السبت 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

(الكلاحة) السياسية

السبت 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 par د. ابراهيم أبراش

(الكلاحة) لفظ لا أصل له في قاموس اللغة العربية، هي كلمة من اللهجة الدارجة في فلسطين وبلاد الشام عموما، ويُقصد بها الشخص الذي لا يستحي أو ما في وجهه دم، أو ما يختشي كما يقول الأخوة في مصر، أو وجهه مقصِّدر كما يقول اخوتنا المغاربة، و المُكَلِح عكس الرجل الذي به سمة الحياء، وإن كان الحياء من مكارم الأخلاق فالكلاحة من أرذلها.
المُكَلِح كوكتيل من الصفات الممقوتة، فهو لا يستحي أو يخجل ووقح وغير مؤدب وجبان ومنافق وانتهازي وفاسد ومدعي معرفة، فالمكلح لا يتورع عن الكذب والنفاق دون أن يردعه دين أو قانون أو اخلاق أو حس وطني، وذلك لتحقيق مصالح خاصة. وهناك فرق بين الشجاعة والكلاحة، فالمكلح يتظاهر بأنه شجاع مراهنا على عدم معرفة الناس به أو جبن بعضهم أو كونه مسنوداً من جهة عليا، ولكنه في جوهره جبان رعديد وليس عنده حجة فيما يدعيه كما أن تصرفاته تضر بالآخرين، أما الشجاعة والجرأة فصاحبها يكون على حق وله خُلق نبيل وله حجته التي يُقنع بها الآخرين كما أن شجاعته لا تضر الآخرين.
المكلحون هم الذين نعتهم الرسول الكريم في أحد احاديثه بـ (الرويبضة)، وحذر منهم الأديب الكبير نجيب محفوظ عندما قال : “ويل للناس من حاكم لا حياء له”، فهؤلاء أكثر خطورة في مجال السياسة مما في العلاقات الاجتماعية، فأضرار المكلحين من الناس العاديين تمس البعض أما مخاطر واضرار المكلحين السياسيين فتمس عامة الناس وتضر بالمصالح الوطنية، والكلاحة السياسية لا تقتصر على الطبقة السياسية الحاكمة بل موجودة أيضا عند المعارضة السياسية، كما أن الكلاحة السياسية عند الطبقة السياسية في دول ومجتمعات خاضعة للاستعمار أو فقيرة تكون أكثر خطورة مما هي عند الدول المستقلة والمتحضرة.
نسبة كبيرة من النُخب السياسية العربية بما فيها الفلسطينية تتمتع بقدر كبير من الكلاحة السياسية حيث لا حدود لكذبها وكأن الشعب مجموعة من الجهلة أو المتسولين، تكذب باسم الدين وباسم الوطن، تكذب في الحرب وتكذب في السلم، انتصاراتها العسكرية أكاذيب ومنجزاتها السياسية والاقتصادية اكاذيب، تكذب لأنها لا تخشى رادع يردعها، لا دين ولا أخلاق ولا قانون، والمصيبة أن المكلحين يعرفون أنهم يكذبون ويعرفون أن الذين يستمعون ويصفقون لهم يعرفون أيضا أنهم يكذبون، ومع ذلك يستمرون في الكذب.
النخب السياسية المكلحة لا تستمع إلا لنفسها وما تمليه مصالحها ولا تستفيد من اخطائها أو تحاول تصحيح مسارها، وما بين هذه النُخب المكلحة والشعب شبه قطيعة، فكلاحتها تجعلها لا تحترم الشعب أو تخاف منه، كما أنهم يتصرفون وكأنهم المرجعية الدينية والمرجعية القانونية والمرجعية الوطنية وكل من يعاديهم يتم تصنيفه كخائن أو كافر أو جاهل أو ناكر للجميل.
الكلاحة السياسية في مجتمعنا أصبحت مستفزة لأن أضرارها لا تقتصر على الفساد والإفساد بل تتعدى ذلك للمس بالمصالح الوطنية العليا، وفي ظل غياب الانتخابات النزيهة سيبقى الشعب محكوما بالكلاحة والمكلحين، ولأنهم مكلحون فلا تؤثر عليهم لا المظاهرات المنددة بهم ولا المقالات والتغريدات والعرائض المطالِبة برحيلهم، وكما يقول المثل (إذا لم تستحي فأصنع ما شئت) وهم لا يستحون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2184098

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2184098 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40