تعود ذكرى عيدي الاستقلال والشباب، لنقف كشباب وكهول وشيّاب، نقيمّ الحصيلة، الإنجازات، الإيجابيات والسلبيات، المكاسب والخسائر، الانتصارات والهزائم، بعيدا عن عقدة الانتقام وتصفية الحسابات، ولكن حتى لا نمن الجحر مرتين ومرات متعددة ومتكرّرة، قابلة للاستنساخ والتكرار والتكرير، في زمن لا مجال فيه للخطأ!
59 سنة هي فترة كافية، لنجلس مع بعضنا البعض، من أجل تقييم الحصائل، وانتقاد الذات بكلّ موضوعية وحيادية، في مختلف المجالات، بعيدا عن تغطية الشمس بالغربال، وبعيدا عن فبركة اليأس وتكسير كلّ جميل، وتسويد كلّ أبيض، وهي فرصة ذهبية ليجلس الجيل الأول من السابقين مع الأجيال المتعاقبة من اللاحقين، بلا عقدة ولا عداوة ولا تتفيه أو انتقاص!
عندما كنا صغارا، كانت أفلام "العفيون والعصا"، و"أبناء القصبة" و"معركة الجزائر" و"دورية نحو الشرق" و"الشيخ بوعمامة"، وغيرها من الروائع الخالدة، تستقطبنا وتبكينا وتسعدنا في نفس الوقت، وإلى اليوم نتفرّج عليها باهتمام وحماس منقطعي النظير، لأنها أعمال مستنسخة من واقع لا يُنسى بالنسبة لكلّ الجزائريين، سواء الذي عايشوا الثورة التحريرية أو أبناء الاستقلال.
هل مازال الجيل الجديد يا تـُرى مهتما اليوم بكلّ ما هو ثوري وتاريخي؟ أم تجده غرق في "الواي واي" وأفلام الخيال والإثارة والرعب والأكشن، هذه السلعة المستوردة، أو هذا "الاستعمار الجديد" الذي نسي البعض ما يجب الاهتمام والانشغال به، من أجل الاستفادة من الدروس وتكريم الأوّلين وتخليد الشهداء الأبرار والمقاومين الأحرار؟
لا يُمكن للأوّلين أن ينسوا أو يتناسوا كلمات ليست كالكلمات، لا تموت ولا تُمحى، من شاكلة "يا علي موت واقف"، هذه "القنبلة" التي قصفت المستعمر وأخجلته من جرائمه وعرّته أمام الرأي العام الدولي وأكسبت القضية الجزائرية آنذاك المزيد من التضامن والتأييد والتعاون، فكان النصر حتما مقضيا، وخاب المستعمر وحلفاءه من الدول و"الحركى"!
استبدال الاستعمار بـمخطط "استحمار" الشعوب و"المستعمرات القديمة"، لم يعد خافيا أو مخفيا، ولذلك فإنه يأخذ الكثير من أشكال التخفـّي والتمويه والاحتيال، تارة بالخدع السينمائية، وتارة أخرى بنهب الخيرات واستهداف الاستقرار السياسي والاقتصادي للدول، وأحيانا بالتآمر والضغط والمساومة والابتزاز واستغلال تقارير مغلوطة ومصطنعة لجني مزيد من الغلة المسمومة!
هو الخامس جويلية، يعود، ليعود "قسما" و"من جبالنا" و"الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا"، ويتجدّد أيضا العهد بين الشعب وجيشه، وبين أبناء الوطن الواحد، وبين الأحياء والشهداء الذين ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون.