السبت 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

بين تقزيم الجيوش العربية وغمط حق بعضها: الجيش اليمني مثالاً!

السبت 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 par د. عادل سمارة

ربما لم يعد هناك من خلاف على أن أحد أهداف عشرية الاستشراق الإرهابي الذي نفَّذ مآربه عبر قوى الدين السياسي وأنظمة الدين السياسي كان تدمير الجمهوريات العربية وخاصة جيوشها.
ولكن بتفكير أكثر قليلا، نجد أن التكفير بالجيوش العربية هو نتيجة حملتين خطيرتين تقويضيتين لم تتوقفا بعد:
الأولى: التكفير العام بالعرب أو بالعروبة حيث يتورط الجاهل وحتى بعض العاقل في مقارنات أي : كل ما هو عربي سيىء ومتخلف وكل ما هو أجنبي جيد. وبالمناسبة يحصل أو ينتشر هذا المرض الذهني والنفسي والثقافي في فترات الهزيمة وطبعاً إستدخال الهزيمة. وبالطبع فإن هذا المتعالي، دون كفائة عُلُوْ حقيقي، يفتخر ويلجأ ويرتبط من أجل أمانه بتكوينات بدائية أي بعشيرته أو اسرته أي ينحط الوعي إلى هذا الحد. وللمقارنة يوجد في الصين الشعبية اليوم أشباه لهؤلاء رغم كل ما انجزته الماوية وحتى اليوم!(أنظر كتابنا:هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة/الفصل عن الثورة الثقافية)
والثانية: موجة أو هجمة التكفير بالإنقلابات العسكرية وتضخيم أنظمة الحكم ما قبل حقبة الإنقلابات على أنها كانت لبرالية…الخ بينما هي في الحقيقة تابعة وتمفصلات سايكس-ليكو ولا يرقى طموحها على التكيُّف مع الرأسمالية الغربية وهو التكيف والتطور المحتجز. فلو كانت هذه الأنظمة إجابة على متطلبات الشعب لما كان الانقلاب العسكري سهلاً. ويمكن للمرء النظر اليوم حتى بعد عشرية الاستشراق الإرهابي مستوى التطور العلمي والاجتماعي والثقافي مثلا بين سوريا والسعودية أو العراق والمغرب. لقد إعتقد ضباط الانقلابات بأنهم هم طريق الخلاص. بعضهم تحول انقلابه إلى ثورة وبعضهم لا.
وربما من المهم مقارنة حقبة الانقلابات العربية بنظيرتها في امريكا اللاتينية ولماذا تمكنت بلدان في الأخيرة من تجاوز الانقلابات نحو أنظمة تقدمية وتقارب الاشتراكية وكيف أُديرت لعبة البرلمان سلبا وإيجاباً. بينما في الوطن العربي كانت النتيجة أنظمة عجزت عن التحول والتحويل وإن بقيت اجتماعياً متقدمة على أنظمة من يُدعوْن: الملوك والأمراء والمشايخ…الخ.
لا شك أن الاستهداف الواقع على الأمة العربية من الثورة المضادة هو اشد منه في اية منطقة أخرى، كونه داخلي من الأنظمة المنصَّبة من الاستعمار فالإمبريالية والكيان الصهيوني والإمبريالية نفسها؟
وإلى جانب هذا لم ينشأ في الوطن العربي تيار حوار فكري نظري متقدم مثل الحوار الأمريكي اللاتيني أو الهندي Latin American or Indian Debatesبل كما نرى تكوَّن الطابور السادس الثقافي وفي افضل الأحوال المثقف المنشبك. طبعا لا يمكننا إغفال محاولات هامة ل سمير امين وفوزي منصور وأنور عبد الملك ومهدي عامل والمهدي بن بركة وغيرهم ولكن ماكينة التبعية والطمس والاغتيال حالت دون تكوُّن هذا التيار وخاصة لأن هذا يحتاج واقع عربي مفتوح ومتحد وديمقراطي.
هذا يردنا إلى سؤال: إذا كانت هذه الجيوش سيئة بالمطلق كما هو دارج في قشرة المثقفين العرب فهي بالضرورة في خدمة أعداء الأمة ولا سيما أنها كثيرا ما استخدمت في القمع. وإذا كان ذلك كذلك، فما مبرر إستهدافها.
صحيح أنه بعد عبد الناصر لم يتم تدمير الجيش المصري بشكل معلن ولكن تم تحييد وتقييد مصر وخاصة بعد حرب أكتوبر وتمت برجزة قيادات الجيش بحيث اصبح في مصر اقتصاد موازي عسكري وبالتالي تم تحييد الجيش عن دوره كحامي للوطن وللعروبة ايضا. فلنتذكر حينما هددت تركيا سوريا عام 1957 قامت مصر بإنزال جيش على الحدود مع تركيا ولاحقاً حصلت الوحدة وفي عام 1963 دخل الجيش المصري لدعم الجمهورية اليمنية الجديدة بقيادة الراحل عبد الله السلال، ناهيك عن دور في أكثر من بلد عربي.
قد يوصلنا هذا الحديث إلى الاستنتاج المنطقي بأن الجيش يمكن أن يقوم بدور إيجابي أو سلبي وهذا يعود إلى طبيعة النظام والقيادة وليس إلى خلل في الجندية العربية نفسها.
ذكرت في مقالٍ سابق أن الجيوش العربية في دفاعها ضد الكيان والغرب كأعداء لم تُقصِّر وإنما قامت بواجبها ضمن إمكاناتها من جهة وضمن حدود ما حاصرتها به الأنظمة السياسية سواء المقصرة أو التابعة اي المعادية للأمة من جهة ثانية.
كانت هناك مشاركات وتعقيبات من بعض القراء، بعضها لم يتفق مع رأيي.
الجيوش كالشعوب ليس هناك شعب أو جيش جبان وآخر شجاعا. فكل صراع يجب أن تتم قرائته على ضوء الإمكانات والنظم السياسية وقناعة المقاتل بالحرب وخاصة قناعته بنظام الحكم وخبرات القتال وطبعا الحلفاء لكل طرف حيث لم تعد هناك في العالم حروبا بين بلد وآخر أو لنقل تجاوزا حروبا قومية مجردة بين قوميتين، بل تأخذ الحروب شكلاً عالميا رغم عدم وضع هذه التسمية أو الأخذ بها.
وبتحديد أكثر هناك اليوم إله للحرب له يد في كل صراع هو الولايات المتحدة كقائد بل كطرف يقوم بإشعال الحروب كمشروع استحداث راسمالي. اي أن القيادة للحروب أمريكية سياسيا وإداريا واقتصاديا، والإيديولوجيا هي إيديولوجيا السوق/السوق كإيديولوجيا من أجل التراكم الرأسمالي، وضمن كل هذا هناك إصبع تمويلي للحروب وللصهيونية فيه دور ومن هنا هي شريكة ، لا يهم صغيرة أو كبيرة، في اية حرب في العالم. ولا داع للتوسع في دور كامل الثورة المضادة.
فالولايات المتحدة تزود السعودية بالأسلحة ضد اليمن، وتزود الإمارات كذلك ضد اليمن، وتحرك تركيا لصالح أذربيجان ضد أرمينيا وتحرك بولندا ضد روسيا البيضاء وتحرك أوكرانيا ضد روسيا وتوكل فرنسا في إفريقيا وتعلن أنها ضد الصين اقتصاديا وتنشىء تحالفاً عسكريا ضد الصين، وتعلن أنها ودائما تصر على بقاء الكيان الصهيوني اقوى من كل الدول العربية. وهذه امثلة وليست جرداً كاملاً للدور الأمريكي. وضمن هذا الدور إما تتقاطع أو تتحالف أو تتفق أو تؤيد أو تشارك أوروبا خاصة وبدرجة ما اليابان مع الدور الأمريكي وتكشف لاحقاً بعد كل عدوان أن للكيان دورا. ففي عام 2008 حينما قررت روسيا تأديب جورجيا كان للكيان دوره لصالح جورجيا واليوم للكيان دور لصالح اذربيجان. ومع ذلك حكامنا وأدواتهم يزعمون بأنهم حلفاء لأمريكا ويُطبعون مع الكيان، وهذا وحده اثبات انهم أعداء للأمة.
أعود لهدف هذه العُجالة، وهو الجيش اليمني.
يتضح من متابعة العدوان ضد اليمن، وصمود اليمن ووصوله إلى لحظة رد الهجوم والقيام بالهجوم المضاد، وإن تدريجيا، بأنه كان هناك في اليمن جيش يتمتع بقدرات قتالية مميزة بغض النظر عن مستوى أو تعقيد التسليح. وقد يكون هذا من مآثر نظام علي عبد الله صالح والذي طبعاً من جرائمه اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي ولاحقاً التآمر مع العدو السعودي.
ما نقصده أن الجيش اليمني تكيَّف مع حرب مختلفة ربما عن اية حرب أخرى.
فهو جيش يقاتل مع قوى غوارية/أنصار الله أي تنسيق نظامي وغواري معاً وهذا قريب من تجربة الجيش العربي السوري الذي تكيف في الميدان مع قوى غوارية ضد عصابات الإرهاب الغواري الذي خلقه الاستشراق الإرهابي. ولعل الفارق أن للجيش العربي السوري السيطرة الجوية في الميدان، وإن كانت هناك بين حين وآخر عدوانات صهيونية ضد سوريا
وإذا كانت سيطرة سلاح الطيران هي محتكرة للعدوان السعودي الإماراتي والبريطاني والأمريكي وحتى الصهيوني لكن تأثيرها على الغواريين غير حاسم أو محدود لأن انصار الله يقاتلون غوارياً من جهة، ونظراً لطبيعة اليمن من جهة ثانية، فإن تأثير الطيران على الجيش النظامي هو أقوى وأخطر أو هكذا يجب ان تكون!
ولكن مع ذلك، لم يتم تفكيك الجيش اليمني، ولم يتم فك التنسيق بين الجيش والغواريين رغم السيطرة الجوية الهائلة ورغم وصول العدوان إلى أهداف مدنية حيث لم يتمكن من القضاء على الأهداف العسكرية اي أن بنك أهدافه العسكرية إنتهى لكن الجيش يُظهر دوراً قتالياً اشد!.
لست خبيراً في كل هذا، وما قصدته فقط الإشارة إلى أن هذه الظاهرة أو التجربة تستحق الاهتمام والاحترام، وأهم من ذلك الدراسة لأن تحييد سلاح الطيران هو تطور هام كما يبدو في هذه التجربة، هذا دون أن نتحدث عن دور الصواريخ والمسيرات اليمنية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2184561

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2184561 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40