الثلاثاء 6 كانون الأول (ديسمبر) 2011

أزمة سوريا .. رؤية لآلية حل سياسي

الثلاثاء 6 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par حسن بيان

من بين الساحات العربية التي شهدت حراكاً شعبياً ولا تزال، كانت سوريا الأكثر محاذرة في المحاكاة السياسية لما يجري فيها سواء ممن هي عواطفه ومواقفه مؤيدة للنظام، أو تلك المتعاطفة والمؤيدة لحركة الاحتجاج الشعبي، أو تلك التي تقف في منزلة ما بين المنزلتين.

هذه المحاذرة، كان باعثها ثلاثة أسباب، الأول يتصل بطبيعة الموقع السوري في الجغرافيا السياسية العربية، والثاني، له علاقة بطبيعة الخطاب السياسي للنظام، والثالث شبكة العلاقات السياسية الداخلية والخارجية لطرفي الأزمة المباشرين، الحكم والمعارضة.

لكن مع تطور الأحداث، بدأت هذه المحاذرة تتراجع باتجاه وضوح المواقف وآليات التعاطي إن من قوى الداخل بشقيها الرسمي والشعبي وإن من قوى الخارج.

وهذا ما بات يتطلب وضوحاً في الموقف بما يجري في سوريا، ليس من منظار تشخيص الواقع بالاستناد إلى معطياته المادية والسياسية وحسب، بل أيضاً بطرح رؤية لآلية حل، تحمي الثوابت الوطنية وتلبي الحاجة الشعبية الداخلية، لإعادة البناء السياسي للمجتمع السوري على قاعدة ديموقراطية الحياة السياسية.

في سياق هذا الوضوح للمواقف، جاء موقف جامعة الدول العربية الأخير، التي طرحت مبادرة للحل، قوامها وقف العنف، وسحب الجيش من المدن والأحياء، وإيفاد مراقبين، للتحقق من حقيقة ما يجري، وإطلاق حوار بين الحكم والمعارضة بإشراف الجامعة العربية.

وفي سياق المواقف أيضاً، برزت مواقف إقليمية أبرزها الموقفان التركي والإيراني، الأول بتأييده للمعارضة والثاني بتأييده للحكم، كما برزت مواقف دولية يمكن تصنيفها ما بين محور الاستقطاب الأمريكي ومحور التناغم الروسي الصيني.

هذا الاهتمام العربي والإقليمي والدولي بالوضع السوري، يرتبط بأهمية الموقع السوري وسعي كل طرف من أطراف هذا الخارج إلى توجيه مسار الأحداث بالاتجاه الذي يخدم مصالحه وأهدافه.

وهنا، لا بد من التأشير على حقيقة، هي أنه كلما ضاقت هوامش الاستقلالية الداخلية لطرفي النزاع، وكلما طالت الأزمة وارتفعت تكلفة الصراع المفتوح/ بشرياً واقتصادياً وعسكرياً، اتسعت مساحة هوامش التدخل الخارجي، ووجد أطراف الداخل في الحكم والمعارضة، أنهم مندفعون بالضرورة إلى تطوير العلاقات مع الخارج الداعم والمتماهي، وهذا يؤدي إلى تأمين قنوات اتصال وتواصل مع الداخل، وإلى جعل الأوراق تخرج تدريجاً من يد قوى الداخل لمصلحة قوى الخارج وعندها ستصبح الأثمان المدفوعة مضاعفة، لأن التعطيل المتبادل الذي تمارسه قوى الخارج للحلول التي لا تعتبرها ملاءمة لمصالحها، سيدفع الأمور نحو المزيد من التعقيد، بل سيدفعها نحو المجهول.

من هنا، يجب الانطلاق في تقديم رؤية للحل، من تحديد من هم أطراف الأزمة في الداخل. وهذه لا تحتاج إلى تبصير ولا إلى تنجيم ولا إلى الغوص بعيداً في التحليلات.

إن أطراف الأزمة هما الحكم من جهة والمعارضة من جهة ثانية، وإذا كان يقال إن الحكم أسير توازن القوى في بنيته، فإن المعارضة هي أيضاً متعددة الأطراف. لكن الثابت، أن الحكم محكوم بتوجه واحد، في التعامل مع الأزمة وهو أعطى الأولوية للحل الأمني، والمعارضة تتجه إلى بلورة تصور موحد، للتعامل مع معطى الوضع السوري.

وبطبيعة الحالف فإن المنطق الذي يفرض نفسه في البحث عن حل، يوجب أن يكون أطراف النزاع، أطرافاً في الحل، لأن من يكون طرفاً في مشكلة، يكون طرفاً في الحل، إلا إذا كان أحد الأطراف يتصور أن بإمكانه حسم الأمر على قاعدة إلغاء الآخر. وهذا لم يعد ممكناً.

من هذا المنطلق، تطرح رؤية الحل لكن على قاعدة مسلمات :

[**■*] أولى المسلمات : أن يقر النظام بأن المعارضة حقيقة قائمة ويجب أن تكون طرفاً في الحل السياسي للأزمة، وأن المعارضة ليست تلك التي يسميها النظام بل المعارضة الموجودة التي تدير الحراك الشعبي.

[**■*] ثانية المسلمات : أن تقر المعارضة أن الحكم في ظل المعطى الحالي وتداعيات الأزمة طرف في الحل وشريك في تظهير المرحلة الانتقالية.

[**■*] ثالثة المسلمات : أن يكون الحوار بهدف الحل متجهاً لإعادة الهيكلة السياسية للمجتمع وليس لإسقاط الدولة.

وكمقدمات لابد منها، يجب على الحكم، أن يوقف تعامله مع الحركة الاحتجاجية بالأسلوب الأمني، لأن هذا الأسلوب اختبر عقمه، وزاد الأمور تعقيداً، وعلى المعارضة أن تقدم نفسها فريقاً واحداً، وبرؤية سياسية واحدة.

ونظراً لكون الأزمة بلغت مستوى متقدماً من التعقيد، وأن الثقة باتت معدومة بين طرفي الصراع، فإن المخرج لجمع الطرفين إنما يكون عبر طرف ثالث، والطرف الذي يمكن أن يلعب هذا الدور هو الحضور العربي، لسببين : الأول، لتثبيت أهمية هذا الدور في معالجة الأزمات العربية الداخلية، والثاني لقطع الطريق على أية محاولة لدفع الأزمة إلى مدارات دولية. ولهذا تأتي المبادرة العربية لتشكل فرصة يجب التقاطها، وكان الأجدى بالجامعة العربية ألا تقدم على اتخاذ قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، لأن هذا الموقف وإن خاطب مزاجاً شعبياً، إلا أنه يعقد الأمور سياسياً والمصلحة السورية والعربية تقضي بتوفير تسهيلات للحل وليس بزرع عصي في دواليب. ولهذا فإن هذا الموقف بالتعليق للعضوية مرفوض ويجب أن يتم التراجع عنه كي تطلق آلية عملية للبحث عن حل.

أما الرؤية للحل السياسي الذي يخرج سوريا من أزمتها، فهي الإقرار لدى طرفي الأزمة الداخليين الحكم المعارضة بأن الوضع في سوريا قبل 15 مارس/آذار ليس كما بعده، وأن البحث يجب أن ينصب على تحديد الآليات التي تنقل سوريا، من حالة سياسية كانت سائدة إلى حالة جديدة.

وإذا كانت الحالة السياسية السائدة قد جسدت أحادية الحكم السياسي وبما أدى إلى تدمير الحياة السياسية، فإن الحالة الجديدة يجب أن تقوم على أساس اعتماد نظام الفصل بين السلطات، فعلياً وليس نظرياً، وإطلاق الحريات السياسية على قاعدة التعددية السياسية واعتماد الديمقراطية نظاماً للحياة السياسية، وأنه لأجل ذلك، لا بد من إعادة هيكلة سياسية للمجتمع السوري، وهذه الهيكلة، لا تؤخذ بما تقدمه المعارضة من تصورات وتقديرات ولا بما يقدمه النظام أيضاً، بل يكون بالعودة إلى الشعب، الذي هو مصدر كل السلطات وعليه، فإن على المعارضة، أن تسقط من برنامجها حالياً، شعار إسقاط النظام، وعلى الحكم أن يخرج من شرنقة موقفه بالقضاء على الحركة الشعبية بأسلوب الحل الأمني. وعندما يتم التقاطع الإيجابي عند هاتين المسألتين، تشكل هيئة مشتركة بضمانة عربية، تشرف على تهدئة الأوضاع الشعبية والأمنية عبر الآليات التي جاءت في المبادرة العربية، وتتم الدعوة لإجراء انتخابات لهيئة تأسيسية في ظل إشراف محايد ضماناً لشفافيتها، بحيث يناط بهذه الهيئة التأسيسية وضع دستور جديد وعلى أساس ألا تطول مدة هذه المرحلة الانتقالية.

لا نجد خياراً لحل وطني وديمقراطي لأزمة سوريا، إلا بحوار داخلي جدي ومسؤول بين طرفي الأزمة وبمساعدة عربية تفادياً للتدويل وللأسوأ، وإذا ما ظن كل طرف، أن أوراقه هي الأقوى، فهو واهم. فالحكم الذي يعتبر نفسه أنه يملك أوراق قوة تمكنه من حسم الأمور، هو واهم، لأن أوراق القوة تتهاوى بين يديه واحدة تلو الأخرى، فالعراق الذي هو ظهير قوي لسوريا في إطار المكون القومي، هو اليوم مجوف وطنياً وقومياً، والتغطية العربية لدوره باتت شبه مرفوعة، كما هو ظاهر من خلال مواقف النظام الرسمي العربي، وشعبياً لأن المزاج الشعبي العربي العام مع الحراك الشعبي كما أن التغطية الدولية، باتت مرفوعة، وأنه لا يعول على موقف روسي أو صيني في حالة الاعتراض الدولي، لأن مواقف الدول تحكمها المصالح وليس العواطف. أما عناصر القوة الداخلية التي تتلخص بشكل رئيسي بكون سوريا، ليست دولة مدينة للخارج، ولديها جيش قوي وكبير، قادر على الإمساك بالأمور، فإن طول الأزمة ونظام العقوبات المفروض، سيؤديان إلى استنزاف الاقتصاد السوري خاصة الاحتياط النقدي بالعملات الأجنبية الذي كانت التقديرات تشير إلى أنه كان بحدود العشرين مليار دولار، وقد تناقص هذا الاحتياط منذ بدء الأزمة نحو الثلث تقريباً، وعندما يفرغ هذا الاحتياط الذي يسحب لضخه في السوق، فإن الليرة السورية ستشهد انهياراً تجاه العملات الصعبة، وسيكون الاقتصاد السوري أمام حالة تضخم غير مسبوقة.

كما أنه بالنسبة للجيش، فإن هذا الجيش الذي يعد واحداً من جيوش العرب المقاتلة عدة وعدداً، يستنزف في العمليات الأمنية الداخلية وهذا بالطبع ليس في مصلحة أحد. ليس في مصلحة الحكم الذي تضعف عناصر قوته وتتلاشى، وليس في مصلحة المعارضة الوطنية التي ليس من مصلحتها أن يكون الاقتصاد السوري منهاراً، أو أن يكون الجيش مشلول القدرة والفعالية خاصة أن سوريا قاعدة ارتكازية أساسية في مواجهة العدو الصهيوني.

وكما أن النظام الذي سيفقد عناصر القوة لديه كلما طالت الأزمة، فإن المعارضة ستواجه المصير نفسه، لأنه فضلاً عن إضعاف مقومين أساسيين من مقومات القوة السورية وهي الاقتصاد والجيش، فإن طول الأزمة يجعل الساحة الداخلية مكشوفة على تدخل أجنبي تحت أشكال مختلفة، وبما يعزز دور هذا التدخل في رسم معالم الحل السياسي الذي لن يكون وطنياً إذا ما فُرض من قوى الخارج.

إن قوى التدخل الخارجي الإقليمي والدولي، ليس من مصلحتها أن تكون سوريا دولة قوية وفاعلة، بل يريدون منها أن تكون دولة متلقية، فإن كان ذلك ممكناً عبر إضعاف دولتها المركزية فهذا خيار، وإلا بإسقاط هذه الدولة، عبر إسقاط مؤسساتها الوطنية الارتكازية، وبالتالي دفع المجتمع السوري نحو انفلات، لا يضبطه ناظم سياسي وعسكري، بل نظام يتولى إدارة أزمة بين مكونات مجتمعية يراد لها أن تكون لهذه المكونات حدوداً سياسية، كما هو معمول به في لبنان.

من هنا، ننطلق في رؤيتنا لحل الأزمة في سوريا، استناداً إلى قواعد ثابتة، وهي أن سوريا الكيان أهم من النظام وأهم من المعارضة، وأولوية وحدة الكيان تتقدم على أية أولويات أخرى، وإذا كان الإصلاح مطروحاً فيجب أن يكون مطروحاً على القاعدة التي تضمن وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومؤسسات.

إن استمرار الأزمة في سوريا، سيضعف الجميع ولن يخرج أحد منها رابحاً، بل الكل سيكونون خاسرين، وأن على الجميع في سوريا، نظاماً ومعارضة أن يدركوا خطورة المرحلة والإقدام على تنازلات سياسية متقابلة، إنقاذاً لسوريا كياناً ودوراً، ولتفويت الفرصة على من يريد تنفيذ مشاريع مشبوهة ضد أمن سوريا الوطني وأمن الأمة العربية القومي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 5 / 2182875

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2182875 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40