السبت 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

لطيفة الحاج قديح في «آخر النفق»

سلمان زين الدين
السبت 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

منذُ قرنٍ ونيِّف، وبالتَّحديدِ عام 1899، صدرَتْ في بيروت روايةُ «حسن العواقب أو غادة الزاهرة» للأديبةِ العامليةِ زينب فواز، فشكّلَتْ إحدى أوائلِ الرواياتِ العربية متقدّمةً على روايةِ «زينب» لمحمد حسين هيكل التي صدرَتْ عام 1914 في القاهرة، بِخمسةَ عشرَ عامًا، معَ فارقٍ مهمٍّ هوَ أنَّ الأولى تجرَّأَتْ على وضعِ اسمِها الحقيقي على الروايةِ، فيما لم يمتلكِ الثاني مثلَ هذهِ الجرأةِ، فَوَضعَ على روايتِهِ اسمَ «مصري فلّاح». وبذلكَ، تكونُ قدِ اجتهدَتْ وأصابَتْ، وكسبَتْ أجرَيِ الريادةِ والجرأة. وإذا ما علمْنا أنّ تلكَ الروايةَ النسائيةَ تضمّنَتْ إرهاصاتٍ بالروايةِ النَّسَوِيَّة، بما اشتملَتْ عليهِ من تأكيدٍ على حقِّ المرأةِ في الاختيارِ وحرِّيَّةِ الرأيِ في مجتمعٍ ذكوري، يُمكِنُ أن نُضيفَ إلى ريادةِ النوعِ الأدبيِّ ريادةَ المضمونِ النَّسَوِي. وهنا، لا بدَّ منَ التفريقِ بينَ مصطلحِ الروايةِ النسائيةِ الذي يَعْني ما تَكتُبُهُ النساءُ بِصَرْفِ النظرِ عنِ المضمونِ الحكائي، ومصطلحِ الروايةِ النَّسَوِيَّةِ الذي يتناولُ موقعَ المرأةِ في المجتمعِ الذكوري.
منذُ «حسن العواقب» الصادرةِ قبلَ مئةٍ وعشرينَ عامًا، راحَتِ الرواياتُ تَتَوالى، حتى أصبحَت لديْنا مكتبةٌ روائيةٌ نسائيةٌ / نَسَوِيَّة. واليومَ، تأتي الأديبةُ العامليَّةُ الأخرى لطيفة الحاج قديح لِتُضيفَ روايةً جديدةً إلى هذهِ المكتبة.
«آخِرُ النَّفَق» (دار الفارابي) هيَ الروايةُ السادسةُ في مسيرةِ قديح الروائيةِ التي باشرَتْها، منذُ تسعةَ عشرَ عامًا، بِروايةِ «مواويل الغربة». وبذلكَ، تَتَوالى رواياتُها بِوتيرةِ روايةٍ واحدةٍ كلَّ ثلاثِ سَنَوات. وإذا كانَ موضوع النَّسَوِيَّةُ يشْغَلُ حَيِّزًا ملحوظًا في المشهدِ الروائيِّ العربيِّ لا سيَّما في ما تَكتُبُهُ النِّساء، وَيتَناولُ موقعَ المرأةِ في المجتمعِ الذُّكوريِّ خاصَّةً في بُعْدِهِ الاجتماعي، فإنّ «آخِرَ النَّفِقِ» تَتَناولُ هذا الموضوع من زاويةٍ مختلفةٍ هيَ زاويةُ المقاومة. وهذهِ الأخيرةُ تَتَقاطَعُ معَ النَّسَوِيَّةِ في رفضِ الظلم؛ النَّسَوِيَّةُ تَرْفُضُ الظُّلمَ الواقعَ على المرأةِ من المجتمعِ الذكوري، والمقاومةُ تَرْفُضُ الظُّلمَ الواقعَ على الأمَّةِ منَ العدوِّ الاسرائيلي. وَبِهذا المعنى، يَكونُ الاحتلالُ شكلاً من أشكالِ الذكوريَّةِ السِّياعسكريَّةِ تَنْبَغي مقاومتُهُ، كما تَكونُ الذُّكوريَّةُ شكلاً من أشكالِ الاحتلالِ الاجتماعي ينبغي التَّحرُّرُ مِنْه.
بالدُّخولِ إلى الرِّوايةِ من عَتَباتِها، نُشيرُ إلى أنّ خُمْسَ عناوينِ الوحداتِ السَّرديةِ السَّبعةِ والعشرينَ، أقوالٌ مأثورةٌ أو أمثالٌ شعبيَّة، وأنّ حَوالى نِصْفِها يَنْطَوي على مضمونٍ مقاوم، كـ:»العين تُقاوِمُ المخرز»، «الاحتلال أسير انتفاضتين»، «الأرض السمراء»، «بيادر الطفولة»، «رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة»، «ما أُخِذَ بالقوَّةِ لا يُسترَدُّ إلاّ بالقوّة»، «زينة الحياةِ الدنيا»، «الأم الحانية للنضال»، «وَصَلَ صوتكِ إلى الأممِ المتَّحدة»، «آخر النفق»، و«أمنية». وهذهِ العتباتُ تُحيلُ إلى عالَمٍ مرجعيٍّ ريفيٍّ، شعبي، تَحْكُمُهُ منظومةُ قِيَمٍ تَتَرَبّعُ القِيَمُ الوطنيَّةُ على رأسِ سُلَّمِها، عَنَيْتُ بِهِ الجَنوبَ المقاوم.

الاحتلالُ شكلاً من أشكالِ الذكوريَّةِ السِّياعسكريَّةِ تَنْبَغي مقاومتُهُ، كما تَكونُ الذُّكوريَّةُ شكلاً من أشكالِ الاحتلالِ الاجتماعي ينبغي التَّحرُّرُ مِنْه.

بالانتقالِ منَ العَتَباتِ إلى المتن، نُشيرُ إلى أنَّ الروايةَ، على المستوى النَّصّي، تبدأُ بترحيلِ فاطمة علم، الشخصيَّةِ المحوريَّةِ فيها، إلى المعتقَلِ، في الثمانينيّاتِ من القرنِ الماضي، وتنتهي بجلسةٍ عائليَّةٍ في بيتِها، في أواخرِ العَقْدِ الأوَّلِ من القرنِ الحالي. وهيَ، على المستوى الحَدَثي، تَنفتِحُ على أزمنةٍ وأمكنةٍ أخرى، خارجَ البدايةِ والنهايةِ النَّصِّيتَّيْنِ، مستخدمةً تقنيَّتَيِ الاسترجاعِ والاستقدامِ وغيرَهِما. وتقولُ حكايةَ المرأةِ المقاومةِ الظُّلم، على الصعيديْنِ الاجتماعيِّ والسياعسكري، وتطرحُ المسألةَ النَّسَوَيَّةَ منذُ الأسطرِ الأولى فيها. تَنقُلُ فاطمة، في مستهلِّ الروايةِ، ما تَسمَعُهُ من أقاويلَ وأسئلةٍ في محيطِها: «أنتِ تُكثِرينَ الخروجَ منَ المنزلِ يا فاطمة! وما شأنُ النِّساءِ بالسِّياسة؟ وما شأنُكِ أنتِ بالتَّحرير؟ على المرأةِ فقطْ الاهتمامُ بِبيتِها وزوجِها وأولادِها!». هذا الاستهلالُ يُشكّلُ خريطةَ طريقٍ للحوادثِ الروائيةِ، وَيُحيلُ إلى عالَمٍ مرجعيٍّ، أبويٍّ، بطريركي. يَحصُرُ حركةَ المرأةِ في بيتِها، وَيُحَرِّمُ عليها الخروجَ منَ المنزلِ والتَّعاطيَ في الشَّأنِ العام. والروايةُ هيَ حكايةُ الخروجِ على هذا العالمِ وأحكامِهِ الذُّكوريَّة، من خلالِ حكايةِ فاطمة عَلَم، الشخصيةِ المحوريةِ فيها، الراويةِ والمرويِّ عنْها.
في الوقائعِ الحِكائية، فاطمة هيَ ابنةُ ميسِ الجبل تُولَدُ في حيفا، وَتَنشَأُ بينَ القريةِ، وحيِّ اللِّجى في بيروت، والعباسيةِ في الجنوب. ولعلَّ هاتيْنِ الولادةَ والنشأةَ هما ما يَفتَحُ وَعْيَها المبكِّرَ على القضيةِ الفلسطينية، وعلى العَلاقةِ العُضْويَّةِ بينَ هذهِ الأماكنِ الروائية، على المستوييْنِ الاجتماعيِّ والجغرافي. وفي نظرةٍ سريعةٍ إلى حياةِ هذهِ الشخصيةِ ونظيراتِها، تُطالِعُنا جملةٌ من الوقائعِ التي يُمكِنُ تقسيمُها بينَ ممارساتٍ ذكوريَّةٍ تَقَعُ عليهِنَّ، وآليّاتِ دفاعٍ يَلْجَأْنَ إليْها في مواجهةِ هذهِ الممارسات، على الصعيديْنِ الاجتماعيِّ والسياعسكري.
على المستوى الاجتماعي، تَتَمَظْهَرُ الممارساتُ الذُّكوريةُ في جملةِ وقائعَ هيَ: حرمانُ فاطمة من التعلّمِ بسببِ جنسِها، تَعَرُّضُها للصَّفعِ من أخيها أحمد كي تَقْبَلَ الخِطبةَ منِ ابنِ خالِها، إكراهُها على الزَّواجِ من حسيب، قيامُ الزَّوجِ بِضربِها وتعنيفِها والسُّخريةِ من وطنيَّتِها، مخاصمتُهُ إيّاها لإنجابِها بنتًا، طَلاقُها منْهُ، حِرْمانُها من حَضانةِ ابنتِها ورؤيةِ أولادِها، وغيرُها، وفي مواجهةِ هذهِ الممارسات، تَرفُضُ ما يُفرَضُ عليْها، تُفضِّلُ حريَّتَها على الأسرِ الزَّوجي، تَتَحَمَّلُ قسوةِ الابتعادِ عنْ أولادِها، تَتَمَسَّكُ بِحقِّها في الخُروجِ والعملِ والتَّعلُّمِ والاختيارِ والحَياة، وَيَكونُ لَها ما تُريدُ.
على المستوى السِّياعسكري، تَتَمَظْهَرُ الممارساتُ الذُّكوريةُ في جملةِ وقائعَ هيَ: اعتقالُ الزوجِ عبدِالله، اعتقالُها هيَ والتَّحقيقُ معَها، تَعَرُّضُها للتَّعذيبِ الجَسَديِّ والنَّفسي، اجتياحُ المُدُنِ والقُرى، اعتقالُ المقاومين، استباحةُ الأرض، هدمُ البيوت، ارتكابُ المجازر، وغيرُها، وفي مواجهةِ هذهِ الممارسات، تَلْجَأُ فاطمة إلى كلِّ أشكالِ المقاومةِ مُسْتَنِدَةً إلى وعيِها الوطنيِّ والقوميِّ الحادِّ الذي تفتّحَتْ براعمُهُ مُبَكِّرًا في ربيعِ حياتِها؛ فَتَعْمَلُ في اللجانِ الوطنية، وَتُدافِعُ عن الفلسطينيِّينَ بالكلمةِ والموقف، وتَقومُ بِتَجْميعِ الناسِ وَتَحْريضِهِم وتَنْظيمِ التَّظاهُراتِ الاحتجاجية، وَتَكتُبُ الشِّعارات، وَتُوزّعُ المنشورات، وَتَبحَثُ عنِ السِّلاح، وَتَدرُسُ المكان، وتُجنِّدُ الشُّبّان، وَتَبُثُّ روحَ الصُّمودِ داخلَ المعتقلِ بالحكاياتِ والذِّكريات، وغيرِها، إلى أنْ يَتِمَّ الإفراجُ عنْها، وَيَكونُ لَها ما تُريدُ.
في الخطابِ الرِّوائي، يُمكِنُ الكلامُ على فضاءيْنِ روائيَّيْنِ اثنيْنِ؛ الأوّل مُغْلَق نُمَثّلُ عليْهِ بالشاحنةِ والمُعْتَقَلِ، والثاني مفتوح نُمَثّلُ عليِهِ بِالبيتِ، والفضاءانِ يَتَعاقَبانِ في الرِّوايةِ ولا يَتَزامَنان. يَحْتَضِنُ الفضاءُ الأوَّلُ زمنَ الاعتقالِ ووقائعِهِ وما يستدعيهِ من ذكرياتٍ وحكاياتٍ تَلعَبُ دورًا تَعْبَويًّا وَتَحُضُّ على المقاومةِ والصمودِ؛ ففاطمة التي تُقِلُّها الشاحنةُ إلى المُعْتَقَلِ معصوبةَ العينيْنِ تَلوذُ بِذاكرتِها تَسْتَمِدُّ منْها ذكرياتِ نضالِها، وَتَعْكُفُ على داخلِها تَسْتَخْرِجُ منْهُ ما تُواجِهُ بِهِ الخارج. وَهَكَذا، تَقومُ عَلاقةٌ جدليةٌ بينَ الوقائعِ القاسيةِ والذكرياتِ الداعمةِ تُؤَدّي إلى توازنِ الشخصيةِ وعدمِ انهيارِها.

لعلّ الدرسَ المزدوجَ الذي تُقدّمُهُ لطيفة الحاج قديح في «آخرِ النفق» هوَ أنَّ آخرَ نفقِ المقاومةِ هوَ تحريرُ الأرض، وآخرَ نفقِ النَّسويَّةِ هوَ حرِّيَّةُ المرأةِ / الإنسان. والتَّحريرُ والحــــُرِّيَّةُ وجهانِ لعملةٍ واحدة.

الفضاءُ الآخَرُ المُغْلَقُ هوَ الزنزانةُ في سِجْنِ الرَّملةِ الذي يَحْتَضِنُ زمنَ الاعتقالِ بِدورِهِ، وَيُرْخي على السَّجيناتِ بِوقائعَ قاسية، فَيَتَّخِذْنَ منَ الحكيِ آليَّةَ دفاع. تَرْوي كلٌّ منْهُنَّ حكايتَها باختصار، غيرَ أنَّ فاطمة تَسْتَأثِرُ بِالحيِّزِ الأكبرِ منَ الحكي، فَتَسْتَعيدُ سيرتَها الذاتيةَ/ النضالية، تَسْتَمِدُّ منْها القوَّةَ وَتَمُدُّ بِها الأخريات. وهكذا، تِتِوالى جَلْساتُ الحكيِ في الزنزانةِ، وَتُوَسِّعُ المكانَ، وَتَفْتَحُهُ على آفاقَ رحبة. فاطمة تَحْكي والأخرياتُ يُصْغينَ وَيَطْرَحْنَ الأسئلةَ المحفّزةَ على الحكي، فَكَأنَّنا، بِشكلٍ أوْ بِآخَرَ، إزاءَ نُسْخَةٍ مُعاصِرَةٍ من «ألفِ ليلةٍ وليلة»، تَتَّخِذُ منَ الوقائعيِّ وليسَ المتخيَّل مادَّةً لَها، تَقومُ فيها فاطمة بِدورِ شهرزاد، وَتَقومُ السَّجيناتُ الأُخْرَياتُ بِدورِ شهريار. على أنَّ وظيفةَ الحكي، في هذهِ النُّسخةِ، مغايرةٌ، ففيما هدفَتْ شهرزادُ إلى ترويضِ شهريار وشفائِهِ من عُقَدِهِ النفسيةِ بِواسطةِ الحكي، تَهْدُفُ فاطمة، عن قصدٍ أوْ غيرِ قصد، إلى بثِّ روحِ المقاومةِ وَتَعْزيزِ الصُّمودِ في أنْفُسِ السَّجينات. وظيفةُ الحكي في «ألفِ ليلةٍ وليلة» علاجيَّةٌ، بينَما وظيفتُهُ في «آخِرِ النَّفَقِ» تَعْبَويَّة.
أمّا الفضاءُ المفتوحُ فَنُمَثّلُ عليْهِ بِبيتِ فاطمة بعدَ الخروجِ منَ المُعْتَقَلِ، وَهوَ يَحْتَضِنُ زمنَ التَّحريرِ، وَوقائعَهُ الجميلةَ، وَذكرياتِ الاعتقالِ القاسيةِ، في نوعٍ منِ انقلابِ الوظائفِ الروائيةِ لِلتِّقنيّاتِ المختلفة، تِبْعًا لِتَغَيُّرِ الفضاءِ الروائي؛ في الزنزانةِ كانَتِ الوقائعُ قاسيةً والذكرياتُ جميلة، بينَما في البيتِ أصبحَتِ الوقائعُ جميلةً والذكرياتُ قاسية، حتى لَكَأنَّ الفضاءَ يَفرُضُ هُوِيّتَهُ على الناسِ والحوادث. وهكذا، تجتمعُ الأسرةُ في بيتِ فاطمة، وقدْ شَطَّ بِها الزَّمَنُ عنْ تاريخِ الاعتقال، وَيَتَناوَبُ على الحكي، على مَسْمَعِ الأولادِ والأحفاد، فاطمة وَأمُّها الثَّمانينيَّةُ صُبْحِيَّة التي تَسْتَأثِرُ بِالحَيِّزِ الأكْبَرِ من الحكي. هما تَحْكِيانِ، والأولادُ والأحفادُ يُصْغونَ وَيَسْألونَ. وَهُنا، يَتَّخِذُ الحكيُ دورًا تربويًّا تَعْبَويًّا، فَيَنْقُلُ الأجدادُ والآباءُ للأولادِ والأحفادِ حكاياتِ البطولةِ والمقاومةِ ورفضِ الظلم. وإذا كانَ الشَّكلُ الذي يَتِمُّ فيهِ الحكيُ في الزنزانةِ يَقْتَرِبُ منْهُ في الليالي الألف، فإنَّ الشَّكلَ الذي يَتِمُّ فيهِ الحكيُ في البيتِ يَقْتَرِبُ من ذاكَ الذي يُمارِسُ فيه الحكواتي الشَّعبي وظيفتَه. على أنَّ المفارقَ، في هذا المَقام، هوَ أنَّ الفضاءَ الثانيَ المفتوحَ شَكّلَ مادَّةً لِلحكي في الفضاءِ الأوَّلِ زَمَنَ الاعتقال، بينَما شَكّلَ الفضاءُ الأوَّلُ المُغْلَقُ مادَّةً لِلحكي في الفضاءِ الثاني زَمَنَ التَّحْرير.
إلى ذلكَ، يَبْقى الكلامُ على الخطابِ الرِّوائيِّ في «آخِرِ النَّفَقِ» ناقصًا ما لم نَتَوَقّفْ قليلاً عندَ رسمِ الشَّخصيَّةِ المحوريَّةِ في الرواية، فَعَلى الرَّغمِ منْ قدرةِ هذهِ الشَّخصيَّةِ على الرُّسوخِ في الذاكرةِ الجماعيةِ لارتباطِها الوثيقِ بِالعالمِ المرجِعيِّ الذي تَتَحَدَّرُ منْهُ وَتُحيلُ إليْهِ، فَإنَّ ثمّةَ هَناتٍ تَعْتَوِرُ رسمَها، فَإذا كانَ وعيُها السياسيُّ الذي يَتّخِذُ لَبوسَ الوعيِ الوطنيِّ والقومي، في بداياتِ الرِّوايةِ ونهاياتِها، بِحُكْمِ ولادتِها في حيفا، ونَشْأتِها في ميس الجبل، وتَمَرّسِها بالنِّضالِ في بيروت، ومعاصرتِها صغيرةً النكبةَ الفلسطينية، وكبيرةً العملَ الفدائي، يُشَكّلُ أمرًا طبيعيًّا، فإنَّ اتَّخاذَ الوعيِ الاجتماعيِّ لَبوسَ الطائفيةِ والحزبيةِ، في أواسطِها، يَنْحَرِفُ بِهذهِ الشَّخصيَّةِ عن مسارِها الطبيعيِّ المنسجمِ مع منطلقاتِها وأهدافِها. ناهيكَ من انزلاقِها إلى دَرْكِ التَّبشيرِ الأيديولوجيِّ طائفيًّا وحزبيًّا، في بعضِ المشاهدِ الرِّوائيَّة، الأمرُ الذي يَنْتَقِصُ من روائيّتِها، إلى حَدٍّ ما.
وبعد، لعلّ الدرسَ المزدوجَ الذي تُقدّمُهُ لطيفة الحاج قديح في «آخرِ النفق» هوَ أنَّ آخرَ نفقِ المقاومةِ هوَ تحريرُ الأرض، وآخرَ نفقِ النَّسويَّةِ هوَ حرِّيَّةُ المرأةِ / الإنسان. والتَّحريرُ والحــــُرِّيَّةُ وجهانِ لعملةٍ واحدة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2184601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع رواية وفضاءات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40