إدخال الرئيس محمود عباس المستشفى ثلاث مرات في أسبوع واحد، ثم تأجيل موعد خروجه منه، فتح “الملف الصحي” له، كما فتح الباب أمام التسريبات والتكهنات حول “الخلافة واليوم التالي” لغيابه المحتمل. في “الملف الصحي”، بدا أن المشاكل الصحية لرجل في الثالثة والثمانين لم يعد يجدي معها مجرد الإنكار، حيث أصبح “المستشفى” محطة تتكرر الحاجة إليه. أما التسريبات والتكهنات، فقد غطت كل ما يتعلق بالتعقيدات الدستورية والقانونية والسياسية الخاصة بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير والوضع الفلسطيني بعامة، وإن جاء ذلك بشكل صحفي خجول!
في الأنظمة السياسية غير الديمقراطية، يشغل “الحاكم” عدة مناصب رئيسية تختصر فيه النظام السياسي كله. وعادة لا يعين “الحاكم” في هذه الأنظمة نائبا عنه، وإن فعل يكون عبارة عن “تشريفاتي” لا يمنح أية صلاحيات حقيقية ينوب فيها عنه. وعادة فإن عدم تعيين نائب للحاكم يعني وجود “مشكلة” تتحول في لحظة ما إلى “أزمة”، ما لم تكن هناك مؤسسات فاعلة تغطي “الفراغ” الحاصل بغياب الحاكم. في “النظام السياسي الفلسطيني”، نص “الدستور” على وجود “مؤسسات دستورية” ووجدت بالفعل، لكنها كانت كلها شكلية حيث ظلت السلطة في يد “الحاكم”. بعد “أسلو” وقيام “السلطة الفلسطينية”، كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يشغل ثلاث مناصب حاسمة: رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس م.ت.ف.، ورئيس حركة (فتح)، وقد ورثها كلها الرئيس محمود عباس. لم تحدث “أزمة” كبيرة في عملية الانتقال، بسبب المرض الطويل نسبيا لعرفات والذي سمح بترتيب الأمور بين الورثة، وأهم من ذلك بسبب أن واشنطن وتل أبيب كانتا قد اختارتا عباس خلفا لعرفات عندما فرضتاه عليه باستحداث منصب خصيصا له هو منصب “رئيس مجلس الوزراء”، وذلك في خطوة كانت تتخذ لأول مرة. اليوم الوضع مختلف من كل النواحي، فالورثة كثيرون والتنافس قوي وليس بين المتنافسين من يستطيع الادعاء بأنه من “المؤسسين”، والانقسامات عميقة وكبيرة داخل البيت الفتحاوي وخارجه، وحتى واشنطن وتل أبيب لا يبدو أنه وقع اختيارهما على “خليفة”.
في ضوء ذلك تبدو “السيناريوهات” المنتظرة حول “اليوم التالي” قليلة، وأهم من ذلك ليس بينها ما يمكن أن يؤمن انتقالا سلسا، أو مفيدا يخدم مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته. فالسيناريو الدستوري، الذي ينطلق من اعتبار “المجلس الوطني” أعلى سلطة للشعب، فوض “المجلس المركزي” بصلاحياته، وإذا أنيطت به مسألة اختيار “نائب للرئيس” في حياته، أو اختيار “خليفة” له إن وقعت وفاته، يظل معتمدا في الحالة الأولى على ما يقرره الرئيس، وغير معروفة نتيجته في الحالة الثانية، مع ملاحظة أن الأغلبية فيه لحركة (فتح). وهنا يتوجب فتح قوسين وطرح سؤال حول موقع ودور عضو مركزية (فتح) المطرود محمد دحلان، وكذلك عن مواقف “المعارضة” المتمثلة في حركة (حماس) و(الجهاد الإسلامي) و(الجبهة الشعبية) من الموضوع ككل ومن الشخص المختار إذا تم.
ويبقى موقفان حاسمان إذا ظل التمسك ب(اتفاق أوسلو)، موقف واشنطن وموقف تل أبيب. بالنسبة للموقف الأميركي (وخصوصا مع وجود ترامب) لن يكون إلا التبني لما تريده تل أبيب، أو بشكل أدق التبني لما يريده نتنياهو. وفي اليمين الإسرائيلي، يقول العارفون: “في جهاز الأمن الإسرائيلي، المتوقع سماع دعوات لاستغلال الوضع لإجراء تغييرات أحادية الجانب في العلاقات مع السلطة الفلسطينية. لكن رؤساء الأذرع الأمنية يعتقدون أن العكس هو الصحيح” حفاظا على نظام “التنسيق الأمني” القائم المفيد جدا.
وباستعراض الأسماء التي يتواتر الحديث عنها، يتضح أن “اليوم التالي” لعباس سيكون أسوأ من أيام عباس. ويبدو أن “الأكثر حظا” بين الأسماء هو جبريل الرجوب الذي يرى في شخص عباس، وكما جاء في آخر تصريحاته “الأب الروحي” له! أما الأسماء الأخرى مثل محمود العالول وماجد فرج ومحمد اشتيه، فهي ربما تكون أقل سوءا من الرجوب ولكن أقل حظا في التغلب عليه. ويبقى سؤال مفتوح حول محمد دحلان !!