السبت 3 تموز (يوليو) 2021

خيانة لمعنى الحُرِّيّة...

السبت 3 تموز (يوليو) 2021 par سهيل كيوان

بثّت السلطة الفلسطينية في رام الله إلى الفلسطينيين في كل مكان، والأمة العربية والعالم، صورةً مظلمةً جدًا، عندما اغتالت قواها الأمنية الناشط والمعارض نزار بنات، ثم أضافت إلى الجريمة بردها القمعي العنيف على المحتجين الذين هتفوا في شوارع رام الله ضد محمود عباس. وظهور ممارسات مُشينة هي تقليد لمستعربي قوات الاحتلال ذوي التاريخ الدّموي والقذر بحق شعبنا.

هذا القتل وهذا القمع يسبب خسائر معنوية ومادية فادحة لقضية الحرية التي يناضل شعبنا لأجلها منذ قرن، وهي صفعة قوية للتعاطف مع القضية الفلسطينية، بل وتردع أولئك الذين اصطفوا إلى جانب فلسطين وشعبها وقيادتها، فبعضهم، وخصوصًا أولئك البعيدين عن المنطقة، سوف يشعرون بالاشمئزاز وهم يرون قوات أمن فلسطينية تقمع الفلسطينيين!

لا شكّ في أن هؤلاء المتعاطفين مع فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه سوف يتساءلون عن جدوى التضامن مع فلسطين، إذا كانت قيادة هذا الشعب هي التي تدمّر حلم الفلسطينيين بالحرّية!

حرية التعبير هي الجزئية الأهم في معنى الحرية، وقمعها هو خيانة لنضال الشعب ولدماء الشهداء ولمعاناة مئات آلاف الأسرى وللعائلات الثكلى.

خيانة فلسطين وقضيتها تتجلى في عدم احترام حقوق الإنسان العربي في الوطن العربي بما في ذلك في فلسطين نفسها.

ضريبة الكلام التي يطلقها البعض عن دعم القضية الفلسطينية، تتبخّر عند إهانة المواطن العربي وحرمانه من حقه الأساسي في التعبير، هذا هو الامتحان الحقيقي لمن يناصر حقّ شعبنا في التحرّر، وبين من يطلقها كشعارات، كي يستثمرها سياسيًا وفسادًا.

كذبة كبيرة أن تتحدث عن أنه لا تنازلَ عن القدس الشرقية عاصمة أبدية لفلسطين، ثم تقمع مواطنًا معارضًا وتزجّ به في المعتقل وتعتدي عليه بالضرب، أو حتى بالقتل.

أضخم عمل وطني وبطولي يمكن لأي نظام عربي أن يفعله بما في ذلك سلطتا رام الله وقطاع غزة، هو احترام حق المواطن في التعبير، دون أن يعاقَب أو أن يخشى على رزقه وعلى سلامته وكرامته، وعلى من يوجَّه لهم هذا المعارض أو ذاك، شتى التهم أن يُثبتوا تجنِّيه عليهم، من خلال الوثائق والحقائق وليس بإسكاته بالهراوة أو الرصاصة أو أنبوبة معدنية على جمجمته.

المثقف وغير المثقف الفلسطيني الذي يؤيد سلطة أو نظامًا يقمع شعبه ويتجاهل آلام الناس بحجة “حشد القوى ضد العدو المشترك”، هو في الحقيقة يطعن في عدالة قضيته، لأن العدل والحرية لا يتجزآن، ولا يمكن لمن ينكر الحرية على شعبه وعلى غير شعبه أن يطلبها لنفسه من الآخرين.

أفضل ما يقدّمه المثقف الفلسطيني إلى قضيته، هو أن يقف إلى جانب حريَّة التعبير، والشفافية، ومحاربة الفساد والقمع في بلده، ثم في بلدان العرب ثم في بقية العالم! فإذا كان يخشى على نفسه فأن يصمت على الأقل، أما وقوفه إلى جانب الجلاد واختلاق التخريجات “الوطنية” للقمع، فهذا يعني أنه جزء من منظومة الفساد والقمع ومحلِّل لها.

الثقافة الوطنية ليست بما تتكلم عنه، وبما تكتبه وتنشره فقط، بل في الأساس ما هو موقفك الفعلي من كل قضية وقضية.

كثيرا ما ادعى قادة الاحتلال في المجتمع الدولي بأن المعايير الدولية أو الأوروبية لحقوق الإنسان، لا تنطبق على منطقة يحكمها قانون القوة والقبلية والتخلّف، وأن المخالف والمعترض، مصيره السّجن أو الموت أو التجويع، ولهذا فهو أرحم وأرقى وأكثر تحضّرًا.

الاحتلال يستغل ممارسات الأنظمة العربية بما في ذلك ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية كحجة لصالحه في المحافل الدّولية.

الاعتداء على المحتجين والمتظاهرين بالضرب والإهانات والسّجن، هو هدية للاحتلال بل تواطؤ معه ليغطي من خلالها على ممارساته الإجرامية.

من أقسى الأمور التي قد يمر بها مواطن ما في بلد ما، هو اللجوء إلى الغرباء هَربًا من وطنه، أو أن يطلب الغوث من المؤسسات الدولية لحمايته من أبناء جلدته.

الممارسات القمعية تمنح أنظمة التطبيع تأشيرة خضراء، تناور من خلالها، فمن يقتل معارضًا في بلده، لا يحق له مطالبة أحد في الولاء إلى قضيته.

اغتيال المعارضين شهادة ضعف لأي نظام كان، وهذا دليل على أنه لا يملك القدرة على دحض التهم التي وجهها له هذا المعارض أو ذاك، فقط المتورط بالفّعل يلجأ إلى التخويف والتهديد ثم إلى السجن أو حتى القتل.

لقد أساء التنسيق الأمني بين السُّلطة والاحتلال إلى قضية شعبنا، وفتح الباب على مصراعيه للتطبيع، وأضعف موقف شعبنا أمام الشعوب العربية وأمام القوى الصديقة في العالم كله، ولكنه بقي في نطاق الإرث السَّيء الذي ورثته السلطة الحالية من اتفاقات أوسلو، وهو حجَّة اتخذتها السُّلطة الفلسطينية بأنها أوفت بالتزاماتها، وتنتظر من الاحتلال أن يفي بالتزاماته.

هذا المنطق أثبت فشله، ولكنه كان له من ومن لا زال يؤيده ويوهم نفسه، أما قتل المعارضين فهذا تحوُّل جذري في الرؤية والمواقف، إنه خيانة لجذور المعنى الذي سقط لأجله شهداء وأسرى ودُمّرت أسر وبيوت، وعلى من أصدر الأمر ومن نفذه أن يدفع الثمن كاملا أمام شعبنا والعالم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2183644

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2183644 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40