السبت 17 شباط (فبراير) 2024

مؤتمر العصابة وثلاثيّة الإبادة الجماعيّة

السبت 17 شباط (فبراير) 2024 par حسن لافي

أقيم في مبنى الأمّة في القدس “مؤتمر النصر”، أو مؤتمر “العودة إلى غزة” الذي دعا إلى عودة الاستيطان في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، والتهجير الجماعي للفلسطينيين، وتوسيع أرض “دولة إسرائيل”، وإقامة حكم عسكري إسرائيلي في غزة، وغيرها من الأفكار الفاشية الإسرائيلية، التي انتقلت مع تطرّف المجتمع الإسرائيلي من الهامش إلى التيار السائد، الماضي.

وشارك في المؤتمر وزراء من الحكومة، بمن فيهم ثلاثة وزراء من حزب الليكود، وأعضاء كنيست من الائتلاف الحاكم من حزب “الليكود” و“الصهيونية الدينية” و“عظمة إسرائيل” و“يهدوت هتوراه”، ووقّع الحضور على وثيقة تجديد الاستيطان في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. ورغم تعالي بعض الأصوات السياسية الإسرائيلية المعارضة لهذا المؤتمر، إلا أنّ منظّمي المؤتمر من مجلس الاستيطان في الضفة الغربية “يوشع”، بالتأكيد لديهم رسائل سياسية داخلية وخارجية من وراء إقامة هذا المؤتمر في هذا التوقيت والظرف السياسي الإسرائيلي الحسّاس، من أهم تلك الرسائل:

أولاً، رسالة إلى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ذاته، حيث جاء هذا المؤتمر على خلفيّة تصريحه أن “عودة الاستيطان لغزة بعد الحرب على غزة هدف ليس واقعياً”، وفي ظل الحديث المتواتر إسرائيلياً عن تغيّرات سياسية في خارطة القوى السياسية الحزبية بعد الحرب، وحديث عن الذهاب للانتخابات، أراد التيار الاستيطاني الديني في “إسرائيل” أن يقول فيها إنه التيار الأقوى في الحكومة والكنيست، وإنه لا يقتصر فقط على كتلتي الصهيونية الدينية بقيادة سيموتريتش والعظمة اليهودية بقيادة بن غفير، بل يضمّ وزراء وقيادات مركزية في حزب الليكود الحاكم، ويهدوت هتوراة، بمعنى أنه تيار سياسي فكري عابر للأحزاب اليمينية.

وبذلك فإنّ “يوسي دغان” رئيس مجالس مستوطنات الضفة الغربية، يوصل رسالة لنتنياهو أولاً ولكلّ الساسة الإسرائيليين من بعده أن يحرصوا على خطب ودّ تياره الاستيطاني، وعدم القفز عن احتياجاته ومخططاته الاستيطانية فيما يسمّى بدولة المستوطنين في الضفة الغربية والقدس.

أضف إلى ذلك أن نتنياهو ليس الرجل القوي الذي يسيطر على الحكومة وقراراتها، وخاصة ما يتعلق في مستقبل غزة بعد الحرب، حقاً. فسيموتريتش وبن غفير ليسا في مجلس الحرب المصغّر، ولا يشاركان في قيادة الحرب العسكرية، إلا أنهما لاعبان رئيسيان في قرار اليوم التالي للحرب في غزة، في ظلّ نتنياهو الذي لا يقوى على معارضتهما وخاصة بن غفير، الذي بعكس سيموتريتش لا يخشى حلّ الحكومة والذهاب إلى انتخابات جديدة على ضوء ارتفاع أسهمه في استطلاعات الرأي والتي تمنحه ما يقارب من 8 مقاعد لحزبه، وبالتالي تجعله القائد الفعلي لتيار الصهيونية الدينية في انتخابات الكنيست المقبلة.

ثانياً، رسالة إلى المنافسين من الأحزاب والتيارات السياسية الإسرائيلية، أنّ اليمين الإسرائيلي الاستبطاني الفاشي ما زال ملتزماً بأجندته الحزبية والاجتماعية والسياسية الداخلية، والتي تجلّت بالخلافات العميقة حول الثورة القضائية التي سبقت السابع من أكتوبر، وأنّ كلّ الحديث عن الوحدة والقفز عن الخلافات السياسية والتركيز على الانتصار في الحرب، تلك النغمة التي سادت في “إسرائيل” بعد عملية طوفان الأقصى، لم تعد تطرب قادة اليمين في “إسرائيل”، وخاصة الاستيطاني منهم، صاحب الأجندة الأيديولوجية الثابتة، والتي يسعى بكل الطرق وفي كل الظروف لتنفيذها من دون اكتراث بأيّ أمور لها علاقة بالمصالح العامة لمجموع الجمهور الإسرائيلي.

فالمتابع لسلوك التيار اليميني الاستيطاني في الحكومة منذ بداية الحرب، يتعامل على أنه مسؤول فقط عن خدمة قطاعاته الجماهيرية الخاصة بدولة المستوطنين مقابل “دولة إسرائيل”، هذا حدث في عدم الموافقة على نقل الأموال الائتلافية للمجهود العسكري للحرب، واتضح أكثر في إقرار موازنة “إسرائيل” لعام 2023 وموازنة عام 2024 التي خصّصت ملايين الدولارات لمستوطنات الضفة والقدس، تحت ذريعة الأمن. إلّا أنّ تلك الموازنات ذهبت إلى مجالس الاستيطان لتعزيز الاستيطان والمؤسسات الاستيطانية الخدماتية، ولم تذهب إلى “الجيش” الإسرائيلي المسؤول عن “توفير الأمن” لتلك المستوطنات، وتجلّت بشكل أكثر وضوحاً في عدم إغلاق الوزارات التي أُنشئت على أساس اتفاقات ائتلافية من دون أي أهمية حقيقية، وغالبيتها العظمى لإرضاء التيار الاستيطاني الفاشي.

ثالثاً، رسالة إلى الإدارة الأميركية، رغم أن رؤية الرئيس الأميركي جو بايدن لترتيبات اليوم التالي من الحرب في غزة، يطلب فيها فقط من “إسرائيل” إبداء فسحة من الأمل أمام الفلسطينيين تجاه حلّ الدولتين، ولم يطلب أي خطوات تنفيذية حالية، أو على المدى المنظور، بل واشترط إعادة تشكيل سلطة فلسطينية محسّنة على المقاس الأميركي، لا يعلم أحد متى سيتمّ إنجازها وكيف، مقابل تطبيع تاريخي فوري مع السعودية. إلا أنّ رسالة اليمين الإسرائيلي التي عبّر عنها شعار المؤتمر “التهجير يأتي بالسلام”، وأن المفهوم الإسرائيلي الحقيقي للسلام يرتكز على ثلاثية (القتل والتهجير والاستيطان)، ليفضح المؤتمر الأكذوبة الإسرائيلية الكبرى القائلة: “لا شريك فلسطينياً للسلام”.

تلك الأكذوبة التي منذ قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “إيهود باراك” بعد فشل قمة كامب ديفيد 2000، وشارك آنذاك الرئيس الأميركي بيل كلينتون في تمريرها على المجتمع الدولي، تحوّلت إلى الوصفة السياسية الإسرائيلية للتهرّب من كلّ التزاماتها تجاه حلّ الدولتين وعملية التسوية مع السلطة الفلسطينية، ورغم إدانة الإدارة الأميركية لهذا المؤتمر، إلا أنها لن تتخذ أيّ خطوة جدية لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني لسبب بسيط كونها زعيمة العصابة الحقيقية التي تعمل “إسرائيل” لحسابها في الشرق الأوسط.

رابعاً، رسالة إلى محكمة العدل الدولية، وكلّ منظومة العدالة الإنسانية الدولية، أن “إسرائيل” لا تكترث بكل تلك المنظومة، ورغم قرارات محكمة العدل الدولية إلا أنها مستمرة باستخدام ثلاثية الإبادة الجماعية (القوة العسكرية، والتهجير الجماعي، والإحلال الاستيطاني)، وأن كل ما حدث في قاعة محكمة العدل الدولية في لاهاي، مجرد مسرحية هزلية، أوضح الوجه اللاسامي للمجتمع الدولي المنافق والكاره لليهود، كما وصفها بذلك غالبية القادة الإسرائيليين، والأخطر أن نتنياهو في مقابلة أجراها مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية يوضح أن تطهير غزة من السموم الأيديولوجية هو شرط مسبق للعودة إلى التفاوض مع الفلسطينيين.

ولكنّ نتنياهو يتغافل ويغفل المجتمع الدولي، ولا يتحدّث عن الأفاعي الأيديولوجية السامة الفاشية، والتي تحوّلت إلى وزراء في حكومته، والسواد الأعظم من حزبه، والتي تنهش يومياً في الجسد الفلسطيني قتلاً وتدميراً واستيطاناً وتهويداً واعتقالاً وتمييزاً عنصرياً، وتهجيراً، في كل من غزة والضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 1948، وأن مصطلح “بثّ السمّ” بات من المصطلحات الأكثر تداولاً في الصحافة الإسرائيلية والحياة السياسية الداخلية لوصف تلك الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة داخل المشهد السياسي الإسرائيلي.

وهنا يطرح السؤال على المجتمع الدولي ومحكمة العدل الدولية ومن ورائها كل منظومة العدالة الدولية الإنسانية، من يحمي الشعب الفلسطيني من سموم الاحتلال الإسرائيلي؟ الذي باتت تقوده عصابة كما كتب المحلل السياسي الأهم في “إسرائيل” ناحوم برنيع في مقاله “دولة أم عصابة”، فبالتأكيد حكومة يكون فيها إرهابيون، كإتمار بن غفير وبتسلئييل سيموتريتش، وزراء في الكابينت الإسرائيلي مسؤولون عن صناعة قرارات الأمن القومي الإسرائيلي، ما هي إلا عصابة إرهابية منظّمة تحت مسمّى “دولة إسرائيل”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2184613

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2184613 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40