الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022

نصائح صادقة للمقاومين الأبطال!

الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 par رشاد أبو شاور

من أهم الدروس المستخلَصة في معارك تحرر الشعوب، والتي يُفترض ألّا تُنسى: المراكمة والتعلّم، وتوريث الدروس المستفادة لمن سيأتون ويحملون الراية من أجل مواصلة معركة الحريّة حتى النصر .

أستأذنكم في توجيه بعض النصائح. لقد فعلت هذا من قبل، على رغم أنني لم أتلقَّ الإذن من أحد، أو فصيل، أو جهة رسمية فلسطينية، انطلاقاً من أن هذا واجب وطني.

كان دافعي إلى توجيه النصح وطنيتي، وخبراتي في المشاركة في معارك شعبنا الكبرى، وقناعتي بأنني أقوم بواجبي تجاه قضيتي، والشعب الذي وُلدت ابناً له، وحملت نصيبي معه من هموم القضية المقدسة التي تجمعه مع ملايين أمته العربيّة.

من غير المعقول أن أحجب النصيحة التي أراها واجبة، مراعاةً لشعور بعض الأشخاص، وحرجا من أن أصنَّف بأنني أنصّب نفسي معلماً، في حين أنني أتعلم، على الرغم من أنني في نهاية العقد الثامن من العمر، وعاصرت وشاركت في تجارب ومعارك كبيرة لشعبنا، وخبرت أوقاتاً مفصلية لقضيتنا، ولحظات قريبة من اليأس من أن مقاومتنا توشك على التلاشي لولا أن شعبنا العظيم يجترح فجأة فعلاً ثورياً نهضوياً عارماً يغيّر الواقع والوقائع، ويُبهر الصديق والعدو، بحيث يقتنع الجميع بأن شعبنا بسبع أرواح، كما كتب الشاعر توفيق زياد، وكما هي الوقائع تنبئ، والحقائق تؤكد، وهو ما يجعلنا لا نيأس أبدا كشعب وضعته أقداره في الخندق المتقدّم للصراع بانتظار تهيّؤ الأمة للحشد والزحف إلى أرض المعركة: فلسطين. وأُذكّر بأن هذا ما حدث في مواجهة الاجتياح الصليبي والاجتياح المغولي، من قبلُ، وأنه لم ينقطع شعبياً عربياً في مواجهة الغزو الصهيوني.

من أهم الدروس المستخلَصة في معارك تحرر الشعوب، والتي يُفترض ألّا تُنسى: المراكمة والتعلّم، وتوريث الدروس المستفادة لمن سيأتون ويحملون الراية من أجل مواصلة معركة الحريّة حتى النصر المؤزّر عبر طرد العدو، وهو ما يفعله شعبنا بلا كلل، وبلا يأس. وهو، في هذا، يدفع أعداءه إلى الحيرة في أمره، والشعور بالإحباط والعجز أمام صلابته، ومضاء عزيمته، وتطوّر خبراته، وهو ما يحققه شعبنا في الأعوام المئة وأكثر الماضية، وهو ثابت في ميدان المنازلة التاريخية المصيرية.

إنني أنصح بتجنب حمل السلاح في المَسيرات، سواء لتوديع الشهداء، أو في المناسبات، أو تحت أي عنوان، لأن عيون عدونا ستتابع حَمَلة السلاح، وستستدّل على عناوينهم، وبهذا يكونون مواقع ثابتة محددة. وهذا ما حدث في نابلس لأبطال عرين الأسود، فاغتال العدو خمسة شهداء في ضربة واحدة، وهو ما شكّل صدمة لشعبنا، خفّفتها فيما بعدُ عمليتا الخليل وأريحا المبهرتان.

إن التجمع في مكان واحد، والركون إلى أن حمل السلاح، والموقع المحصّن، سيؤمّنان الحماية، تقدير خاطئ، ورهان خاسر، فالمكان سيكون مصيدة، والسلاح في مكان محدَّد لن يرجّح الكفة في المواجهة راهناً. لذا، نواجه عدونا بالمباغتة… واضرُبْ واختَفِ، ولن أستفيض في هذا الأمر، فهذه بديهيات أولية في حرب المقاومة.

لقد نجحت العمليات التي صُنِّفت بأنها عمليات ذئاب منفردة، لأنها عمليات اقتحام من أفراد يباغتون تجمعات العدو ومدنه، التي تبدو له محصَّنة، ومن غير المعقول أن يقتحمها أفراد فلسطينيون مقاومون. وهزّت كيان العدو، وهيبة جيشه، وصدمت مجتمعه، وأذهلته بشجاعة “الفرد” الفلسطيني، وقدرته، وثباته، وروحه الاستشهادية.

العدو واستخباراته، وعيونه وآذانه، وأدوات رصده، عجزوا عن توقّع فعل الأبطال الفلسطينيين، ومعرفة أمكنة انطلاقهم، والأهداف التي سيضربونها. وهنا تفوّق أبطالنا.

من أول المبادئ التي زُرعت في عقولنا، عندما انتظمنا في مطلع الستينيات من القرن العشرين: السريّة والكتمان. وفي ظروف العمل السري، وقبل انطلاقة الثورة الفلسطينية، حافظنا، وفق هذا المبدأ الثوري، على كل تحركاتنا، وتنقلاتنا، وتدريبنا. ولم نكن نمارس أي فعل معلن يمكن أن يكشفنا، ويسهّل اعتقالنا. وبقينا هكذا حتى انطلاقة الثورة الفلسطينية بعد هزيمة حزيران/يونيو 67 الكارثية.

إن حمل السلاح، وإطلاق الرصاص في المَسيرات، يناقضان تماماً السريّة والكتمان. وإنني من الذين كتبوا قبل أعوام عن عدم المسؤولية في إطلاق الرصاص في المسيرات بحجة توديع الشهداء، وأعود لألحّ على أن هذا الفعل هو استعراض لا يليق، وهذا الرصاص الذي يُطلَق في الهواء مكلف في ثمنه ونقله، ويتم الحصول عليه “بطلوع الروح” لمقاتلة قوات الاحتلال وأجهزته، لا للمَظاهر المنفرة الاستعراضية.

إنني أنصح بعدم الاستجابة لإغواء الإعلام، فهو يستدرجكم إلى الظهور، وتحديد هويتكم، ويكشفكم لعيون العدو، بقصد أو بغير قصد. وأنا أرى أن أفعالكم هي التي تقدمكم، وليس كاميرات المراسلين، والفضائيات. فأنتم أبطال فلسطين، ولستم ناطقين رسميين.

يستطيع العدو أن يرسل مُسَيّراته فوق المناطق التي توجدون فيها لنقل حركتكم، وتحديد أمكنتكم، عندما تكونون تجمّعات مسلحة، لكنه سيعجز عن فعل شيء عندما تكونون مجرّد أفراد عاديين بين شعبكم، وسلاحكم مخفي ولا يُستخدم إلّا في لحظات محددة، ثم يُعاد إلى مواقعه التي من الصعب أن يعرف العدو موقعها، وهو ما يقتضي أن تكونوا مجهولين، وأن تتسلّحوا بالسريّة والكتمان، فلا مباهاة، ولا استعراض، ولا تشوّف، ولا تسميات تحدّد الأحياء، والمدن، والمواقع.

هذه الإجراءات الثورية وغيرها ستساهم في حمايتكم من كشفكم، ومتابعتكم، وتحديد أمكنتكم، ومعرفة هوياتكم الشخصية، فأنتم فلسطينيون عاديون، تمارسون حياتكم اليومية العادية أسوة بأبناء شعبكم.

لن تستطيع مُسيّرات العدو أن ترصدكم، لأنكم أفراد عاديون، ولن يستطيع جيش الاحتلال أن يوقع في صفوفكم خسائر فادحة، لأنكم لستم تجمعات يمكن رصدها والتعامل معها كأهداف محددة.

أنتم هكذا تفاقمون شعور العدو وأجهزته بالعجز، لأنه يتلقى الضربات من أفراد، لا يعرف من هم، ومن يقف خلفهم، ومن يحرّكهم، ومن يوجههم.

وأنتم هكذا ستحظون بإعجاب شعبكم وفخره بكم، وبفعلكم، وأنتم كأفراد مجهولون، وبفعلكم معروفون، ولستم تسعون للشهرة الشخصية، لكنكم تنصرون شعبكم، وقضيتكم، وتضربون عدوكم، وتُذلّونه. فهل تريدون أكثر من هذه المنجزات؟!

سأصارحكم: شعبنا ينفر من المظاهر المسلّحة الاستعراضيّة، وأنا سمعت كثيراً تعليقات كهذه، عندما يرى الناس عشرات البنادق يحملها مُقنّعون في المَسيرات، والجنازات: ما دامت لديهم كل هذه البنادق فلماذا لا يظهرون في وجه قوات الاحتلال وهي تقتحم المخيمات، والأحياء، وتطارد المقاومين؟!

لا تكفي الحماسة وحدها في العمل الثوري، فلا بد من أن تعرفوا ما يحيط بكم، فهناك من لا يحبذون المقاومة المسلحة، وهؤلاء قد يرون في تقويض عملكم خدمة لأهداف وطنية. وبناءً على هذا سيعملون على اختراقكم، ومحاصرتكم، وتيئيسكم، وسيغطون ما يفعلون بشعارات وطنية، وبحكمة مدّعاة، وبحرص على دمكم. ولهم أساليبهم، ووسائلهم، ومآربهم.

لا بدّ من أن تتحصّنوا، مع السريّة والكتمان، بالوعي، وبنكران الذات، وبالحرص على الذات؛ أي على أمن الذات، وأمن أخوة السلاح، والحذر الحذر من المزايدين والاستعراضيين.

أنتم تتحركون في أمكنة ضيقة، تستطيعون توسيعها حولكم بعدم كشف أنفسكم، حتى يأتي الوقت الذي تعمّ الثورة المسلحة كل فلسطين، في مدنها، وقراها، ومخيماتها. ومع ذلك، تبقى السريّة سلاحنا الذي يُعمي عينَي العدو عن رؤية حركتنا، ويحرم أذنيه من سماعنا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2184534

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2184534 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40