بمنتهى الصراحة والوضوح, أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن واشنطن ترغب في الحوار مع“الجبهة الإسلامية”. للعلم فإن هذه الجبهة متحالفة مع “القاعدة”التي تضعها الولايات المتحدة على رأس المنظمات الإرهابية في العالم, والتي قامت بحرب من أجل القضاء عليها في أفغانستان. وأفادت أنباء متعددة بحصول لقاء في اسطنبول بين مندوبين أميركيين ووسطاء على علاقة وطيدة بالجبهة الإسلامية.
وهكذا واشنطن وتحت ستار البراجماتية, فإنها تضع يدها في يد الشيطان, ليس ذلك فحسب, وإنما تتخلى أيضاً بمنتهى البساطة عن حلفاء سابقين لها، فبعد التخلي عن“المجلس الوطني السوري” من قبل, وضعت يدها في أيدي“الائتلاف السوري” وذراعه العسكري “الجيش الحر”. ومع خسارة الأخير لغالبية مواقعه في سوريا نتيجة لهجمات تلقاها أدت إلى هزيمة ساحقة على الأرض لهذا الجيش من قبل “الجبهة الإسلامية”, هذه التي تضم فصائل إسلامية عديدة مثل: جيش الإسلام (الذي استطاع احتواء منظمات إسلامية عديدة توحّدت تحت لوائه) وتنظيمات إسلامية أخرى مثل: “لواء التوحيد” “أحرار الشام” وغيرها. هذه شكلت فيما بينها ما يعرف بـ“الجبهة الإسلامية”. والتي فعلياً أصبحت من أقوى تنظيمات الفصائل المسلحة للمعارضة السورية. الجبهة ومثلما أعلن نفر من قادتها وقادة جبهة النصرة التابعة للقاعدة: تقوم بعمليات عسكرية عديدة مشتركة مع الأخيرة. واشنطن تهدف في عرضها الحوار مع الجبهة الإسلامية إلى:
أولاً: الإمساك بورقة قوية من أجل مواجهة النظام السوري في مؤتمر جنيف2, بحقائق تعتقد أنها ستجبر الدولة السورية على تقديم تنازلات مهمة للمعارضة السورية, وبخاصة المسلحة منها. الذي نقوله على هذا الصعيد بأن واشنطن لا تستفيد من عبر ودروس تجربة ما ينوف عن السنتين ونصف السنة من القتال الدائر في سوريا. لقد أحرز الجيش الحر في أوقات متعددة ما بدا أنه انتصارات كبيرة على الأرض في مواجهته لقوات الدولة السورية, لكن ما لبثت الأخيرة وأن استعادت معظم المناطق التي كانت تحت سيطرة الجيش الحر. المواقع التي تحتلها المنظمات الأصولية والتكفيرية في المعارضة السورية لن تكون نهاية المطاف, فالدولة السورية وخلال الأشهر الأخيرة حققت انتصارات وإنجازات باهرة على هذه المنظمات.
ثانياً: لقد أبدت الولايات المتحدة من قبل استعداداً للحوار مع حركة طالبان في أفغانستان, وبالفعل وافقت على أن تفتح الحركة مكتب تمثيل لها في إحدى الدول العربية ( لكن هذا المكتب جرى إقفاله فيما بعد). لذا فليس من المستحيل أيضاً قيام الحوار مع منظمة القاعدة نفسها. وممثلتها في المعارضة المسلحة في سوريا “جبهة النصرة” وإلاّ ما معنى بأن ترغب واشنطن في محاورة “الجبهة الإسلامية” التي تملك أوثق العلاقات مع جبهة النصرة؟ ومثلما قلنا يقوم التنظيمان بعمليات عسكرية مشتركة ( في الغوطة الغربية, وفي بلدة معولا, وعملية حاجز جبعدين وغيرها). كثيرون من المراقبين لم يأخذوا رد فعل الجبهة الإسلامية بإنها لا تنوي عقد حوار مع الولايات المتحدة,على محمل الجد, لذا فلربما ستجري الحوارات بين الطرفين في غرف مغلقة, ودون الإفصاح عنها. ما سبق يعيد إلى الأذهان دور الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً في إنشاء ومساعدة الفصائل الأصولية المتطرفة في أفغانستان, في ثمانينيات القرن الزمني الماضي, من أجل أن تأخذ هذه الفصائل دورها في مقارعة القوات السوفياتية, إبّان تواجدها في الأراضي الأفغانية.
ثالثاً: لقد أثبتت واشنطن مراراً أنها وعندما تميل الرياح ضد حلفائها المقربين في بلدان أخرى, تتخلى عن هؤلاء الحلفاء. جرى ذلك في إيران, عندما تخلت واشنطن عن حليفها السابق, شاه إيران, وعن حليفها في تونس إبّان الانتفاضة التونسية، وبالتالي ليس مستغرباً أن تتخلى واشنطن عن حليفها الأبرز في المعارضة السورية “الجيش الحر” والذي دعمته بأفضل أنواع الأسلحة, إلى أن جاءت الجبهة الإسلامية وقامت بالاستيلاء على مخازن الأسلحة لهذا الجيش. هذا في الوقت الذي كانت فيه واشنطن في قمة الحذر من وقوع الأسلحة المتطورة في أيدي الأصوليين والمتطرفين! ما نراه الآن أن هذه الأسلحة المتطورة هي بالمعنى الفعلي أصبحت بين أيدي هؤلاء المتطرفين. لا تكتفي واشنطن بذلك بل هي ما زالت تورّد الأسلحة إلى المعارضة السورية.
رابعاً: التحولات في الموقف الأميركي بالنسبة للقوى الأصولية والتكفيرية في سوريا تأتي في الوقت الذي تعلن فيه الجبهة الإسلامية مواقفها العلنية, بالنسبة لمستقبل سوريا, فهي تصف الدولة المدنية بأنها “وصف غير محدد الدلالة درج على ألسنة الكثير من الناس وهو اصطلاح مرفوض لما يسببه من تضليل وإضاعة حقوق” وتعلن أنها“ستتعاون مع كل فصائل المعارضة الأخرى في بناءالدولة الإسلامية في سوريا”, رغم ذلك يأتي وصف جون كيري لموقف الجبهة بأنه“معتدل”!.
على صعيد آخر فإن واشنطن وفيما يتعلق بمستقبل النظام السياسي في دول المنطقة, تأخذ بعين الاعتبار“الأمن الإسرائيلي”أولاً وأخيراً. بالتالي فإن موقف واشنطن بالنسبة للحراكات السياسية في دول ما يسمى “بالربيع العربي” ينطلق من هذا المفهوم, ولم تكن واشنطن لتعلن رغبتها في الحوار مع الجبهة الإسلامية لولا وثوقها بأن موقف هذه الجبهة من الموضوع الإسرائيلي تماماً مثلما تريده بالضبط , بدليل أن مراسلين صحفيين إسرائيليين تواجدوا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة, وبكل أمن وسلام كانوا يبثون تقاريرهم إلى أجهزة الإعلام والصحف الإسرائيلية. من زاوية ثانية فإن هذه التنظيمات الأصولية المتطرفة ترى أن الجهاد في سوريا هو أولى من الجهاد في فلسطين ؟!! بالتالي فإن كافة هذه التنظيمات لم تُطلق في يومٍ من الأيام طلقة واحدة باتجاه إسرائيل, ماذا يعني ذلك؟ سؤال نوجهه برسم كل الذين يتساءلونه.
من ناحية ثانية: نقول في دعم وجهة النظر السابقة ما يلي:
لقد سبق للولايات المتحدة وأن قامت بعقد اتفاقيات مع الإخوان المسلمين في كل من مصر وتونس وغيرهما. وضمنت من خلال هذه الاتفاقيات عدم المساس من قبل هذه الدول فيما يعكر صفو العلاقات مع إسرائيل, وبالفعل أصبحت اسرائيل لمرسي “الدولة الصديقة” ورئيسها “الصديق العزيز” لذا فليس من المستغرب أن تصل الولايات المتحدة مع هذه الفصائل ومنها “الجبهة الإسلامية” إلى صيغة اتفاق تضمن عدم المساس مستقبلاً من قبل هذه التنظيمات بالأمن الإسرائيلي. نقول ذلك لأنه لو كانت العلاقات بين واشنطن وهذه التنظيمات التكفيرية عدائية حقيقة, لقامت الأولى بمساعدة القوات السورية من أجل القضاء على هذه التنظيمات, وهذا ما لا يجري, بل يجري عكسه!. على العموم فإن حسابات واشنطن خاطئة تماما.
الأحد 29 كانون الأول (ديسمبر) 2013
عندما تحاور واشنطن“الجبهة الإسلامية”!
الأحد 29 كانون الأول (ديسمبر) 2013
par
د. فايز رشيد
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
22 /
2692433
ar الإعلام المركزي أرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
16 من الزوار الآن
2692433 مشتركو الموقف شكرا