاطفا مع المقاومة الفلسطينية. وعبر هذا المسار القلق تبدى مقلب آخر من “مقالب التاريخ” في المنطقة التي ينتمي إليها البحر، وتجسدت هشاشة الانتماءات أمام سطوة المال وجبروته، وقداسته وقدسيته التي تبيح ضرب كل القيم عرض الحائط. ومن خلال هذا النموذج يقف الكاتب عند نمط من الخلل الذي استشرى في زمننا المعاصر، وبين عن خواء الروح وفراغ الذهن والوجدان. وقد كان هذا النموذج مثالا لإنسان عصر الاستهلاك ومثالا للإنسان اللامبالي سوى بتحقيق متعه ورغائبه. وهو الرجل الذي يعرف كيف يتدبر أموره بالدهاء والحيلة، فبعد طرده من ميونيخ بعد حادث اغتيال الرياضيين الإسرائيليين وضابط من الشرطة الألمانية وخمسة من المهاجمين في أولمبياد سبتمبر 1972، عاد باسم جديد وجواز سفر آخر إلى ألمانيا. ونظرا إلى مسار حياته الملتبس تركته زوجته بعد طلاقها منه وحملت معها بنتيه، وكان الموت اغتيالا وراء نهايته في عملية قامت بها المخابرات العراقية التي تفطنت لألاعيب حسين ومقالبه، ولم تنس حسابها معه إذ علمت أنه عمل مع عدوها الإيراني. وبهذا انتهى مقلب حسين التاريخي بمأساته الشخصية التي دفع ثمنها بسبب خلله وتطلعاته المادية المبالغ فيها.
والعنصر النسائي البارز في جوقة “منشدو كولونيا” هي ياسمين، المرأة التي رفض نظام العراق السماح لها بالدراسة في جامعة بغداد لأنها لا تمتلك “الجنسية العراقية”، ولذلك أرسلتها عائلتها للدراسة على نفقتها الخاصة في ألمانيا، واستأجرت لها شقة صغيرة وسط المدينة بمبلغ ثلاثمائة مارك كي تكون بعيدة عن صخب الحي الجامعي، وكان يصلها من الكويت شهريا مبلغ ثلاثة آلاف مارك. وقد انخرطت ياسمين في جوقة المنشدين، وانجذبت لسليم القصير غير أن رياح الواقع الاجتماعي المختل ومكر التاريخ ومقالبه حملتها إلى أصقاع أخرى، وإلى أذرع رجال آخرين غير ذراعي سليم القصير. فقد رفضت عائلتها الغنية -التي تنتمي إلى طبقة تجار بغداد من أصول إيرانية-، خاصة الأم التي زعمت أن القصير غاطس في نشاط سياسي مجهول العواقب، وهكذا لم تُجد تدخلات صادق (أخ ياسمين وصديق سليم) في تغيير موقف الأم التي أكدت أن ابنتها لن يتزوجها إلا أحد أبناء المذهب الجعفري، وأنها وعدت صديقة لها أعربت عن رغبتها في زواج ابنها بياسمين. وفعلا ستتزوج ياسمين من طالب الفيزياء النووية عادل ذاكر لتلتحق به بعد العرس إلى لندن حتى يكمل دراسته ثم يعودان إلى إيران. وبعد الاستقرار في طهران وبعد سنتين من زواجها ستتعرف ياسمين على شاكر تاجر الذهب العراقي ليربطهما عشق جنوني كان من نتائجه الفرار من حياتها المملة مع زوجها مهندس الفيزياء النووية. وبعدما تم الطلاق بينها وبين زوجها اقترنت بشاكر وعاشا ثلاث سنوات في دبي أثمرت ولدا وبنتا، غير أن ياسمين المتحررة الباحثة عن اللذة دخلت تجربة جديدة مع سلاَّم العراقي وكيل إحدى شركات التجميل الكبرى في دبي. اكتشف زوجها الأمر وحاول أن يردها عن طريق الغي لكنها أصرت على المضي على الدرب، فكانت نهايتها الموت اغتيالا بتحريض من زوجها على يد باكستاني من أصحاب السوابق. هكذا كان مسار الفارسية ياسمين مبنيا على خلل روحي وقلق تاريخي رماها إلى شبق وإقبال مفرط على الشهوة حد الموت. هكذا تكشف سيرة المرأة وهي تتداخل بسيرة والديها وزوجها وأسرته عن مقالب التاريخ في كل من العراق وإيران، ومن ثم الكشف عن هول المفارقات والتناقضات التي حكمت المجتمعين العراقي والإيراني وكان لها أثر وخيم على أفراده.
في ضوء ما سلف نستنتج أن الاشتغال الجوهري لرواية “منشدو كولونيا” ركز على كشف أثر الواقع السياسي وتحولات المجتمع في مسار أفراد دفعت بهم الأوضاع المختلة في بلادهم إلى المكوث في المهجر بعدما كانت هجرتهم –كما أملوا- مرحلية للدراسة فحسب، غير أن ديار الهجرة صارت منافي لهم. وفي هذه المنافي تشكلت طموحات وأحلام وهويات جديدة لهذه الشخصيات التي عرفت تحولات في النظر ووزن الأمور من حولها. وبهذه الكيفية كانت الرواية تحليلا فنيا لمقالب تاريخ منطقة الشرق الأوسط وبعض البلاد العربية، إضافة إلى أنها تعرية لما صارت إليه تلك البلاد من فوضى في عهدها ما بعد الكولونيالي، وهي فوضى ناجمة عن اختلالات أسهم فيها الاستعمار ذاته، وكان من نتائجها تحول بلدانه إلى منافي فئات عديدة من مواطني مستعمراته القديمة. وقد شخصت “منشدو كولونيا” هذا البعد وقدمت نماذج مختلفة منه. ولم تقف الرواية عند هذا الجانب، وإنما وقفت عند إشكالات عصر العولمة واستشراء ظواهر العنف والإرهاب، ودخول الشباب في هذا العصر المضطرب زوايا مظلمة تؤدي بهم إلى الموت مجانا في أصقاع بعيدة عن أوطانهم، كما رأينا في حال ياسين ابن فاضل الأنباري. وتطرح الرواية قضايا الهوية مع شخصية ياسمين الموزعة بين العراق وإيران، وألمانيا ودبي، وما عانته أسرتها بسبب “الجنسية العراقية” التي لا تمتلكها بسبب أوضاع تاريخية وظروف مختلة جعلت عائلة ياسمين بغير هوية ثابتة. كما أن الزواج المختلط له تبعات سيئة تمثلت في عدم القدرة على تشكيل أسر ثابتة سوية، فيكون مصير الأولاد إما الحرمان من أحد الوالدين(أولاد حسين البحر، وأولاد الأنباري) أو اتخاذ مسارات خاطئة في الحياة(ياسين ابن الأنباري).
من خلال المعطيات التي وقفنا عندها نتبين أن رواية “منشدو كولونيا” اهتمت بمعالجة قضايا راهنة من أفق فني ودلالي غني كان قوامه تعرية مكر التاريخ ومقالبه، وتجلية أثره على حيوات أفراد من مجتمعات مختلفة عانت جراء الاختلالات الناجمة عن عوائق تاريخية كان الفاعل الأساس فيها اضطراب السلطة واختلال نظرتها إلى الوجود والحياة، وتدبير شؤون البلاد والعباد. وبهذه الكيفية كانت الرؤية النقدية الرافضة والشاجبة تثوي وراء المتخيل السردي في رواية “منشدو كولونيا” مما يؤكد انطلاقها من هواجس روائية ما بعد كولونيالية.
ويبقى أن نشير في ختام هذه القراءة إلى أن هذه الرواية شكلت بناءها الفني لا على أساس عرض الأحداث بطريقة كرونولوجية، وبالكيفية التي سقناها أعلاه في هذه القراءة، بل إن محكيات الشخصيات تتداخل وتمتزج، وإن التلاعب بالزمن بين الراهن والماضي، وتنويع ضمائر الحكي ما بين الغائب والمتكلم والمخاطب، والانتقال من السرد إلى الوصف والحوار، والربط بين الأحلام والمعيش الفعلي، وبين الواقعي والفانتاستيكي يجعل من النص عملا روائيا ينتمي إلى نمط الرواية الجديدة: رواية الراهن، ويجعله متميزا بقدرته على التشويق وشد القارئ إليه بإمكاناته الفنية المتنوعة فضلا عن الرؤية التي يقدمها في تفاعله مع التاريخ ومع تحولات الحاضر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 135 / 2184662

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع رواية وفضاءات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2184662 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40