الأحد 30 كانون الثاني (يناير) 2022

حول حملات التبرُّعات

الأحد 30 كانون الثاني (يناير) 2022 par سهيل كيوان

لا شك أن شعبنا معطاء. في كل مناسبة تكون فيها حملة تبرعات، تجد عشرات الآلاف يمدّون أيديهم إلى جيوبهم ويتبرعون، حتى أولئك الذين لا يملكون الكثير، بل حتى أولئك الذين تعاني حساباتهم من عجز في البنوك. هذه صفة حميدة بين أبناء شعبنا يجب تقويتها وتعميقها، ليس فقط لهدف جمع المال نفسه، فهذه النخوة تُظهِر أصالة أبناء شعبنا، وتصقل مَناعة شعبنا في وجه كل الأعمال المُحبِطة، وعلى رأسها معضلة العُنف، التي نالت من تلاحُمنا المجتمعيّ، وضربت الكثير من قِيَمنا.

حلّ الشتاء بصقيعه وثلوجه ليزيد من آلام ومعاناة المنكوبين من أبناء الشعب السوري الشقيق، وخصوصًا أولئك الذين يسكنون في الخيام.

أطفال وغير أطفال يموتون من شدة البرد والصقيع، ناهيك عن تعرضهم لشتى أنواع الظلم والاعتداءات من مختلف الجهات المتورطة في الصراع على الأرض السورية.

حملة تبرعات مباركة، وبارك الله بمن بادر ويبادر، سواء كان حركة معينة أو حزبًا سياسيًا- الحركتان الإسلاميتان بشكل أساسي، إضافة إلى نشطاء من التجمع والجبهة والعربية للتغيير وغيرهم، أو كأفراد في مجتمعنا المحلي، أو نشطاء في المنطقة (مثل أبو فلة) الذي جمع عبر اليوتيوب أكثر من عشرة ملايين دولار للهدف نفسه.

من المؤكد أن أكثر خطباء المساجد تناولوا هذه القضية، ودعوا إلى التبرّع، والناس يستجيبون بشكل عام.

وصلتني رسالة خاصة عبر “المسنجر (التابع لـ’فيسبوك’)” سألني المرسل فيها: “أريد أن أتبرّع، ولكن هل تستطيع أن تخبرني كيف تصل هذه الأموال إلى اللاجئين، وعن طريق ماذا؟ وكيف تُسهم في التخفيف عن مصائبهم؟”.

نعم، هذا سؤال منطقي ومقبول.

أولا، تحية لكلِ من بادر وجمع وما زال يجمع، ولكل من يتبرع في العلن أو في الخفاء بأيّ مبلغ كان.من المهم جدًا ترسيخ ثقة الجمهور بمثل هذه الحملات والقائمين عليها، كي يبقى لدى الناس الحماس الذي نراه في أكثر الحملات، وكي يعرفوا أنها بأيد أمينة، كي يقدّموا الآن وفي المستقبل، وهم مطمئنون.

عمل كهذا يجب أن يُطوّر وأن يُمَأسَس بصورة أوسع، إذ أن له انعكاسه على سائر اتجاهات حياتنا اليومية، ويُشعرنا بالقوِّة والتراحم، وبأن الخيرَ موجود مهما قسَت واشتدّت الظروف، وهو أقوى من قوى الشّر بيننا التي تخرَّب وتؤذي الناس، وتزرع القلق والخوف في بيوتنا وشوارعنا، حتى حملة التبرعات لم تسلم وحاولوا السطو عليها في مدينة طمرة ولكنهم فشلوا.

أيُّ تبرّع مهما كان ضئيلا فإنه جيّد، إذا تبرعت بمئة شيكل مثلا، حتى وإن لم يصل جزء من المبلغ إلى الهدف، فأنت لم تخسر سوى مئة شيكل، وهذا أمر بسيط، ولكن إذا وصل وهذا هو المُرجَّح والطبيعي، فهو عمل خير كبير، وفي كل الحالات أنت قمت بعمل يرضي ضميرك وربَّك، وتبقى المسؤولية على الذين يجمعون هذه الأموال.

من حق الجمهور أن يعرف، وأن يسأل كيف تصل تبرعاته، وأن تُنشَر على الملأ، ليس تشكيكًا لا سمح الله، ولكن لتشجيع نزعة الخير لدى الناس، وهذا يتطلب شفافية كبيرة.

كذلك كي لا يشعر اللاجئ المحتاج بالخيبة فوق مصيبته، فقد ظهر لاجئون قالوا إنهم سمعوا بتبرعات من بعض الدول بعشرات الملايين، ولكن لم يصلهم منها شيء، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا التذمر، وليس فقط في شمال سورية، فقد سمعنا تذمّرات من قبلهم في مناطق أخرى جُمعت لها تبرعات، قطاع غزة كمثال.

الشّفافية في مواضيع التّبرعات تزيد من مصداقية القائمين عليها، بغضِّ النظر عن الجهة المبادرة، وتزيد من حماس الناس وكَرمهم، وتسهم في تقوية أواصر التضامن الاجتماعي محلّيًا، وترفع مستوى المسؤولية والعطاء والوعي لدى أبناء مجتمعنا، كذلك تشعِرنا بالانتماء والتواصل مع الشعوب العربية، وعلى رأسها شعب سورية الطيّب، صاحب النخوة والتاريخ المشرِّف في احتضان شعبنا إبان نكبته، بغض النظر عن الأنظمة وممارساتها المختلفة سلبًا أو إيجابًا في تاريخ النظام المتقلّب في سورية، وعلاقته بالقضية الفلسطينية.

لأجل هذا؛ لماذا لا تُبحث إمكانية أن تكون لجنة قُطرية تشرف على التبرعات، فيها تمثيل لجميع الاتجاهات السياسية والوطنية والمناطق الجغرافية، ومن مختلف الأطياف الطائفية لشعبنا، كي يُفتَح المجال لكل صاحب نخوة وضمير بأن يُسهم بالتبرع، وأن لا يقتصر الموضوع على طائفة دون أخرى، وأن يكون فيها لجنة مراقبة تنشر أدقّ التفاصيل، حول جمع وتوزيع هذه التبرعات والحملات بشكل مُنظّم.

إضافة إلى هذا، فمن المهم أن يتحوَّل جمع التبرعات إلى عمل دائم وثابت على مدار العام، وليس في الموسم نفسه وبعد وقوع كوارث، والحديث ليس عن سورية فقط، فالجميع معرّضون بما فيه شعبنا، وخصوصًا أولئك الذين تُهدم بيوتهم على يد الاحتلال أو لجان “التنظيم” في الداخل، وكذلك في مخيمات لبنان وفي قطاع غزة المحاصَر، وغيرها من مناطق، فلا منطقة وليس هناك مكان معصوم من مثل هذه الكوارث.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2184031

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2184031 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40