الثلاثاء 22 حزيران (يونيو) 2010

زيارة لم يكن يحتاجها القطاع المحاصر

الثلاثاء 22 حزيران (يونيو) 2010 par د. عمر الحسن

بعد ثلاثة أعوام من تجاهل قطاع غزة عانى خلالها كارثة إنسانية لم تشهدها أي بقعة أخرى في العالم من قبل، لدرجة دفعت ائتلافًا مكونًا من ثماني منظمات حقوقية بريطانية في 6/3/2008 إلى وصفها في تقرير له بأنها “عقاب جماعي غير شرعي”، قام أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى بزيارة القطاع.

ولأنها الأولى من نوعها حظيت باهتمام العديد من الدوائر السياسية والإعلامية والفكرية العربية، التي علقت عليها بأنها جاءت متأخرة جداً، وبأنها قد تكون استجابة لضغوط خارجية، للتخفيف من حدة الانتقادات الدولية الحكومية والشعبية التي تتعرض لها “إسرائيل” على خلفية اعتدائها الإجرامي على قافلة الحرية.

بعيداً عن هذا الجدل، فالسؤال الأهم هو: لماذا تأخر الأمين العام حتى هذا الوقت؟ ولماذا لم يسبق أمين عام الأمم المتحدة الذي زار غزة مرتين ولديه من المشاغل الداخلية والخارجية الأممية ما يفوق عشرات المرات مشاغل عمرو موسى، الذي لا يترك مؤتمراً أو ندوة أو حتى احتفالاً في أوروبا أو أمريكا إلا وحضره، مع أن لديه الكثير من المشاغل والمشكلات العربية تمنعه من ذلك/ حتى إنه أصبح مشاركاً رئيسياً في مؤتمرات ولقاءات دولية جنباً إلى جنب مع مسؤولين “إسرائيليين” كبار، مثل منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، والتي دائماً ما تشهد نشاطات “إسرائيلية” لا تخدم قضية الصراع مع “إسرائيل”، ورغم ذلك، وللغرابة، فإن من يتصدى لتلك النشاطات والمحاولات مدافعاً عن الموقف العربي يكون في الغالب من غير العرب، والمثال الأبرز هنا هو موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وانتقاده الرئيس “الإسرائيلي” شيمون بيريز في ندوة تلفزيونية مشتركة معه في منتدى دافوس، حين حاول تبرير الهجوم على غزة، على عكس عمرو موسى الذي شارك في الندوة أيضاً وكان موقفه مستغرباً.

وفي محاولة الإجابة عن هذا التساؤل، سنجد أن الإعلان عن الزيارة جاء بعد أن قام 47 عضواً من الاتحاد البرلماني العربي بزيارة غزة، وكذلك جاء بعد التعاطف الدولي الواسع مع الفلسطينيين إثر الهجوم “الإسرائيلي” على “أسطول الحرية”، وصدور إعلانات دولية عن قوافل جديدة وعديدة بفك الحصار، آخرها قرار طهران إرسال ثلاث سفن محملة بمساعدات إنسانية إلى القطاع.

وهو الأمر الذي يشير في جانب منه إلى أن تحرك العرب ربما يعود إلى شعورهم بالخجل، حيث لم يقم أي منهم بزيارة القطاع منذ محاصرته لإبداء تضامنه، واقتصرت مواقفهم على الشجب والإدانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهو ما يؤكد كذلك أن زيارة موسى، وحتى زيارة وفد الاتحاد البرلماني العربي قد لا تضيف شيئاً في مساعدة أهل غزة أو رفع الحصار عنهم.

والدليل على صحة ذلك، فضلاً عما سبق، يتجسد في وجود العديد من القرارات العربية، سواء تلك الصادرة عن القمم العربية العادية أو الاستثنائية، أو عن الاجتماعات الرسمية لوزراء الخارجية العرب، بخصوص معالجة الأوضاع في قطاع غزة، وإعادة إعماره بعد الدمار الذي تسبب فيه العدوان والحصار “الإسرائيلي”، وكذلك المطالبة بفك الحصار الجائر المفروض عليه. فقمة الكويت الاقتصادية في يناير/كانون الثاني 2009، وما شهدته من اتفاق عربي على المساعدة في إعمار غزة، بإعلان السعودية تبرعها بمبلغ مليار دولار، والكويت بمبلغ 500 مليون دولار للغرض ذاته، وكذلك قمة الدوحة الاستثنائية في ذات الشهر بقرارها إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة، تقدر الأموال العربية التي رصدت بشأنه بمليار وخمسمائة وخمسين مليون دولار، فضلاً عن مطالبة قمة سرت العربية في 29/3/2010 برفع الحصار “الإسرائيلي” عن قطاع غزة فوراً، ناهيك عن قرار وزراء الخارجية العرب بكسر الحصار “الإسرائيلي” على القطاع والتضامن مع الشعب الفلسطيني، في أعقاب الاعتداء على أسطول الحرية. كل تلك القرارات تنطوي على منح الأمانة العامة للجامعة الضوء الأخضر لوضع الآليات الكفيلة بتنفيذها وصرف الأموال المخصصة لإعادة الإعمار، من دون انتظار الحصول على موافقة أي طرف خارجي بهذا الشأن. وبالتالي، لم يكن هناك ما يمنع عربياً من القيام بالزيارة في ظل القرارات المذكورة آنفاً، والتي كان من المفترض أن تشكل في حد ذاتها دافعاً قوياً للأمين العام لزيارة القطاع، وإيجاد آلية مقبولة وبعيداً عن السلطة الوطنية و”حماس” لصرف المبالغ المخصصة لإعادة إعمار غزة ومساعدة أهلها.

بعيداً عن هذا وذاك، فإن الأمر الذي يرثى له حقاً، هو أن مثل هذه الزيارات الرسمية العربية، على ندرتها، تتناقض مع كون الجانب العربي هو المعني أكثر من غيره بما يحدث على أراضي القطاع من حصار وانتهاكات واعتداءات “إسرائيلية”، إذ كان بإمكان الأمين العام للجامعة والبرلمان العربي القيام بمثل هذه الزيارات قبل قيام مسؤولين دوليين بها، والذين كانوا هم الأسبق في إبداء الاهتمام بمعاناة أهل غزة، خاصة منذ انتهاء عملية “الرصاص المصبوب” ضد القطاع 2008/2009، رغم العراقيل التي كانت تضعها تل أبيب أمامهم لمنعهم من القيام بزياراتهم تلك.

فالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون زارها مرتين، الأولى في 20/1/2009، والثانية في 21/3/2010، وتوني بلير ممثل اللجنة الرباعية الدولية في 1/3/2009، وخافيير سولانا المسؤول السابق عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في أواخر فبراير/شباط 2009، وكذلك خليفته كاثرين آشتون في 18 مارس/آذار 2010، ناهيك عن وزير الخارجية الايرلندي مايكل مارتن في بداية الشهر ذاته، ومن غير الرسميين جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة ومعه الأسقف الجنوب إفريقي ديزموند توتو في 27/8/2009، إلى جانب العديد من القوافل الأجنبية الإنسانية والحقوقية والشعبية، وآخرها قافلة الحرية التي حركت المياه الراكدة نحو غزة، ولذا هاجمتها قوات الغدر “الإسرائيلية” بوحشية، لإدراكها- وأقصد هنا “إسرائيل” - ما تنطوي عليه مثل هذه الزيارات والقوافل الإنسانية من معان لا تنحصر في التضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر هناك فحسب، وإنما تعزز من موقع حكومة “حماس” التي جاءت بانتخابات شهد الجميع بنزاهتها، ولهذا لم تتورع عن استخدام القوة كما فعلت في السابق عندما دهست راشيل كوري الأمريكية الجنسية، وهي واحدة من أعضاء حركة التضامن الدولية المؤيدة للفلسطينيين بجرافة “إسرائيلية” في 16 مارس/آذار 2003، عندما كانت تتصدى لهدم منازل بمدينة رفح جنوب قطاع غزة.

ما يدعو للأسف، بل وللحسرة هو أنه بعدما تحرك العالم بمؤسساته الرسمية والشعبية مطالباً برفع الحصار عن أهالي غزة، وبدلاً من أن يتضامن العرب مع هذه المواقف ويؤازروها ويتم البناء عليها، إذا ببعضهم من أصحاب المصالح و”المطبلين” للأنظمة العربية التي أثبتت فشلها في إدارة محنة غزة، يشككون في موقف القيادة التركية، التي اتخذت من مواقف التضامن مع محنة غزة ما عجز عن اتخاذه العرب.

وأخيرًا، فإنه إذا كانت زيارة عمرو موسى جاءت متأخرة جداً عن وقتها، وإنه كان يجب القيام بها قبل وبعد العدوان على قطاع غزة، الذي كان ومازال يئن تحت وطأة الحصار “الإسرائيلي”، حيث لا يوجد ماء ولا دواء ولا غذاء، رغم ما ذهب إليه بعض الفلسطينيين من أنها زيارة “تاريخية ومهمة”، وتعني كسر الحصار “الإسرائيلي” عن غزة، فالواضح أنها كانت فقط زيارة إسقاط واجب، ودعاية إعلامية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 98 / 2182243

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

2182243 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40